المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" أخرجه مسلم. وعن - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٥

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" أخرجه مسلم. وعن

فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" أخرجه مسلم.

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل القائم في حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينةٍ، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذي في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا، هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعًا". أخرجه البخاري.

واختلف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقيل: يجبان على كلِّ مكلف، فمعنى الآية على هذا القول: كونوا أمةً دعاةً إلى الخير، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر. وصاحب هذا القول يقول: هما فرض كفاية إذا قام بهما واحد سقط الفرض عن الباقين.

وقيل: هنا يختصان بالعلماء وولاة الأمر، فعلى هذا يكون معنى الآية ليكن بعضكم آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر. {وَأُولَئِكَ} الدعاة الآمرون الناهون {هُمُ الْمُفْلِحُونَ}؛ أي: المختصون بالفلاح الكامل، والنجاح الواصل. روي أنه صلى الله عليه وسلم قال:"من أمر بالمعروف، ونهى عن المنكر .. فهو خليفة الله في أرضه، وخليفة رسوله وخليفة كتابه".

وبعد أن أمر الله سبحانه وتعالى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. بين ما يجب أن تكون عليه الأمة الداعية الآمرة الناهية من وحدة المقصد، واتحاد الغرض؛ لأن الذين سبقوهم من الأمم، لم يفلحوا لاختلاف نزعاتهم، وتفرق أهوائهم؛ لأن كلًّا منهم يذهب إلى تأييد رأيه وإرضاء هواه.

أما المتفقون في القصد: فاختلافهم في الرأي لا يضر بل ينفعهم إذ هو أمر طبيعيٌّ، لا بدَّ منه لتمحيصه، وتبين وجه الصواب فيه فقال:

‌105

- {وَلَا تَكُونُوا} يا معشر المؤمنين {كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا} ؛ أي: كاليهود والنصارى الذين تفرقوا بالعداوة {وَاخْتَلَفُوا} في الدين، وكانوا شيعًا تذهب كل شيعة منها مذهبًا يخالف مذهب الآخر، وتنصر مذهبها وتدعو إليه، وتخطىء ما سواه ولذا تعادوا واقتتلوا، أو

ص: 53

المعنى تفرقوا بأبدانهم بأن صار كل واحد من أولئك الأحبار رئيسًا في بلد، ثم اختلفوا بأن صار كل واحد منهم يدعي أنه على الحق، وأن صاحبه على الباطل، قال الفخر الرازي: إنك إذا أنصفت علمت أن أكثر علماء هذا الزمان، صاروا موصوفين بهذه الصفة، فنسأل الله العفو والرحمة.

{مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} ، أي: تفرقوا، واختلفوا من بعد ما جاءتهم الآيات الواضحة المبينة للحق الموجبة للاتفاق عليه، وإتحاد الكلمة. ولو كان فيهم أمة تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر وتعتصم بحبل الله وتتجه إلى غايةٍ واحدةٍ لما تفرقوا واختلفوا فيه. ولما تعددت مذاهبهم في أصوله وفروعه، وما قاتل بعضهم بعضًا: فلا تكونوا مثلهم؛ فيحل بكم ما حل بهم.

قالوا: وهذا الاختلاف المنهي عنه يختص بالمسائل الأصولية، وأما المسائل الفروعية الاجتهادية: فالاختلاف فيها جائزٌ. وما زال الصحابة فمن بعدهم من التابعين وتابعيهم مختلفين، في أحكام الحوادث لقوله صلى الله عليه وسلم:"اختلاف أمتي رحمة" ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من اجتهد .. فأصاب؛ فله أجران، ومن أخطأ فله أجرٌ واحدٌ".

وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم، وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة". وزاد الحاكم في رواية: "كلها في النار إلّا ملة واحدة". وزاد أحمد في روايةٍ عن أنس "قيل يا رسول الله: من تلك الفرقة؟ قال: "الجماعة". وإنما قال: {جَاءَهُمُ} ، ولم يقل: جاءتهم لجواز حذف علامة التأنيث من الفعل عند وجود الفاصل، أو عند كون الفاعل مؤنثًا مجازيًّا كما هنا.

ثم ذكر سبحانه وتعالى عاقبة المختلفين وعظيم نكالهم فقال: {وَأُولَئِكَ} الذين تفرقوا واختلفوا في الدين {لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} في الدنيا والآخرة؛ بسبب تفرقهم واختلافهم. وفيه زجر عظيم للمؤمنين عن التفرق والاختلاف. وهذا العذاب يشمل خسران الدنيا، وخسران الآخرة، أما في الدنيا: فلأن بأسهم يكون بينهم شديدًا، فيشقى بعضهم ببعض، ويبتلون بالأمم التي تطمع في الضعفاء

ص: 54