المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فرصة الغفلة عنهم، فكلما لمح أحد منهم غفلة عنه انصرف - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٢

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: فرصة الغفلة عنهم، فكلما لمح أحد منهم غفلة عنه انصرف

فرصة الغفلة عنهم، فكلما لمح أحد منهم غفلة عنه انصرف {صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} عن الإِيمان وعن استماع القرآن {بـ} سبب {أنهم قوم لا يفقهون} ولا يفهمون ما يسمعون من الآيات لسوء فهمهم وعدم تدبرهم؛ أي: صرف الله قلوبهم عن الإيمان الصادق، والاسترشاد بآيات كتابه، إلى ما في ملكوت السموات والأرض، من دلائل قدرته، وهذه الجملة إما إخبار بذلك، أو دعاء عليهم به، والمآل في هذه واحد في كلامه تعالى.

{بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} ؛ أي: ذلك الصرف بسبب أنهم قوم فقدوا فهم الحقائق، وما يترتب عليها من الأعمال، فلا يفقهون ما يسمعون من الآيات لعدم تدبرها والتأمل في معانيها، مع موافقتها للعقل وهدايتها إلى الحق والعدل؛ لأنهم وطنوا أنفسهم على الإعراض عن كل ما جاء به، من غير بحث ولا تأمل، أحق هو أم باطل، أخير هو أم شر، وأنى لمثل هؤلاء، وتلك حالهم أن يهتدوا بنزول الآيات والسور؛ وعزتي وجلالي

‌128

- {لَقَدْ جَاءَكُمْ} وبعث إليكم يا معشر العرب، {رسولٌ} عظيم الشأن {مِنْ أَنْفُسِكُمْ}؛ أي: من جنسكم بشر عربي قرشي مثلكم. وقرىء (1): بفتح الفاء؛ أي: من أشرفكم وأفضلكم. قيل: هذه قرءاة فاطمة وعائشة رضي الله عنهما.

وإلى (2) كون هذه الآية خطابًا للعرب، ذهب جمهور المفسرين؛ وقال الزجاج: هي خطاب لجميع العالم، والمعنى، لقد جاءكم {رَسُولٌ مِنْ} جنسكم في البشرية، إذ لو كان من الملائكة لضعفت قوى البشر عن سماع كلامه، والأخذ عنه.

وحاصل المعنى على القول الأول: أي (3) لقد جاءكم يا معشر العرب رسول من جنسكم ونسبكم، والآية بمعنى قوله:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} .

(1) المراح.

(2)

الشوكاني.

(3)

المراغي.

ص: 109

ذاك أن منته على قومه أعظم وحجته بكتابه أنهض، وأولى قومه به قبيلته قريش ثم عشيرته الأقربين، بنو هاشم وبنو المطلب، ولو لم يؤمن به وبكتابه العرب لما آمن العجم، وقد وجه دعوة إلى الأقرب فالأقرب، فآمن العرب بدعوته مباشرة، وآمن العجم بدعوة العرب، والعرب آمنوا بفهم القرآن وبيانه، صلى الله عليه وسلم له، بالتبليغ والعمل، وبما شاهدوا من آيات الله في شخصه، وقد امتن عليه (1) وعلى قومه بالقرآن المجيد فقال:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} ؛ أي: وإنه لشرف لك ولهم، تُذْكَرُون به في العالم، ويدون لكم في بطون الكتب والدفاتر وإنما قاومه أكابر قومه أنفةً واستكبارًا عن اتباعه، إذ هم يرونه دونهم، إلَّا أنَّ في اتباعه إقرارًا بكفرهم وكفر أبائهم الذين يفاخرون بهم، إلا أنهم لم يكونوا على ثقة من فوزه ونيلهم باتِّباعه مجد الدنيا وسعادة الآخرة. {عَزِيزٌ}؛ أي: شاق شديد، {عَلَيْهِ}؛ أي: على هذا الرسول الكريم، {مَا عَنِتُّمْ}؛ أي: ما أثمتم وأذنبتم فهو يخاف عليكم الوقوع في العذاب، لكونه من جنسكم ومبعوثًا لهدايتكم، والعنت التعب لهم، والمشقة عليهم بعذاب الدنيا بالسيف ونحوه، أو بعذاب الآخرة في النار أو بمجموعهما. والظاهر (2)، أن ما مصدرية، في موضع الفاعل بعزيز، أي: يعز عليه عنتكم ومشقتكم، كما قال الشاعر:

يَسُرُّ الْمَرْءَ مَا ذَهَبَ اللَّيَالي

وَكَانَ ذَهَابُهُنَّ لَهُ ذَهَابَا

أي: يسر المرء ذهابُ الليالي؛ أي: شديدٌ عليه عنتكم ولقاؤكم المكروه؛ لأنه منكم، فليس من الهين عليه أن تكونوا في الدنيا أمة ذليلة يعنتها أعداؤها بالسيطرة عليها، والتحكم فيها، ولا أن تكونوا في الآخرة من أصحاب النار التي وقودها الناس والحجارة.

{حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} ؛ أي: حريص على اهتدائكم وصلاح شأنكم، كما قال تعالى:{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} ؛ أي: شديد الحرص والرغبة في اهتدائكم، وإيصال الخيرات إليكم في الدنيا والآخرة، أو حريصٌ

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

ص: 110