الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرهمَ الجيدَ، ويجعل مكانَه الزيف، ويقول: شاة بشاة، ودرهم بدرهم، فذلك تبديلهم فنهوا عنه، وقال عطاء: هو الربح في مال اليتيم، وقيل: هو أكل مال اليتيم عوضًا عن أكل أموالهم فنهوا عنه.
وخلاصة ذلك (1): واحفظوا أيها الأولياء والأوصياء أموالَ اليتامى، ولا تتعرضوا لها بسوءٍ، وسلموها لهم متى آنستم منهم رشدًا ولا تتمتعوا بأموالهم في المواضع، والحالات التي من شأنكم أن تتمتعوا فيها بأموالكم، فإذا فعلتم ذلك .. فقد جعلتم مالَ اليتيم بدلًا من مالكم.
{وَلَا تَأكُلُوا أَمْوَالَهُمْ} ؛ أي: أموال اليتامى مخلوطةً ومضمومةً {إِلَى أَمْوَالِكُمْ} حتى لا تفرقوا بين أموالهم وأموالكم في الانتفاع بها؛ لأن في ذلك قلة مبالاة بما لا يحل، وتسوية بين الحرام والحلال، فإنه لا يحل لكم من أموالهم ما زاد على قدر الأقل من أجرتكم ونفقتكم.
والمراد بالأكل هنا: سائر التصرفات المهلكة للأموال، وإنما ذكر الأكلَ؛ لأن معظم ما يقع من التصرفات؛ فهو لأجله {إِنَّهُ}؛ أي: إن أكل أموال اليتامى بغير حق {كَانَ} عند الله تعالى {حُوبًا} ؛ أي: ذنبًا {كَبِيرًا} ؛ أي: عظيمًا، وإثمًا شديدًا.
والمعنى (2): أن أكلكم أموالهم مع أموالكم إثم عظيم، وخطأُ كبير فاجتنبوه.
فإن اليتيم ضعيفٌ لا يقدر على حفظ ماله، والدفاع عنه، فهو في حاجة إلى رعاية، وحماية، وظلم الضعيف عند الله عظيم. وقرأ الجمهور
(3)
{حُوبًا} بضم الحاء، وقرأ الحسن {حُوبًا} بفتح الحاء، وهي لغة تميم، وغيرهم وقرأ أبي بن كعب {حُوبًا كَبِيرًا} بالألف، وكلها مصادر كقال قولًا وقالًا.
3 -
ثم أرشد تعالى إلى ترك التزوج من اليتيمة إذا لم يعطها مهر أمثالها فقال: {وَإِنْ خِفْتُمْ} يا أولياء
(1) المراغي.
(2)
ابن كثير.
(3)
البحر المحيط.
اليتامى وعلمتم من أنفسكم {أَلَّا تُقْسِطُوا} ؛ أي: أن لا تعدلوا {فِي الْيَتَامَى} إذا نكحتموهن {فَانْكِحُوا} ؛ أي: فاتركوهن، وتزوجوا {مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} الأجنبيات؛ أي: فتزوجوا من استطابتها، وأحبتها أنفسكم، ومالت إليها قلوبكم من الأجنبيات، أو فانكحوا ما حل لكم من النساء؛ لأن منهن ما حرم الله تعالى كاللاتي في آية التحريم، وقوله:{مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} بدل من {ما} في قوله: {مَا طَابَ لَكُمْ} والواو فيه بمعنى، أو التي للتخيير؛ أي: فانكحوا اثنين اثنين من النساء الأجنبيات، أو ثلاثةً ثلاثةً منها، أو أربعةً أربعةً منها، ولا تزيدوا على أربع؛ أي: فيجوز لكل أحد أن يختار لنفسه قسمًا واحدًا من هذه الأقسام بحسب حاله، فإن قدر على نكاح اثنين فاثنتان، وإن قدر على ثلاث فثلاث، وإن قدر على أربع فأربع، لا أنه يضم عددًا منها إلى عدد آخر، وأجمعت الأمة على أنه لا يجوز لأحد أن يزيد على أربع نسوة، وأن الزيادة على أربع من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم التي لا يشاركه فيها أحد من الأمة، ويدل على أن الزيادة على أربع غير جائزة، وأنها حرام ما روي عن الحارث بن قيس أو قيس بن الحارث قال: أسلمت، وعندي ثمان نسوة، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"اختر منهن أربعًا". أخرجه أبو داود.
وعن ابن عمر: أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم، وله عشر نسوة في الجاهلية، فأسلمن معه، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعًا. أخرجه الترمذي.
قال العلماء (1): فيجوز للحر أن يجمع بين أربع نسوة حرائر، ولا يجوز للعبد أن ينكح أكثر من امرأتين، وهو قول أكثر العلماء؛ لأنه خطاب لمن ولي وملك، وذلك للأحرار دون العبيد، وقال مالك في إحدى الروايتين عنه، وربيعة: يجوز للعبد أن يتزوج بأربع نسوة، واستدل بهذه الآية. وأجاب الشافعي بأن هذه الآية مختصة بالأحرار، ويدل عليه آخر الآية، وهو قوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا
(1) الخازن.
فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} والعبد لا يملك شيئًا، فثبت بذلك أن المراد بحكم الآية الأحرار دون العبيد {فَإِنْ خِفْتُمْ}؛ أي: خشيتم، وقيل: علمتم {أَلَّا تَعْدِلُوا} بين الأزواج الأربع أو ما دونها من هذه الأعداد في القسمة، والنفقة {فـ} تزوجوا {واحدة} واقتصروا عليها، ولا تزيدوا {أَوْ} استفرشوا {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، وأيديكم من الإماء من غير حصر؛ لأنه لا قسمة لهن عليكم، ولكن لهن حق الكفاية في نفقات المعيشة بما يتعارفه الناس، والمراد استفراشهن بطريق الملك لا بطريق النكاح، وإسناد الملك إلى اليمين لكونها المباشرةَ لقبض الأموال، وإقباضها، ولسائر الأمور التي تنسب إلى الشخص في الغالب {ذَلِكَ} المذكور من الاقتصار على الواحدة، أو على التسري بالإماء {أَدْنَى} ، وأقرب إلى {أَلَّا تَعُولُوا} ولا تميلوا من الحق، ولا تجوروا؛ أي: اختيار الواحدة، أو التسري أقرب من عدم الجور والظلم.
والخوف (1) من عدم العدل يصدق بالظن والشك في ذلك، فالذي يباح له أن يتزوج ثانية أو أكثر هو من يشق من نفسه بالعدل ثقة لا شك فيها.
والخلاصة: أن البعد من الجور سبب في تشريع الحكم، وفي هذا إيماء إلى اشتراط العدل، ووجوب تحريه، وإلى أنه عزيز المنال كما قال تعالى:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} .
والعدل إنما يكون فيما يدخل تحت طاقة الإنسان، كالتسوية في المسكن، والملبس، ونحو ذلك، أما ما لا يدخل في وسعه من ميل القلب إلى واحدة دون أخرى، فلا يكلف الإنسان بالعدل فيه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في آخر عهده يميل إلى عائشة أكثر من سائر نسائه، لكنه لا يخصها بشيءٍ دونهن إلا برضاهن، وإذنهن وكان يقول:"اللهم إنّ هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما لا أملك" يريد ميل القلب، وقد استبان لك مما سبق أن إباحة تعدد الزوجات مضيق فيها أشد التضييق، فهي ضرورة تباح لمن يحتاج إليها بشرط الثقة بإقامة العدل،
(1) المراغي.
والأمن من الجور.
وصفوة القول (1): أن تعدد الزوجات يخالف المودة، والرحمة، وسكون النفس إلى المرأة، وهي أركان سعادة الحياة الزوجية؛ فلا ينبغي لمسلم أن يقدم عليه إلا لضرورة مع الثقة بما أوجبه الله تعالى من العدل، وليس وراء ذلك إلا ظلم المرء لنفسه، وامرأته وولده وأمته.
وأن من يرى الفساد الذي يدب في الأسر التي تتعدد فيها الزوجات .. ليحكم حكمًا قاطعًا؛ بأن البيت الذي فيه زوجتان أو أكثر لرجل واحد لا تستقيم له حال، ولا ينتظم له نظام.
فإنك ترى إحدى الضرتين تغري ولدها بعداوة إخوته، وتغري زوجها بهضم حقوق ولده من غيرها، وكثيرًا ما يطيع أحب نسائه إليه فيدب الفساد في الأسرة كلها.
وربما جر ذلك إلى السرقة، والزنا، والكذب، والقتل فيقتل الولد والدَه، والوالد ولده، والزوجة زوجَها، والعكس بالعكس كما دونت سجلات المحاكم.
فيجب على رجال القضاء والفتيا الذين يعلمون أن درء المقاصد مقدم على جلب المصالح، وأن من أصول الدين منع الضرر والضرار، أنْ ينظروا إلى علاج ذلك، ويضعوا من الزواجر ما يكفل منع هذه المقاصد على قدر المستطاع.
مزايا تعدد الزوجات وفوائده عند الحاجة إليه
الأصل في السعادة الزوجية: أن يكون للرجل زوج واحدة، وذلك منتهى الكمال الذي ينبغي أن يربى عليه الناس، ويقنعوا به، لكن قد يعرض ما يدعو إلى مخالفة ذلك لمصالح هامة تتعلق بحياة الزوجين، أو حاجة الأمة؛ فيكون التعدد ضربة لازب لا غنى عنه، ومن ذلك:
(1) المراغي.
1 -
أن يتزوج الرجل امرأةً عاقرًا، وهو يود أن يكون له ولد، فمن مصلحتها أو مصلحتهما معًا أن تبقى زوجًا له، ويتزوج بغيرها، ولا سيما إذا كان ذَا جاء وثروة كأن يكون ملكًا أو أميرًا.
2 -
وأن تكبر المرأة، وتبلغ سن اليأس، ويرى الرجل حاجتَه إلى العقب، وهو قادر على القيام بنفقة غير واحدة، وكفاية الأولاد الكثيرين، وتعليمهم.
3 -
وأن يرى الرجل أن امرأةً واحدةً لا تكفيه لإحصانه؛ لأن مزاجه الخاص يدفعه إلى الحاجة إلى النساء، ومزاجها بعكس هذا، أو يكون زمن حيضها طويلًا، يأخذ جزءًا كبيرًا من الشهر، فهو حينئذ أمامَ أحد أمرين: إما التزوج بثانية، وإما الزنا الذي يضيع الدين، والمال، والصحة، ويكون هذا شرًّا على الزوجة من ضم واحدة إليها مع العدل بينهما، كما هو شرط الإباحة في الإِسلام.
4 -
وأن تكثر النساء في الأمة كثرةً فاحشة، كما يحدث عقب الحروب التي تجتاح البلاد، فتذهب بالألوف المؤلفة من الرجال فلا وسيلة للمرأة في التكسب في هذه الحال إلا بيع عفافها، ولا يخفى ما بعد هذا من شقاء على المرأة التي تقوم بالإنفاق على نفسها، وعلى ولد ليس له والد يكفله، ولا سيما عقبَ الولادة ومدة الرضاعة، والمشاهد أن اختلاط النساء بالرجال في المعامل، ومحال التجارة وغيره من الأماكن العامة قد جر إلى كثير من هتك الأعراض، والوقوع في الشقاء والبلاء، فهذه مصيبة أي مصيبة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
حكمة تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم (1)
راعى النبي صلى الله عليه وسلم النصيحة في اختيار كل زوجة من زوجاته، فجذب إليه كبار القبائل بمصاهرتهم، وعلم أتباعه احترامَ النساء وإكرام كرائمهن، والعدلَ بينهن. وترك من بعده تسعَ أمهات للمؤمنين، يعلمن نساءَهم الأحكامَ الخاصة بالنساء،
(1) المراغي.