الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنفسهم بالمسارعة إلى طاعة الله تعالى، أو إلى المطلقات بتمتيعهن؛ لأن المتعة بدل المهر، وسماهم محسنين قبل الفعل باعتبار المشارفة والقرب له ترغيبًا، وتحريضًا لهم على ذلك.
قيل (1): نزلت هذه الآية في شأن رجل من الأنصار تزوج امرأة ولم يسم لها صداقًا، ثم طلقها قبل أن يمسها، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"أمتعتها؟ " قال: لم يكن عندي شيء قال: "متعها ولو بقلنسوات".
واعلم: (2) أنه اختلف العلماء في المتعة، فقيل: واجبة نظرًا للأمر، ولقوله:{حَقًّا} وبه أخذ الشافعي، وقيل: مندوبة نظرًا لقوله: {بِالْمَعْرُوفِ} ولقوله: {عَلَى الْمُحْسِنِينَ} وبه أخذ مالك.
237
- {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} ؛ أي: طلقتم النساء {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} ؛ أي: تجامعوهن {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} ؛ أي: والحال أنكم سميتم لهن مهرًا مقدرًا معلومًا {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} ؛ أي: فلهن نصف المهر المسمى ونصفه ساقط، وهذا في المطلقة بعد تسمية المهر، وقبل الدخول حكم الله لها بنصف المهر ولا عدة عليها، وقرأ ابن مسعود شذوذًا:{من قبل أن تجامعوهن} أخرجه عنه ابن جرير، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمر وابن عامر وعاصم:{مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} بلا ألف، وقراءة حمزة والكسائي {تماسوهن} بالألف من المفاعلة. {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ}؛ أي: إلا أن يسامحن المطلقات بإبراء حقها، فيسقط كل المهر، وأن والفعل في موضع النصب على الاستثناء؛ أي: فلهن نصف ما فرضتم في جميع الأوقات إلا وقت عفوهن عنكم من حقهن من نصف المهر، ويتركن لكم، فيسقط كل المهر حينئذ لا نصفه {أَوْ} إلا أن {يَعْفُوَ} ويسامح الزوج {الَّذِي بِيَدِهِ} وسلطنته {عُقْدَةُ النِّكَاحِ}؛ أي: عصمة النكاح وعقده؛ أي: يترك الزوج المالك لعقد النكاح وحله حقه من النصف الذي يعود إليه بالتشطير، ويبعث المهر لها كاملًا، فيثبت كل المهر حينئذ لا نصفه.
(1) المراح والخازن.
(2)
الصاوي.
فرع
لو مات أحد الزوجين بعد التسمية، وقبل المسيس .. فلها المهر كاملًا، وعليها العدة إن كان الزوج هو الميت {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} هذا خطاب للرجال والنساء جميعًا، وإنما غلب جانب التذكير؛ لأن الذكورة هي الأصل والتأنيث فرع عنها، والمعنى: وعفو بعضكم عن بعض أيها الرجال والنساء أقرب إلى حصول التقوى، وطيب النفس من عدم العفو الذي فيه التنصيف، وقيل: هو خطاب للزوج، والمعنى: وليعف الزوج، فيترك حقه الذي ساق من المهر إليها قبل الطلاق، فهو أقرب للتقوى {وَأَنْ تَعْفُوا} قرأ الجمهور بالتاء الفوقية، وقرأ أبو نهيك والشعبي بالياء التحتية، فيكون الخطاب مع الرجال {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}؛ أي: ولا تتركوا أن يتفضل بعضكم على بعض بأن يسلم الزوج المهر إليها بالكلية، أو تترك المرأة المهر بالكلية، حثهما جميعًا على الإحسان ومكارم الأخلاق.
وقرأ الجمهور {وَلَا تَنْسَوُا} بضم الواو، وقرأ يحيى بن يعمر شذوذًا بكسرها، وقرأ علي ومجاهد وأبو حيوة وابن أبي عبلة شذوذًا أيضًا: (ولا تناسوا} والمعنى: أن الزوجين لا ينسيان التفضل من كل واحد منهما على الآخر.
{إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الفضل والإحسان {بَصِيرٌ} لا يضيع فضلكم وإحسانكم، بل يجازيكم عليه، وإنما ختم هذه الآية بهذه الصفة الدالة على المبصرات؛ لأن ما تقدمه من العفو من المطلقات والمطلقين؛ وهو أن يدفعن شطر ما قبضن، أو يكملون لهن الصداق هو مشاهد مرئي، فناسب ذلك المجيء بالصفة المتعلقة بالمبصرات، ولما كان آخر قوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ
…
} الآية. قوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ} مما يدرك بلطف وخفاء .. ختم ذلك بقوله: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} في ختم هذه الآية بقوله: {إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} وعد جميل للمحسن، وحرمان لغير المحسن.
الإعراب
{وَالْوَالِدَاتُ} : مبتدأ. {يُرْضِعْنَ} : فعل وفاعل، والجملة في محل الرفع خبر المبتدأ تقديره: والوالدات مرضعات، والجملة مستأنفة. {أَوْلَادَهُنَّ}: مفعول به ومضاف إليه. {حَوْلَيْنِ} : منصوب على الظرفية، والظرف متعلق بـ {يُرْضِعْنَ}. {كَامِلَيْنِ}: صفة لـ {حَوْلَيْنِ} مؤكدة له. {لِمَنْ} : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف؛ تقديره: ذلك المذكور من إرضاع حولين كائن لمن {أَرَادَ} : فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على {من} ، والجملة صلة {من} الموصولة، والعائد ضمير الفاعل. {أَنْ يُتِمَّ}:{أن} : حرف مصدر. {يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} : فعل ومفعول منصوب بـ {أن} ، وفاعله ضمير يعود على {من} ، وجملة {أن} مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على المفعولية؛ تقديره: لمن أراد إتمام الرضاعة.
{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} .
{وَعَلَى} {الواو} : عاطفة. {على المولود} : جار ومجرور خبر مقدم. {لَهُ} : نائب فاعل لـ {المولود} . {رِزْقُهُنَّ} : مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَالْوَالِدَاتُ} . {وَكِسْوَتُهُنَّ} : معطوف على {رِزْقُهُنَّ} . {بِالْمَعْرُوفِ} : جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من {رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} ، والعامل (1) فيها معنى الاستقرار في على، والتقدير: حالة كونهما ملتبسين بالمعروف.
{لَا} : نافية. {تُكَلَّفُ نَفْسٌ} . فعل ونائب فاعل، والجملة معترضة لاعتراضها بين المعطوف الذي هو قوله:{وَعَلَى الْوَارِثِ} ، وبين المعطوف عليه الذي هو قوله:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} ، أو في محل الجر بلام التعليل المقدرة؛ لأنها
(1) العكبري.
علة لقوله: {بِالْمَعْرُوفِ} . {إِلَّا وُسْعَهَا} . {إلّا} أداة استثناء مفرغ. {وُسْعَهَا} (1): مفعول ثانٍ ومضاف إليه، وليس بمنصوب على الاستثناء؛ لأن {تُكَلَّفُ} يتعدى إلى مفعولين، ولو رفع الوسع هنا .. لم يجز؛ لأنه ليس ببدل. {لَا تُضَارَّ}:{لَا} : نافية، أو ناهية. {تُضَارَّ}: فعل مضارع مبني للمفعول، أو للفاعل مرفوع، أو مجزوم {وَالِدَةٌ}: نائب فاعل، أو فاعل، والجملة يجري فيها مثل ما جرى في قوله:{لَا تُكَلَّفُ} . {بِوَلَدِهَا} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {تُضَارَّ} . {وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ} : معطوف على {وَالِدَةٌ} . {بِوَلَدِهِ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {تضار} . {وَعَلَى الْوَارِثِ} : الواو: عاطفة {على الوارث} : جار ومجرور خبر مقدم. {مِثْلُ ذَلِكَ} : مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} .
{فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} .
{فَإِنْ} {الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت أن مدة الرضاع التام حولان كاملان، وأردت بيان حكم ما إذا أرادا النقص عنهما .. فأقول لك {إن}: حرف شرط جازم {أَرَادَا} : فعل وفاعل في محل الجزم بـ {إن} . {فِصَالًا} : مفعول به. {عَنْ تَرَاضٍ} : جار ومجرور صفة لـ {فِصَالًا} تقديره: فصالًا كائنًا عن تراضٍ منهما، أو متعلق بـ {أَرَادَا}. {مِنْهُمَا}: جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لـ {تراض} تقديره: عن تراض كائن منهما. {وَتَشَاوُرٍ} : معطوف على {تَرَاضٍ} {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} : {الفاء} : رابطة لجواب {إن} الشرطية وجوبًا، {لا}: نافية تعمل عمل {إن} ، {جُنَاحَ} اسمها {عليهما}: خبرها، وجملة {لا} في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {إن} الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة.
(1) العكبري.
{وَإِنْ} {الواو} : عاطفة. {إن} : حرف شرط جازم. {أَرَدْتُمْ} فعل وفاعل في محل الجزم بـ {إن} على كونها فعل شرط لها. {أَنْ} : حرف نصب ومصدر {تَسْتَرْضِعُوا} : فعل وفاعل منصوب بـ {أن} . {أَوْلَادَكُمْ} : مفعول أول ومضاف إليه، والمفعول الثاني محذوف؛ تقديره: مرافع، وجملة {أَن} المصدرية في تأويل مصدر منصوب على المفعولية؛ تقديره: وإن أردتم استرضاع أولادكم {فَلَا جُنَاحَ} : {الفاء} : رابطة {لا} : نافية. {جُنَاحَ} : اسمها. {عَلَيْكُمْ} : خبرها، وجملة {لا} في محل الجزم بـ {إن} على كونها فعل شرط لها، وجملة {إن} الشرطية في محل النصب معطوفة على جملة قوله:{فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا} . {إِذَا} ظرف لما يستقبل من الزمان مجرد عن معنى الشرط. {سَلَّمْتُمْ} : فعل وفاعل والجملة في محل الخفض بإضافة {إِذَا} إليها تقديره: فلا جناح عليكم وقت تسليمكم. {مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ} ، والظرف متعلق بالاستقرار الذي تعلق به خبر {لا} ويحتمل كونها شرطية وجوابها معلوم مما قبلها. {مَا}: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول به. {آتَيْتُمْ}: فعل وفاعل، وهو بمعنى أعطى ينصب مفعولين، ومفعولاه محذوفان تقديره: ما أتيتموهن إياه. {بِالْمَعْرُوفِ} : جار ومجرور متعلق بـ {سلمتم} ، أو بـ {أتيتم} ، أو بمحذوف حال من فاعل {سَلَّمْتُمْ} ، أو من فاعل {آتَيْتُمْ} تقديره: متلبسين بالمعروف، وجملة {آتَيْتُمْ} صلة لـ {ما} ، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره إياه.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} .
{وَاتَّقُوا} {الواو} : استئنافية. {اتَّقُوا اللَّهَ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة. {وَاعْلَمُوا} الواو: عاطفة. {اعْلَمُوا} فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة {وَاتَّقُوا}. {أَنَّ اللَّهَ}:{أن} : حرف نصب. {اللَّهَ} : اسمها. {بِمَا} : جار ومجرور متعلق بـ {بصير} الآتي. {تَعْمَلُونَ} : فعل وفاعل، والجملة صلة لـ {ما} ، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما تعملونه. {بَصِيرٌ} : خبر {أَنَّ} ، وجملة {أَنَّ} في تأويل مصدر سادٍ مسد مفعولي {اعلموا} تقديره: واعلموا كون الله بصيرًا بما تعملون.
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} .
{وَالَّذِينَ} {الواو} : استئنافية. {الذين} : مبتدأ، ولكنه على تقدير مضاف كما سبق تقديره: وأزواج الذين. {يُتَوَفَّوْنَ} : فعل مغيّر ونائب فاعل على قراءة الجمهور، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الغائب. {مِنْكُمْ}: جار ومجرور حال من ضمير الغائب تقديره: حال كونهم كائنين من رجالكم.
{وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} .
{وَيَذَرُونَ} الواو: عاطفة. {يذرون} : فعل وفاعل. {أَزْوَاجًا} : مفعول به، والجملة معطوفة على جملة {يُتَوَفَّوْنَ}. {يَتَرَبَّصْنَ}: فعل وفاعل، {بِأَنْفُسِهِنَّ}:{الباء} : زائدة. {أنفسهن} : توكيد لنون الفاعل، أو الباء سببية متعلقة بـ {يتربصن} كما مرت الإشارة إليه. {أَرْبَعَةَ}: منصوب على الظرفية، وهو مضاف. {أَشْهُرٍ}: مضاف إليه {وَعَشْرًا} : معطوف على {أَرْبَعَةَ} ، وجملة {يَتَرَبَّصْنَ} في محل الرفع خبر المبتدأ تقديره: أزواج الذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا متربصات بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا، والجملة مستأنفة وفيه أوجه كثيرة من الإعراب، وهذا الذي ذكرناه أرجحها.
{فَإِذَا} {الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم مدة تربصهن في العدة، وأردتم بيان حكم ما إذا انقضت المدة .. فأقول لكم. {إذا}: ظرف لما استقبل من الزمان. {بَلَغْنَ} : فعل وفاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة {إذا} إليها، والظرف متعلق بالجواب. {أَجَلَهُنَّ} ظرف ومضاف إليه متعلق بـ {عَلَيْكُمْ} ، {فَلَا جُنَاحَ}:{الفاء} : رابطة. {لا} : نافية. {جُنَاحَ} : اسمها. {عَلَيْكُمْ} : خبرها، والجملة جواب إذا لا محل لها من الإعراب، وجملة إذا في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة. {فِيمَا}: جار ومجرور متعلق بالاستقرار الذي تعلق به خبر {لا} . {فَعَلْنَ} : فعل وفاعل، والجملة صلة لـ {ما} ، أو صفة لها، والعائد أو الرابط
محذوف تقديره: فيما فعلنه. {فِي أَنْفُسِهِنَّ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بفعلن {بِالْمَعْرُوفِ} : جار ومجرو حال من الضمير المحذوف من {فَعَلْنَ} تقديره: حال كون ما فعلنه متلبسًا بالمعروف. {وَاللَّهُ} : الواو: استئنافية. {الله} . مبتدأ. {بِمَا} جار ومجرور متعلق بـ {خَبِيرٌ} الآتي {تَعْمَلُونَ} فعل وفاعل، والجملة صلة لـ {ما} ، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: بما تعملونه. {خَبِيرٌ} : خبر المبتدأ، والجملة مستأنفة.
{وَلَا} {الواو} : استئنافية. {لا} : نافية. {جُنَاحَ} : اسمها. {عَلَيْكُمْ} : خبرها، والجملة مستأنفة. {فِيمَا}: جار ومجرور متعلق بالاستقرار الذي تعلق به خبر {لا} . {عَرَّضْتُمْ} : فعل وفاعل. {بِهِ} : متعلق به، والجملة صلة لـ {ما} ، أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير {بِهِ} {مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ}: جار ومجرور ومضاف إليه حال من ضمير {بِهِ} . {أَوْ} : حرف عطف وتقسيم {أَكْنَنْتُمْ} فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة {عَرَّضْتُمْ}. {فِي أَنْفُسِكُمْ}؛ جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {أَكْنَنْتُمْ}. {عَلِمَ اللَّهُ}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، {أَنَّكُمْ} {أن}: حرف نصب ومصدر {الكاف} اسمها. {سَتَذْكُرُونَهُنَّ} : فعل وفاعل ومفعول به، والجملة في محل الرفع خبر {أن} تقديره: أنكم ذاكرون إياهن، وجملة {أن} من اسمها وخبرها سادة مسد مفعولي {عَلِمَ}؛ تقديره: علم الله ذكركم إياهن.
{وَلَكِنْ} الواو: استئنافية. {لكن} : حرف استدراك {لَا} : نافية. {تُوَاعِدُوهُنَّ} : فعل وفاعل ومفعول أول مجزوم بـ {لا} الناهية. {سِرًّا} : مفعول ثان، والجملة الفعلية جملة استدراكية لا محل لها من الإعراب استدرك بها عن محذوف تقديره: علم أنكم ستذكروهن فاذكروهن، ولكن لا تذكروا لهن صريح
الخطبة. {إِلَّا} : أداة استثناء منقطع. {أَنْ} : حرف نصب. {تَقُولُوا} : فعل وفاعل منصوب بـ {أن} {قَوْلًا} : منصوب على المصدرية. {مَعْرُوفًا} : صفة له، وجملة {أَن} مع صلتها في تأويل مصدر على الاستثناء تقديره: إلا قولكم قولًا معروفًا في الشرع، وهو التعريض. {وَلَا تَعْزِمُوا}: الواو: استئنافية {لا} : ناهية. {تَعْزِمُوا} : فعل وفاعل مجزوم بـ {لا} الناهية. {عُقْدَةَ} : مفعول به وهو مضاف. {النِّكَاحِ} : مضاف إليه، والجملة مستأنفة. {حَتَّى}: حرف جر وغاية. {يَبْلُغَ الْكِتَابُ} : فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة. {أَجَلَهُ} : ظرف ومضاف إليه، والظرف متعلق بـ {يبلغ} ، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بـ {حتى} بمعنى إلى تقديره، إلى بلوغ الكتاب أجله، الجار والمجرور متعلق بـ {لا تعزموا} .
{وَاعْلَمُوا} الواو: استئنافية. {اعلموا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {أَنَّ}: حرف نصب. {اللَّهَ} : اسمها {يَعْلَمُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {الله}. {ما}: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول به لـ {يَعْلَمُ}؛ لأنه بمعنى يعرف. {فِي أَنْفُسِكُمْ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بمحذوف صلة لـ {ما} ، أو صفة لها، وجملة {يَعْلَمُ} في محل الرفع خبر {أَنَّ} ، وجملة {أَنَّ} في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي {اعلموا} تقديره: واعلموا علم الله ما في أنفسكم. {فَاحْذَرُوهُ} : {الفاء} : حرف عطف وترتيب، {احذروه}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة {اعلموا}. {وَاعْلَمُوا}: الواو: عاطفة. {اعلموا} : فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ}. {أَنَّ}: حرف نصب {اللَّهَ} : اسمها. {غَفُورٌ} : خبر أول لها {حَلِيمٌ} : خبر ثان، وجملة {أن} في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي {اعلموا} تقديره: واعلموا كون الله غفورًا رحيمًا.
{لا} : نافية. {جناح} : اسمها. {عَلَيْكُمْ} : خبرها، والجملة مستأنفة
{إن} : حرف شرط جازم. {طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} : فعل وفاعل ومفعول في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها فعل شرط لها، وجواب {إن} معلوم مما قبلها تقديره: إن طلقتم النساء .. فلا جناح عليكم {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} ، {ما}: شرطية بمعنى إن، {لَمْ}: حرف جزم ونفي {تَمَسُّوهُنَّ} : فعل وفاعل ومفعول مجزوم بـ {لم} ، والجملة في محل الجزم بـ {ما} الشرطية على كونها فعل شرط لها، وجواب {مَا} الشرطية معلوم من السياق أيضًا تقديره: إن لم تمسوهن .. فلا جناح عليكم إن طلقتموهن، وجعل {ما} شرطية قيدًا للشرط الأول أَوْلَى من جعلها مصدرية كما مر. {أَوْ}: حرف عطف وتفصيل. {تَفْرِضُوا} : فعل وفاعل معطوف على {تَمَسُّوهُنَّ} ، {لَهُنَّ}: جار ومجرور متعلق به {فَرِيضَةً} : مفعول به.
{وَمَتِّعُوهُنَّ} {الواو} : عاطفة. {متعوهن} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على محذوف تقديره: فطلقوهن ومتعوهن. {عَلَى الْمُوسِعِ} : جار ومجرور خبر مقدم. {قَدَرُهُ} : مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة معترضة لا محل لها من الإعراب؛ لاعتراضها بين الفعل والمفعول المطلق، أو حال من فاعل {متعوهن} ، ولكن مع تقدير رابط تقديره: ومتعوهن حالة كون قدره كائنًا على الموسع منكم. {وَعَلَى الْمُقْتِرِ} : خبر مقدم، {قَدَرُهُ}: مبتدأ مؤخر، والجملة معطوفة على جملة قوله:{عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} . {مَتَاعًا} : مفعول مطلق منصوب بـ {متعوهن} ، {بِالْمَعْرُوفِ}: جار ومجرور صفة لـ {متاعًا} تقديره: متاعًا كائنًا بالمعروف. {حَقًّا} : صفة ثانية لـ {متاعا} ، أو مصدر مؤكد عامله محذوف تقديره: حق ذلك التمتيع حقًّا. {عَلَى الْمُحْسِنِينَ} : جار ومجرور متعلق بالناصب للمصدر.
{وَإِنْ} الواو: استئنافية. {إن} : حرف شرط. {طَلَّقْتُمُوهُنَّ} : فعل وفاعل ومفعول في محل الجزم على كونه فعل شرط لها. {مِنْ قَبْلِ} : جار ومجرور متعلق بـ {طَلَّقْتُمُوهُنَّ} ، أن: حرف نصب ومصدر. {تَمَسُّوهُنَّ} : فعل وفاعل ومفعول منصوب بـ {أن} ، وجملة {أن} مع صلتها في تأويل مصدر مجرور
بإضافة الظرف إليه تقديره: من قبل مسكم إياهن. {وَقَدْ فَرَضْتُمْ} الواو: حالية. {قد} : حرف تحقيق. {فَرَضْتُمْ} : فعل وفاعل. {لَهُنَّ} : جار ومجرور متعلق به {فَرِيضَةً} : مفعول به، والجملة في محل النصب حال من فاعل {طَلَّقْتُمُوهُنَّ} تقديره: حالة كونكم فارضين لها فريضة. {فَنِصْفُ} : {الفاء} : رابطة، {نصف}: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: فالواجب عليكم نصف ما فرضتم، والجملة الإسمية في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {إن} الشرطية مستأنفة {نصف}: مضاف. {مَا} موصولة، أو موصوفة في محل الجر مضاف إليه. {فَرَضْتُمْ}: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ {ما} ، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف؛ تقديره: ما فرضتموه.
{إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} .
{إِلَّا} : أداة استثناء منقطع، {أَن}: حرف نصب ومصدر، {يَعْفُونَ}: فعل مضارع في محل النصب بـ {أن} مبني على السكون لاتصاله بنون الإناث، ونون الإناث في محل الرفع فاعل، والواو فيه لام الكلمة لا واو الجماعة، والجملة الفعلية صلة {أَن} المصدرية {أَن} مع صلتها في تأويل مصدر، ولكن الكلام على حذف أمرين: حرف الجر ومضاف للمصدر، والتقدير: فنصف ما فرضتم إلا في حال عفوهن، أو عفو الزوج .. فلا تنصيف بل يجب الكل، أو يسقط الكل، فالاستثناء منقطع؛ لأن عفوهن عن النصف، وسقوطه ليس من جنس استحقاقهن له، وقيل (1): الاستثناء متصل على أنه استثناء من أعم الأحوال؛ أي: فنصف ما فرضتم في كل حال إلا في حال عفوهن، وعفو الذي بيده عقدة النكاح، ونظيره قوله تعالى:{لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} لكن لا يصح على مذهب سيبويه أن تكون أن وصلتها حالًا، فتعين أن يكون منقطعًا. اهـ "كرخي". {أَوْ يَعْفُوَ}:{أَوْ} : حرف عطف وتفصيل. {يَعْفُوَ} . فعل مضارع معطوف على {يَعْفُونَ} . {الَّذِي} فاعل. {بِيَدِهِ} : جار ومجرور ومضاف إليه خبر مقدم. {عُقْدَةُ النِّكَاحِ} مبتدأ مؤخر ومضاف إليه، والجملة الإسمية صلة الموصول،
(1) الجمل.
والعائد ضمير {بِيَدِهِ} .
{وَأَنْ} الواو: استئنافية. {أن} حرف نصب ومصدر. {تَعْفُوا} فعل مضارع منصوب بحذف النون، والواو فاعل، والفعل مع أن المصدرية في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء تقديره: وعفوكم. {أَقْرَبُ} : خبره. {لِلتَّقْوَى} : متعلق بـ {أقرب} ، والجملة الإسمية مستأنفة. {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ}: الواو: استئنافية، أو عاطفة {لا}: ناهية جازمة. {تَنْسَوُا} : فعل وفاعل مجزوم بـ {لا} الناهية. {الْفَضْلَ} : مفعول به، والجملة معطوفة على ما قبلها، أو مستأنفة. {بَيْنَكُمْ}: ظرف ومضاف إليه، والظرف متعلق بـ {تنسوا} ، أو حال من {الْفَضْلَ} تقديره: حال كونه كائنًا بينكم {إِنَّ اللَّهَ} {إِنَّ} : حرف نصب وتوكيد {اللَّهَ} : اسمها. {بِمَا} جار ومجرور متعلق بـ {بصير} . {تَعْمَلُونَ} : فعل وفاعل، والجملة صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: تعملونه. {بَصِيرٌ} : خبر. {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} في محل الجر بلام التعليل المقدرة؛ لأنها معللة لما قبلها.
التصريف ومفردات اللغة
{يُرْضِعْنَ} : مضارع أرضعته أمه، وهو من مزيد الثلاثي، يقال: رضع يرضع رضعًا ورضاعًا ورضاعةً إذا مص الثدي لشرب لبنه، ويقال للئيم: راضع؛ وذلك لشدة بخله، لا يحلب الشاة مخافة أن يسمع منه الحلب، فيطلب منه اللبن، فيرضع ثدي الشاة حتى لا يفطن به.
{حَوْلَيْنِ} : والحول السنة يجمع على أحوال، ويقال: أحول الشيء إذا مضى له حول.
{وَكِسْوَتُهُنَّ} : والكسوة اللباس، يقال منه: كسا يكسو، وفعله يتعدى إلى مفعولين، تقول: كسوت زيدًا جبة.
{لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ} : هو مضارع كلف الرباعي، يقال: كلف يكلف تكليفًا،
والتكليف الإلزام.
{وَعَلَى الْوَارِثِ} : الوارث معروف، يقال منه: ورِث يرث بكسر الراء في الماضي والمضارع وقياسها في المضارع الفتح، ويقال في فعله: أرث يرث إرثًا كما يقال: أنشده في ولده، والأصل الواو.
{فِصَالًا} : مصدر فصله يفصله فصلًا وفصالًا إذا فطمه ومنعه عن ثدي أمه.
{وَتَشَاوُرٍ} : هو مصدر تشاور من باب تفاعل الخماسي، والتشاور في اللغة: التأمل والإمعان للنظر واستخراج الرأي من قولهم: شرت العسل أشوره إذا اجتنيته، فكان كل واحد من المتشاورين أظهر ما في قلبه للآخر.
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ} : مأخوذ من توفيت الدين إذا قبضته، يقال: توفيت مالي من فلان واستوفيته إذا أخذته وقبضته، والمعنى هنا: والذين يُقبضون؛ أي: نقبض أرواحهم.
{وَيَذَرُونَ} : يذر معناه: يترك، ويستعمل منه الأمر، ولا يستعمل منه اسم الفاعل ولا اسم المفعول، وجاء الماضي منه على طريق الشذوذ.
{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} : خبير من صيغ المبالغة؛ لأنه على زنة فعيل، من خبرت الشيء إذا علمته، ولهذه المادة يرجع الخبر؛ لأنه الشيء المعلم به، والخبار: الأرض اللينة.
{فِيمَا عَرَّضْتُمْ} من التعريض، والتعريض: الإشارة والتلويح إلى الشيء من غير تصريح إظهار وكشف، وأصله: إمالة الكلام عن نهجه إلى عُرض منه - بضم العين - أي: جانب، وقد سبق لك الفرق بين التصريح والتعريض والكناية.
{مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} والخِطبة - بكسر الخاء كالقِعدة والجلسة -: ما يفعله الخاطب من الطلب والاستلطاف بالقول والفعل، فقيل: هي مأخوذة من الخطب؛ أي: الشأن الذي هو خطر؛ لما أنها شأن من الشؤون ونوع من الخطوب، وقيل: من الخطاب لأنها نوع مخاطبة تجري بين جانب الرجل وجانب المرأة، وفي "السمين": والخطبة في الأصل مصدر بمعنى الخطب، والخطب: الحاجة، ثم خصت بالتماس النكاح؛ لأنه بعض الحاجات، يقال: ما خطبك؛ أي: شأنك اهـ.
{أَوْ أَكْنَنْتُمْ} يقال: أكنَّ في نفسه شيئًا؛ أي: أخفاه، وكنّ الشيء بثوب؛ أي: ستره به، فالهمزة في أكن للتفرقة بين الاستعمالين، كأشرقت وشرقت.
{عُقْدَةَ النِّكَاحِ} العقدة: في الحبل والغصن، يقال: عقدت الحبل والعهد، وأَعقدتُ العسلَ من العقد، وهو الشد، قال الراغب: العقدة اسم لما يعقد من نكاح أو يمين أو غيرهما.
{وَعَلَى الْمُقْتِرِ} والمقتر: المقل اسم فاعل من أقتر الرجل إذا أفقر، ويقال: قتر يقتر ويقتر قترًا وقترةً وقتارًا. {قَدَرُهُ} القدَر بالفتح والقدْر بالتسكين لغتان، وقد قرئ بهما في المتواتر، وقيل: القدْر بالتسكين: الطاقة، وبالتحريك المقدار. {مَتَاعًا}: اسم مصدر لمتّع الرباعي، والمصدر التمتيع، واسم المصدر يجري مجرى المصدر. {حَقًّا}: مصدر حق الشيء حقًّا إذا ثبت.
{فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} النصف: هو الجزء من اثنين على السواء، ويقال: بكسر النون وضمها، ونصيف، ومنه حديث:"ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه"؛ أي: نصفه، كما يقال: ثمن وثمين وعشر وعشير، ويقال: نصَفَ النهار ينصف ونصفَ الماء القدح، والإزار الساق، والغلام القرآن، وحكى الفراء في جميع هذا أنصف.
{إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} فعل مسند إلى جماعة الإناث، فالواو فيه لام الكلمة، والنون ضمير النسوة، فوزنه يفعلن نظير يخرجن.
فائدة: والفرق بين قولهم: الرجال يعفون، والنساء يعفون: أن قولهم: الرجال يعفون {الواو} فيه ضمير جماعة الذكور، وحذفت قبلها واو أخرى هي لام الكلمة، فإن الأصل يعفوون بوزن يخرجون فاستثقلت الضمة على {الواو} الأولى، فحذفت الضمة، فبقيت ساكنة وبعدها واو الضمير ساكنة أيضًا، فحذفت {الواو} الأولى؛ لئلا يلتقي ساكنان، فوزنه يفعون، والنون علامة الرفع، فإنه من الأمثلة الخمسة، وأن قولهم: النساء يعفون {الواو} فيه لام الفعل، والنون ضمير جماعة الإناث، والفعل معها مبني على السكون، لا يظهر للعامل فيه أثر، فوزنه يفعلن.
{أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} وتاء التقوئ مبدلة من واو، وواوها مبدلة من ياء؛ لأنه من وقيت.
البلاغة
{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} ؛ أي: ليرضعن، فالآية خبر بمعنى الأمر أتى به بلفظ الخبر مبالغة في الحث على تحقيقه، كما مر نظيره في قوله:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} .
{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} : فيه لطيفة، وهو: أنه لما كلف بمؤن المرضعة لولده من الرزق والكسوة .. ناسب أن يسلي بأن ذلك الولد هو ولد لك لا لأمه، وأنك الذي تنتفع به في التناصر وتكثير العشيرة، وأن لك عليه الطواعية كما كان عليك لأجله كلفة الرزق والكسوة لمرضعته.
{لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} وإنما أتى بالجملتين فعليتين، وأدخل عليهما حرف النفي الذي هو {لا} للموضوع للاستقبال غالبًا؛ لأن تكليف النفس فوق الطاقة، ومضارة أحد الزوجين الآخر مما يتجدد كل وقت.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ} فيه مبالغة في المحافظة على ما شرع في أمر الأطفال والمراضع.
وفي هذه الآية ضروب من البيان والبديع (1):
منها: تلوين (2) الخطاب ومعدوله في قوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} فإنه خبر معناه الأمر على قول الأكثر والتأكيد بـ {كَامِلَيْنِ} ، والعدل عن رزق الأولاد إلى رزق أمهاتهم؛ لأنهن سبب توصل ذلك، والإيجاز في قوله:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} ، وتلوين الخطاب في قوله:{وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ} فإنه خطاب للآباء
(1) البحر المحيط.
(2)
التلوين: تغيير أسلوب الكلام إلى أسلوب آخر.
والأمهات، ثم قال:{إِذَا سَلَّمْتُمْ} وهو خطاب للآباء خاصة.
ومنها: الحذف في قوله: {أَنْ تَسْتَرْضِعُوا} التقدير: مراضع للأولاد، وفي قوله:{إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ} .
{وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} ذكر العزم للمبالغة في النهي عن مباشرة النكاح، فإذا نهى عنه كان النهي عن الفعل من باب أولى.
قوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا
…
} الآية، تضمنت هذه الآية ضروبًا من البديع (1):
منها: معدول الخطاب: وهو أن الخطاب بقوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} عام، والمعنى على الخصوص.
ومنها: النسخ: إذ هي ناسخة للحول على قول الأكثرين.
ومنها: الاختصاص: وهو أن يخص عددًا، فلا يكون ذلك إلا لمعنى، وذلك في قوله:{أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} .
ومنها: الكناية في قوله: {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} كنى بالسر عن النكاح؛ وهي من أبلغ الكنايات.
ومنها: التعريض في قوله: {يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ} .
ومنها: التهديد بقوله: {فَاحْذَرُوهُ} .
ومنها: الزيادة في الوصف بقوله: {غَفُورٌ حَلِيمٌ} .
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
(1) البحر المحيط.
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
المناسبة
قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ
…
} الآية، والذي (1) يظهر في مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه تعالى لمّا ذكر جملة كثيرة من أحوال الأزواج والزوجات، وأحكامهم في النكاح والوطء والإيلاء، والطلاق والرجعة والإرضاع، والنفقة والكسوة والعدد، والخطبة والمتعة والصداق والتشطير، وغير ذلك، وكانت تكاليف عظيمة تشغل من كلفها أعظم شغل بحيث لا يكاد يسع معها شيء من الأعمال، وكان كل من الزوجين قد أوجب عليه للآخر ما يستفرغ فيه الوقت، ويبلغ منه الجهد، وأمر كلا منهما بالإحسان إلى الآخر حتى في حالة الفراق، وكانت مدعاة إلى التكاسل عن الاشتغال بالعبادة إلا لمن وفقه الله تعالى .. أمر تعالى بالمحافظة على الصلوات التي هي الوسيلة العظمى بين الله وبين عبده، وإذا كان قد أمر بالمحافظة على أداء حقوق الآدميين .. فلأن يؤمر بأداء حقوق الله تعالى أولى وأحق ولذلك جاء: فدين الله أحق أن يقضى، فكأنه قيل: لا يشغلنكم التعلق بالنساء وأحوالهن عن أداء ما فرض الله عليكم، فمع
(1) البحر المحيط.
تلك الأشغال العظيمة لا بد من المحافظة على الصلاة حتى في حالة الخوف، فلا بد من أدائها رجالًا أو ركبانًا، وإن كانت حالة الخوف أشد من حالة الاشتغال بالنساء، فإذا كانت هذه الحالة الشاقة جدًّا لا بد معها من الصلاة .. فأحرى ما هو دونها من الأشغال المتعلقة بالنساء.
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ
…
} مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه تعالى متى ذكر شيئًا من الأحكام التكليفية .. أعقب ذلك بشيء من القصص على سبيل الاعتبار للسامع، فيحمله ذلك على الانقياد، وترك العناد، وكان تعالى قد ذكر أشياء من أحكام الموتى ومن خلفوا، فأعقب ذلك بذكر هذه القصة العجيبة، وكيف أمات الله هؤلاء الخارجين من ديارهم، ثم أحياهم في الدنيا.
وقيل: مناسبة هذه الآية لما قبلها: هو أنه تعالى لمّا ذكر {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242)} .. ذكر هذه القصة؛ لأنها من عظيم آياته وبدائع قدرته.
قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
…
} مناسبتها لما قبلها: أنه تعالى لمّا ذكر في الآية السابقة قصة الأمم الماضية وفرارهم من الموت .. ذكر هذه الآية مخاطبًا لهذه الأمة بالجهاد في سبيل الله، ومنبهًا لهم على أن لا يفروا من الموت كفرار أولئك، وتشجيعًا لهم وتثبيتا.
قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه تعالى لما أمر بالقتال في سبيل الله، وكان ذلك مما يفضي إلى بذل النفوس والأموال في إعزاز دين الله .. أثنى على من بذل شيئًا من ماله في طاعة الله، وكان هذا أقل حرجًا على المؤمنين؛ إذ ليس فيه إلا بَذْلُ المال دون النفس، فأتى بهذه الجملة الاستفهامية المتضمنة معنى الطلب.
أسباب النزول
قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ
…
} الآية، أخرج (1) أحمد والبخاري في "تاريخه" وأبو داود والبيهقي وابن جرير عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي الظهر بالهاجرة، وكانت أثقل الصلاة على أصحابه، فنزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى
…
}.
وأخرج أحمد والنسائي، وابن جرير عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي الظهر بالهجير، فلا يكون وراءه إلا الصف والصفان، والناس في قائلتهم وتجارتهم، فأنزل الله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى
…
}.
وأخرج الأئمة الستة وغيرهم عن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة، يكلم الرجل منا صاحبه، وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: كانوا يتكلمون في الصلاة، وكان الرجل يأمر أخاه بالحاجة، فأنزل الله: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ
…
}.
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا
…
} الآية، أخرج إسحاق بن راهويه في "تفسيره" عن مقاتل بن حبان: أن رجلًا من أهل الطائف قدم المدينة، وله أولاد رجال ونساء، ومعه أبواه وامرأته، فمات بالمدينة، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأعطى أولاده بالمعروف، ولم يعط امرأته شيئًا غير أنهم أمروا أن ينفقوا عليها من تركة زوجها إلى الحول، وفيه نزلت: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا
…
} الآية.
قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ
…
} الآية، أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: لما نزلت: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} قال رجل: إن أحسنت فعلت، وإن لم أرد ذلك لم أفعل، فأنزل
(1) لباب النقول.