المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أسباب النزول قوله (1) تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ … } - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: أسباب النزول قوله (1) تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ … }

أسباب النزول

قوله (1) تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ

} الآية، أخرج ابن جرير عن السدي قال: نزلت في الأخنس بن شريق، أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأظهر له الإِسلام، فأعجبه ذلك منه، ثم خرج فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر؛ فأنزل الله الآية.

قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ

} أخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده، وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال: أقبل صهيب مهاجرًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاتبعه نفر من قريش، فنزل عن راحلته وانتشل ما في كنانته، ثم قال: يا معشر قريش، لقد علمتم أني مِنْ أرماكم رجلًا، وأيم الله لا تصلون إلي حتى أرمي كل سهم معي في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، ثم افعلوا ما شئتم منه، وإن شئتم دللتكم على مالي بمكة، وخليتم سبيلي. قالوا: نعم، فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال: ربح البيع أبا يحيى، ربح أبا يحيى، ونزلت:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)} .

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً

} الآية.

أخرج ابن جرير عن عكرمة قال: قال عبد الله بن سلام، وثعلبة، وابن يامين، وأَسد وأُسد ابنا كعب، وسعيد بن عمرو، وقيس بن زيد، كلهم من يهود: يا رسول الله، يوم السبت يوم نعظمه، فدعنا فلنسبت فيه، وإن التوراة كتاب الله، فدعنا فلنقم بها الليل؛ فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً

} الآية.

التفسير وأوجه القراءة

‌204

- {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ

} إلخ، هذان (2) قسمان يضمان لقوله

(1) لباب النقول.

(2)

جمل.

ص: 234

سابقًا: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ

} إلخ. فأول الأربعة: راغب في الدنيا فقط ظاهرًا وباطنًا، والثاني: راغب فيها وفي الآخرة كذلك، والثالث: راغب في الآخرة ظاهرًا وفي الدنيا باطنًا، والرابع: راغب في الآخرة ظاهرًا وباطنًا معرض عن الدنيا كذلك؛ أي: ومن بعض الناس - يا محمَّد - من يعجبك ويحبك، ويشوقك ويعظم في نفسك قوله وكلامه وحديثه {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}؛ أي: يعجبك ما يقوله في أمور الدنيا، وأسباب المعاش وما يتكلم به لطلب مصالح الدنيا؛ لأنه يطلب بادعاء المحبة حظ الدنيا، ولا يريد به الآخرة، هذا إن قلنا: إن الجار والمجرور متعلق بالقول، ويصح تعلقه بـ {يعجبك} .

والمعنى حينئذ: أي يعجبك كلامه في الدنيا حلاوة وفصاحة، ولا يعجبك في الآخرة لما يعتريه في الموقف من الدهشة والحيرة، أو لأنه لا يؤذن له في الكلام. {وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ} أنه موافق لقوله؛ أي: يحلف بالله على أن ما في قلبه من محبتك أو من الإِسلام موافق لكلامه، ويقول: الله شاهد على ما في قلبي من محبتك ومن الإِسلام، وقرأ ابن محيصن (1) شذوذًا {وَيشهدُ اللهُ} بفتح حرف المضارعة ورفع الاسم الشريف على أنه فاعل، والمعنى: ويعلم الله منه خلاف ما قال، ومثله قوله تعالى:{وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} وقراءة الجماعة أبلغ في الذم، وقرأ ابن عباس شذوذًا {واللهَ يُشْهِدُ على ما في قَلْبِهِ} ، وقرأ أبي، وابن مسعود شذوذًا أيضًا:{وَيَسْتَشْهِدُ اللهَ على ما في قلبه} .

{وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} ؛ أي: والحال أنه شديد الخصومة والعداوة لك وللمسلمين، وهو الأخنس بن شريق الثقفي، واسمه أبي كان منافقًا حسن العلانية خبيث الباطن، أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأظهر الإِسلام، وحلف بالله إنه يحبه ويتابعه في السر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدنيه من مجلسه، وعن ابن عباس (2) أنها نزلت في نفر من المنافقين تكلموا في خبيب وأصحابه الذين قتلوا بالرجيع - موضع بين مكة والمدينة - وعابوهم؛ فأنزل الله في ذم المنافقين، ومدح خبيب وأصحابه.

(1) شوكاني.

(2)

ابن كثير.

ص: 235