المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

كان نصرانيًّا، فقلنا: إنه كان حنيفًا مسلمًا، واختلفوا في عيسى، - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٣

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: كان نصرانيًّا، فقلنا: إنه كان حنيفًا مسلمًا، واختلفوا في عيسى،

كان نصرانيًّا، فقلنا: إنه كان حنيفًا مسلمًا، واختلفوا في عيسى، فاليهود فرطوا حيث أنكروا نبوته ورسالته، والنصارى أفرطوا حيث جعلوه إلهًا، وقلنا: قولًا عدلًا، وهو إنه عبد الله ورسوله.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه، فهدانا الله، فغدا لليهود وبعد غد للنصارى". متفق عليه. وفي رواية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نحن الآخرون السابقون، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا الله له - زاد النسائي: يعني يوم الجمعة - ثم اتفقا، فالناس لنا تبع: اليهود غدًا، والنصارى بعد غد".

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أضل الله عن يوم الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا، فهدانا ليوم الجمعة فجعل الله الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة نحن الآخرون من أهل الدنيا الأولون يوم القيامة المقضي لهم يوم القيامة قبل الخلائق". رواه مسلم.

{وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} هدايته {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ؛ أي: إلى طريق الحق الموصل إلى جنات النعيم، وله الحكمة (1) والحجة البالغة، وفي "صحيح" البخاري ومسلم: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يصلي يقول: "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم".

‌214

- ونزل في جهد أصاب المسلمين في غزوة الأحزاب قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} خاطب به النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بعد ما ذكر اختلاف الأمم على

(1) ابن كثير.

ص: 260

الأنبياء من بعد مجيء الآيات تشجيعًا لهم على الثبات مع مخالفيهم، و {أَمْ} فيه منقطعة، تفسر بـ {بل} وبهمزة الإنكار؛ أي: بل أظننتم يا معشر المؤمنين أن تدخلوا الجنة بمجرد الإيمان بي وتصديق رسولي {وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} ؛ أي: والحال أنه لم يصبكم شبه ما أصاب الذين مضوا من قبلكم من الأنبياء وأممهم من الشدائد والمحن، ولم تبتلوا بمثل ما ابتلوا به من النكبات، فتصبروا كما صبروا، فإنهم {مَسَّتْهُمُ} جملة مستأنفة مبينة لما قبلها؛ أي: أصابتهم {الْبَأْسَاءُ} ؛ أي: الخوف والبلايا والشدائد {وَالضَّرَّاءُ} ؛ أي: الأمراض والأوجاع والجوع {وَزُلْزِلُوا} مبني للمجهول حذف الفاعل للعلم به؛ أي: زلزلهم أعداءهم؛ أي: وحركوا بأنواع البلايا والرزايا، وأزعجوا إزعاجًا شديدًا، واستمر ذلك {حَتَّى} تناهى الأمر من الشدائد و {يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} لتناهي الشدة واستطالة المدة بحيث تقطعت حبال الصبر، وقرأ (1) نافع:{يقولُ} بالرفع على أنها حكاية حال ماضية كقولك: مرض حتى لا يرجونه، وقرأ الأعمش شذوذًا:{وزلزلوا ويقول الرسول} بالواو بدل حتى {مَتَى} يأتي لنا {نَصْرُ اللَّهِ} الذي وعدناه استبطاء له لتأخره عنهم، ومعناه: طلب النصر، واستطالة زمان الشدة، وذلك لأن الرسل أثبت من غيرهم، وأصبر وأضبط للنفس عند نزول البلاء، وكذا أتباعهم من المؤمنين.

والمعنى: أنه بلغ بهم الجهد والشدة والبلاء، ولم يبق لهم صبر، وذلك هو الغاية القصوى في الشدة، فلما بلغ بهم الحال في الشدة إلى هذه الغاية، واستبطؤوا النصر .. قيل لهم من جهة الله تعالى:{أَلَا} ؛ أي: انتبهوا {إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ} لأوليائه على أعدائه و {قَرِيبٌ} لهم لا بعيد، إجابة لهم إلى ما طلبوا من نصر عاجل، والمعنى (2): هكذا كان حالهم لم يغيرهم طول البلاء والشدة عن دينهم إلى أن يأتيهم نصر الله، فكونوا - يا معشر المؤمنين - كذلك، وتحملوا الأذى والشدة والمشقة في طلب الحق، فإن نصر الله قريب، فاصبروا كما صبروا تظفروا.

(1) البيضاوي.

(2)

الخازن.

ص: 261