المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الكفر والنفاق، وجميع الرذائل، وهداه إلى الحق والفضائل .. موجهات - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٢

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: الكفر والنفاق، وجميع الرذائل، وهداه إلى الحق والفضائل .. موجهات

الكفر والنفاق، وجميع الرذائل، وهداه إلى الحق والفضائل .. موجهات إلى أمة الدعوة، وهم جميع الناس، والمؤمنون قد اختصوا بما تثمره هذه الصفات الثلاث، من الرحمة؛ لأنهم هم الذين ينتفعون بها،

‌58

- ثم أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ المؤمنين، بأنه يحق لهم أن يفرحوا بفضل الله عليهم بنعمة الإيمان، وبالرحمة الخاصة بهم، الجامعة لكل ما ذكر قبلها من مقاصد الشريعة فقال:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ} والباء (1) في {بِفَضْلِ اللَّهِ} متعلقة بمحذوف، استغنى عن ذكره، لدلالة ما تقدم عليه وهو قوله:{قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} ، والفضل هنا بمعنى: الإفضال، ويكون معنى الآية على هذا: يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم، وشفاء لما في الصدور، وهو القرآن، بإفضال الله عليكم وإحسانه لكم، ورحمته بكم وإرادته الخير لكم {فَبِذَلِكَ} الفضل والرحمة {فَلْيَفْرَحُوا} لا بما جمعوا من حطام الدنيا، وقيل: الباء في {بِفَضْلِ اللَّهِ} متعلقة بفعل يفسره قوله: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} والتقدير: بفضل الله وبرحمته فليفرحوا فبذلك فليفرحوا، والتكرير للتأكيد والتقرير وإيجاب اختصاص الفضل، والرحمة بالفرح دونما عداهما من فوائد الدنيا.

قال الواحدي: الفاء في قوله تعالى: {فَلْيَفْرَحُوا} زائدة، كقول الشاعر:

فَإِذا هَلَكْتُ فَعِنْدَ ذَلِكَ فَاجْزَعِيْ

فالفاء في قوله: فاجزعي زائدة. وقيل: الفاء داخلة لمعنى الشرط، كأنه قيل: إن فرحوا بشيء .. فليخصوهما بالفرح، فإنه لا مفروح به أحق منهما. والفرح: لذة في القلب بإدراك المحبوب والمشتهي، يقال: فرحت بكذا، إذا أدركت المأمول، ولذلك أكثر ما يستعمل الفرح في اللذات البدنية الدنيوية، واستعمل هنا، فيما يرغب فيه من الخيرات.

ومعنى الآية: ليفرح المؤمنون بفضل الله وبرحمته؛ أي: بما آتاهم الله من المواعظ وشفاء الصدور وثلج اليقين بالإيمان وسكون النفس إليه، ذكره الخازن.

أي: قل (2) لهم ليفرحوا بفضل الله وبرحمته؛ أي: إن كان شيء في الدنيا

(1) الخازن.

(2)

المراغي.

ص: 282

يستحق أن يفرح به .. فهو فضل الله ورحمته. روى ابن مردويه وأبو الشيخ، عن أنس مرفوعًا:"فضل الله القرآن، ورحمته أن جعلكم من أهله". وعن الحسن والضحاك وقتادة ومجاهد: فضل الله الإيمان ورحمته القرآن.

{هُوَ} ؛ أي: المذكور من فضل الله ورحمته {خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} من الدنيا؛ لأن الآخرة أبقى؛ أي: أن الفرح بهما أفضل وأنفع من الفرح بما يجمعونه من الذهب والفضة والأنعام والحرث والخيل المسومة وسائر خيرات الدنيا؛ لأنه هو سبب السعادة في الدارين، وتلك سبب السعادة في الدنيا الزائلة فحسب، فقد نال المسلمون في العصور الأولى بسببه الملك الواسع، والمال الكثير، مع الصلاح والإصلاح مما لم يتسن لغيرهم من قبل، ولا من بعد. وبعد أن جعلوا ديدنهم جمع المال ومتاع الدنيا، ووجهوا همتهم إليه وتركوا هداية القرآن في إنفاقه والشكر عليه، ذهبت دنياهم من أيديهم إلى أيدي أعدائهم.

فإن قلت: الأمر بالفرح في قوله: {فَلْيَفْرَحُوا} ينافي النهي عنه في قوله: {لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} .

قلت: لا منافاة بينهما، لاختلاف المتعلق، فالمأمور به هنا الفرح بفضل الله وبرحمته، والمنهي هناك، الفرح بجمع الأموال لرئاسة الدنيا وإرادة العلو بها والفساد والأشر، ولذلك جاء بعده {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} وقبله {إنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ} .

وقرأ (1) السبعة والجمهور: {فَلْيَفْرَحُوا} بالياء التحتية أمرًا للغائب. وقرأ يعقوب من العشرة، وأبي ويزيد بن القعقاع والأعمش وعمرو بن فائد وكثير من السلف:{فلتفرحوا} بالتاء الفوقية خطابًا لأصحاب محمَّد، والمعنى على هذا فلتفرحوا بذلك يا أصحاب محمَّد، هو خير مما يجمع الكفار. وفي مصحف أبي {فبذلك فافرحوا} وهذه هي اللغة الكثيرة الشهيرة في أمر المخاطب، وأما فليفرحوا بالياء، هي لغة قليلة. وقرأ أبو التياح والحسن. {فليفرحوا} بكسر

(1) البحر المحيط والشوكاني.

ص: 283