الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال. كان الرجل يطلق ثم يقول: لعبت، ويعتق ثم يقول: لعبت، فأنزل الله سبحانه:{وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من طلق أو أعتق، فقال: لعبت .. فليس قوله بشيء يقع عليه فيلزمه". وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: طلق رجل امرأته وهو يلعب لا يريد الطلاق، فأنزل الله:{وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} فألزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الطلاق.
وقرأ حمزة (1): {هزْءا} بإسكان الزاي، وإذا وقف سهل الهمزة على مذهبه في تسهيل الهمزة كما بين في علم القراءات، وهو من تخفيف فُعْل كعنق، وقرأ أيضًا:{هزُوا} بضم الزاي وإبدال الهمزة واوًا وذلك لأجل الضم، وقرأ الجمهور:{هُزُوءا} بضمتين وبالهمز، قيل: وهو الأصل.
{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} ؛ أي: إنعامه عليكم بنعمة الإِسلام وبعثة محمَّد صلى الله عليه وسلم، حيث هداكم إلى ما فيه سعادتكم الدينية والدنيوية؛ أي: فاشكروها واحفظوها بالامتثال وترك المخالفة.
{و} واذكروا {ما أنزل} الله {عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ} ؛ أي: القرآن {وَالْحِكْمَةِ} ؛ أي: السنة التي علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنها لكم، وقيل المراد بالحكمة: مواعظ القرآن، وأفردهما بالذكر مع دخولهما في النعمة إظهارًا لشرفهما؛ أي: اشكروهما بالعمل بما فيهما حالة كونه {يَعِظُكُمْ بِهِ} ؛ أي: يذكركم بما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة؛ أي: يأمركم وينهاكم به {وَاتَّقُوا اللَّهَ} ؛ أي: خافوا عقاب الله بالامتثال فيما أمركم به، وترك المخالفة فيما نهاكم عنه {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} يعلم ما أخفيتم من طاعة ومعصية في سر وعلن، فلا يخفى عليه شيء مما تأتون وما تذرون، فيؤاخذكم بأنواع العقاب، وهذا أبلغ وعد ووعيد.
232
- {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} والخطاب هنا في قوله: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ} ، وفي قوله:{فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} إما للأزواج، والمعنى
(1) البحر المحيط.
حينئذ: وإذا طلقتم أيها الأزواج النساء، فبلغن أجلهن؛ أي: انقضت عدتهن .. فلا تعضلوهن؛ أي: لا تمنعوهن أيها الأزواج، وتسميتهم أزواجًا حينئذ بالنظر إلى ما كان من أن ينكحن ويتزوجن من يريدون من الرجال أن يتزوجوهن، فإن الأزواج قد يعضلون مطلقاتهم أن يتزوجن ظلمًا، وإما للأولياء فنسبة الطلاق إليهم باعتبار تسببهم فيه كما يقع كثيرًا أن الولي يطلب من الزوج طلاقها، والمعنى حينئذٍ: وإذا خلصتم أيها الأولياء النساء من أزواجهن بتطليقهن، فانقضت عدتهن .. فلا تمنعوهن أيها الأولياء من أن ينكحن الرجال الذين كانوا أزواجًا لهن، فتسميتهم أزواجًا باعتبار ما كان، والمراد ببلوغ أجلهن هنا: انقضاء عدتهن، وفي ما سبق مقاربة انقضائها. قال الشافعي رحمه الله تعالى: دل سياق الكلامين على افتراق البلوغين، وفي هذه (1) الآية حجة للشافعي ومن وافقه في أن المرأة لا تلي عقد النكاح، ولا تأذن فيه؛ إذ لو كانت تملك ذلك .. لم يكن عضل، ولا لنهي الولي عن العضل معنى. {إِذَا تَرَاضَوْا}؛ أي: إذا تراضى الخطاب والنساء {بَيْنَهُمْ} واتفقوا تراضيا ملتبسا {بِالْمَعْرُوفِ} شرعًا من عقد حلال، ومهر جائز، وذلك بأن يرضى كل منهما ما لزمه في هذا العقد لصاحبه، والخطاب في قوله:{ذَلِكَ} للنبي صلى الله عليه وسلم، أو لكل أحد؛ أي: ذلك المذكور من النهي عن العضل، أو من جميع الأحكام السابقة {يُوعَظُ بِهِ}؛ أي: يؤمر به ويمتثله؛ لأن النهي عن الشيء أمر بضده {مَنْ كَانَ مِنْكُمْ} أيها المكلفون.
{يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} خص المؤمن بالذكر؛ لأنه هو الذي يتعظ وينتفع بالوعظ.
تنبيه: وإنما قال (2) هنا: {ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ} وقال في الطلاق: {ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} ؛ لأنه لما كانت كاف ذلك لمجرد الخطاب لا محل لها من الإعراب .. جاز الاقتصار على الواحد كما هنا، كما في قوله:{ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} ، وجاز الجمع نظرًا للمخاطبين كما في الطلاق، فإن قلتَ: لِمَ ذكر منكم هنا، وتركه ثَمَّ؟
(1) الخازن.
(2)
الجمل.
قلتُ: لتركِ ذكر المخاطبين هنا في قوله: {ذَلِكَ} واكتفى بذكرهم ثَمَّ فيه. اهـ كرخي. {ذَلِكُمْ} الاتعاظ والعمل بمقتضاه، وهو ترك العضل {أَزْكَى}؛ أي: أصلح وأنفع لكم {وَأَطْهَرُ} لقلوبكم وقلوبهن من العدواة والتهمة بسبب المحبة بينهما، وذلك أنهما إذا كان في قلب كل واحد منهما علاقة حب لم يؤمن عليهما، أو أزكى وأطهر؛ أي: أفضل لكم وأطيب عند الله، وعبارة أبي حيان:{ذَلِكُمْ} ؛ أي: التمكين من النكاح {أَزْكَى} لمن هو بصدد العضل؛ لما له في امتثال أمر الله من الثواب {وَأَطْهَرُ} للزوجين؛ لما يخشى عليهما من الريبة إذا مُنعا من النكاح، وذلك بسبب العلاقات التي بين النساء والرجال {وَاللَّهُ يَعْلَمُ} ما فيه صلاح أموركم {وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ذلك، فدعوا رأيكم، وهاتان الجملتان في قوة التعليل لما قبله.
وعبارة (1) أبي السعود: والله يعلم ما فيه من الزكاة والطهر، وأنتم لا تعلمون ذلك، أو الله يعلم ما فيه صلاح أموركم من الأحكام والشرائع التي من جملتها ما بيّنه لكم هنا، وأنتم لا تعلمونها، فدعوا رأيكم وامتثلوا أمره تعالى، ونهيه في كل ما تأتون وما تذرون. انتهت.
وعبارة (2) أبي حيان: والله يعلم ما تنطوي عليه قلوب الزوجين من ميل كلٍّ منهما إلى الآخر، لذلك نهى الله تعالى عن العضل، قال ابن عباس: معناه أو يعلم ما فيه من اكتساب الثواب وإسقاط العقاب، أو يعلم بواطن الأمور ومآلها، وأنتم لا تعلمون ذلك، إنما تعلمون ما ظهر، أو يعلم من يعمل على وفق هذه التكاليف ومن لا يعمل بها، ويكون المقصود بذلك تقرير الوعد والوعيد. انتهت.
الإعراب
(1) الجمل.
(2)
البحر المحيط.
{وَإِذَا} {الواو} : استئنافية. {إذا} : ظرف لما يستقبل من الزمان {طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الخفض بإضافة {إذا} إليها على كونها فعل شرط لها. {فَبَلَغْنَ}:{الفاء} : حرف عطف وتعقيب. {بلغن} : فعل وفاعل، والجملة في محل الخفض معطوفة على جملة {طَلَّقْتُمُ}. {أَجَلَهُنَّ}: مفعول به ومضاف إليه. {فَأَمْسِكُوهُنَّ} : {الفاء} : رابطة لجواب {إذا} وجوبًا. {أمسكوهن} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب إذا لا محل لها من الإعراب، وجملة {إذا} مستأنفة. {بِمَعْرُوفٍ}: جار ومجرور متعلق بـ {أمسكوهن} . {أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} : {أَوْ} : حرف عطف وتفصيل {سَرِّحُوهُنَّ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة {أمسكوهن} على كونها جوابًا لـ {إذا} {بِمَعْرُوفٍ}: متعلق بـ {سرحوهن} . {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا} : الواو: عاطفة، {لا}: ناهية جازمة، {تمسكوهن}: فعل وفاعل ومفعول مجزوم بـ {لا} الناهية، والجملة معطوفة على جملة {أمسكوهن} على كونها جوابًا لـ {إذا} ، وفائدة العطف هنا: توكيد المعطوف عليه. {ضِرَارًا} : مفعول لأجله، أو حال من الفاعل، ولكن بعد تأويله بمثشتق؛ تقديره: ولا تمسكوهن حالة كونكم مضارين. {لِتَعْتَدُوا} : {اللام} : حرف جر وتعليل. {تعتدوا} : فعل وفاعل منصوب بأن المضمرة بعد لام كي جوازًا، والجملة صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بلام كي؛ تقديره: لاعتدائكم وظلمكم إياهن، وهذه (1) اللام إن كان {ضِرَارًا} حالًا .. تعلقت به أو بـ {لا تمسكوهن} ، وإن كان {ضِرَارًا} مفعولًا لأجله .. تعلقت اللام به، وكانت علة للعلة.
{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} .
{وَمَنْ} {الواو} استئنافية {من} : اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر فعل الشرط على الراجح. {يَفْعَلْ}: مضارع مجزوم بـ {من} ، وفاعله ضمير يعود على {من} {ذَلِكَ} مفعول به. {فَقَدْ}:{الفاء} : رابطة لجواب {من} الشرطية وجوبًا؛ لكون الجواب مقرونًا بـ {قد} . {قد} : حرف تحقيق. {ظَلَمَ} :
(1) البحر المحيط.
فعل ماضٍ في محل الجزم بـ {من} على كونه جوابًا لها، وفاعله ضمير يعود على {من}. {نَفْسَهُ}: مفعول به ومضاف إليه، وجملة {من} الشرطية مستأنفة.
{وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} .
{وَلَا} {الواو} عاطفة، أو استئنافية. {لا}: ناهية جازمة. {تَتَّخِذُوا} : فعل وفاعل مجزوم بـ {لا} الناهية، والجملة معطوفة، أو مستأنفة على الجملة التي قبلها. {آيَاتِ اللَّهِ}: مفعول أول ومضاف إليه. {هُزُوًا} مفعول ثان. {وَاذْكُرُوا} : الواو: استئنافية. {اذكروا} : فعل وفاعل {نِعْمَتَ اللَّهِ} : مفعول به ومضاف إليه، والجملة مستأنفة. {عَلَيْكُمْ}: جار ومجرور متعلق بـ {نعمة} ؛ لأنه اسم مصدر لأنعم الرباعي، أو متعلق بمحذوف حال من {نِعْمَتَ} تقديره: حالة كونها كائنة عليكم.
{وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ} .
{وَمَا} الواو عاطفة. {ما} : موصولة، أو موصوفة في محل النصب معطوفة على {نِعْمَتَ اللَّهِ}. {أَنْزَلَ}: فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهِ} ، والجملة صلة لـ {ما} ، أو صفة لها، والعائد محذوف تقديره: أنزله {عَلَيْكُمْ} : متعلق بـ {أنزل} . {مِنَ الْكِتَابِ} : جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الهاء المحذوفة من أنزل؛ تقديره: حالة كون ما أنزله كائنًا. {مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ} : معطوف على {الْكِتَابِ} . {يَعِظُكُمْ بِهِ} : {يَعِظُكُمْ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهَ}. {به}: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية في محل النصب حال من فاعل {أَنْزَلَ} العائد على الله تقديره: حالة كونه واعظًا إياكم به، ويجوز (1) أن يكون حالًا من {ما} ، والعائد إليها الهاء في به، ويجوز أن تكون {ما} مبتدأ، و {يعظكم}: خبره.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .
{وَاتَّقُوا} {الواو} استئنافية. {اتَّقُوا اللَّهَ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة. {وَاعْلَمُوا}: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة {اتقوا} {أَنَّ}:
(1) عكبري.
حرف نصب ومصدر وتوكيد. {اللَّهَ} : اسمها. {بِكُلِّ شَيْءٍ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {عليم} ، وهو خبر {أَنَّ} ، وجملة {أَنَّ} في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي {اعلموا} تقديره: واعلموا علم الله سبحانه وتعالى بكل شيء.
{وَإِذَا} الواو: عاطفة، أو استئنافية، {إذا}: ظرف لما يستقبل من الزمان، {طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الخفض بإضافة {إذا} إليها على كونها فعل شرط لها. {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ}:{الفاء} : حرف عطف وترتيب. {بلغن} : فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة {طَلَّقْتُمُ} ، {أَجَلَهُنَّ}: مفعول به ومضاف إليه. {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} : {الفاء} : رابطة لجواب إذا جوازًا {لا} : ناهية جازمة، {تَعْضُلُوهُنَّ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب {إذا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إذا} معطوفة على جملة {إذا} التي قبلها، أو مستأنفة. {أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}:{أن} : حرف نصب ومصدره {يَنْكِحْنَ} : فعل وفاعل في محل النصب بـ {أن} . {أَزْوَاجَهُنَّ} : مفعول به ومضاف إليه، والجملة الفعلية صلة {أَن} المصدرية، {أَنْ} مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف المتعلق بـ {لا تعضلوهن} تقديره فلا تعضلوهن من نكاحهن أزواجهن {إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}. {إِذَا}: ظرف لما يستقبل من الزمان مجرد عن معنى الشرط. {تَرَاضَوْا} : فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه، والظرف متعلق بـ {ينكحن} ، أو بلا تعضلوهن. {بَيْنَهُمْ}: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ {تراضوا} {بِالْمَعْرُوفِ} : جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لمصدر محذوف تقديره: تراضيًا كائنًا بالمعروف، أو متعلق بـ {تراضوا} .
{ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} .
{ذَلِكَ} : مبتدأ. {يُوعَظُ} فعل مضارع مغيّر الصيغة {بِهِ} : متعلق بـ {يُوعَظُ} . {مَنْ} : اسم موصول في محل الرفع نائب فاعل {كَانَ} : فعل ماض ناقص، واسمها ضمير يعود على {مَنْ} {مِنْكُمْ}: خطاب للمنتهين عن العضل
متعلق بـ {كان} ، أو بمحذوف حال من الضمير المستكن في {يُؤْمِنُ} ، وخص المؤمنين لأنه لا ينتفع بالوعظ إلا هم، ذكره في "النهر" {يُؤْمِنُ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {من} {بِاللَّهِ}: متعلق بـ {يؤمن} ، {وَالْيَوْمِ}: معطوف على لفظ الجلالة. {الْآخِرِ} : صفة لليوم، وجملة {يُؤْمِنُ} في محل النصب خبر {كان} تقديره: من كان مؤمنًا بالله واليوم الآخر، وجملة {كاَنَ} صلة {مَن} الموصولة، وجملة {يُوعَظُ} في محل الرفع خبر المبتدأ تقديره: ذلك متعظ به من كان منكم مؤمنًا بالله واليوم الآخر، والجملة الإسمية مستأنفة.
{ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} .
{ذَلِكُمْ} : مبتدأ. {أَزْكَى} : خبر، والجملة مستأنفة {لَكُمْ} متعلق بـ {أَزْكَى}. {وَأَطْهَرُ} معطوف على أزكى:{وَاللَّهُ يَعْلَمُ} . الواو: استئنافية. {الله} مبتدأ وجملة {يَعْلَمُ} خبره، والجملة مستأنفة. {وَأَنْتُمْ} مبتدأ، وجملة {لَا تَعْلَمُونَ} خبره، والجملة الإسمية معطوفة على جملة قوله:{وَاللَّهُ يَعْلَمُ} .
التصريف ومفردات اللغة
{فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} هو من باب فعَل يفعُل - بفتح العين في الماضي وضمه في المضارع - من باب قعد يقال: بلغ يبلغ بلوغًا وبلاغًا وبلغة، {ضِرَارًا} وهو مصدر ضار ضرارًا ومضارة - من باب فاعل - إذا أدخل عليه الضرر.
{فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} العضل: المنع، يقال: عضلها من الزواج يعضلها - بكسر الضاد وضمها - من بابي ضرب ونصر إذا منعها من الزواج، ويقال: دجاج معضل إذا احتبس بيضها. قاله الخليل، ويقال: أصله الضيق، ومنه عضلت المرأة إذا نشب الولد في بطنها، وعضلت الشاة وعضلت الأرض بالجيش ضاقت بهم، وأعضل الداء الأطباء إذا أعياهم علاجه، وأعضل الأمر إذا اشتد وضاق.
{إِذَا تَرَاضَوْا} أصله: إذا تراضيوا؛ لأنه من باب تفاعل الناقص كتراموا، تحرت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، فالتقى ساكنان، ثم حذفت الألف لبقاء دالها، فصار تراضو كتراموا.
{أَزْكَى لَكُمْ} الألف في أزكى مبدلة من واو؛ لأنه من زكا الزرع يزكو زكاةً إذا نما بكثرة وبركة. {أطهر} من طهر إذا تنزه عن الأدناس والمعاصي.
البلاغة
{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} ؛ أي: قاربن انقضاء عدتهن، فهو من المجاز المرسل، أطلق فيه اسم الكل على الأكثر؛ لأنه لو انقضت العدة .. لما جاز إمساكها، والله تعالى يقول:{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} .
{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} هذا قد سبق، وأعاده اعتناء بشأنه، ومبالغة في إيجاب المحافظة عليه {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا} تأكيد للأمر بالإمساك بمعروف، وتوضيح لمعناه، وزجر صريح عما كانوا يتعاطونه من الإضرار.
{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ} هو من باب عطف الخاص على العام؛ لأن النعمة يراد بها نعم الله، والكتاب والحكمة من أفراد هذه النعم، هذا إن جعلنا النعمة اسمًا للمنعم به، وأما إن جعلناه مصدرًا بمعنى الإنعام .. فيكون العطف من المغاير؛ لأن النعمة حينئذ المراد بها الإنعام، والكتاب والحكمة من أفراد النعم، لا من أفراد الإنعام.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} كرر لفظ الجلالة؛ لكونه من جملتين، فتكريره أفخم وترديده في النفوس أعظم، وبين كلمة {اعلموا} وكلمة {عَلِيمٌ} من المحسنات البديعية ما يسمى بجناس الاشتقاق.
{أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} يراد بأزواجهن المطلقين لهن، فهو من المجاز المرسل، والعلاقة اعتبار ما كان.
وقد تضمنت (1) هاتان الآيتان ستة أنواع من ضروب الفصاحة والبلاغة من علم البيان:
الأول: الطباق، وهو الطلاق والإمساك، فإنهما ضدان، والتسريح طباق
(1) البحر المحيط.
ثان؛ لأنه ضد الإمساك، والعلم وعدم العلم؛ لأن عدم العلم هو الجهل.
الثاني: المقابلة في قوله: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا} قابل المعروف بالضرار، والضرار منكر، فهذه مقابلة معنوية.
الثالث: التكرار في قوله: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} كرر اللفظ لتغيير المعنيين، وهو غاية الفصاحة؛ إذ اختلاف معنى الاثنين دليل على اختلاف البلوغين.
الرابع: الالتفات في قوله: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} ثم التفت إلى الأولياء، فقال:{فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} ، وفي قوله:{ذَلِكَ} إذ كان خطابًا للنبي صلى الله عليه وسلم ثم التفت إلى الجمع في قوله: {مِنْكُمْ} .
الخامس: التقديم والتأخير، والتقدير: أن ينكحن أزواجهن بالمعروف إذا تراضوا.
السادس: مخاطبة الواحد بلفظ الجمع؛ لأنه ذكر في أسباب النزول أنها نزلت في معقل بن يسار أو في أخت جابر، وقيل: ابنته.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
المناسبة
قوله تعالى (1): {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ
…
} مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه تعالى لمّا ذكر جملة من أحكام النكاح والطلاق والعدة والرجعة والعضل .. أخذ يذكر حكم ما كان من نتيجة النكاح، وهو ما شرع من حكم الإرضاع ومدته، وحكم النفقة والكسوة على ما يقع الكلام فيه في هذه الآية إن شاء الله تعالى؛ لأن الطلاق يحصل به الفراق، فقد يطلق الرجل زوجته، ويكون لها طفل ترضعه، وربما أضاعت الطفل أو حرمته الرضاع انتقامًا من الزوج وإيذاء له في ولده؛ لذلك وردت هذه الآيات: لندب الوالدات المطلقات إلى رعاية
(1) البحر المحيط.