الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وانسياق النفس إليها كما ذكره "أبو السعود"؛ أي: إن الذين آمنوا بما يجب الإيمان به، ولم يغفلوا عن الآيات التي غفل عنها الغافلون، ورجوا لقاء ربهم، وخافوا حسابه وعقابه يهديهم ربهم بسبب إيمانهم إلى صراطه المستقيم في كل ما يعملون، وينتهي بهم ذلك إلى دخول الجنة التي أعدها لعباده المخبتين، وفي هذا إيماء إلى أن الإيمان والعمل الصالح هما سبب الهداية والفوز برفيع الدرجات والوصول إلى أقصى الغايات.
وقوله: {تجري} وتسيل {مِنْ تَحْتِهِمُ} ؛ أي: من تحت قصورهم وأشجارهم {الْأَنْهَار} الأربعة الماء واللبن والخمر والعسل، جملة مستأنفة أو خبر ثانٍ؛ لأن، أو: حال من مفعول يهديهم. وقوله: {فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} خبر آخر، أو حال أخرى من الأنهار أو متعلق بتجري؛ أي: إنهم يكونون جالسين على سرر مرفوعة في البساتين والأنهار التي تجري من بين أيديهم.
10
- {دَعْوَاهُمْ} ؛ أي: دعاؤهم ونداؤهم {فِيهَا} ؛ أي: في الجنة {سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} ؛ أي: نسبحك يا الله تسبيحًا، ونقدسك تقديسًا من كل النقائص {وَتَحِيَّتُهُمْ}؛ أي: تحية بعضهم لبعض {فِيهَا} ؛ أي: في الجنة؛ أي: أو تحية الله، أو الملائكة لهم فيها {سَلَامٌ}؛ أي: قول سلام عليكم، الدال على السلامة من كل مكروه، وهي تحية المؤمنين في الدنيا {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ}؛ أي: وخاتمة دعائهم وثنائهم الذي هو التسبيح {أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ؛ أي: أن يقولوا الحمد لله رب العالمين؛ أي: خاتمة تسبيحهم في كل مجلس، أن يقولوا: الحمد لله رب العالمين لا أن معناه: انقطاعه؛ أي: الحمد، فإن أقوال أهل الجنة وأحوالها لا آخر لها، اهـ "كرخي".
أي (1): أن أهل الجنة لما عاينوا ما هم فيه من السلامة عن الآفات، والمخافات، علموا أن كل هذه الأحوال السنية إنما كانت بإحسان الله تعالى عليهم، فاشتغلوا بالثناء على الله تعالى، فقالوا الحمد لله رب العالمين وإنما وقع
(1) المراح.
الختم على الحمد؛ لأن الاشتغال بشكر النعمة متأخر عن رؤية تلك النعمة. والمعنى: أنهم إذا دخلوا الجنة وعاينوا عظمة الله، ووجدوا فيها النعم العظيمة، وعرفوا أنه تعالى كان صادقًا في وعده إياهم بتلك النعم، مجدوه تعالى، ونعتوه بنعوت الجلال، فقالوا سبحانك اللهم؛ أي: نسبحك عن الخلف في الوعد، والكذب في القول، وعما لا يليق بحضرتك العلية، ولما حياهم الله والملائكة بالسلامة عن الآفات، وبالفوز بأنواع الكرامات .. أثنوا عليه تعالى بصفات الإكرام. وهذه (1) التحية تكون منه عز وجل حين لقائه، كما قال الذي سورة الأحزاب:{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} ومن الملائكة لهم عند دخول الجنة كما قال: {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} وتكون منهم بعضهم لبعض كما قال: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا} .
وإن آخر كل حال من أحوالهم من دعاء يناجون به ربهم، ومطلب يطلبونه من إحسانه وكرمه {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} كما أنه أول ثناء عليه، حين دخولها كما قال:{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} كما أنه آخر كلام الملائكة كما قال: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
فعلى كل مؤمن أن يستعد لها بتزكية نفسه، وترقية روحه، ويعلم أنه لن يكون أهلًا لها إلا بالعمل، ومجاهدة النفس والهوى، كما قال تعالى:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)} .
وقال أهل (2) التفسير: كلمة {سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} علامة بين أهل الجنة والخدم
(1) المراغي.
(2)
الخازن.
في الطعام، فإذا أرادوا الطعام قالوا: سبحانك اللهم، فيأتونهم في الوقت، بما يشتهون على الموائد، كل مائدة: ميل في ميل على كل مائدة: سبعون ألف صحيفة، في كل صحيفة: لون من الطعام، لا يشبه بعضها بعضًا، فإذا فرغوا من الطعام، حمدوا الله عز وجل على ما أعطاهم، فذلك قوله تعالى:{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
وقيل: إن المراد بقوله: {سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} اشتغال أهل الجنة بالتسبيح والتحميد، والتقديس لله عز وجل، والثناء عليه بما هو أهله، وفي هذا الذكر والتحميد سرورهم، وابتهاجهم، وكمال لذتهم، ويدل عليه ما روي عن جابر قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول:"أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يشغلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون"، قالوا: فما بال الطعام؟ قال: "جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد، كما يلهمون النفس" وفي رواية "التسبيح والحمد" أخرجه مسلم. قوله: جشاء؛ أي: يخرج ذلك الطعام جشاء وعرقًا.
وقال الزجاج: أعلم الله أن أهل الجنة يبتدئون بتعظيم الله وتنزيهه، ويختمون بشكره والثناء عليه، انتهى. وقرأ (1) عكرمة، ومجاهد وقتادة وابن يعمر وبلال بن أبي بردة وأبو مجلز وأبو حيوة وابن محيصن، ويعقوب:{إن الحمد لله} بالتشديد ونصب الحمد. قال ابن جني: ودلت قراءة الجمهور بالتخفيف ورفع الحمد على أن {أن} هي المخففة كقول الأعشى:
فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوْفِ الْهِنْدِ قَدْ عَلِمُوْا
…
إِن هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحَفَى وَينْتَعِلُ
يريد إنه هالك، فإذا خففت لم تعمل في غير ضمير شأن محذوف.
ونزل لما استعجل المشركون رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالعذاب الذي أنذرهم نزوله بهم، كما حكى الله عنهم في نحو قوله:{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} وقوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ
(1) البحر المحيط.