الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيثار، وبذل المال ابتغاء مرضاة الله كثيرة.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه أهدى إلى رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس شاة، فقال: إن أخي فلانًا كان أحوج مني إليه؛ فبعث به إليه، فلما وصل إليه، قال: إنَّ فلانًا كان أحوج مني إليه، فلم يزل يبعث به كل واحد منهم إلى آخر حتى تناوله سبعة أبيات، ورجع إلى الأول. وفي هذه الآثر وأمثالها ما ينبغي أن يكون عظة لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فيقتدي بأولئك الأبرار الطاهرين، ويجعلهم المثل العليا للبذل في سبيل الله.
{وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ} ؛ أي: وأي شيء تنفقونه في سبيل الله سواء كان من طيب تحبونه، أو من خبيث تكرهونه، وسواء، كان إنفاقكم له لوجه الله أو لمدح الناس {فَإِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {بِهِ} ، أي: بذلك الشيء المنفق وبنياتكم {عَلِيمٌ} فيجازيكم عليه بحسبه، وبحسب نياتكم، وهذا تعليل للجواب المحذوف، أي: فيجازيكم بحسبه جيدًا كان أو رديئًا، فإنه تعالى عالم بكل شيءٍ، تنفقونه من ذاته وصفاته علمًا كاملًا بحيث لا يخفى عليه شيء.
فرب منفق مما يحب لا يسلم من الرياء، ورب فقير معدم لا يجد ما يحب فينفق منه، ولكن قلبه يفيض بالبر ولو وجد ما أحبه .. لأنفقه أو أكثره.
وفي هذه الآية ترغيب وترهيب، وحث على إخفاء الصدقة، كي لا يكون للشيطان منفذ إلى قلوب الأبرار الصالحين.
93
- {كُلُّ الطَّعَامِ} ؛ أي: كل طعام حلال لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته، فخرج ما حرم عليهم، وعلى من قبلهم كالميتة والدم. {كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}؛ أي: كان حلالًا أكله لأولاد يعقوب عليه السلام {إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ} ؛ أي: يعقوب عليه السلام {عَلَى نَفْسِهِ} بالنذر {مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ} ؛ على موسى، وذلك بعد إبراهيم بألف سنة.
وروى ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ يعقوب مرض مرضًا شديدًا، فنذر لئن عافاه الله .. ليحرمن أحب الطعام والشراب عليه، وكان أحب الطعام إليه لحوم الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها" قال، الأصمّ: لعل
نفسه كانت مائلة إلى أكل تلك الأنواع، فامتنع من أكلها قهرًا للنفس، وطلبًا لمرضاة الله تعالى، كما يفعله كثير من الزهاد، فعبر عن ذلك الامتناع بالتحريم، وذلك بعد إبراهيم بألف سنة، ولم تكن الإبل حرامًا على عهد إبراهيم كما زعموا.
والمعنى: كل الأطعمة كانت حلالًا لبني إسرائيل قبل نزول التوراة إلا ما حرمه يعقوب على نفسه، وهو لحم الإبل ولبنها ثم حرمت عليهم أنواع من الأطعمة الشحوم وغيرها عقوبة لهم على معاصيهم، أو المراد (1) بإسرائيل: الشعب كله، كما هو شائع في الاستعمال عندهم لا يعقوب فقط، كما أن المراد بتحريم الشعب ذلك على نفسه: أنه اجترح من السيئات، وارتكب من الموبقات ما كان سببًا في هذا التحريم كما تدل عليه آية {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} .
وخلاصة هذا الجواب: أنَّ الأصل في الأطعمة الحلُّ، وما كان تحريم ما حرم على إسرائيل إلا تأديبًا لهم على جرائم ومخالفات وقعت منهم، وكان سببًا فيما نالهم من التحريم لها، والنبي صلى الله عليه وسلم وأمته لم يجترحوا هذه السيئات، فلا تحرم عليهم هذه الطيبات.
ومعنى قوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ} أنه قبل نزول التوراة كان حلًّا لبني إسرائيل كل أنواع المطعومات، أما بعد نزولها: فقد حرم عليهم أنواع كثيرة بسبب الذنوب التي اقترفوها، وقد بينتها التوراة وبينت أسباب التحريم وعلله.
{قُلْ} لهم يا محمد، هذا هو الحق لا زعمكم يا معشر اليهود {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ}؛ أي: أحضروها، {فَاتْلُوهَا}؛ أي: فاقرؤوها عليَّ لتحكم بيني وبينكم {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} في دعواكم بأن التحريم قديم. وفي استدعاء (2) التوراة منهم وتلاوتها، الحجة الواضحة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان عليه السلام
(1) المراغي.
(2)
البحر المحيط.