المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أخرجه ابن أبي حاتم من طريق العوفي، عن ابن عباس - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٥

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: أخرجه ابن أبي حاتم من طريق العوفي، عن ابن عباس

أخرجه ابن أبي حاتم من طريق العوفي، عن ابن عباس أنَّ رجالًا من الصحابة كانوا يقولون: ليتنا نقتل كما قتل أصحاب بدر، أو ليت لنا يومًا كيوم بدر نقاتل فيه المشركين، فنفوز فيه بالشهادة والجنة، أو الحياة والرزق، فأشدهم الله أحدًا، فلم يلبثوا إلا من شاء الله منهم فأنزل الله: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ

} الآية.

قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ

} الآية، أخرج ابن المنذر عن عمر قال: تفرقنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فصعدتُ الجبلَ، فسمعتُ يهود تقول: قتل محمد فقلت: لا أسمع أحدًا يقول: قتل محمد إلا ضربت عنقه، فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يتراجعون، فنزلت: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ

} الآية.

وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع قال: لما أصابهم يوم أحدٍ ما أصابهم من القرح، وتداعوا نبيَّ الله قالوا: قد قتل فقال أناسٌ: لو كان نبيًّا ما قتل، وقال أناس: قاتلوا على ما قاتل عليه نبيكم حتى يفتح الله عليكم، أو تلحقوا به، فأنزل الله {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ

} الآية.

وأخرج البيهقي في "الدلائل" عن ابن أبي نجيح أن رجلًا من المهاجرين مر على رجل من الأنصار، وهو يتشحط في دمه فقال: أشعرت أن محمدًا قد قتل؟ فقال: إن كان محمدٌ قد قتل فقد بلغ، فقاتلوا عن دينكم فنزلت.

وأخرج ابن راهويه في مسنده عن الزهري، أن الشيطان صاح يوم أحد: إنَّ محمدًا قد قتل، قال كعب ابن مالك: أنا أول من عرف رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رأيت عينيه من تحت المغفر، فناديت بأعلى صوتي هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ

} الآية.

التفسير وأوجه القراء

‌133

- {وَسَارِعُوا} قرأ الجمهور بالواو عطفًا تفسيريًّا على وأطيعوا الله كمصاحفهم، فإنها ثابتة في مصاحف مكة والعراق، ومصحف عثمان. وقرأ ابن عامر، ونافع، وأبو جعفر {سَارِعُوا} بدون واو كرسم المصحف الشامي، والمدني، على الاستئناف، كأنَّه قيل: كيف نطيعهما؟ فقيل: سارعوا إلى ما يوجب المغفرة، وهو

ص: 133

الطاعة بالإِسلام، والتوبة والإخلاص، وأمال الدوري في قراءة الكسائي {وَسَارِعُوا} لكسرةِ الراء.

وقرأ أُبيٌّ وعبدُ الله {وسابقوا} وهي شاذَّةٌ.

أي: وسابقوا وبادروا {إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} ؛ أي: إلى ما يوجب (1) المغفرة من ربكم، وهي الأعمال الصالحة المأمور بفعلها. قال ابن عباس رضي الله عنهما إلى الإِسلام، ووجهه أنَّ الله تعالى ذكر المغفرة على سبيل التنكير، والمراد منه المغفرة العظيمة، وذلك لا يحصل إلا بسبب الإِسلام؛ لأنه يَجُبُّ ما قبله. وعن ابن عباس أيضًا إلى التوبة من الرّبا والذنوب؛ لأنَّ التوبة من الذنوب توجب المغفرة. وقال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: إلى أداء الفرائض لأنَّ اللفظ مطلق فيعم الكل.

وروي عن أنس بن مالك، وسعيد بن جبير، أنها التكبيرة الأولى يعني تكبيرة الإحرام، وقيل: إلى الإخلاص في الأعمال، كما قاله عثمان بن عفان؛ لأنَّ المقصود من جميع العبادات هو الإخلاص. وقيل: إلى الهجرة، وقيل: إلى الجهاد، كما قاله الضحاك، ومحمد بن إسحاق. وينبغي (2): أن تحمل هذه الأقوال على التمثيل، لا على التعيين والحصر. {وَجَنَّةٍ}؛ أي: وسارعوا إلى جنة موصوفة بما سيأتي، وأنما فصل بين المغفرة والجنة؛ لأن معنى المغفرة إزالة العقاب، ومعنى الجنة إيصال الثواب، فلا بد للمكلف من تحصيل الأمرين فجمع بينهما للإشعار؛ بأنه لا بدَّ من المسارعة إلى التوبة الموجبة للمغفرة، وذلك بترك المنهيات، ومن المسارعة إلى الأعمال الصالحة المؤدية إلى الجنة.

{عَرْضُهَا} ؛ أي: عرض تلك الجنة وسعتها {السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} ؛ أي: كعرض السموات السبع والأرضين السبع وسعتهما، بمعنى لو جعلت السموات والأرض طبقًا طبقًا، ووصلت تلك الطبقات بعضها ببعض كالثياب، وجعلت طبقًا

(1) الخازن.

(2)

البحر المحيط.

ص: 134

واحدًا .. لكان ذلك مثل عرض الجنة، وهذا غاية في السعة، فإذا كان عرضها كذلك فكيف بطولها؛ لأن الغالب أنَّ الطول يكون أكثر من العرض. وإنما مثل عرض الجنة بعرض السموات والأرض؛ لأنهما أوسع مخلوقات الله تعالى فيما يعلمه الناس، وإنما جمعت السموات وأفردت الأرض؛ لأن السموات أنواع قيل: بعضها فضة وبعضها غير ذلك، والأرض نوع واحد.

وقال أبو مسلم (1): إن العرض هنا ما يعرض من الثمن في مقابلة المبيع؛ أي: ثمنها، لو بيعت كثمن السموات والأرض، والمراد بذلك عظم مقدارها وجلالة خطرها، وإنه لا يساويها شيء وإن عظم {أُعِدَّتْ}؛ أي: هيئت تلك الجنة {لِلْمُتَّقِينَ} الشرك، والمعاصي بامتثال المأمورات، واجتناب المنهيات. وفي الآية دليلٌ على أن الجنة مخلوقةٌ الآن، وأنها خارجةٌ عن هذا العالم؛ إذ أنها تدل على أن الجنة أعظم، فلا يمكن أن يكون محيطًا بها.

ويدل على (2) ذلك حديث رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهو الحديث الطويل الذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم إن جبريل وميكائيل قالا له: "ارفع رأسك فرفع، فإذا فوقه مثل السحاب، قالا: هذا منزلك قال: فقلت دعاني أدخل منزلي. قالا: إنه بقي لك عمرٌ لم تستكمله، فلو استكملت .. أتيت منزلك".

والأدلة الدالة على أنها مخلوقةٌ من الكتاب والسنة كثيرةٌ شائعة خلافًا للمعتزلة.

وخلاصة (3) المعنى: أي وبادروا إلى العمل لما يوصلكم إلى مغفرة ربكم، ويدخلكم جنةً واسعة المدى، أعدها الله تعالى لمن اتقاه، امتثل أوامره، وترك نواهيه فاعملوا الخيرات، وتوبوا عن المعاصي والآثام كالربا مثلًا، وتصدقوا على ذوي البؤس والفاقة.

(1) المراغي.

(2)

التحرير والتنوير في علم التفسير.

(3)

المراغي.

ص: 135