المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فريقًا؛ لأنها تفرق بين الناس، وقيل في الكلام تقديم وتأخير - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: فريقًا؛ لأنها تفرق بين الناس، وقيل في الكلام تقديم وتأخير

فريقًا؛ لأنها تفرق بين الناس، وقيل في الكلام تقديم وتأخير والتقدير: لتأكلوا أموال فريق من الناس {بِالْإِثْمِ} ؛ أي: بالظلم والعدوان، وقال ابن عباس رضي الله عنهم باليمين الكاذبة، وقيل: بشهادة الزور {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ؛ أي: حال كونكم عالمين أن ذلك باطل ليس من الحق في شيء فالإقدام على القبيح مع العلم بقبحه أقبح، وصاحبه بالتوبيخ أحق.

وعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع جلبة خصم بباب حجرته، فخرج إليهم، فقال:"إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضهم ألحن بحجته من بعض، فأحسب أنه صادق، فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها" متفق عليه.

ويستفاد من الآية: أن أكل أموال الناس بالوجه الباطل حرام، فأكله (1) بالباطل على وجوه:

الأول: أن يأكله بطريق التعدي والنهب والغصب.

الثاني: أن يأكله بطريق اللهو كالقمار وأجرة المغني، وثمن الخمر والملاهي ونحو ذلك.

الثالث: أن يأكله بطريق الرشوة في الحكم، وشهادة الزور.

الرابع: الخيانة، وذلك في الوديعة والأمانة ونحو ذلك، وإنما عبر عن أخذ المال بالأكل؛ لأنه المقصود الأعظم، ولهذا وقع في التعارف: فلان يأكل أموال الناس؛ بمعنى: يأخذها بغير حلها.

‌189

- ولما سأل معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم الأنصاريان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله، ما بال الهلال يبدو دقيقًا، ثم يزيد حتى يمتليء نورًا، ثم لا يزال ينقص حتى يعود دقيقًا كما بدأ، ولا يكون على حالة واحدة كالشمس؟ نزل قوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ} ؛ أي: يسألك الناس يا محمد {عَنِ} حكمة اختلاف {الْأَهِلَّةِ} بالزيادة والنقصان لماذا؟ وقرأ (2) الجمهور {عَنِ الْأَهِلَّةِ} بكسر النون

(1) الخازن.

(2)

البحر المحيط.

ص: 181

وإسكان لام الأهلة بعدها همزة وورش على أصله من نقل حركة الهمزة وحذف الهمزة، وقرىء شاذًا بإدغام نون عن في لام الأهلة بعد النقل والحذف، و {الْأَهِلَّةِ} جمع هلال، وهو اسم لما يبدو أول الشهر، ويسمى بالهلال ليلتين أو ثلاثًا، وبعد ذلك يسمى: قمرًا، وسمي هلالًا؛ لأن الناس يرفعون أصواتهم عند رؤيته، وإنما جمعها نظرًا إلى هلال كل شهر، أو كل ليلة تنزيلًا لاختلاف الأوقات منزلة اختلاف الذوات.

{قُلْ} لهم يا محمد {هِيَ} : الأهلة {مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} ؛ أي: علامات لأوقات أغراض الناس الدينية والدنيوية {و} علامات لأوقات {الحج} ؛ يعني أن الحكمة في زيادة القمر ونقصانه: زوال الالتباس عن أوقات أغراض الناس في متاجرهم وآجال ديونهم وعدد نسائهم، وأيام حيضهن، وأجور أجرائهم، ومدد حواملهم، وصومهم وفطرهم، وأوقات زرعهم، ودخول وقت الحج وخروجه، وإنما أفرد الحج بالذكر مع دخوله في بقية الأغراض .. اعتناء بشأنه من حيث أن الوقت أشد لزومًا له من بقية العبادات: وذلك لأنه لا يصح فعله أداء ولا قضاء إلا في وقته المعلوم، وأما غيره من العبادات، فلا يتقيد قضاؤه بوقت أدائه، وقرأ الجمهور:{وَالْحَجِّ} بفتح الحاء، وقرأ ابن أبي إسحاق - شذوذًا - بكسرها في جميع القرآن.

{وَلَيْسَ الْبِرُّ} والخير {بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ} وتدخلوا في حال الإحرام. {مِنْ ظُهُورِهَا} وسطوحها وخلفها كما فعلوا ذلك في الجاهلية وصدر الإِسلام، فكان (1) الرجل إذا أحرم بالعمرة أو الحج .. لم يحل بينه وبين السماء شيء، فإن كان من أهل المدر .. نقب نقبًا في ظهر بيته يدخل منه، أو يتخذ سلمًا ليصعد، وإن كان من أهل الوبر .. دخل وخرج من خلف الخباء، ولا يدخل ولا يخرج من الباب، وكان إذا عرضت له حاجة في بيته .. لا يدخل من باب الحجرة من أصل سقف الباب مخافة أن يحول بينه وبين السماء شيء، فيفتح الجدار من

(1) خازن.

ص: 182