المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

{سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} هذا السؤال ليس للاستعلام؛ لأن محمدًا عالم - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} هذا السؤال ليس للاستعلام؛ لأن محمدًا عالم

{سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} هذا السؤال ليس للاستعلام؛ لأن محمدًا عالم بجميع الآيات التي أوتوها، فحينئذ لا يحتاج إلى جواب؛ لأن السؤال إذا كان لغير الاستعلام. لا يحتاج إلى الجواب.

{كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ} {كَمْ} فيه للاستفهام التقريري، وضابطه هو حمل المخاطب على الإقرار بأمر علم عنده ثبوته، ولا ينافي التبكيت؛ لأن معنى التقرير: الحمل على الإقرار، وهو لا ينافي التقريع والتبكيت.

{مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ} ؛ أي: من بعد ما عرفها، أو تمكن من معرفتها، وإثبات المجيء للآيات فيه استعارة تصريحية تبعية.

فإن قلتَ: من المعلوم أن تبديل الآية لا يصح إلا بعد مجيئها، فَلِمَ صرح به، وما فائدة التصريح به؟

قلت: إنه ربما يوجد التبديل من غير خبرة بالمبدل، أو عن جهل به، فيعذر فاعله، وهؤلاء على خلاف ذلك، والفائدة في التصريح به: التقريع والتشنيع. ذكره في "الكشاف".

{فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} إظهار الاسم الجليل لتربية المهابة، وإدخال الروعة.

‌212

- {زُيِّنَ} . {وَيَسْخَرُونَ} من عطف الجملة الفعلية على الجملة الفعلية، لا من باب عطف الفعل وحده على فعل آخر، فيكون من عطف المفردات؛ لعدم اتحاد الزمان، وأتى بقوله:{زُيِّنَ} ماضيًا؛ للدلالة على أن ذلك قد وقع وفرغ فيه، وبقوله:{وَيَسْخَرُونَ} مضارعًا؛ للدلالة على التجدد والحدوث.

{وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} : إيثار الجملة الإسمية؛ للدلالة على دوام مضمونها.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 254

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)} .

المناسبة

قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً

} مناسبة (1) هذه الآية لما قبلها: هو أن إصرار هؤلاء على كفرهم؛ هو حب الدنيا، وأن ذلك ليس مختصًّا بهذا الزمان الذي بعثت فيه، بل هذا أمر كان في الأزمنة المتقادمة؛ إذ كانوا على حق، ثم اختلفوا بغيًا وحسدًا، وتنازعًا في طلب الدنيا.

قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ

} مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه قال: {يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ، والمراد إلى

(1) البحر المحيط.

ص: 255

الحق الذي يفضي اتباعه إلى الجنة، فبين أن ذلك لا يتم إلا باحتمال الشدائد والتكليف، أو لمّا بين أنه هداهم .. بين أنه بعد تلك الهداية احتملوا الشدائد في إقامة الحق، فكذا أنتم أصحابَ محمَّد لا تستحقون الفضيلة في الدين إلا بتحمل هذه المحن.

قوله: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ

} مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الصبر على النفقة وبذل المال هو من أعظم ما يتحلى به المؤمن، وهو من أقوى الأسباب الموصلة إلى الجنة، حتى لقد ورد:"الصدقة تطفيء غضب الرب".

قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ

} مناسبة هذه الآية لما قبلها: هو أنه لمّا ذكر ما مسَّ مَنْ تقدمنا مِنْ أتباع الرسل من البلايا، وأن دخول الجنة معروف بالصبر على ما يبتلى به المكلف، ثم ذكر الإنفاق على مَنْ ذكر، فهو جهاد النفس بالمال .. انتقل إلى أعلى منه، وهو الجهاد الذي يستقيم به الدين، وفيه الصبر على بذل المال والنفس.

وقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ

} مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه لما فرض القتال لم يخص بزمان دون زمان، وكان من العوائد السابقة أن الشهر الحرام لا يستباح فيه القتال، فبين حكم القتال في الشهر الحرام.

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ

} مناسبة هذه الآية لما قبلها واضحة، وقيل: لمّا أوجب الجهاد بقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} ، وبين أن تركه سبب الوعيد .. أتبع ذلك بذكر من يقوم به، ولا يكاد يوجد وعيد إلا ويتبعه وعد.

أسباب النزول

قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ

} الآية، قال (1) عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن قتادة قال: نزلت هذه الآية في غزوة الأحزاب، وهي غزوة

(1) لباب النقول بزيادة من الخازن.

ص: 256