المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أبي سعيد وطلحة ويعقوب: {والأنصار} برفع الراء، عطفًا على والسابقون. - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٢

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: أبي سعيد وطلحة ويعقوب: {والأنصار} برفع الراء، عطفًا على والسابقون.

أبي سعيد وطلحة ويعقوب: {والأنصار} برفع الراء، عطفًا على والسابقون. فيكون الأنصار جميعهم، مندرجين في هذا اللفظ، وعلى قراءة الجمهورة: وهي الجر، يكونون قسمين: سابق أول، وغير أول، ويكون المخبر عنهم بالرضا، سابقيهم.

وقرأ ابن كثير: {من تحتها} بإثبات من الجارّة، وهي ثابتة في مصاحف مكة، وباقي السبعة، بإسقاطها على ما رسم في مصاحفهم. وعن عمر بن الخطاب، أنه كان يرى {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} بغير واو صفة للأنصار، حتى قال له زيد بن ثابت: إنها بالواو، فقال: ائتوني بأُبَيّ، فقال: تصديق ذلك في كتاب الله، في أول الجمعة، {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} وأوسط الحشر، {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} وآخر الأنفال، {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ} . وروي أنه سمع رجلًا يقرؤه بالواو، فقال: من أقرأك، فقال: أبي، فدعاه، فقال: أقرأنيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ومن ثم قال عمر: لقد كنت أرانا وُفِّقْنَا وقْعة لا يبْلُغُها أحدٌ بعدنا.

‌101

- وبعد أن بين الله سبحانه وتعالى، كمال إيمان تلك الطبقات الثلاث، ورضاه عنهم، بين حال منافقي أهل المدينة ومن حولها، فقال:{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ} أيها المؤمنون، وهو خبر مقدم؛ أي: وممن حول بلدتكم؛ يعني المدينة، أي: وممن هم نازلون حول المدينة وخارجها، قريبًا منكم حال كونهم {مِنَ الْأَعْرَابِ}؛ أي: من سكان البوادي أقوام {مُنَافِقُونَ} ؛ أي: مبطنون بالكفر، مظهرون بالإِسلام. قال البغوي والواحدي: هم من قبائل جهينة ومُزِينة وأشجع وأسلم وغفار، نازلون حول المدينة، وأشعر بقوله:{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ} حيث عبر بمن التبعيضية، أن فيهم مؤمنين صادقين، دعا لهم النبي، صلى الله عليه وسلم، ومدحهم. فقد روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأشجع وغفار، موالي الله تعالى ورسوله لا موالي لهم غيره". وعنه أيضًا: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها، أما إني لم أقلها، لكن قالها الله تعالى".

ص: 22

{وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ} من الأوس والخزرج؛ أي: وممن هم نازلون في جوف المدينة، وداخلها أقوام {مَرَدُوا}؛ أي: ثبتوا واستمروا ومرنوا {عَلَى النِّفَاقِ} ولجوا فيه وأبوا غيره. وقال ابن زيد: أقاموا عليه، ولم يتوبوا منه كعبد الله بن أبي، وأصحابه، ثبتوا على النفاق، ولم يتوبوا منه؛ أي: وكذلك من أهل المدينة نفسها، ناس منافقون من الأوس والخزرج، سوى من أعلم الله رسوله بهم، في هذه السورة، بما صدر منهم، من أقوال وأفعال تنافي الإيمان. هؤلاء الذين كانوا حول المدينة، وهؤلاء الذين كانوا من أهل المدينة، مرنوا على النفاق وحذقوه، حتى بلغوا الغاية في إتقانه، فلا يشعر أحد نفاقهم، إذ هم يتقون جميع الإمارات، والشبه التي تدل عليه. وجملة قوله:{لَا تَعْلَمُهُمْ} ؛ أي: لا تعلم، أنت يا محمَّد، نفاقهم بفطنتك، ودقيق فراستك، لحذقهم في التقية، وتباعدهم عن مثار الشبهات مبينة للجملة الأولى وهي {مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ}؛ أي: ثبتوا عليه ثبوتًا شديدًا ومهروا فيه، حتى خفي أمرهم عليك يا محمَّد، فكيف سائر المؤمنين، والمراد عدم علمه، صلى الله عليه وسلم بأعيانهم، لا من حيث الجملة، فإنّ للنفاق دلائل لا تخفى عليه صلى الله عليه وسلم، وجملة قوله:{نحن نعلمهم} بأعيانهم لأنه لا تخفى علينا خافية وإن دقت .. مقررة لما قبلها، لما فيها من الدلالة على مهارتهم في النفاق، ورسوخهم فيه، على وجه يختفي على البشر، ولا يظهر لغير الله سبحانه، لعلمه بما يخفى، وما تجنه الضمائر وتنطوي عليه السرائر.

وهؤلاء أخفى نفاقًا ممن قال الله فيهم: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} . وهؤلاء لم يعلمه الله بأعيانهم، ولا فضحهم بأقوال قالوها، ولا بأفعال فعلوها، كما فضح غيرهم، في هذه السورة؛ لأنهم يتحامون ما يكون شبهة في إيمانهم، وضررهم مقصور عليهم، لا يعدوهم إلى سواهم.

والحكمة في إخبارنا بحالهم، أن يعلموا هم أنفسهم أن الله عليم بما يسرون من نفاقهم، ويحذروا أن يفضحهم الله، كما فضح غيرهم، وليتوب منهم، من يتوب قبل أن يحل بهم ما أوعدهم به ربهم بقوله:{سَنُعَذِّبُهُمْ} ؛ أي: سنعذب هؤلاء المنافقين في الحياة الدنيا {مَرَّتَيْنِ} أولاهما: ما يصيبهم به من

ص: 23