المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

رحلي الليلة، فلم يزد عليه شيئًا، فأنزل الله هذه الآية: - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: رحلي الليلة، فلم يزد عليه شيئًا، فأنزل الله هذه الآية:

رحلي الليلة، فلم يزد عليه شيئًا، فأنزل الله هذه الآية: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ

} أقبل وأدبر، واتق الدبر والحيضة.

قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ

} الآية، أخرج ابن جرير من طريق ابن جريج قال: حدثت أن قوله: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ

} الآية، نزلت في أبي بكر في شأن مسطح.

التفسير وأوجه القراءة

‌219

- {يَسْأَلُونَكَ} ؛ أي: يسألك أصحابك يا محمَّد {عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} ؛ أي: عن حكم تناولهما وتعاطيهما، وأصل (1) الخمر في اللغة: الستر والتغطية، وسميت الخمر خمرًا؛ لأنها تخامر العقل؛ أي: تخالطه، وقيل: لأنها تستره وتغطيه، وشرعًا: عبارة عن عصير العنب النيء الشديد الذي قذف بالزبد، وكذلك نقيع الزبيب والتمر، والمتخذ من العسل والحنطة والشعير والأرز والذرة، وكل ما أسكر فهو خمر، قاله الشافعي. وقال أبو حنيفة: الخمر من العنب والرطب ونقيع التمر والزبيب، فإن طبخ حتى ذهب ثلثاه .. حل شربه، والمسكر منه حرام، واحتج على ذلك بما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى بعض عماله أن أرزق المسلمين من الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي. وفي رواية: أما بعد: فاطبخوا شرابكم حتى يذهب منه نصيب الشيطان، فإن له اثنين ولكم واحد. أخرجه النسائي، والطِلاء - بكسر الطاء والمد -: الشراب المطبوخ من عصير العنب الذي ذهب ثلثاه، وبقي ثلثه.

وأصل الميسر في اللغة: مصدر ميمي بمعنى اليسر، سمي القمار بالميسر؛ لما فيه من أخذ المال بسهولة من غير تعب، وشرعًا: هو القمار وهو آلات الملاهي التي يلعب بها في نظير مال، فيشمل الطاب والشطرنج والنرد وغيرها، حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب، وأما إن كان بغير مال: ففيه خلاف بين العلماء، فقيل: كبيرة، وقيل: صغيرة، وقيل: مكروه، وحدّه بعضهم: هو كل

(1) خازن.

ص: 283

لعب تردد بين غُنم وغُرم، وفي مصحف عبد الله وقراءته شذوذًا {أكثر} بالثاء المثلثة، وقال مالك: الميسر ميسران: ميسر اللهو؛ فمنه النرد والشطرنج وآلات الملاهي كلها، وميسر القمار؛ وهو ما يتخاطر الناس عليه، وقال القاسم: كل شيء ألهى عن ذكر الله، وعن الصلاة فهو ميسر. ذكره أبو حيان.

{قُلْ} لهم يا محمَّد {فِيهِمَا} ؛ أي: في تعاطيهما {إِثْمٌ كَبِيرٌ} ؛ أي: عظيم بعد التحريم، لما يحصل بسببهما من المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش وإتلاف المال، ولأن الخمر مسلبة للعقول التي هي قطب الدين والدنيا، وقرأ حمزة والكسائي {كثير} بالثاء المثلثة. {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} قبل التحريم: بالتجارة فيها، وباللذة والفرج وتصفية اللون، وحمل البخيل على الكرم، وزوال الهم، وهضم الطعام، وتقوية الباءة، وتشجيع الجبان في شرب الخمر، وإصابة المال بلا كد ولا تعب في الميسر والقمار، قيل: بما أن الواحد منهم كان يقمر في المجلس الواحد مئة بعير، فيحصل له المال الكثير، وربما كان يصرفه إلى المحتاجين، فيكسب بذلك الثناء والمدح، وهو المنفعة {وَإِثْمُهُمَا} بعد التحريم ومفاسدهما بعده {أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} قبل التحريم، وقرىء شذوذًا:{أقرب من نفعهما} ؛ يعني: المفاسد (1) التي تنشأ عنهما أعظم من المنافع المتوقعة منهما. وقيل (2): إثمهما، قوله تعالى:{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} فهذه ذنوب يترتب عليها آثام كبيرة بسبب الخمر والميسر.

وجملة القول في تحريم الخمر: أن الله عز وجل أنزل في الخمر أربع آيات نزلت بمكة {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} فكان المسلمون يشربونها في أول الإِسلام وهي لهم حلال، ثم نزل بالمدينة في جواب سؤال عمر ومعاذ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} فتركها قوم لقوله:{إِثْمٌ كَبِيرٌ} وشربها قوم لقوله: {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} ثم إن عبد الرحمن

(1) البيضاوي.

(2)

الخازن.

ص: 284

بن عوف رضي الله عنه صنع طعامًا، ودعا إليه ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأطعمهم وسقاهم الخمر، وحضرت صلاة المغرب، فقدموا أحدهم يصلي بهم، فقرأ:{قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون} - بحذف حرف لا إلى آخر السورة؛ فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} فحرم الله السكر في أوقات الصلاة، فكان الرجل يشربها بعد صلاة العشاء، فيصبح وقد زال سكره، فيصلي الصبح ويشربها بعد صلاة الصبح، فيصحوا وقت صلاة الظهر، ثم إن عتبان بن مالك اتخذ صنيعًا - يعني: وليمة - ودعا رجالًا من المسلمين، وفيهم سعد بن أبي وقاص، وكان قد سوى لهم رأس بعير، فأكلوا وشربوا الخمر حتى أخذت منهم، فافتخروا عند ذلك وانتسبوا، وتناشدوا الأشعار، فأنشد سعد قصيدة فيها فخر قومه وهجاء الأنصار، فأخذ رجل من الأنصار لحى البعير، فضرب به رأس سعد، فشجه موضحة، فانطلق سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشكا إليه الأنصاري، فقال عمر: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا؛ فأنزل الله الآية التي في المائدة إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} فقال عمر: انتهينا يا رب، وذلك بعد غزوة الأحزاب بأيام.

والحكمة في وقوع التحريم على هذا الترتيب: أن الله تعالى علم أن القوم كانوا قد ألفوا شرب الخمر، وكان انتفاعهم بذلك كثيرًا، فعلم أنه لو منعهم من الخمر دفعة واحدة .. لشق ذلك عليهم، فلا جرم استعمل هذا التدريج، وهذا الرفق. قال أنس رضي الله عنه: حرمت الخمر، ولم يكن يومئذ للعرب عيش أعجب منها، وما حرم عليهم شيء أشد من الخمر.

روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال: ما كان لنا خمر غير فضيخكم، وإني لقائم أسقي أبا طلحة، وأبا أيوب، وفلانًا وفلانًا؛ إذ جاء رجل فقال: حرمت الخمر، فقالوا: أهرق هذه القلال يا أنس، فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر هذا الرجل. الفضيخ - بالضاد والخاء المعجمتين -: شراب يتخذ من بسر مطبوخ، والإهراق: الصب، والقلال - جمع قلة -: وهي الجرة الكبيرة.

{وَيَسْأَلُونَكَ} ؛ أي: يسألك أصحابك يا محمَّد {مَاذَا يُنْفِقُونَ} ؛ أي: قدر ما

ص: 285