المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الحريصون على الحياة الذين يتمتعون باللذات والشهوات. فما أجدّ المؤمنين أن - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٥

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: الحريصون على الحياة الذين يتمتعون باللذات والشهوات. فما أجدّ المؤمنين أن

الحريصون على الحياة الذين يتمتعون باللذات والشهوات.

فما أجدّ المؤمنين أن يؤثروا مغفرة الله ورحمته على الحظوظ الفانية، وأن لا يتحسروا على من يقتل منهم، أو يموت في سبيل الله، فإن ما يلقونه بعدهما خيرٌ لهم مما كانوا فيه قبلهما، ثم حثهم على العمل في سبيل الله تعالى؛ لأن المآل إليه فقال.

‌158

- {وَلَئِنْ مُتُّمْ} في حضرٍ أو سفر، {أَوْ قُتِلْتُمْ} في الجهاد أو غيره {لَإِلَى اللَّهِ} معبودكم الذي توجهتم إليه وبذلتم مهجتكم لوجهه الرحيم الواسع الرحمة والمغفرة المثيب العظيم الثواب لا إلى غيره، لا محالة {تُحْشَرُونَ} وتجمعون أيها المؤمنون في الحالين، فيوفى جزاءكم، ويعظم ثوابكم، فجميع العالمين يوقفون في عرصة القيامة، وبساط العدل، فيجتمع المظلوم مع الظالم، والمقتول مع القاتل والله تعالى يحكم بين عباده بالعدل.

والمعنى: أنكم بأيّ سببٍ كان هلاككم فإنكم إلى الله تحشرون، لا إلى غيره، فيجازي كلًّا منكم بما يستحق من الجزاء، فيجازي المحسن على إحسانه، والمسيء على إساءته، ولا يرجى من غيره ثوابٌ، ولا يتوقع منه دفع عقاب، فآثروا ما يقربكم إليه، ويجلب لكم رضاه من العمل بطاعته، وعليكم بالجهاد في سبيله، ولا تركنوا إلى الدنيا ولذاتها، فإنها فانيةٌ، وتلك الحياة الأخرى باقيةٌ، خالدة، فقوله تعالى:{لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ} إشارة: إلى من يعبده خوفًا من عقابه، وقوله:{وَرَحْمَةٌ} إشارةٌ إلى من يعبده لطلب ثوابه، وقوله:{لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} إشارة: إلى من يعبده لمجرد الربوبية، والعبودية، وهذا أعلى المقامات، وأبعد النهايات في العبودية، في علو الدرجة، فهؤلاء الذين بذلوا أنفسهم وأبدانهم في طاعة الله، ومجاهدة عدوه يكون حشرهم إليه واستئناسهم بكرمه، وتمتعهم بشروق نور ربوبيته.

قال بعضهم:

لَيْسَ قَصْدِيْ مِنَ الْجِنَانِ نَعِيْمَا

غَيْرَ أَنِّيْ أُرِيْدُهَا لأَرَاكَا

ص: 209

فائدة: وهنا ثلاثة مواضع ذكر الموت فيها، قدَّم الموت في الأول: منها: على القتل، وهو قوله:{مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} لمناسبة ما قبله من قوله: {إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى} فرجع الموت لمن ضرب في الأرض، والقتل لمن غزا، وقدم القتل على الموت في الثاني منها، وهو قوله:{وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ} لأنه محل تحريض على الجهاد، فقدم الأهم الأشرف، وقدَّم الموت على القتل في الثالث منها، وهو قوله:{وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ} لأنه الأغلب.

الإعراب

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149)} .

{يا} حرف نداء. {أيُّ} منادى نكرة مقصودة. و {الهاء} حرف تنبيه زائدٌ، تعويضًا عمَّا فات {أيُّ} من الإضافة، وجملة النداء مستأنفة. {الَّذِينَ} اسم موصول، في محل النصب صفةٌ لـ {أيُّ} . {آمَنُوا} فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل. {إن} حرف شرط جازم. {تُطِيعُوا} فعل وفاعل مجزوم بـ {إِن} . {الَّذِينَ} اسم موصول في محل النصب، مفعول به. {كَفَرُوا} فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل. {يَرُدُّوكُمْ} فعل، وفاعل ومفعول مجزوم بـ {إن} على كونه جواب الشرط، وجملة الشرط مع جوابه جواب النداء لا محل لها من الإعراب. {عَلَى أَعْقَابِكُمْ} جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ {يَرُدُّوكُمْ} . {فَتَنْقَلِبُوا} {الفاء} عاطفة. {تنقلبوا} فعل وفاعل معطوف على {يَرُدُّوكُمْ} على كونه جواب الشرط. {خَاسِرِينَ} حال من ضمير الفاعل، أو خبر {انقلب} إن قلنا إنه من أخوات صار.

{بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150)} .

{بَلِ} حرف إضراب عن محذوف معلوم من السياق، كما مر في بحث التفسير، تقديره: فليسوا أولياء لكم حتى تطيعوهم، بل الله الخ. {اللَّهُ} مبتدأ. {مَوْلَاكُمْ} خبر ومضاف إليه، والجملة مستأنفة. {وَهُوَ} {الواو} عاطفة أو

ص: 210

حالية. {هو} مبتدأ. {خَيْرُ النَّاصِرِينَ} خبر ومضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة الإضراب أو حال من الجلالة.

{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)} .

{سَنُلْقِي} فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {الله} والجملة مستأنفة. {فِي قُلُوبِ الَّذِينَ} جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ {سَنُلْقِي} . {كَفَرُوا الرُّعْبَ} فعل وفاعل ومفعول به، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل. {بِمَا أَشْرَكُوا} {الباء} حرف جر وسبب. (ما) مصدرية. {أَشْرَكُوا} فعل وفاعل. {بِاللَّهِ} متعلق به، والجملة صِلةٌ لـ {ما} المصدرية وما مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالباء، تقديره: بسبب إشراكهم، الجار والمجرور متعلق بـ {سَنُلْقِي} . {مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ} {ما} موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول لـ {أشركوا} . {لَمْ يُنَزِّلْ} فعل مضارع وجازم، وفاعله ضمير يعود على {الله} . {بِهِ} متعلق بـ {يُنَزِّلْ} والجملة الفعلية صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير {بِهِ} . {سُلْطَانًا} مفعول به لـ {يُنَزِّلْ} . {وَمَأوَاهُمُ} {الواو} استئنافية. {مأواهم} مبتدأ، ومضاف إليه. {النَّارُ} خبر، والجملة مستأنفة. {وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} {الواو}: عاطفة. {بئس} فعل ماض من أفعال الذم. {مَثْوَى الظَّالِمِينَ} فاعل ومضاف إليه، والمخصوص بالذم محذوف وجوبًا، تقديره: النار، وهو مبتدأٌ خبره جملة {بئس} ، والجملة الإسمية معطوفة على جملة قوله:{وَمَأوَاهُمُ النَّارُ} على كونها مستأنفةٌ، وفي المخصوص بالذم، أوجهٌ كثيرةٌ مذكورة في كتب النحو فراجعها إن شئت.

{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} .

{وَلَقَدْ} {الواو} استئنافية. {اللام} موطئة للقسم. {قد} حرف تحقيق. {صَدَقَكُمُ اللَّهُ} فعل وفاعل، ومفعول أول. {وَعْدَهُ} مفعول ثانٍ ومضاف إليه، والجملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم

ص: 211

مستأنفة. وتعدَّت (1) كلمة {صَدَق} هنا إلى اثنين، ويجوز أن تتعدى إلى الثاني بحرف جر، تقول: صدقت زيدًا الحديث، وصدقت زيدًا في الحديث، ذكرها بعض النحويين في باب ما يتعدَّى إلى اثنين، ويجوز أن يتعدّى إلى الثاني بحرف الجر، فيكون من باب استغفر، {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ} {إِذْ} ظرف لما مضى مبني على السكون والظرف متعلق بـ {صدق} ، ويجوز أن يتعلَّق بـ {وعده} كما ذكره أبو البقاء. {تَحُسُّونَهُمْ} فعل وفاعل ومفعول. {بِإِذْنِهِ} جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بتحسونهم، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لإذ والتقدير: ولقد صدقكم الله وعده وقت حسكم، وقتلكم إياهم بإذنه.

{حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} .

{حَتَّى} حرف جر وغاية بمعنى إلى. {إِذَا} ظرف لما يستقبل من الزمان خافضة لشرطها منصوبة بجوابها. {فَشِلْتُمْ} فعل وفاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة {إِذَا} إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب المحذوف الذي سنبينه. {وَتَنَازَعْتُمْ} فعل وفاعل، والجملة في محل الخفض معطوفة على جملة {فَشِلْتُمْ} . {فِي الْأَمْرِ} جار ومجرور متعلق بـ {تنازعتم} . {وَعَصَيْتُمْ} فعل وفاعل في محل الخفض معطوفة على جملة {فَشِلْتُمْ} أيضًا. {مِنْ بَعْدِ} جار ومجرور، تنازع فيه الأفعال الثلاثة المذكورة قبله. {مَا} مصدرية. {أَرَاكُمْ} فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على {الله} ورأى هنا بصرية تعدَّت إلى مفعولين بالهمزة. {مَا تُحِبُّونَ} {مَا} موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول ثان لأرى. {تُحِبُّونَ} فعل وفاعل، والجملة صلةٌ لـ {ما} ، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: من بعد إراءته إياكم ما تحبون، وجواب {إِذَا} محذوف تقديره: منعكم النصر، وانهزمتم، وجملة {إِذَا} من فعل شرطها وجوابها في محل الجر بـ {حتى} بمعنى إلى المتعلِّقة بـ {صدقكم} والتقدير: ولقد صدقكم {وعده} إذ تحسونهم بإذنه،

(1) البحر المحيط ج 3 ص 78.

ص: 212

واستمر نصركم إلى منعه تعالى إياكم النصر، وانهزامكم وقت فشلكم، وتنازعكم في الأمر، وعصيانكم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم من بعد إراءته تعالى إياكم ما تحبون من النصر والظفر. وفي المقام أوجه كثيرة من الإعراب لا طائل تحتها، فراجع كتب المفسرين إن شئت.

{مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} .

{مِنْكُمْ} جار ومجرور خبر مقدم. {مَنْ} اسم موصول في محل الرفع مبتدأ مؤخر. {يُرِيدُ الدُّنْيَا} فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} والجملة الفعلية صلة {مَنْ} الموصولة، والعائد ضمير الفاعل، والجملة من المبتدأ والخبر جملة معترضة، لا محل لها من الإعراب؛ لاعتراضها بين المعطوف والمعطوف عليه. {وَمِنْكُمْ} {الواو} عاطفة. {منكم} جار ومجرور خبر مقدم. {مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} {مَنْ} اسم موصول في محل الرفع مبتدأ مؤخر، وجملة {يُرِيدُ الْآخِرَةَ} صلة الموصول، والجملة الإسمية معطوفة على جملة قوله:{مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} على كونها معترضة لا محل لها من الإعراب.

{ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ} .

{ثُمَّ} حرف عطف. {صَرَفَكُمْ} فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله. {عَنْهُمْ} جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية معطوفة على جواب {إذا} المقدَّر المذكور سابقًا على كونها جملةً جوابيةً لا محل لها من الإعراب {لِيَبْتَلِيَكُمْ} {اللام} حرف جر وتعليل. {يبتلي} فعل مضارع منصوب بأن مضمرةً جوازًا بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على الله. {والكاف} مفعول به، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، وأن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بلام التعليل، تقديره: لابتلائه إياكم الجار والمجرور متعلقٌ بـ {صَرَفَكُمْ} .

{وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} .

{وَلَقَدْ} {الواو} استئنافية. {اللام} موطئة للقسم. {قد} حرف تحقيق. {عَفَا} فعل ماض وفاعله ضمير يعود على {الله} . {عَنْكُمْ} متعلق بعفا، والجملة الفعلية جواب القسم المحذوف لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم

ص: 213

المحذوف مستأنفة. {وَاللَّهُ} {الواو} استئنافية. {الله} مبتدأ. {ذُو فَضْلٍ} خبر، ومضاف إليه. {عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} جار ومجرور، متعلق بفضل، والجملة الإسمية مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} .

{إِذْ} ظرف لما مضى من الزمان. {تُصْعِدُونَ} فعل وفاعل، والجملة في محل الجر بإضافة {إِذْ} إليها، والظرف متعلق بـ {صرفكم} ، وهو أجود من جهة المعنى، أو بـ {عفا} وهو أحسن بالنظر إلى قربه كما مر في بحث التفسير. {وَلَا تَلْوُونَ} {الواو} عاطفة. {لا} نافية. {تَلْوُونَ} فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة {تُصْعِدُونَ} . {عَلَى أَحَدٍ} جار ومجرور متعلق بـ {تلوون} . {وَالرَّسُولُ} {الواو} واو الحال {الرسول} مبتدأ. {يَدْعُوكُمْ} فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الرسول، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، أو الجملة الإسمية في محل النصب حال من فاعل {تَلْوُونَ} . {فِي أُخْرَاكُمْ} جار ومجرور حال من فاعل {يَدْعُوكُمْ} العائد إلى {الرسول} .

{فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} .

{فَأَثَابَكُمْ} {الفاء} عاطفة. {أثابكم} فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله. {غَمًّا} مفعول ثان. {بِغَمٍّ} جار ومجرور متعلق بـ {أثابكم} و {الباء} فيه سببية، والجملة الفعلية معطوفة على جملة {ثم صرفكم}. وقال الزمخشري (1):{فَأَثَابَكُمْ} عطف على {صرفكم} انتهى. وفيه بعد لطول الفصل بين المتعاطفين، والذي يظهر أنه معطوف على {تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ} لأنه مضارع في معنى الماضي، لأنَّ إذ تصرف المضارع إلى الماضي إذ هي ظرفٌ لما مضى، والمعنى إذ صعدتم، وما لويتم على أحد فأثابكم. {لِكَيْلَا تَحْزَنُوا} {اللام} حرفٌ جر وتعليل. {كي} حرف نصب ومصدر. {لا} نافية

(1) البحر المحيط ج 3 ص 84.

ص: 214

أو زائدة. {تَحْزَنُوا} فعل وفاعل منصوب بـ {كي} . {عَلَى مَا فَاتَكُمْ} جار ومجرور متعلق بـ {تَحْزَنُوا} . {فَاتَكُمْ} فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على {ما} ، وجملة (فات} صلةٌ لـ {ما} ، أو صفة لها. {وَلَا مَا أَصَابَكُمْ} {الواو}: عاطفة. {لا} زائدة. {مَا} موصولة أو موصوفة في محل الجر معطوفة على {مَا} الأولى. {أَصَابَكُمْ} فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على {مَا} ، وجملة أصاب صلة لـ {مَا} ، أو صفة لها، وجملة {تَحْزَنُوا} صلة كي المصدرية، وكي مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بلام التعليل المتعلقة بـ {أثابكم} والتقدير: فأثابكم غمًّا بغمٍّ لتمرينكم على تجرع الغموم، وعدم حزنكم فيما بعد على ما فاتكم، ولا ما أصابكم. هذا إن قلنا إنَّ {لا} أصلية نافية، أو المتعلقة بـ {عفا عنكم} ، إن قلنا إنَّ {لا} زائدة، والتقدير: ولقد عفا عنكم لحزنكم على ما فاتكم، وما أصابكم. {وَاللَّهُ} {الواو} استئنافية. {الله} مبتدأ. {خَبِيرٌ} خبر، والجملة مستأنفة. {بِمَا} جار ومجرور متعلق بـ {خَبِيرٌ} . {تَعْمَلُونَ} فعل وفاعل، والجملة صلةٌ لـ {مَا} أو صفةٌ لها، والعائد، أو الرابط محذوف تقديره: تعملونه.

{ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} .

{ثُمَّ} حرف عطف. {أَنْزَلَ} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة {أثابكم} . {عَلَيْكُمْ} جار ومجرور متعلق بـ {أَنْزَلَ} . {مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ} جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {أَنْزَلَ} . {أَمَنَةً} مفعول به لـ {أنزل} . {نُعَاسًا} بدل منه. {يَغْشَى} فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {نُعَاسًا} والجملة صفة لـ {نُعَاسًا} . {طَائِفَةً} مفعول {يَغْشَى} . {مِنْكُمْ} جار ومجرور صفة لـ {طَائِفَةً} . {وَطَائِفَةٌ} {الواو} استئنافية، أو حالية. {طائفةٌ} مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة وقوعه في معرض التفصيل. {قد} حرف تحقيق. {أَهَمَّتْهُمْ} فعل ومفعول. {أَنْفُسُهُمْ} فاعل ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدإ، والجملة الإسمية مستأنفة. {يَظُنُّونَ} فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من ضمير {أَهَمَّتْهُمْ} . {بِاللَّهِ} جار ومجرور

ص: 215

متعلق بـ {يَظُنُّونَ} على كونه مفعولًا ثانيًا. {غَيْرَ الْحَقِّ} مفعول أول لـ {يَظُنُّونَ} ، ومضاف إليه. {ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} مفعول مطلق، ومضاف إليه.

{يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ} .

{يَقُولُونَ} فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل النصب بدل من {يَظُنُّونَ} بدل كل من كل. {هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ} مقول محكي لـ {يَقُولُونَ} وإن شئت قلت:{هل} : حرف للاستفهام الإنكاري. {لَنَا} جار ومجرور خبر مقدم. {مِنَ الْأَمْرِ} جار ومجرور حال {مِنْ شَيْءٍ} المذكور بعده. {مِنْ شَيْءٍ} {من} زائدة. {شَيْءٍ} مبتدأ مؤخر، والجملة الإسمية في محل النصب مقول لـ {يَقُولُونَ} . وفي "الفتوحات" قوله {مِنْ شَيْءٍ} إما مبتدأ خبره {لَنَا} ، أو فاعل بـ {لَنَا} لاعتماده على الاستفهام و {مِن} عليهما زائدةٌ، و {مِنَ الْأَمْرِ} حال من المبتدأ، لأنه لو تأخر عن شيء .. لكان نعتًا له فيتعلق بمحذوف.

{قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} .

{قُلْ} فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، والجملة مستأنفة. {إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} مقول محكي لـ {قُلْ} وإن شئت قلت {إِنَّ} حرف نصب. {الْأَمْرَ} اسمها. {كُلَّهُ} على قراءة النصب توكيد للأمر، وعلى قراءة الرفع مبتدأ. {لِلَّهِ} جار ومجرور، خبر {إن} ، أو خبر المبتدأ وجملة {إن} من اسمها وخبرها في محل النصب مقولٌ لقل.

{يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ} .

{يُخْفُونَ} ، فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من ضمير {يَقُولُونَ} . {فِي أَنْفُسِهِمْ} جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ {يُخْفُونَ} . {مَا لَا يُبْدُونَ} {مَا} موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول {يُخْفُونَ} . {لَا} نافية. {يُبْدُونَ} فعل وفاعل، والجملة صلة لـ {ما} أو صفةٌ لها، والعائد، أو الرابط محذوف تقديره: ما لا يبدونه. {لَكَ} جار ومجرور متعلق بـ

ص: 216

{يُبْدُونَ} .

{يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} .

{يَقُولُونَ} فعل وفاعل، والجملة الفعلية مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، بيّن بها {مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ} ، وهذا هو الأجود من جعلها بدلًا من {يُخْفُونَ} كما ذكره في "الكشَّاف". {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} مقول محكي لـ {يَقُولُونَ} ، وإن شئت قلت:{لَوْ} حرف شرط غير جازم. {لَنَا} جار ومجرور خبر مقدم لـ {كَانَ} على اسمها. {مِنَ الْأَمْرِ} جار ومجرور حال من {شيء} ، لأنه نعت نكرة قُدِّم عليها، فيعرب حالًا. {شَيْءٌ} اسم {كَانَ} مؤخر، وجملة كان من اسمها وخبرها فعل شرط لـ {لَوْ} لا محل لها من الإعراب. {مَا قُتِلْنَا} {مَا} نافية. {قُتِلْنَا} فعل ماض مغير، ونائب فاعله. {هَاهُنَا} اسم إشارة للمكان القريب في محل النصب على الظرفية، والظرف متعلق بـ {قُتِلْنَا} ، والجملة الفعلية جواب {لَوْ} الشرطية لا محل لها من الإعراب، وجملة {لَوْ} من فعل شرطها وجوابها في محل النصب مقولٌ لـ {يَقُولُونَ} .

{قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} .

{قُلْ} فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. {لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ} إلى آخر الآية، مقول محكي لـ {قُلْ} ، وإن شئت قلت:{لَوْ} حرف شرط. {كُنْتُمْ} فعل ناقص واسمه. {فِي بُيُوتِكُمْ} جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بمحذوف خبر {كان} أو متعلق بـ {كان} إن قلنا: إنها تامة، وجملة {كان} فعل شرط لـ {لَوْ} لا محل لها من الإعراب. {لَبَرَزَ} {اللام} رابطة لجواب {لو} الشرطية. {برز الذين} فعل وفاعل، والجملة جواب {لَوْ} لا محل لها من الإعراب، وجملة {لَوْ} الشرطية من فعل شرطها، وجوابها في محل النصب مقول لـ {قُلْ} . {كُتِبَ} فعل ماضٍ مغير الصيغة. {عَلَيْهِمُ} جار ومجرور متعلق بـ {كُتِبَ} . {الْقَتْلُ} نائب فاعل لـ {كُتِبَ} ، والجملة الفعلية صلة الموصول، والعائد ضمير عليهم. {إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ {يبتلي اللَّه} .

ص: 217

{وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ}

{وَلِيَبْتَلِيَ} {الواو} عاطفة. {ليبتلى} {اللام} حرف جر وتعليل. {يبتلى اللَّه} فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كي. {مَا} موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول لـ {يبتلي} . {فِي صُدُورِكُمْ} جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بمحذوف صلةٍ لـ {مَا} أو صفة لها، وجملة {يبتلي اللَّه} صلة أن المضمرة وأن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بلام التعليل، تقديره: ولابتلاء الله ما في صدوركم، الجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور المتعلق بمعلول محذوف تقديره: فعل الله بكم ما فعل بكم يوم أحد لحكمة باهرةٍ، ولابتلاء الله ما في صدوركم.

{وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} .

{وَلِيُمَحِّصَ} {الواو} عاطفة. {ليمحص} {اللام} حرف جر وتعليل. {يمحِّص} فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على الله. {مَا} موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول به. {فِي قُلُوبِكُمْ} جار ومجرور، ومضاف إليه صلة لـ {ما} أو صفة لها، وجملة {يمحِّص} صلة أن المضمرة أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: ولتمحيص الله ما. {فِي قُلُوبِكُمْ} الجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور قبله. {وَاللَّهُ} {الواو} استئنافية. {الله} مبتدأ. {عَلِيمٌ} خبره. {بِذَاتِ الصُّدُورِ} جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بعليم، والجملة الإسمية مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} .

{إِنَّ} حرف نصب. {الَّذِينَ} اسمها. {تَوَلَّوْا} فعل، وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل. {مِنْكُمْ} جار ومجرور حال من فاعل {تَوَلَّوْا} {يَوْمَ} ظرف متعلق بـ {تَوَلَّوْا} . {الْتَقَى الْجَمْعَانِ} فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {يَوْمَ} . {إِنَّمَا} أداة حصر، بمعنى ما النافية، وإلا المثبتة. {اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ} فعل ومفعول وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر إن، وجملة {إن} من اسمها وخبرها مستأنفة. {بِبَعْضِ مَا} جار ومجرور،

ص: 218

ومضاف إليه متعلق بـ {استزل} . {كَسَبُوا} فعل وفاعل، والجملة صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره ببعض ما كسبوه.

{وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} .

{وَلَقَدْ} {الواو} استئنافية. {اللام} موطئة للقسم. {قد} حرف تحقيق. {عَفَا اللَّهُ} فعل وفاعل. {عَنْهُمْ} جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مع جوابه مستأنفة. {إِنَّ اللَّهَ} {إن} حرف نصب. {اللَّهَ} اسمها {غَفُورٌ} خبر أول، لـ {إِنَّ} . {حَلِيمٌ} خبر ثان لها، وجملة {إِنَّ} في محل الجر بلام التعليل المقدرة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} .

{يا} حرف نداء. {أي} منادى نكرة مقصودة. {ها} حرف تنبيه زائد. {الَّذِينَ} اسم موصول في محل النصب صفة لـ {أي} وجملة النداء مستأنفة. {آمَنُوا} فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل. {لَا تَكُونُوا} {لَا} ناهية. {تَكُونُوا} فعل ناقص واسمه مجزوم بـ {لا} الناهية. {كَالَّذِينَ} جار ومجرور خبر {تَكُونُوا} ، وجملة {تَكُونُوا} جواب النداء لا محل لها من الإعراب. {كَفَرُوا} فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل. {وَقَالُوا} فعل وفاعل معطوف على {كَفَرُوا} . {لِإِخْوَانِهِمْ} جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ {قالوا} . {إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ} {إذا} ظرف لما يستقبل من الزمان مجرد عن معنى الشرط، ولكنها بمعنى إذْ. {ضَرَبُوا} فعل وفاعل. {فِي الْأَرْضِ} متعلق به، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {إذا} ، والظرف متعلق بـ {قالوا} والتقدير: وقالوا لإخوانهم وقت ضربهم في الأرض. {أَوْ كَانُوا غُزًّى} {أَوْ} حرف عطف وتفصيل. {كَانُوا} فعل ناقص واسمه. {غُزًّى} خبره، وجملة {كَانُوا} في محل الجر معطوفة على جملة {ضَرَبُوا}. {لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} مقول محكي لـ {قُتِلُوا}. وإن شئت: قلت {لَوْ}

ص: 219

حرف شرط غير جازم. {كَانُوا} فعل ناقص واسمه. {عِنْدَنَا} ظرف، ومضاف إليه خبر {كَانُوا} ، وجملة {كَانُوا} فعل شرط لـ {لَوْ} لا محلَّ لها من الإعراب. {مَا مَاتُوا} {مَا} نافية. {مَاتُوا} فعل وفاعل، والجملة جواب {لَوْ} لا محل لها من الإعراب، وجملة {لَوْ} من فعل شرطها، وجوابها في محل النصب مقول لـ {قالوا}: وجملة قوله: {وَمَا قُتِلُوا} معطوفة على جملة {مَا مَاتُوا} على كونها جوابًا لـ {لو} .

{لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}

{لِيَجْعَلَ اللَّهُ} .

{لِيَجْعَلَ} {اللام} حرف جر وعاقبة. {يجعل الله} فعل وفاعل منصوب بأن مضمرةً، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بلام العاقبة، تقديره: لجعل الله عاقبة {ذلك حسرة في قلوبهم} الجار والمجرور متعلق بـ {قالوا} ؛ أي: قالوا ذلك ليجعل عاقبة أمرهم الحسرة، والندامة. {ذَلِكَ} مفعول أول لجعل؛ لأنه بمعنى صير. {حَسْرَةً} مفعول ثان له. {فِي قُلُوبِهِمْ} جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ {يجعل} وهو أبلغ في المعنى، أو صفة لـ {حَسْرَةً} كما في "الفتوحات". {وَاللَّهُ} {الواو} استئنافية. {الله} مبتدأ. وجملة {يُحْيِي} خبره، والجملة الإسمية مستأنفة. وجملة قوله:{وَيُمِيتُ} معطوفة على جملة {يُحْيِي} . {وَاللَّهُ} {الواو} عاطفة. {الله} مبتدأ. {بِمَا} جار ومجرور متعلق بـ {بَصِيرٌ} الآتي. {تَعْمَلُونَ} فعل وفاعل، والجملة صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد، أو الرابط محذوف تقديره: بما تعملونه. {بَصِيرٌ} خبر المبتدأ، والجملة الإسمية معطوفة على جملة قوله:{وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ} على كونها مستأنفة لا محل لها من الإعراب.

{وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157)} .

{وَلَئِنْ} {الواو} استئنافية. {اللام} موطئة للقسم. {إن} حرف شرط. {قُتِلْتُمْ} فعل، ونائب فاعل في محل الجزم بـ {إن} على كونه فعل شرط لها.

ص: 220

{فِي سَبِيلِ اللَّهِ} جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ {قُتِلْتُمْ} . {أَوْ مُتُّمْ} معطوف على {قُتِلْتُمْ} . {لَمَغْفِرَةٌ} {اللام} حرف ابتداء. {مغفرة} مبتدأ. {مِنَ اللَّهِ} جار ومجرور صفة لـ {مغفرة} . {وَرَحْمَةٌ} معطوف على مغفرة. {خَيْرٌ} خبر المبتدأ. {مِمَّا} جار ومجرور متعلق بـ {خَيْرٌ} . {يَجْمَعُونَ} فعل، وفاعل صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: يجمعونه، والجملة من المبتدإ والخبر جواب القسم لا محل لها من الإعراب. وأما جواب الشرط فمحذوف على القاعدة المشهورة عندهم، كما قال ابن مالك:

وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِماعٍ شَرْطٍ وقَسَم

جَوَابَ ما أَخَّرَتْ فَهُوَ مُلْتَزمُ

وجملة القسم مع جوابه مستأنفة.

{وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)} .

{وَلَئِنْ} {الواو} عاطفة. {اللام} موطئة للقسم. {إن} حرف شرط. {مُتُّمْ} فعل وفاعل في محل الجزم بـ {إن} على كونه فعل شرط لها. {أَوْ قُتِلْتُمْ} معطوف على {مُتُّمْ} . {لَإِلَى اللَّهِ} {اللام} رابطة لجواب القسم. {إلى اللَّه} جار ومجرور متعلق بـ {تُحْشَرُونَ} . {تُحْشَرُونَ} فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعل، والجملة الفعلية جواب القسم، وجواب الشرط محذوف معلوم من جواب القسم تقديره: تحشرون إلى الله. وجملة القسم مع جوابه معطوفة على جملة القسم الأول.

وقال أبو البقاء (1) قوله: {لَإِلَى اللَّهِ} {اللام} جواب قسم محذوف، ولدخولها على حرف الجر .. جاز أن يأتي {تُحْشَرُونَ} غير مؤكد بالنون، والأصل: لتحشرن إلى الله.

قال أبو حيان (2): ولم يؤكد الفعل الواقع جوابًا للقسم المحذوف؛ لأنه فصل بين اللام المتلقى بها القسم وبينه بالجار والمجرور، ولو تأخَّر .. لكان لتحشرن إليه. قال أبو عليٍّ: الأصل دخول نون التوكيد فرقًا بين لام اليمين،

(1) العكبري.

(2)

البحر المحيط.

ص: 221

ولام الابتداء. ولام الابتداء لا تدخل على الفضلات، فبدخول لام اليمين على الفضلة؛ وقع الفصل، فلم يحتج إلى النون، وبدخولها على سوف كقوله:{فلسوف تعلمون} وقع الفرق فلم يحتج إلى النون؛ لأن لام الابتداء لا تدخل على الفعل، إلا إذا كان حالًا أما إذا كان مستقبلًا .. فلا.

وإنما قُدِّمَ الجار والمجرور اهتمامًا باسم الله تعالى، ولرعاية الفاصلة.

التصريف ومفردات اللغة

{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} الرُّعب بضمتين، وبإسكان الثاني شدة الخوف التي تملأ القلب، وفي "المصباح". رعبت رعبًا من باب: تفع خفت، ويتعدى بنفسه، وبالهمزة أيضًا يقال: رعبته فهو مرعوب، وأرعبته، والاسم الرعب بالضم، وبضم العين للإتباع، ورعبت الإناء إذا ملأته، ورعبت الحوض ملأته، وسيلٌ راعبٌ؛ أي: ملأ الوادي.

{مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} السلطان (1): الحجة والبرهان، ومنه قيل للوالي: سلطان، وقيل: اشتقاق السلطان من السليط، وهو ما يضيء به السراج من دهن السمسم، وقيل: السليط: الحديد، والسلاطة: الحدة، والسلاطة من التسليط، وهو القهر والسلطان من ذلك، فالنون زائدةٌ، والسليطة المرأة الصخابة، والسليط الرجل الفصيح اللسان.

{مَثْوَى الظَّالِمِينَ} المثوى: مفعلٌ من ثوى يثوي ثويًا إذا أقام، يكون للمصدر، والزمان، والمكان، والثواء الإقامة بالمكان الثابتة، أما المأوى: فهو المكان الذي يأوي إليه الإنسان كما مر في بحث التفسير.

{إِذْ تَحُسُّونَهُمْ} الحسُّ: القتل الذريع يقال: حسَّه يحسه من باب: رد حسًّا، إذا قتله قتلًا ذريعًا قال الشاعر:

حَسَسْنَاهُمْ بِالسَّيْفِ حَسًّا فَأَصْبَحَتْ

بَقِيَّتُهُمْ قَدْ شُرِّدُوْا وَتَبَدَّدُوْا

(1) البحر المحيط.

ص: 222

وجراد محسوسٌ قتله البرد، وسنةٌ حسوس إذا أتت على كل شيء. وفي "المختار" {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ} أي: تستأصلونهم قتلًا، وبابه: ردَّ، فكان القاتل أبطل حسه بالقتل، كما يقال: بطنه إذا أصاب بطنه، ورأسه إذا أصاب رأسه.

{حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ} في "المصباح" فشل فشلًا، فهو فشلٌ من باب: تعب وهو الجبان الضعيف القلب.

{وَتَنَازَعْتُمْ} التنازع الإختلاف، وهو من النزع وهو الجذب يقال: نزع ينزع إذا جذب، وهو متعدٍّ إلى واحد؛ ونازع متعدٍ إلى اثنين وتنازع متعدٍ إلى واحد.

قال الشاعر:

فلما تنازعنا الحديث وأسمحت

هصرت بغصن ذي شماريخ ميال

{إِذْ تُصْعِدُونَ} بضم أوله على قراءة الجمهور من أصعد الرباعيّ، يقال: أصعدنا من مكة إلى المدينة، أي: ذهبنا، وبفتحه على قراءة غيرهم من صعد في الجبل إذا رقى. وقال المفضل: صعد وأصعد بمعنى واحدٍ.

{وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ} ؛ أي: لا تلتفتون إلى أحد من شدة الهرب، يقال: فلانٌ لا يلوي على شيء؛ أي: لا يعطف عليه، ولا يبالي به، وأصل تلوون تلويون استثقلت الحركة على الياء ثم حذفت، فالتقى ساكنان، ثم حذفت الياء، ثم ضمت واو عين الكلمة لمناسبة واو الضمير فصار تلوون.

{عَلَى مَا فَاتَكُمْ} يقال: فات الشيء، أعجز إدراكه، وهو متعد، ومصدره فوتٌ وهو قياس فعل المتعدِّي.

{نُعَاسًا} النعاس (1): النوم الخفيف، يقال: نعس ينعس من باب فتح، ونصر نعاسًا، فهو ناعسٌ، ولا يقال: نعسان. وقال الفراء: قد سمعتها، ولكني لا أشتهيها، ويقال: نعس الرجل نعسًا إذا أخذته فترةٌ في حواسه، فقارب النوم، فهو ناعسٌ.

{إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} جمع مضجع، والمضجع: المكان الذي يتكأ فيه للنوم،

(1) البحر المحيط.

ص: 223

ومنه: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} والمضاجع المصارع، وهي أماكن القتل، سميت بذلك لضجعة المقتول فيها.

{أَوْ كَانُوا غُزًّى} جمع (1) غاز، على حدِّ قوله:

وفُعَّلٌ لِفاعِلٍ وفاعِلَهْ

وَصْفَيْنِ نَحْوُ عَاذِلٍ وعَاذِلَهْ

ومِثْلُهُ الفُعَّالُ فِيْمَا ذُكِرَا .... وَذَانِ فِيْ المُعَلِّ لامًا نَدَرَا

وهو منصوبٌ بفتحة مقدرة على الألف المنقلبة عن الواو، وحذفت لالتقاء الساكنين، وأصله غزو تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفًا، ثم حذفت لما ذكر. وفي "السمين" والجمهور على {غزًّا} بالتشديد جمع غازٍ، وقياسه: غزاةٌ كـ: رامٍ، ورماةٍ، وقاضٍ وقضاةٍ، ولكنهم حملوا المعتل على الصحيح في نحو ضاربٍ، وضُرَّب، وصائمٍ، وصُوُّم. وقرأ الحسن {غُزًا} بالتخفيف، وفيه وجهان أحدهما: أنه خفَّف الزاي كراهية التثقيل في الجمع، والثاني: أن أصله غزاةٌ كقضاةٍ ورماة، ولكنه حذف تاء التأنيث؛ لأنَّ نفس الصيغة دالَّةٌ على الجمع، فالتاء مستغنى عنها.

{أَوْ مُتُّمْ} بضم الميم من مات يموت من باب قال يقول، وأصل مات: موت تحركت الواو، وانفتح ما قبلها قلبت ألفًا فصار مات. وأصل يموت يموت نقلت حركة الواو إلى الساكن قبلها فصار يموت. وأما بكسرها فمن: مات يمات كخاف يخاف، أصله في الماضي موت كخوف، تحركت الواو، وانفتح ما قبلها قلبت ألفًا، فصار مات فهو من باب علم وأصله في المضارع يموت بوزن يعلم نقلت فتحة الواو إلى الساكن قبلها، ثم قلبت ألفًا، فصار يمات مثل يخاف، فيقال في الماضي، عن إسناده لتاء الضمير: متم كما يقال: خفتم، وأصله موتم بوزن علمتم، نقلت كسرة الواو إلى الميم بعد سلب حركتها، ثم حذفت الواو لالتقاء الساكنين.

وأما {مُتُّمْ} بالضم؛ فلأنَّ فَعَلَ بفتح العين من ذوات الواو، فقياسه إذا

(1) الفتوحات.

ص: 224

أسند إلى تاء المتكلم، وأخواتها: أن تضم فاؤه، إما من أوَّل وهلة، وإما أن تبدل الفتحة ضمةً، ثم تنقلها إلى الفاء على اختلافٍ بين الصرفيين.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة:

منها: الطِّباق في لفظ {آمَنُوا} ، و {كَفَرُوا} ، وكذلك بين {يخفون} و {يبدون} ، وبين {فاتكم} و {أصابكم} ، وهو من المحسنات البديعية.

ومنها: التشبيه في قوله: {يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} ، شبه الرجوع عن الدين بالراجع القهقرى؛ والذي حبط عمله بالكفر بالخاسر الذي ضاع ربحه، ورأس ماله، وبالمنقلب الذي يروح في طريق، ويغدو في أخرى، وفي قوله:{سَنُلْقِي} ، وقيل هذا كله استعارة.

ومنها: الالتفات (1) إلى التكلم في قوله: {سَنُلْقِي} من الغيبة في قوله: {وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} وذلك للتنبيه على عظم ما يلقيه تعالى، وقرأ أيوب السختيانيُّ سيلقي بالغيبة جريًا على الأصل، وقدم المجرور على المفعول به اهتمامًا بذكر المحل قبل ذكر الحال، والإلقاء هنا مجازٌ؛ لأنَّ أصله في الأجرام فاستعير هنا.

ومنها: وضع الظاهر موضع المضمر في قوله: {وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} حيث لم يقل، وبئس مثواهم بل وضع الظاهر مكان الضمير للتغليظ، وللإشعار بأنهم ظالمون لوضعهم الشيء في غير موضعه.

ومنها: التفخيم في قوله: {ذُو فَضْلٍ} حيث نكره.

ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: {عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} للتشريف، وللإشعار بعلة الحكم حيث لم يقل عليكم.

ومنها: الإبهام (2) في قوله: {وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ} فمن قال: هو

(1) الفتوحات.

(2)

البحر المحيط.

ص: 225

الرسول أبهمه تعظيمًا لشأنه؛ ولأن التصريح فيه هضمٌ لقدره.

ومنها: التجنيس المماثل في {غَمًّا بِغَمٍّ} {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ} .

ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} .

ومنها: التفسير بعد الإبهام في قوله: {مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ} .

ومنها: الاحتجاج النظريُّ في قوله: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ} ، وهو أن يذكر المتكلم معنى يستدل عليه بضروب من المعقول نحو قوله تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ} وبعضهم يسميه المذهب الكلامي، ومنه قول الشاعر:

جَرَى القَضَاءُ بِمَا فِيْهِ فَإِنْ تَلُمِ

فَلَا مَلَامَ عَلَى مَا خُطَّ بِالْقَلَمِ

ومنها: الاعتراض في {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} .

ومنها: الاختصاص في {بِذَاتِ الصُّدُورِ} ، وفي {بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} .

ومنها: الإشارة في قوله: {لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً} .

ومنها: الاستعارة في {إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ} تشبيهًا (1) للمسافر في البرِّ بالسابح الضارب في البحر؛ لأنه يضرب بأطرافه في غمرة الماء شقًّا لها، واستعانةً على قطعها.

ومنها: التكرار في {مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} وما بعدهما.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

(1) تلخيص البيان ص 22.

ص: 226

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163) لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164) أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168)} .

المناسبة

مناسبة هذه الآيات لما قبلها: لمَّا أرشد (1) الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين في الآيات المتقدمة إلى ما ينفعهم في معاشهم، ومعادهم، وكان من جملة ذلك أن عفا عنهم .. زاد في الفضل والإحسان إليهم، في هذه الآيات بأن مدح الرسول صلى الله عليه وسلم على عفوه عنهم، وتركه التغليظ عليهم، وقد نزلت هذه الآيات عقب وقعة أحد، التي خالف فيها النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، وكان من جراء ذلك ما كان من الفشل، وظهور المشركين عليهم، حتى أصيب النبيُّ صلى الله عليه وسلم مع من أصيب، فصبر، وتجلَّدَ، ولان في معاملة أصحابه، وخاطبهم بالرِّفْقِ، ولم

(1) المراغي.

ص: 227

يعاتبهم اقتداء بكتاب الله تعالى؛ إذ أنزل في هذه الواقعة آيات كثيرةً بيَّن فيها ما كان من ضعف بعض المسلمين، وعصيانهم، وتقصيرهم حتى ذكر الظنون والهواجس النفسية، لكن مع العتب المقترن بذكر العفو والوعد بالنصر وإعلاء الكلمة.

والآيات تتحدَّث عن أخلاق النبوَّةِ، وعن المِنَّةِ العظمى ببعثةِ الرسولِ الرحيم، والقائد الحكيم، وعن بقية الأحداث الهامة في تلك الغزوة.

قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ

} الآية، مناسبةُ هذه الآية لما قبلها (1): من حيث إنها تضمَّنت حكمًا من أحكام الغنائم في الجهاد، وهو من المعاصي المتوعَّد عليها بالنار، كما جاء في قصة مُدْعِمٍ (2) فحذَّرهم عن ذلك.

قوله تعالى: (3) {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه تعالى لمَّا ذكر الفريقين فريق الرضوان، وفريق السخط، وأنهم درجاتٌ عند الله مجملا من غير تفصيل، فصل أحوالهم. وبدأ بالمؤمنين وذكر ما امتن عليهم به من بعث الرسول إليهم تاليًا لآيات الله، ومبيِّنًا لهم طريق الهدى، ومطهِّرًا لهم من أرجاس الشرك، ومنقذًا لهم من غمرة الضلالة بعد أن كانوا فيها، وسلَّاهم عمَّا أصابهم يوم أحد من الخِذلان، والقتل، والجراح، لما أنالهم يوم بدر من الظفر والغنيمة، ثم فصَّل حالَ المنافقين الذين هم أهل السخط بما نصَّ عليه تعالى.

أسباب النزول

قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ

} الآية، أخرج (4) أبو داود والترمذي وحسَّنه، عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في قطيفةٍ حمراء، فقدت يوم بدر، فقال بعض الناس لعلَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أخذها، فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ

(1) البحر المحيط.

(2)

مدعم: اسم عبد للنبي صلى الله عليه وسلم وهبه له رجل من بني جذام يدعى رفاعة بن زيد كما سيأتي بيانه في أحاديث الغلول. اهـ مؤلفه.

(3)

البحر المحيط.

(4)

لباب النقول.

ص: 228

يَغُلَّ

} إلى آخر الآية.

وأخرج (1) الطبراني في الكبير بسندٍ رجاله ثقات، عن ابن عباس قال: بعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جيشًا، فردت، رايته ثم بعث، فردت، ثم بعث فردت بغلول رأس غزال من ذهب، فنزلت: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ

}.

قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ

} الآية، سبب نزولها (2): ما رواه الإِمام أحمد رحمه الله/ ج1 ص 30/) عن ابن عباس، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر، قال: نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه، وهم ثلاث مئة ونيف، ونظر إلى المشركين، فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبيُّ صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه، وعليه رداؤه وإزاره، ثم قال: "اللهم أين ما وعدتني، اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإِسلام .. فلا تعبد في الأرض أبدًا، قال: فما زال يستغيث ربَّه عز وجل، ويدعوه حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر رضي الله عنه فأخذ رداءه فرداه، ثم التزمه من ورائه، ثم قال: يا نبيَّ الله، كفاك مناشدتك ربَّك، فإنه سينجز لك ما وعدك، وأنزل الله عز وجل:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} فلما كان يومئذٍ، والتقوا، فهزم الله عز وجل المشركين، فقتل منهم سبعون رجلًا، وأسر منهم سبعون رجلًا، فاستشار رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا بكرٍ وعليًّا، وعمر رضي الله عنهم فقال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله: هؤلاء بنو العم، والعشيرة، والإخوان، فإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذنا منهم قوةً لنا على الكفار، وعسى الله أن يهديهم فيكونوا لنا عضدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترى يا ابن الخطاب؛ قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكنّي أرى أن تمكنني من فلان قريبًا لعمر، فأضرب عنقه، وتمكِّن عليًّا رضي الله عنه عن عقيل، فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا موادَّةٌ للمشركين،

(1) لباب النقول.

(2)

مسند أحمد.

ص: 229