الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال كعب الأحبار (1): السحاب غربال المطر، ولولا السحاب .. لأفسد المطر ما يقع عليه من الأرض، وتسخيره بعثه من مكان إلى مكان، وقيل: تسخيره ثبوته بين السماء والأرض بلا علاقة تمسكه، والآيات في ذلك: أن السحاب مع ما فيه من المياه العظيمة التي تسيل منها الأدوية الكبيرة يبقى معلقًا بين السماء والأرض بلا علاقة تمسكه، ولا دعامة تسنده.
{لَآيَاتٍ} ؛ أي: إن في جميع ما ذكر من خلق السموات والأرض إلى هنا لدلائل وبراهين عظيمة دالة على وحدانية الرب الحكيم، ودالة على القدرة القاهرة، والحكمة الباهرة، والرحمة الواسعة. قيل: وإنما جمع آيات؛ لأن في كل واحد مما ذكر من هذه الأنواع آيات كثيرة تدل على أن لها خالقًا مدبرًا مختارًا {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ؛ أي: يتفكرون فيها وينظرون إليها بعيون عقولهم، فيعرفون بأن هذه الأمور من صنع إله قادرٍ حكيم، وفيه تعريضٌ بجهلِ المشركين الذين اقترحوا على النبي صلى الله عليه وسلم آية تصدقه، وفي الحديث (2):"ويل لمن قرأ هذه الآية فمج بها"؛ أي: لم يتفكر فيها.
165
- ثم أخبر الله سبحانه وتعالى عن سوء عاقبة المشركين الذين عبدوا غير الله تعالى فقال: {وَمِنَ النَّاسِ} ؛ أي: ومن الكفار أهل الكتاب، وعبدة الأوثان {مَنْ يَتَّخِذُ}؛ أي: يعبد {مِنْ دُونِ اللهِ} ؛ أي: من غير الله {أَنْدَادًا} ؛ أي: أصنامًا وأحبارًا أندادًا؛ أي: أمثالًا وأشباه يشبه بعضها بعضًا في العجز، وعدم النفع والضر، والأحسن (3) حمل {النَّاسِ} على الطائفتين: من أهل الكتاب وعبدة الأوثان، فالأنداد باعتبار أهل الكتاب هم رؤساؤهم وأحبارهم اتبعوا ما رتبوه وشرعوه لهم من أمر ونهي، وإن خالف أمر الله ونهيه، قال تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ} والأنداد باعتبار عبدة الأوثان هي الأصنام اتخذوها آلهةً، وعبدوها من دون الله.
(1) الخازن.
(2)
البحر المحيط.
(3)
بيضاوي.
وقال المراغي: الأنداد قسمان: قسم: يتخذ شارعًا، يؤخذ رأيه في التحليل والتحريم من غير أن يكون بلاغًا من الله ورسوله، وقسمٌ: يعتمد عليه في دفع المضار، وجلب المنافع من طريق السلطة الغيبية، لا من طريق الأسباب.
{يُحِبُّونَهُمْ} ؛ أي: يود العابدون المعبودين، ويعظمونهم، ويخضعون لهم {كَحُبِّ اللهِ}؛ أي: يحبونم حبًّا كائنًا كحب الله؛ أي: كحبهم الله تعالى؛ أي: يسوون (1) بينه تعالى وبين الأصنام في الطاعة والتعظيم، ويتقربون إليهم كما يتقربون إليه تعالى إذ هم لا يرجون من الله شيئًا إلا وقد جعلوا لأندادهم ضربًا من التوسط الغيبي فيه، فهم مشركون بهذا الحب الذي لا يصدر من مؤمنٍ موحدٍ، وللمشركين أندادٌ متعددون وأرباب متفرقون، فإذا حزبه أمر، أو نزل به ضرٌّ .. لجأ إلى بشرٍ، أو حجر، فهو دائمًا مبلبل البال، لا يستقر من القلق على حال.
وقيل المعنى (2): يحبون الأصنام كما يحب المؤمنون ربهم عز وجل، ومن قال بالقول الأول .. فقد أثبت للكفار محبةَ اللهِ تعالى، لكن جعلوا الأصنام شركاء له في الحب، ومن قال بالثاني .. لم يثبت للكفار محبةَ الله تعالى. {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}؛ أي: أكثر وأثبت وأدوم على محبتهم لله تعالى من الكفار لأصنامهم؛ لأنهم لا يختارون مع الله غيره والمشركون قد اتخذوا صنمًا، ثم رأوا آخر أحسن منه، طرحوا الأول واختاروا الثاني.
وقيل: إن الكفار يعدلون عن أصنامهم في الشدائد، ويقبلون إلى الله تعالى كما أخبر عنهم. {فَإِذَا رَكِبُوا في الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} والمؤمنون لا يعدلون عن الله تعالى في السرّاء ولا في الضّراء، ولا في الشدة ولا في الرخاء.
وقيل: إن المؤمنين يوحدون ربهم، والكفار يعبدون أصنامًا كثيرة؛ فتنقص المحبة لصنم واحد، قال أبو حيان: والمفضل عليه محذوف؛ وهم المتخذون الأنداد، وهذه الجملة كالاستدراك (3)؛ لما يفيده التشبيه من التساوي؛ أي: لكن
(1) البحر المحيط.
(2)
المراغي.
(3)
الخازن.
إن حب المؤمنين لله أشد من حب الكفار للأنداد؛ لأن المؤمنين يخصون الله سبحانه بالعبادة والدعاء، والكفار لا يخصون بذلك بل يشركون الله معهم، ويعترفون بأنهم إنما يعبدون أصنامهم؛ ليقربوهم إلى الله تعالى.
{وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} قرأ الجمهور: بالياء التحتانية، و {إذ} في قوله:{إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} بمعنى إذا الدالة على المستقبل، وقرأ الجمهور أيضًا قوله:{أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} بفتح همزة {أن} في الموضعين، و {يَرَى} بصرية، وجواب {لو} محذوف، وجملة {أن} معمولة لجواب {لو} المحذوف؛ والمعنى: ولو رأى وشاهد الذين ظلموا أنفسهم بالشرك، واتخاذ الأنداد في الدنيا وقت رؤيتهم العذاب يوم القيامة .. لعلموا أن القوة لله جميعًا، وأن الله شديد العذاب، وأن الأنداد عاجزة لا تنفع ولا تضر. وعلى قراءة بعض القراء، غير السبع - أي في الشواذة - بكسر الهمزة من {أن}؛ والمعنى حينئذ: ولو يرى الذين ظلموا بعبادة الأصنام عجزها حال مشاهدتهم عذاب الله .. لقالوا: إن القوة لله جميعًا.
وقرأ نافع وابن عامر في المتواتر: {ترى} بالتاء الفوقية مع فتح الهمزة في {أن} على الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يصلح للخطاب؛ والمعنى: ولو ترى يا محمَّد الذين ظلموا حالهم إذ يرون العذاب .. لعلمت أن القوة لله جميعًا، ولو كسرت الهمزة .. كان المعنى: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب .. لقلت: إن القوة لله جميعًا، وقرأ ابن عامر:{إذ يُرون} بضم الياء.
وقال أبو حيان (1): قال عطاء: المعنى: ولو يرى الذين ظلموا يوم القيامة إذ يرون العذاب حين تخرج إليهم جهنم من مسيرة خمس مئة عام، تلتقطهم كما يلتقط الحمام الحبة .. لعلموا أن القوة لله والقدرة لله جميعًا.
وقيل المعنى: لو يعلمون في الدنيا ما يعلمونه إذ يرون العذاب .. لأقروا
(1) شوكاني.