الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنهما قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس خير؟ قال: "من طال عمره، وحسن عمله"، قيل: فأي الناس شر؟ قال: "من طال عمره، وساء عمله".
قرأ (1) ابن كثير، وأبو عمرو في الأربعة {ولا تحسبن الذين كفروا} {ولا ئحسبن الذين يبخلون} {ولا تحسبن الذين يفرحون} {فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ} بتاء الخطاب، وضم الباء في قوله {تَحْسَبَنَّهُمْ} وقرأ نافع وابن عامر بالياء إلا قوله فلا {تحسبنهم} فإنه بالتاء. وقرأ حمزة كلّها بالتاء، وقرأ (2) يحيى بن وثاب {إنما نملي} بكسر النون في الموضعين، وهي قراءة ضعيفة في العربية. وقال أبو حيان:(3) قرأ يحيى بن وثاب {ولا يحسبن} بالياء {وإنما نملي} بالكسر انتهى.
179
- قوله: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} كلام مستأنف بين فيه أن الشدائد هي محك صدق الإيمان، والخطاب (4) فيه عند جمهور المفسرين للكفار، والمنافقين؛ أي: ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه من الكفر، والنفاق {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} ، وقيل: الخطاب للمؤمنين، والمنافقين، والمعنى: أي: ما كان الله سبحانه وتعالى ليترك المؤمنين المخلصين على الحال التي كنتم عليها أيها الناس في غزوة أحد من اختلاط المنافقين بالمخلصين، وإظهارهم أنهم من أهل الإيمان {حَتَّى يَمِيزَ} ويفرق {الْخَبِيثَ} ، والمنافق {مِنَ الطَّيِّبِ} ، والمؤمن ويظهر حال كل منهما بإلقاء المحن والمصائب والقتل والهزيمة؛ لأن الشدائد هي التي يتميز قوي الإيمان من ضعيفه وتزيل الالتباس بين الصادقين، والمنافقين فمن كان مؤمنًا ثبت على إيمانه، وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم ومن كان منافقًا ظهر نفاقه وكفره أو بالقرائن، فإن المؤمنين كانوا يفرحون بنصرة الإِسلام وقوته، والمنافقون كانوا يغتمون بذلك.
أمَّا تكليف ما لا مشقة فيه، كالصلاة، والصدقة، القليلة، وغيرهما، فيقبلها المنافق كما يقبلها صادق الإيمان لما فيها من حسن الأحدوثة، والتمتع بمزايا الإِسلام.
(1) مراح.
(2)
الشوكاني.
(3)
البحر المحيط.
(4)
الشوكاني.
وفي الشدائد من الفوائد أشياء كثيرة:
منها: إتقاء المنافق إذا علم نفاقه، فقد يفضى صادق الإيمان ببعض أسرار الملة إلى المنافق لما يغلب عليه من حسن الظن به، حين يراه يؤدي الواجبات الظاهرة، ويشارك الصادقين في سائر الأعمال، فإذا هو أفشاها عرف حاله، وحذره الصادقون.
ومنها: أن تَزوَرَ الجماعة حالها إذ بتكشف أمر المنافقين تعرف أنهم عليها لا لها، وكذلك تعرف حال ضعاف الإيمان، الذين لم تربهم الشدائد.
ومنها: أنها تدفع الغرور عن النفس إذ قد يغتر المؤمن الصادق فلا يدرك ما في نفسه من ضعف في الاعتقاد والأخلاق حتى تمحصه الشدائد، وتبين له حقيقة أمره.
وقرأ الأخوان (1): حمزة والكسائي {يميز} من ميز، وباقي السبعة {يَمِيزَ} من ماز، وفي رواية عن ابن كثير {يُمِيْزَ} من أماز، والهمزة ليست للنقل كما أن التضعيف ليس للنقل، بل أفعل، وفعل بمعنى الثلاثي المجرد، كحزن وأحزن وقدر الله وقدَّر.
ولمَّا كان يدور بخلد بعض الناس أن أقرب وسيلةٍ لتمييز المؤمن الصادق من المنافق أن يطلع المؤمنين على الغيب، حتى يعرفوا حقائق أنفسهم، وحقائق الناس الذين يعيشون بين ظهرانيهم، فيعرفوا أن فلانًا من أهل الجنة، وفلانًا من أهل النار، أجاب الله تعالى عن هذا فقال:{وَمَا كَانَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {لِيُطْلِعَكُمْ} ويظهركم أيها الناس، وقيل: الخطاب فيه لكفار قريش فقط، {عَلَى الْغَيْبِ} ، أي: على ما شأنه أن يغيب ويختفي عنكم حتى تميزوا بين الخبيث والطيب، فإن الله سبحانه وتعالى هو المستأثر بعلم الغيب لا يظهر علي غيبه أحدًا {وَلَكِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {يَجْتَبِي} ، ويختار {مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} ، ويريد إطلاعه على الغيب، فيطلعه على ما يشاء من بعض المغيبات كما وقع لنبينا
(1) البحر المحيط.
محمَّد صلى الله عليه وسلم من تعيين كثيرٍ من المنافقين، فإن ذلك كان بتعليم من الله له، لا لكونه يعلم الغيب. وقيل (1) المعنى. وما كان الله ليطلعكم على الغيب في من يستحق النبوة، حتى يكون الوحي باختياركم. وفي "الفتوحات" قوله:{وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي} الخ هذا استدراكٌ على معنى الكلام، المتقدم؛ لأنه لما قال:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} توهم أنه لا يطلع أحدًا على غيبه لعموم الخطاب، فاستدراك بالرسل إزالةً لذلك الوهم، كأنه قال: إلا الرسل فإنه يطلعهم على الغيب.
والحاصل: أنه لم يكن (2) من شأنه تعالى أن يطلع عامة الناس على الغيب؛ إذ لو فعل ذلك .. لأخرج الإنسان من طبيعته، فإنه تعالى خلقه يحصل رغائبه، ويدفع المكاره عنه بالعمل الكسبيّ، الذي تهدي إليه الفطرة، وترشد إليه النبوة.
ومن ثم جرت سنته بأن يزيل هذا اللبس، ويميز الخبيث من الطيب بالامتحان بالشدائد، والتضحية بالنفس، وبذل المال في سبيل الحق، والخير، كما ابتلي المؤمنون في وقعة أحد بخروج العدو بجيش عظيم لمقاتلتهم، وابتلي الرماة منهم بالمخالفة، وإخلاء ظهور قومهم لعدوّهم وابتلوا بظهور العدو عليهم جزاء ما فعلوا من المخالفة، فظهر نفاق المنافقين، وزلزل ضعفاء المؤمنين زلزالًا شديدًا، وثبت كملة المؤمنين، وصاروا كالجبال الرواسي التي لا تزعزعها الرياح والأعاصير.
ولكن الله يختار من رسله من يشاء فيطلعه على ما في قلوب المنافقين من كفر ونفاق، وعلى ما ظهر منهم من أقوال وأفعال.
ونظير هذه الآية قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} .
وفي التعبير بالاجتباء إشارة إلى أنَّ الوقوف على أسرار الغيب منصبٌ جليلٌ تتقاصر عنه الهمم، ولا يؤتيه الله إلا لمن اصطفاه لهداية الأمم.
(1) الشوكاني.
(2)
المراغي.