المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ورائه، ثم يقف في صحن داره، فيأمر بحاجته. ووجه (1) اتصال - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ورائه، ثم يقف في صحن داره، فيأمر بحاجته. ووجه (1) اتصال

ورائه، ثم يقف في صحن داره، فيأمر بحاجته.

ووجه (1) اتصال هذا الكلام بالسؤال عن الأهلة والجواب عنه: أنهم سألوا عن الحكمة في اختلاف حال القمر، وعن حكم دخولهم بيوتهم من غير أبوابها.

{وَلَكِنَّ الْبِرَّ} بر {مَنِ اتَّقَى} محارم الله ومخالفة أمره كالصيد، وتوكل على الله في جميع أموره، وقرأ نافع وابن عامر بتخفيف لكنْ ورفع البرُّ، والباقون {وَلَكِنَّ الْبِرَّ} بالتشديد والنصب، {وَأْتُوا الْبُيُوتَ} جمع بيت ككعب وكعوب، وقرىء بضم الباء وكسرها؛ أي: وادخلوا بيوتكم في حالة الإحرام {مِنْ أَبْوَابِهَا} التي كنتم تدخلونها وتخرجون منها قبل ذلك؛ إذ ليس في العدول عنها بر، فباشروا الأمور من وجوهها {وَاتَّقُوا اللَّهَ}؛ أي: خافوا الله في تغيير أحكامه والاعتراض على أفعاله فيما أمركم به ونهاكم عنه {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ؛ أي: لكي تفوزوا بالخير في الدين والدنيا، والنعيم السرمدي في الآخرة، أو لكي تنجوا من السخط والعذاب.

‌190

- {وَقَاتِلُوا} ؛ أي: جاهدوا أيها المهاجرون، والخطاب للمهاجرين كما قاله ابن جرير {فِي سَبِيلِ اللَّهِ}؛ أي: في طاعته وطلب رضوانه في الحل والحرم لإعلاء كلمته وإعزاز دينه. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا .. فهو في سبيل الله". {الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} ؛ أي: الذين يبدؤونكم بالقتال من الكفار؛ يعني: قريشًا، {وَلَا تَعْتَدُوا} عليهم ولا تظلموا بابتداء القتال في الحرم {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}؛ أي: لا يريد الخير بالمتجاوزين الحد بمخالفة أمره ونهيه،

‌191

- وهذا منسوخ بآية براءة: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} ، أو بقوله:{وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} ؛ أي: في أي محل وجدتموهم فيه من الحل والحرم وإن لم يبدؤوكم {وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} ؛ يعني: من مكة، وقد فعل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك

(1) البحر المحيط.

ص: 183

القتل والإخراج بمن لم يسلم منهم عام الفتح.

{وَالْفِتْنَةُ} ؛ أي: شركهم بالله وعبادة الأوثان في الحرم وصدهم لكم عنه {أَشَدُّ} ؛ أي: أشر وأقبح. {مِنَ الْقَتْلِ} ؛ أي: من قتلكم إياهم في الحرم الذي استعظمتموه، وإنما (1) كان الشرك أعظم من القتل؛ لأن الشرك بالله ذنب يستحق صاحبه الخلود في النار، وليس القتل كذلك، والكفر يخرج صاحبه من الأمة، وليس القتل كذلك، فثبت أن الفتنة أشد من القتل، وهذه الجملة جواب عن سؤال مقدر؛ تقديره: إن خفتم أن تقاتلوهم في الشهر الحرام وراعيتم حرمة الشهر والإحرام والحرم .. فالشرك الذي حصل منهم الذي فيه تهاون برب الحرم أبلغ، أو المعنى: والمحن التي يفتتن بها الإنسان كالإخراج من الوطن أشد؛ أي: أصعب من القتل، لدوام تعبها وبقاء تألم النفس بها.

{وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ} ؛ أي: لا تبدؤوهم بالقتال {عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ؛ أي: في الحرم {حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} ؛ أي: حتى يبدؤوكم بالقتال فيه؛ أي: في الحرم {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ} ؛ أي: فإن بدؤوكم بالقتال في الحرم {فَاقْتُلُوهُمْ} ؛ أي: فقاتلوهم فيه ولا تبالوا بقتالهم فيه؛ لأنهم الذين هتكوا حرمته، فاستحقوا أشد العذاب، وقرأ حمزة والكسائي:{ولا تقتلوهم حتى يقتلوكم فإن قتلوكم} كله بغير ألف؛ والمعنى: حتى يقتلوا بعضكم، كقولهم: قتلنا بنو أسد.

واختلف العلماء في هذه الآية (2) هل هي محكمة أم لا؟ فذهب مجاهد في جماعة من العلماء إلى أنها محكمة، وأنه لا يحل أن يقاتل في المسجد الحرام إلا من قاتل فيه وثبت في "الصحيح" عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن مكة لا تحل لأحد قبلي ولا لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، ثم عادت حرامًا إلى يوم القيامة". فثبت بهذا تحريم القتال في الحرم إلا أن يُقَاتَلوا فيقَاتِلوا، ويكون دفعًا لهم.

(1) خازن.

(2)

خازن.

ص: 184