الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رجاء، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يوجه إلى الكعبة، فأنزل الله عز وجل: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} فتوجه نحو الكعبة، وقال السفهاء من الناس وهم اليهود: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رجل، ثم خرج بعدما صلى، فمر على قوم من الأنصار في صلاة العصر نحو بيت المقدس، فقال هو: يشهد أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه توجه نحو الكعبة، فتحرف القوم نحو الكعبة).
وأخرج هذا الحديث أيضًا الترمذي، وابن ماجه، والإمام أحمد، والدارقطني، وابن أبي حاتم كما في "تفسير ابن كثير"، وابن سعد في "الطبقات"، وعندهما زيادة:(وقال السفهاء من الناس: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟) فأنزل الله: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} . وأخرجه مسلم أيضًا من حديث أنس.
التفسير وأوجه القراءة
142
- {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} ؛ أي: الجهال الذين خفت أحلامهم، وضعفت عقولهم {مِنَ النَّاسِ}؛ أي: من اليهود والمشركين والمنافقين و {السُّفَهَاءُ} : جمع سفيه، والسفيه (1): من لا يميز ما له وما عليه، ويعدل عن طريق منافعه إلى ما يضره. ولا شك أن الخطأ في باب الدين أعظم مضرة منه في باب الدنيا، فيكون الكافر أولى بهذا الاسم، فلا كافر إلا وهو سفيه. وقيده (2) بالناس؛ لأن السفه كما يوصف به الناس يوصف به غيرهم من الحيوان والجماد، وكما ينسب القول إليهم حقيقة ينسب إلى غيرهم مجازًا، فرفع المجاز بقوله:{مِنَ النَّاسِ} ذكره ابن عطيه وغيره.
(1) جمل.
(2)
سمين.
وأتى (1) بسين الاستقبال في {سَيَقُولُ} مع مضي القول المذكور؛ لاستمرارهم عليه؛ بناءً على أن الآية متقدمة في تركيب المصحف متأخرة في النزول عن آية {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} كما ذكره ابن عباس وغيره. فمعنى {سَيَقُولُ} : أنهم يستمرون على هذا القول إن كانوا قد قالوه. وحكمة الاستقبال أنهم كما قالوا ذلك في الماضي منهم أيضًا من يقوله في المستقبل. وقال البيضاوي كالسيوطي تبعًا لما في "الكشاف". والإتيان (2) بالسين الدالة على الاستقبال من الإخبار بالغيب هو ما عليه أكثر المفسرين.
وفائدة تقدم الإخبار به - أي: على المخبر عنه - توطين النفس، وإعداد الجواب. وقيل: فائدته أن مفاجأة المكروه أشد، والعلم به قبل وقوعه أبعد عن الاضطراب إذا وقع، وإعداد الجواب قبل الحاجة إليه أقطع للخصم، فقبل الرمي يراش السهم.
{مَا وَلَّاهُمْ} ؛ أي: أيُّ شيءٍ صرفَ النبي والمؤمنين وحوَّلَهم إلى الكعبة {عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} أولًا وهي بيت المقدس. والقِبْلة: هي الجهة التي يستقبلها الإنسان، وإنما سميت قِبْلةً؛ لأن المصلي يقابلها وهي تقابله. والاستفهام هنا للإنكار؛ أي: أيُّ شيء، وأيُّ سبب اقتضى انصرافهم عن قبلتهم التي كانوا عليها التي هي قبلة الأنبياء والمرسلين؛ أي: لا سبب يقتضي ذلك، وإنما هو من تشهيهم وتصرفهم برأيهم. ومحصل الجواب المذكور بقوله:{قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} إلخ بيان السب المقتضي لذلك، وهو: إرادة المالك المختار.
{قُلْ} لهم يا محمد: {لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} ؛ أي: جميع الجهات من المشارق، والمغارب، وما بينهما كلها لله ملكًا، والخلق عبيده. لا يختص به مكان دون مكان، وإنما العبرة بامتثال أمره، لا بخصوص المكان، يكلف عباده أن يستقبلوا بما شاء منها، وأن تجعل قبلة لهم، فلا اعتراض عليه. {يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} هدايته {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي: إلى طريق قويم، موصل إلى سعادة
(1) جمل.
(2)
جمل.