المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

{وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ} تعالى بعدم انتفاعهم بنفقاتهم {وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}؛ - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٥

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ} تعالى بعدم انتفاعهم بنفقاتهم {وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}؛

{وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ} تعالى بعدم انتفاعهم بنفقاتهم {وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} ؛ أي: ولكن الكفار المنفقين ظلموا أنفسهم بإنفاق الأموال في السبل التي تؤدي إلى الخيبة والخسران على النهج الذي سنه الله تعالى في أعمال الإنسان؛ لأنّ الآية نزلت فيما ينفقه أهل مكة أو ينفقه اليهود في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم ومقاومته، لأنهم هم الذين اختاروا ذلك لأنفسهم، ولم يضروا النبيَّ صلى الله عليه وسلم ومن معه بل كان ذلك سبب سيادته عليهم وتمكنه منهم.

أو المعنى (1): وما ظلمهم الله بذهاب منفعة زرعهم ونفقاتهم، ولكن أنفسهم يظلمون بالكفر، ومنع حق الله تعالى من الزرع.

وقرىء (2) شاذا {وَلَكِنَّ} بالتشديد، واسمها {أَنْفُسَهُمْ} والخبر {يَظْلِمُونَ} ، والمعنى: يظلمونها هم، وحسن حذف هذا الضمير وإن كان الحذف في مثله قليلًا كون ذلك فاصلة رأس آية؛ فلو صرح به لزال هذا المعنى، ولا يجوز أن يعتقد أن اسم {لكن} ضمير الشأن، وحذف، و {أَنْفُسَهُمْ} مفعولٌ بـ {يَظْلِمُونَ} لأنَّ حذف هذا الضمير يختص بالشعر ذكره أبو حيان.

‌118

- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} نزلت هذه الآية في شأن رجال من المؤمنين يشاورون اليهود في أمورهم، لما كان بينهم من الرضاع، والحلف ظنًّا منهم أنهم ينصحون لهم في أسباب المعاش، فنهاهم الله تعالى بهذه الآية عنه كما قاله ابن عباس، أو في رجال من المؤمنين كانوا يغترون بظاهر أقوال المنافقين فيفشون إليهم الأسرار، ويطلعونهم على الأحوال، فالله تعالى منعهم عن ذلك كما قاله مجاهد.

أي: يا أيها الذين آمنوا وصدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به {لَا تَتَّخِذُوا} وتجعلوا لأنفسكم {بِطَانَةً} ؛ أي: خواصَّ، وأصفياء، وأصدقاء تباطنونهم في الأمور وتطلعونهم على سركم كائنين {مِنْ دُونِكُمْ}؛ أي: من غيركم أي: من غير أهل ملتكم من الكفار والمنافقين {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} ؛ أي: لا يقصرون لكم ولا يتركون جهدهم، وطاقتهم في مضرتكم، وفسادكم، وعداوتكم؛ أي: ليس عندهم

(1) تفسير ابن عباس.

(2)

البحر المحيط.

ص: 83

تقصيرٌ في ذلك بل هو شأنهم وديدنهم {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} ؛ أي: أحبوا وتمنوا عنتكم ومشقتكم وضرركم في دينكم، ودنياكم أشد الضرر أي؛ فإن الكفار لا يقصرون لكم في إفساد دينكم، فإن عجزوا عنه أحبوا بقلوبهم إلقاءَكم في أشد أنواع الضرر {قَدْ بَدَتِ} وظهرت {الْبَغْضَاءُ} والعداوة لكم {مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} وألسنتهم بالوقيعة في أعراضكم والشتيمة لكم، والتكذيب لنبيكم وكتابكم، والنسبة لكم إلى الحمق والجهل لأنهم لا يتمالكون ضبط أنفسهم مع مبالغتهم في ضبطها، ومع ذلك يتفلت من ألسنتهم ما يعلم به بغض المسلمين، فهم لا يكتفون ببغضكم، وقرأ عبد الله {قَدْ بَدَا} لأنَّ الفاعل مؤنث مجازًا، أو على معنى البغض {وَمَا تُخْفِي} وتستر وتضمر {صُدُورُهُمْ} وقلوبهم من الحقد والبغض والعداوة والغيظ لكم {أَكْبَرُ}؛ أي: أعظم وأشد مما يظهرونه لكم على ألسنتهم؛ لأنَّ فلتات اللسان أقل مما تجنه الصدور بل تلك الفلتات بالنسبة إلى ما في الصدور قليلةٌ جدًّا. ثم إنه سبحانه وتعالى امتنَّ عليهم ببيان الآيات، والعلامات الدالة على عداوتهم كما قال:{قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ} ؛ أي: أوضحنا وأظهرنا لكم العلامات الدالة على عدواتهم وحسدهم لكم {إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} وتفهمون تلك العلامات أي: إن كنتم من أهل العقول المدركة لذلك البيان.

وذكر (1) سبحانه وتعالى في هذه الآية من تلك العلامات أربعًا:

الأولى: {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} ؛ أي: لا يقصرون في مضرتكم وإفساد الأمر عليكم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا.

والثانية: يتمنون ضركم في دينكم، ودنياكم أشد الضرر.

والثالثة: يبدون البغضاء بأفواههم، ويظهرون تكذيب نبيكم وكتابكم، وينسبونكم إلى الحمق والجهل.

والرابعة: كون ما يظهرونه على ألسنتهم من علامات الحقد أقل مما في قلوبهم منه.

(1) المراغي.

ص: 84