المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لفائدة الإنسان، وختم ذلك بالأمر بالتفكير في بدائع صنع الله، - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: لفائدة الإنسان، وختم ذلك بالأمر بالتفكير في بدائع صنع الله،

لفائدة الإنسان، وختم ذلك بالأمر بالتفكير في بدائع صنع الله، وإعمال العقل في عجيب خلقه؛ ليستدل العاقل بالأثر على وجود المؤثر، وبالصنعة على عظمة الخالق المدبر الحكيم، ثم ذكر تعالى بعد ذكر هذه الآيات البينات الواضحات أنّ من الناس متخذي أندادًا، وأنهم يحبونهم مثل محبة الله، ثم ذكر أن من المؤمنين من هو أشد حبًّا لله من هؤلاء لأصنامهم، ثم خاطب من خاطب بقوله: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا

} حين عاينوا نتيجة اتخاذهم الأنداد لرأيت أمرًا عظيمًا.

أسباب النزول

قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ

} سبب (1) نزول هذه الآية: أن كفار قريش قالوا: يا محمَّد صف، لنا ربك، وانسبه؟ فأنزل الله هذه الآية وسورة الإخلاص.

قوله تعالى: {إِنَّ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

} سبب نزولها: ما روي عن (2) عطاء قال: نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ

} الآية. فقال كفار قريش بمكة: كيف يسع الناس إله واحد؛ فأنزل الله تعالى: {إِنَّ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إلى قوله: {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} .

التفسير وأوجه القراءة

‌163

- {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} روي: أنه كان للمشركين ثلاث مدّة صنم يعبدونها من دون الله، فبين الله أنه إلههم، وأنه واحد، فقال:{وَإِلَهُكُمْ} ؛ أي: معبودكم الذي يستحق العبادة منكم أيها العباد {إِلَهٌ وَاحِدٌ} ؛ أي: إله منفرد في ألوهيته وربوبيته، ليس له شريك فيهما، ومنفرد في ذاته وصفاته وأفعاله ليس له نظير فيها (3)، وظاهر الخطاب أنه لجميع المخلوقات المُتصوّر منهم العبادة؛ فهو إعلام لهم بوحدانية الله تعالى، ويحتمل أن يكون خطابًا للمشركين الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1) الخازن.

(2)

لباب النقول.

(3)

البحر المحيط.

ص: 73

صف لنا ربك؟ أو خطابًا لمن يعبد مع الله غيره من صنم ووثن ونار.

وقال في "المنتخب": لمّا قال تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ..} أمكن أن يخطر ببال أحد أن يقول: هب أن إلهنا واحد، فلعل إله غيرنا مغاير لإلهنا، فلا جرم أن يزيل ذلك الوهم ببيان التوحيد المطلق، فقال:{لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} فقوله: {لَا إِلَهَ} : يقتضي النفي العام الشامل، فإذا قال بعده:{إلا الله} أفاد التوحيد التام المطلق المحقق. انتهى.

{لَا إِلَهَ} ؛ أي: لا معبود بحق في الوجود {إِلَّا هُوَ} ؛ أي: إلا الله الواحد الفرد الصمد، وهذه (1) الجملة توكيدٌ لمعنى الوحدانية، ونفي الإلهية عن غيره، وهي جملة جاءت لنفي كل فرد فرد من الإلهية، ثم حصر ذلك المعنى فيه تبارك وتعالى، فدلت الجملة الأولى على نسبة الوحدانية إليه تعالى، ودلت الثانية على حصر الإلهية فيه.

والمعنى (2): إلهكم الحقيق بالعبادة إله واحد، فلا تشركوا به أحدًا، والشرك به ضربان.

الأول: شرك في الألوهية والعبادة: بأنْ يعتقد المرء أن في الخلق من يشارك الله، أو يعينه في أفعاله، أو يحمله على بعضها، ويصده عن بعض، فيتوجه إليه في الدعاء عندما يتوجه إلى الله ويدعوه معه، أو يدعوه من دون الله؛ ليكشف عنه ضرًّا، أو يجلب له نفعًا.

الثاني: شرك به في الربوبية: بأنْ يسند الخلق والتدبير إلى غيره معه، أو أخذ أحكام الدين من عبادة وتحليل وتحريم من غير كتبه ووحيه الذي بلغه عنه الرسل استنادًا إلى أن من يؤخذ عنهم الدين هم أعلم بمراد الله؛ وهذا هو المراد بقوله تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ} .

فواجب على علماء الدين أن يبينوا للناس ما نزله الله ولا يكتموه، لا أن يزيدوا فيه، أو ينقصوا منه كما فعل مَنْ قبلَهم من أهل الكتب المنزلة حين زادوا

(1) البحر المحيط.

(2)

مراغي.

ص: 74