المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة النساء (1) سورة النساء: مدنية كلها على الصحيح، فقد روى - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٥

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ‌ ‌سورة النساء (1) سورة النساء: مدنية كلها على الصحيح، فقد روى

‌سورة النساء

(1)

سورة النساء: مدنية كلها على الصحيح، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما نزلت سورة النساء، إلا وأنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بَنَى النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة في المدينة، في شوال من السنة الأولى من الهجرة.

وآياتُها مئة وخمس أو ست أو سبع وسبعون آية، وكلماتها ثلاثة آلاف وخمس وأربعون كلمة، وحروفها ستةَ عشرَ ألف حرف، وثلاثون حرفًا.

التسمية: وسميت سورة النساء لكثرة ما ورد فيها من الأحكام التي تتعلق بهن، بدرجة لم توجد في غيرها من السور، ولذلك أطلق عليها سورةُ النساء الكبرى في مقابلة سورة النساء الصغرى التي عرفت في المصحف بسورة الطلاق.

مناسبتها: والمناسبة بينها وبين سورة آل عمران من أوجه (2):

منها: أن آل عمران ختمت بالأمر بالتقوى، وافتتحت هذه السورة بذلك، وهذا من آكد المناسبات في ترتيب السورة.

ومنها: أن في السابقة ذكرَ قصة أحد مستوفاة، وفي هذه ذيل لها، وهو قوله:{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} فإنه نزل في هذه الغزوة على ما ستعرفه بعد.

ومنها: أنه ذكر في السالفة الغزوة التي بعد أحد، وهي غزوة حمراء الأسد بقوله:{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} وأشير إليها هنا في قوله: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ} الآية.

وقال أبو حيان (3): مناسبة هذه السورة لما قبلها: أنه تعالى لما ذكر أحوال

(1) بدأت تفسير هذه السورة في تاريخ: 28/ 8/ 1408 هـ.

(2)

المراغي.

(3)

البحر المحيط.

ص: 367

المشركين، والمنافقين، وأهل الكتاب، والمؤمنين أولي الألباب، ونبه تعالى بقوله:{أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ} على المجازاة، وأخبر أن بعضهم من بعض في أصل التوالد، نبه تعالى في أول هذه السورة على إيجاد الأصل، وتفرع العالم الإنساني منه ليحث على التوافق، والتوادد، والتعاطف، وعدم الاختلاف، ولينبه بذلك على أن أصل الجنس الإنساني، كان عابدًا لله مفردَه بالتوحيدَ والتقوى، طائعًا له، فكذلك ينبغي أن تكون فروعه التي نشأت منه، فنادى تعالى دعاءً عامًّا للناس، وأمرهم بالتقوى التي هي ملاك الأمر، وجعل سببًا للتقوى تذكاره تعالى إياهم بأنه أوجدهم، وأنشأهم من نفس واحدة، ومن كان قادرًا على مثل هذا الإيجاد الغريب الصنع، وإعدام هذه الأشكال، والنفع، والضر .. فهو جدير بأن يتقى انتهى.

ذكر ما حوته هذه السورة من الموضوعات (1)

1 -

الأمر بتقوى الله تعالى في السر والعلن.

2 -

تذكير المخاطبين بأنهم خلقوا من نفس واحدة.

3 -

أحكام القرابة والمصاهرة.

4 -

أحكام الأنكحة والمواريث.

5 -

أحكام القتال.

6 -

الحجاج مع أهل الكتاب.

7 -

بعض أخبار المنافقين.

8 -

الكلامُ مع أهل الكتاب إلى ثلاث آيات في آخرها.

وبالجملة: اشتملت هذه السورة على ذكر حقوق النساءِ والأيتام، وخاصةً اليتيمات اللاتي في حجور الأولياء، والأوصياء، فقررت حقوقَهن في الميراث،

(1) المراغي.

ص: 368

والكسب، والزواج، واستنقذتهن من أسر الجاهلية، وتقاليدها الظالمة المهينة.

وتعرضت لموضوع المرأة فصانت كرامتَها، وحفظت كيانها، ودعت إلى إنصافها بإعطائها، حقوقها التي فرضها الله تعالى لها كالمهر، والميراث وإحسان العشرة.

وتعرضت لأحكام المواريث على الوَجْهِ الدقيق العادلِ الذي يكفل العدالةَ، ويحقق المساواة، وأفصحت عن المحرمات من النساء بالنسب، والرضاع، والمصاهرة.

واشتملت على تنظيم العلاقات الزوجية، وبينت أنها ليست علاقةَ جسد، وإنما هي علاقة إنسانية، وأن المهر ليس أجرًا ولا ثمنًا، وإنما هو عطاء يوثق المحبةَ، ويديم العشرةَ وبربط القلوبَ.

وذكرت حق الزوج على زوجته، وحق الزوجة على زوجها، وأرشدَتْ إلى الخطوات التي ينبغي أن يسلكها الرجل لإصلاح الحياة الزوجية عندما يبدأ الشقاقُ، والخلاف بين الزوجين، وبينت معنى قوامة الرجل، وأنها ليست قوامةَ استعباد، وتسخير، وإنما هي قوامة نصح، وتأديب التي تكون بين الراعي ورعيته.

ثم انتقلت من دائرة الأسرة إلى دائرة المجتمع، فأمرت بالإحسان في كل شيء، وبينت أن أساس الإحسان التكافل، والتراحم والتناصح، والتسامح، والأمانة، والعدل حتى يكون المجتمع راسخَ البنيان قوي الأركان، ومن الإصلاح الداخلي انتقلت الآيات إلى الاستعداد للأمن الخارجيّ الذي يحفظ على الأمة استقرارها، وهدوءها، فأمرت بأخذ العدة لمكافحة الأعداء.

ثم وضعت بعض قواعد المعاملات الدولية بين المسلمين، والدول الأخرى المحايدة، أو المعادية، واستتبع الأمر بالجهاد جملةً ضخمةً على المنافقين، فهم نابتة السوء، وأصول الشر التي ينبغي الحذر منها، وقد تحدثت السورة الكريمة عن مكايدهم وخطرهم، كما أومأت إلى خطر أهل الكتاب، وخاصة اليهود وموقفهم من رسل الله الكرام.

ص: 369

ثم ختمت السورة ببيان ضلالات النصارى، في أمر المسيح عيسى ابن مريم، حيث غالوا فيه حتى عبدوه، ثم صلبوه؛ أي: جعلوه صليبًا مصورًا معبودًا لهم مع اعتقادهم بألوهيته، واخترعوا فكرة التثليث فأصبحوا كالمشركين الوثنيين، وقد دعتهم الآيات إلى الرجوع عن تلك الضلالات إلى العقيدة السمحة الشافعية عقيدة التوحيد وصدق الله تعالى حيث قال:{وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} .

قيل (1): وجعل هذا المطلع مطلعًا لسورتين إحداهما: هذه، وهي الرابعة من النصف الأول، والثانية: سورة الحج، وهي الرابعة من النصف الثاني، وعلل هنا الأمر بالتقوى بما يدل على معرفة المبدأ، وهناك بما يدل على معرفة المعاد.

فضلها: وقد ورد (2) في فضل هذه السورة ما أخرجه الحاكم في "مستدركه" عن عبد الله بن مسعود قال: إن في سورة النساء لخمس آيات ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} الآية، و {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} الآية، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} الآية، و {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} الآية. ثم قال: هذا إسناد صحيح، إن كان عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود سمع من أبيه، وقد اختلف في ذلك.

الناسخ والمنسوخ منها: قال أبو عبد الله محمَّد بن حزم (3): سورة النساء مدنية تحتوي على أربع وعشرين آية منسوخة:

الأولى منها: قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ} مدنية النساء نسخت بأية المواريث وهي قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} الآية 11 مدنية النساء.

(1) البحر المحيط.

(2)

الشوكاني.

(3)

الناسخ والمنسوخ.

ص: 370

والثانية منها: قوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ} الآية 9 النساء نسخت بقوله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} الآية 182 مدنية البقرة.

والثالثة منها: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} 10 مدنية النساء، وذلك أنه لما نزلت هذه الآية امتنعوا من أموال اليتامى، وعزلوهم فدخل الضررُ على الأيتام، ثم أَنْزَل (1) الله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} 220 البقرة. من المخالطة ركوب الدابة، وشرب اللبن فرخص في المخالطة، ولم يرخص في أكل الأموال بالظلم ثم قال عز وجل:{وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} 6 النساء، فهذه الآية نسخت الأولى، والمعروف هنا: القرض فإذا أيسر رده، فإن مات قبل ذلك. فلا شيءَ عليه.

والرابعة منها: قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} الآية 15 مدنية النساء. كانت المرأة إذا زنت، وهي محصنة حبست في بيت، فلا تخرج منه حتى تموت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خذوا عني قد جعل الله لهن السبيلَ الثيبُ بالثيب الرجمُ، والبكر جلد مائة، وتغريب عام" فهذه الآية منسوخة بعضها بالكتاب، بقوله تعالى:{أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} 15 مدنية النساء. وبعضها بالسنة، وكني فيها بذكر النساء عن ذكر النساء والرجال.

والخامسة منها: قوله تعالى: {وَاللَّذَانِ يَأتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} 16 مدنية النساء. كان البكران إذا زنيا عيرا وشتما فنسخ الله ذلك بالآية التي في سورة النور، وهي قوله تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} 2 مدنية النور.

(1) وفي "الخازن": وقد توهم بعضهم أن قوله: {وإن تخالطوهم} ناسخ لهذه الآية، وهذا غلط ممن توهمه؛ لأن هذه الآية واردة في المنع من أكل أموال اليتامى ظلمًا وهذا لا يصير منسوخًا لأن أكل مال اليتيم بغير حق من أعظم الآثام وقوله {وإن تخالطوهم فإخوانكم} وارد على سبيل الإصلاح في أموال اليتامى والإحسان إليهم وهو أعظم القرب. اهـ منه.

ص: 371

والسادسة منها: قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} الآية. 17 مدنية النساء، وذلك أن الله تعالى ضمن لأهل التوحيد أن يقبلَ قبل أن يغرغروا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كل من كان قبل الموت" ثم استثنى في الآية بقوله تعالى: {إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} ، فصارت ناسخة لبعض حكمها لأهل الشرك، ثم قال:{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} إلى آخرها 18 النساء.

والسابعة منها: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} إلى قوله: {بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} 19 النساء، ثم نسخت بالاستثناء بقوله تعالى:{إِلَّا أَنْ يَأتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} 19 النساء.

والثامنة منها: قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} نسخت بالاستثناء بقوله تعالى: {إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} 22 النساء؛ أي: من أفعالهم فقد عفوت عنه.

والتاسعة منها: قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} 23 النساء، نسخت بالاستثناء بقوله:{إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} يعني عفوت عنه.

والعاشرة: قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} 24 مدنية النساء. نسخت بقوله صلى الله عليه وسلم: "إني كنت أحللت هذه المتعةَ، ألا وإن الله ورسوله قد حرمَاها، ألا فليبلغ الشاهد الغائب"، ووقع ناسخها من القرآن موضعَ ذكر ميراث الزوجة الثمنَ، أو الربعَ فلم يكن لها في ذلك نصيب.

وقال الشافعي رحمه الله تعالى: موضع تحريمها في سورة المؤمنين، وناسخها قوله تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} 5 مكية المؤمنون، وأجمعوا على أنها ليست بزوجة، ولا ملك اليمين، فنسخها الله بهذه الآية.

والحادية عشرة منها: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} الآية 29 مدنية النساء. نسخت بقوله تعالى في سورة النور:

ص: 372

{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} 61 مدنية النور، وكانوا يجتنبونهم في الأكل، فقال تعالى: ليس على من أكل مع الأعرج والمريض حرج، فصارت هذه الآية ناسخة لتلك الآية.

الثانية عشرة: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} الآية 33 مدنية منسوخة، وناسخها قوله تعالى في آخر الأنفال:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} الآية 75 مدنية الأنفال.

الثالثة عشرة: قوله تعالى: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ} الآية 63 مدنية نسخت بآية السيف.

الرابعة عشرة: قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} الآية 64 مدنية النساء. نسخت بقوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} الآية 80 مدنية التوبة.

الخامسة عشرة: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} الآية 71 مدنية النساء. نسخت بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} 122 مدنية التوبة.

السادسة عشرة: قوله تعالى: {وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} الآية 80 مدنية النساء. نسختها آية السيف.

السابعة عشرة: قوله تعالى: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} 81 مدنية النساء. نسخ الإعراض عنهم بآية السيف.

الثامنة عشرة: قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} 90 مدنية النساء. نسخها الله بآية السيف.

التاسعة عشرة: قوله تعالى: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأمَنُوكُمْ وَيَأمَنُوا قَوْمَهُمْ} 191 النساء. نسخها الله بآية السيف.

العشرون منها: قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} الآية 92 مدنية

ص: 373

النساء. نسخها الله تعالى بقوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} 1 مدنية التوبة.

الحادية والعشرون: قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} الآية. 93 مدنية النساء. نسخت بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} 48، 116 النساء. وبالآية التي في الفرقان، {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} إلى قوله تعالى:{إِلَّا مَنْ تَابَ} 68 مدنية. الفرقان.

الثانية والعشرون: قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} 145 النساء. نسخ الله بعضها بالاستثناء بقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا} الآية 146 النساء.

الثالثة والعشرون، والرابعة والعشرون. قوله تعالى:{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} 88 النساء. وقوله تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} 84 النساء نسخهما آية السيف، فتكون مع هاتين أربعًا وعشرين آية. انتهى.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 374

بسم الله الرحمن الرحيم

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3) وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4) وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6) لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)} .

المناسبة

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ

} مناسبتها للآية التي في آخر السورة السابقة - أعني قوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} - ظاهرةٌ؛ لأن كلا الآيتين آمرة بالتقوى كما سبق.

قوله تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ

} الآيات، مناسبتها (1) لما قبلها: أنه لما وصل الأرحام .. أتبع بالأيتام؛ لأنهم صاروا بحيث لا كافلَ لهم، ففارق

(1) البحر المحيط.

ص: 375

حالهم حال من له رحم. ذكره أبو حيان.

وقيل: مناسبتها أنه سبحانه وتعالى لما (1) افتتح السورة بذكر ما يجب على العبد أن ينقادَ له من التكاليف؛ ليبتعد عن سخطه وغضبه في الدنيا والآخرة .. شرع يذكر أنواعها، وأولها: إيتاء اليتامى أموالهم، وثانيها: حكم ما يحل عدده من الزوجات، ومتى يجب الاقتصار على واحدةٍ، ثم أوجب إيتاء الصداق لهن.

قوله تعالى {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ

} الآيات، مناسبتها لما قبلها أنه سبحانه وتعالى، لما أمر في الآيات السالفة بإيتاء اليتامى أموالهم، وبإيتاءِ النساء مهورهن .. أتى في هذه الآية بشرط للإيتاء يشمل الأمرين معًا، وهو أن لا يكون كل منهما سفيهًا مع بيان أنهم يرزقون فيها، ويكسون ما دامت في أيديهم مع قول المعروف لهم، حتى تحسن أحوالهم، وأنه لا تسلم إليهم الأموال إلا إذا أونس منهم الرشد، وأنه لا ينبغي الإسراف في أكل أموال اليتامى، فمن كان من الأولياء غنيًّا .. فليعف عن الأكل من أموالهم، ومن كان فقيرًا .. فليأكل بما يبيحه الشرع، ويستجيزه أرباب المروءة.

قوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ

} الآيات، مناسبتها لما قبلها، أنه سبحانه وتعالى لما ذكر في الآيات السابقة حرمة أكل أموال اليتامى، وأمر بإعطائهم أموالَهم إذا رشدوا، ومنع أكل مهور النساء أو تزويجَهن بغير مهر .. ذكر هنا أن المال الموروث الذي يحفظه الأولياء لليتامى، يشترك فيه الرجال والنساء، وقد كانوا في الجاهلية لا يورثون النساء، والأولاد الصغار، ويقولون: لا يرث إلا من طاعن بالرماح، وحاز بالغنيمة، ثم أمر بإحسان القول إلى اليتامى؛ لأن اليتيم مرهف الحس، يألم للكلمة تهينه، ولا سيما ذكر أبيه، وأمه بسوء، وقلما يوجد يتيم لا يمتهن، ولا يقهر بالسوء من القول، ثم طلب الإشفاقَ عليهم ومعاملتَهم بالحسنى، فربما يترك الميت ذريةً ضعافًا يود أن غيره

(1) المراغي.

ص: 376

يعاملهم بمثل هذه المعاملة، وبعد ذلك شدد في الوعيد، ونفر من أكل أموال اليتامى ظلمًا، وجعل أكله كأكل النار.

أسباب النزول

قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى

} الآية، سبب نزولها: ما روى عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا ابن أختي، هذه اليتيمة تكون في حجر وليها، تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالُها، فيريد وليها أن يتزوجَها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيَها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا عن ذلك، إلا أن يقسطوا لهن، ويبلغوا لهن أعلى سنتهن في الصداق، فأمروا أن ينكحوا ما طَابَ لهم من النساء سواهن، وإن الناس استفتوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية، فأنزل الله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ

} الآية. أخرجه البخاري ومسلم.

وأخرج البخاري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أنّ رجلًا كانت له يتيمة، فنكحها، وكان لها عذق، وكان يمسكها عليه، ولم يكن لها من نفسه شيء، فنزلت فيه {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} أحسبه قال: كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله. الحديث أخرجه ابن جرير في تفسيره بنحوه، وأخرجه مسلم أيضًا.

قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً

} سبب نزولها: ما أخرجه (1) ابن أبي حاتم عن أبي صالح قال: كان الرجل إذا زوح ابنتَه أَخذَ صداقها، دونها، نهاهم الله عن ذلك فأنزل {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً

}.

قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأكُلْ بِالْمَعْرُوفِ

} الآية، سبب نزولها: ما رواه هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى:{وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} إنها نزلت في مال اليتيم إذا كان

(1) لباب النقول.

ص: 377

فقيرًا، فإنه يأكل منه مكان قيامه عليه بمعروف. أخرجه البخاري ومسلم.

قوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ

} سبب نزولها: ما أخرجه (1) أبو الشيخ، وابن حبان في كتاب الفرائض من طريق الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل الجاهلية لا يورثون البنات، ولا الصغار من المذكور، حتى يدركوا، فمات رجل من الأنصار، يقال له: أوس بن ثابت، وترك ابنتين وابنًا صغيرًا، فجاء ابنا عمه خالد، وعرفطة، وهما عصبة، فأخذا ميراثه كله، فأتت امرأته رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: ما أدري ما أقول: فنزلت {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ

} الآية.

وقال المراغي (2): وقد روي في سبب نزول هذه الآية {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ

} أن أوس بن الصامت الأنصاري توفي وترك امرأته أم كحلة، وثلاث بنات له منها، فزوى ابنا عمه سويد، وعرفطة ميراثه عنهن، على سنة الجاهلية، فجاءت امرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الفضيخ مسجد بالمدينة كان سكنه أهل الصفة - فشكت إليه أن زوجها أوسًا قد مات وخلف ثلاث بنات، وليس عندها ما تنفق عليهن منه، وقد ترك أبوهن مالًا حسنًا عند ابني عمه لم يعطياها مثله شيئًا، وهن في حجري لا يطعمنَ ولا يسقينَ، فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله، ولدها لا يركب فرسًا، ولا يحمل كلا، ولا ينكأُ عدوا نكسب عليها، ولا تكسب، فنزلت الآية فأثبتت لهن الميراث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفرقا من مال أوس شيئًا، فإن الله جعل لبناته نصيبًا مما ترك، ولم يبين فنزلتْ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} إلخ فأعطى زوجتَه الثمن، والبنات الثلثين، والباقي لبني العم.

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا

} سبب نزولها (3) ما روي عن مقاتل بن حيان أن رجلًا من غطفان يقال له مرثد بن زيد، ولي مال يتيم

(1) لباب النقول.

(2)

المراغي.

(3)

القرطبي.

ص: 378