الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاكتساب، فبإزاء ذلك صار عليهن درجة، فللرجل في مبالغة الطوعية، وفيما يفضي إلى الاستراحة عندها.
وقيل (1): إن فضيلة الرجال عن النساء بأمور منها: العقل، والشهادة، والميراث، والدية، وصلاحية الإمامة، والقضاء، وللرجل أن يتزوج عليها ويتسرى، وليس لها ذلك، وبيد الرجل الطلاق، فهو قادر على تطليقها، وإذا طلقها رجعية .. فهو قادر على رجعتها، وليس شيء من ذلك بيدها.
روى البغوي بسنده عن أبي ظبيان أن معاذ بن جبل رضي الله عنه خرج في غزاة بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، ثم رجع فرأى رجالًا يسجد بعضهم لبعض، فذكر، ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد .. لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها". {وَاللَّهُ عَزِيزٌ} ؛ أي: غالب يقدر على الانتقام ممن يخالف أحكامه {حَكِيمٌ} في جميع أفعاله وأحكامه، وفيما حكم بين الزوجين.
وإنما (2) ختم الآية بهذين الاسمين؛ لأنه لما تضمنت الآية ما معناه الأمر في قوله: {يَتَرَبَّصْنَ} ، والنهي في قوله {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ} ، والجواز في قوله:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ} ، والوجوب في قوله:{وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ} ، ناسب وصفه تعالى بالعزة، وهو القهر والغلبة، وهي تناسب التكليف، وناسب وصفه بالحكمة، وهي إتقان الأشياء، ووضعها على ما ينبغي، وهي تناسب التكليف أيضًا.
229
- {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} ؛ أي (3): عدد الطلاق الذي تثبت فيه الرجعة للأزواج على زوجاتهم إذا كن مدخولًا بهن هو مرتان، أي: الطلقة الأولى والثانية؛ إذ لا رجعة بعد الثالثة، وقيل: معناه التطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق، ولذلك قالت الحنفية: الجمع بين الطلقتين والثلاث بدعة، وإنما قال سبحانه وتعالى:{مَرَّتَانِ} ولم يقل: طلقتان إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون الطلاق مرة
(1) الخازن.
(2)
البحر المحيط.
(3)
الشوكاني.
بعد مرة لا طلقتان دفعة واحدة، كذا قال جماعة من المفسرين، ولما لم يكن بعد الطلقة الثانية، إلا أحد أمرين: إما إيقاع الثالثة التي بها تبين الزوجة، أو الإمساك لها واستدامة نكاحها وعدم إيقاع الثالثة عليها. قال سبحانه:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} ؛ أي: فإمساك بعد الرجعة لمن طلقها زوجها طلقتين بمعروف؛ أي: بما هو معروف في الشرع من أداء حقوق النكاح، وحسن المعاشرة. {أَوْ تَسْرِيحٌ}؛ أي: أو إرسال لها بإيقاع طلقة ثالثة عليها {بِإِحْسَانٍ} ؛ أي؛ من غير إضرار لها؛ بأن يؤدي إليها جميع حقوقها المالية، ولا يذكرها بسوء بعد المفارقة، ولا ينفر الناس عنها.
وقيل المراد: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} ؛ أي: برجعة بعد الطلقة الثانية {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} ؛ أي: بترك الرجعة بعد الثانية حتى تنقضي عدتها، والأول أظهر، وقد اختلف أهل العلم في إرسال الثلاث دفعة واحدة هل يقع ثلاثًا أو واحدة فقط؟ فذهب إلى الأول الجمهور، وذهب إلى الثاني من عداهم؛ وهو الحق. انتهى. من "الشوكاني".
فائدة: قال الفخر الرازي: الحكمة في إثبات حق الرجعة: أن الإنسان ما دام مع صاحبه لا يدري: هل تشق عليه المفارقة أو لا؟ فإذا فارقه .. فعند ذلك يظهر، فلو جعل الله الطلقة الواحدة مانعة من الرجعة .. لعظمت المشقة على الإنسان؛ إذ قد تظهر المحبة بعد المفارقة، ثم لما كان كمال التجربة لا يحصل بالمرة الواحدة .. أثبت تعالى حق المراجعة مرتين، وهذا يدل على كمال رحمته تعالى ورأفته بعباده.
فوائد تتعلق بأحكام الطلاق
الأولى: صريح اللفظ الذي يقع به الطلاق من غير نية ثلاث: الطلاق والفراق والسراح، وعند أبي حنيفة الصريح هو لفظ الطلاق فقط.
الثانية: الحر إذا طلق زوجته طلقة أو طلقتين بعد الدخول بها .. فله مراجعتها من غير رضاها ما دامت في العدة، فإذا لم يراجعها حتى انقضت
عدتها، أو طلقها قبل الدخول بها، أو خالعها .. فلا تحل له إلا بنكاح جديد بإذنها وإذن وليها.
الثالثة: العبد يملك على زوجته الأمة تطليقتين، واختلف فيما إذا كان أحد الزوجين حرًّا، فالحر يملك على زوجته الأمة ثلاث تطليقات، والعبد يملك على زوجته الحرة تطليقتين، فالاعتبار بحال الزوج في عدد الطلاق، وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد، وذهب أبو حنيفة إلى أن الاعتبار بالمرأة، فالعبد يملك على زوجته الحرة ثلاث تطليقات، والحر يملك على زوجته الأمة تطليقتين.
{وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ} أيها (1) الأزواج أو الحكام؛ لأنهم الآمرون بالأخذ والإيتاء عند الترافع إليهم، فكأنهما الآخذون والمؤتون، والأول أظهر {أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ}؛ أي: أعطيتموهن من المهر والثياب وسائر ما تفضل به عليها {شَيْئًا} قليلًا فضلًا عن الكثير؛ لأنه استمتع بها في مقابلة ما أعطاها، وتنكير {شَيْئًا} للتحقير؛ أي: شيئًا حقيرًا، وخص ما دفعوه إليهن بعدم حل الأخذ منه، مع كونه لا يحل للأزواج أن يأخذوا شيئًا من أموالهن التي يملكنها من غير المهر؛ لكون ذلك هو الذي تتعلق به نفس الزوج، وتتطلع لأخذه دون ما عداه مما هو ملكها، على أنه إذا كان أخذ ما دفعه إليها لا يحل له .. كان ما عداه ممنوعًا منه بالأَولى.
ثم استثنى الخلع، فقال تعالى:{إِلَّا أَنْ يَخَافَا} ؛ أي: الزوجان، وقرىء {يظنا} ، وهو يؤيد تفسير الخوف بالظن؛ أي: إلا أن يعلم الزوج والمرأة من أنفسهما عند الخلع {أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ} ؛ أي: عدم إقامة حدود الله التي حدها للزوجين، وأوجب عليهما الوفاء بها من حسن العشرة والطاعة.
وقرأ حمزة: {إلا أن يُخافا} على البناء للمجهول فـ {أَلَّا يُقِيمَا} بدل اشتمال
(1) النسفي.
من الضمير فيه، والتقدير: إلا أن يخافا عدم إقامتهما حدود الله، وأصل (1) الكلام على هذه القراءة إلا أن يخاف ولاة الأمور الرجل والمرأة أن لا يقيما حدود الله، فالولاة فاعل، والرجل مفعول به، والمرأة معطوف عليه، و {أَلَّا يُقِيمَا}: بدل اشتمال من المفعول الذي هو الرجل والمرأة، فحذف الفاعل، وبني الفعل لما لم يسم فاعله، وأتى بدل المفعول به الظاهر بضمير التثنية، وبقي {أَلَّا يُقِيمَا} بدل اشتمال على حاله، لكن من الضمير الذي صار نائب الفاعل، فهذا التركيب على حد {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} تأمل.
وقرىء شاذًا بالفوقانية في الفعلين مفتوحة في الأول، مضمومة في الثاني مع بنائهما للفاعل، وعلى هذه القراءة: فلا التفات في الكلام {فَإِنْ خِفْتُمْ} أيها الحكام، وجاز أن يكون أول الخطاب للأزواج، وآخره للحكام؛ يعني: فإن خشيتم وأشفقتم {أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ} ؛ أي: ما أوجب الله على كل منهما من طاعته فيما أمر به من حسن الصحبة والمعاشرة.
{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} ؛ أي: لا جناح على الرجل في الأخذ، وعلى المرأة في الإعطاء بأن تفتدي نفسها من ذلك النكاح ببذل شيء من المال يرضى به الزوج، فيطلقها لأجله، وهذا هو الخلع، وقد ذهب الجمهور: إلى جواز ذلك للزوج، وأنه يحل له الأخذ مع ذلك الخوف، وهو الذي صرح به القرآن، وقد تقدم لك أن هذه الآية نزلت في شأن ثابت بن قيس بن شماس، وفي شأن جميلة بنت عبد الله بن أبي، اشترت نفسها من زوجها بمهرها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت:"خذ منها ما أعطيتها وخل سبيلها"، ففعل، فكان ذلك أول خلع في الإِسلام.
ثم الخوف المذكور في هذه الآية يمكن حمله على الخوف المعروف، وهو الإشفاق مما يكره وقوعه، ويمكن حمله على الظن كما قريء شاذًا {إلا أن يظنا} والخوف: إما أن يكون من قبل المرأة فقط، أو من قبل الزوج فقط، أو
(1) الجمل.