المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وليه أو وصيه، وليفعل به ما يحب أن يفعلَ بأولاده - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٥

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: وليه أو وصيه، وليفعل به ما يحب أن يفعلَ بأولاده

وليه أو وصيه، وليفعل به ما يحب أن يفعلَ بأولاده من بعده، {فَلْيَتَّقُوا} عقاِب {اللهَ} في أمر اليتامى {وَلْيَقُولُوا} لهم:{قَوْلًا سَدِيدًا} ؛ أي: سهلًا لينًا بأن يقولوا لليتامى مثل ما يقولون لأولادهم بالشفقة والتأديب، ويخاطبونهم بقولهم: يا ولدي يا بني.

وعبارة البيضاوي هنا: قوله تعالى (1): {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً} الآية. أمر للأوصياء بأن يخشوا الله تعالى ويتقوه في أمر اليتامى، فيفعلوا بهم ما يحبون أن يفعل بذراريهم، الضعاف بعد وفاتهم، أو أمر للحاضرين المريضَ عند الإيصاء بأن يخشوا ربهم، أو يخشوا على أولاد المريض، ويشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم، فلا يتركوه أن يضر بهم بصرف المال عنهم، أو أمر للورثة بالشفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الأقارب واليتامى، والمساكين متصورينَ أنهم لو كانوا أولادَهم بقوا خلفهم ضِعَافًا مثلهم هل يجوزون حرمانهم؟ أو أمر للموصين بأن ينظروا للورثة، فلا يسرفوا في الوصية انتهت. فالقول (2) السديد من الجالسين عند المريض هو أن يأمروه أن يتصدق بدون الثلث، ويترك الباقيَ لولده وورثته، وأن لا يحيف في وصيته، والقول السديد من الأوصياء، وأولياء اليتامى أن يكلموهم كما يكلمون أولادهم، ولا يؤذوهم بقول ولا فعل. وقرأ الزهري والحسن، وأبو حيوة، وعيسى بن عمر بكسر لام الأمر في {ولِيخش} ، وفي {فلِيتقوا} ، وفي {ولِيقولوا} وقرأ الجمهور بالإسكان.

‌10

- {إِنَّ الَّذِينَ يَأكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى} ، وينتفعون بها {ظُلْمًا}؛ أي: حالةَ كونهم ظالمينَ، أو على سبيل الظلم وهضم الحقوق لا أكلًا بالمعروف عند الحاجة إلى ذلك، أو تقديرًا لأجرة العمل {إِنَّمَا يَأكُلُونَ فِي} ملء {بُطُونِهِمْ نَارًا}؛ أي: حرامًا يكون سببًا لعذاب النار. ونبه بقوله: {فِي بُطُونِهِمْ} على نقصهم، ووصفهم بالشره في الأكل، والتهافت في نيل الحرام بسبب البطن {وَسَيَصْلَوْنَ}؛ أي: وسيدخلون يوم القيامة {سَعِيرًا} ؛ أي: نارًا متقدة ذات لهب

(1) البيضاوي.

(2)

الخازن.

ص: 406

شديد، لا يعرف قدر حرارتها إلا الله تعالى يحترقون فيها.

وإنما خص الأكل بالذكر، وإن كان المراد سائر أنواع الإتلافات، وجميع التصرفات الرديئة المتلفة للمال؛ لأن الضررَ يحصل بكل ذلك لليتيم، فعبر عن جميع ذلك بالأكل؛ لأنه معظم المقصود، وإنما ذكر البطون للتأكيد؛ فهو كقولك رأيت بعيني، وسمعت بأذني.

وروى السدي (1): يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة، ولهبُ النار يخرج منْ فيه، ومن مسامعه، وأنفه، وعينيه يعرفه كل من رآه بآكل مال اليتيم.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت {إِنَّ الَّذِينَ يَأكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} الآية: انطلق من كان عنده يتيم فعزلَ طعامَه من طعامه، وشرابَه من شرابه، فجعل يفضل الشيء فيحبس له حتى يأكلَه، أو يفسدَ فاشتدَ ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} فخلطوا طعامهم بطعامهم، وشرابهم بشرابهم.

وقرأ الجمهور {وَسَيَصْلَوْنَ} مبنيًّا للفاعل من الثلاثي، من صلي النار يصلاها من باب رضي، والصلي هو التسخن بقرب النار، أو مباشرتها، وقرأ (2) ابن عامر، وأبو بكر، وعاصم بضم الياء وفتح اللام مبنيًّا للمفعول من الثلاثي. وقرأ ابن أبي عبلة، وأبو حيوة بضم الياء وفتح الصاد، واللام مشددةً، مبنيًّا للمفعول من التصلية بكثرة الفعل مرة بعد أخرى.

وعبر بالصلي بالنار عن العذاب الدائم بها؛ إذ النار لا تذهب ذواتَهم بالكلية، بل كما قال:{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} ، وهذا وعيد عظيم على هذه المعصية، والسعير: الجمر المشتعل.

(1) ابن كثير.

(2)

البحر المحيط والشوكاني.

ص: 407

الإعراب

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} .

{يَا} حرف نداء {أي} منادى نكرة مقصودة. {ها} حرف تنبيه زائد، تعويضًا عما فات {أي} من الإضافة. {النَّاسُ} صفة لـ {أي} تابع للفظه، وجملة النداء مستأنفة. {اتَّقُوا} فعل وفاعل والجملة جواب النداء لا محل لها من الإعراب. {رَبَّكُمُ} مفعول به، ومضاف إليه. {الَّذِي} اسم موصول في محل النصب صفة لـ {ربكم} . {خَلَقَكُمْ} فعل ومفعول به، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة له، والعائد ضمير الفاعل. {مِنْ نَفْسٍ} جار ومجرور متعلق بـ {خلق} . {وَاحِدَةٍ} صفة لـ {نفس} .

{وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} .

{وَخَلَقَ} {الواو} عاطفة. {خلق} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة معطوفة على جملة {خَلَقَكُمْ} . {منها} جار ومجرور متعلق بـ {خلق} . {زَوْجَهَا} مفعول به ومضاف إليه. {وَبَثَّ} الواو عاطفة. {بث} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة معطوفة على جملة {خَلَقَكُمْ} . {مِنْهُمَا} جار ومجرور متعلق بـ {بث} . {رِجَالًا} مفعول به. {كَثِيرًا} صفة له {وَنِسَاءً} معطوف على {رِجَالًا} .

{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} .

{وَاتَّقُوا} {الواو} عاطفة. {اتقوا الله} فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة قوله {اتقوا ربكم} . {الَّذِي} صفة للجلالة. {تساءلون} فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. {بِهِ} جار ومجرور متعلق بـ {تساءلون} ، وهو العائد على الموصول. {وَالْأَرْحَامَ} بالنصب معطوف على الجلالة، والمعنى: اتقوا الله بطاعته، واتقوا الأرحامَ التي تساءلون بها بصلتها، فإنها مما أمر الله تعالى أن يوصلَ، وقيل: معطوف على محل الجار والمجرور، في قوله {بِهِ} كقولك مررت بزيد وعمرًا، والمعنى: اتقوا الله الذي تساءلون به، وتتساءلون بالأرحام،

ص: 408

وبالجر عطفًا على الضمير في {بِهِ} كما مر في بحث التفسير. {إِنَّ اللَّهَ} {إن} حرف نصب، ولفظ الجلالة {اللَّهَ} اسمها، {كَانَ} فعل ماض ناقص، واسمها ضمير يعود على الله. {عَلَيْكُمْ} جار ومجرور متعلق بـ {رَقِيبًا} . {رَقِيبًا} خبر {كَانَ} وجملة {كَانَ} في محل الرفع خبر {إِنَّ} وجملة {إن} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} .

{وَآتُوا الْيَتَامَى} فعل وفاعل، ومفعول أول {أَمْوَالَهُمْ} مفعول ثان، ومضاف إليه، والجملة مستأنفة {وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} الواو عاطفة. {لا} ناهية. {تَتَبَدَّلُوا} فعل، وفاعل مجزوم. بـ {لا} الناهية. {الْخَبِيثَ} مفعول به. {بِالطَّيِّبِ} متعلق به، والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَآتُوا} . {وَلَا تَأكُلُوا أَمْوَالَهُمْ} الواو عاطفة. {لا} ناهية. {تَأكُلُوا} فعل، وفاعل مجزوم بـ {لا} الناهية. {أَمْوَالَهُمْ} مفعول به، ومضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة {آتُوا} {إِلَى أَمْوَالِكُمْ} جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بمحذوف حال من {أَمْوَالَهُمْ} تقديره: حالة كونها مضافة {إِلَى أَمْوَالِكُمْ} {إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} {إن} حرف نصب وتوكيد. {الهاء} ضمير عائد على المصدر المفهوم من {لا تأكلوا} تقديره: إن أكلها في محل النصب اسمها {كَانَ} فعل ماض ناقص، واسمها ضمير يعود على الضمير في {إِنَّهُ} . {حُوبًا} خبرها. {كَبِيرًا} صفته، وجملة {كَانَ} في محل الرفع خبر {إن} وجملة {إن} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} .

{وَإِنْ خِفْتُمْ} الواو استئنافية. {إن} حرف شرط جازم. {خِفْتُمْ} فعل وفاعل في محل الجزم بـ {إن} على كونه فعل شرط لـ {إنَّ} {أَلَّا تُقْسِطُوا} {أن} حرف نصب ومصدر. {لا} نافية. {تقسطوا} فعل وفاعل منصوب بـ {أن} . {في اليتامى} جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية صلة أن المصدرية، أن مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على المفعولية تقديره: وإن خفتم عدم

ص: 409

إقساطكم في اليتامى. {فَانْكِحُوا} {الفاء} رابطة لجواب إن الشرطية وجوبًا، لكون الجواب جملة طلبية. {انكحوا} فعل وفاعل في محل الجزم، بـ {إن} على كونه جواب الشرط. {مَا طَابَ} {مَا} موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول {انكحوا} . {طَابَ} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {ما} والجملة صلة لـ {ما} أو صفة لها. {لَكُمْ} جار ومجرور متعلق بـ {طاب} وجملة {إن} الشرطية مستأنفة {مِنَ النِّسَاءِ} جار ومجرور حال من فاعل {طَابَ} . {مَثْنَى} حال من {ما} في قوله {مَا طَابَ} منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف منع مع ظهورها التعذر؛ لأنه اسم قصور، ولم ينون؛ لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف: علتان، فرعيتان، معتبرتان، من علل تسع، ترجع إحداهما إلى اللفظ، والأخرى إلى المعنى، وهما العدل، والوصف وهو جامد مؤول بمشتق تقديره، حالة كونه معدودًا باثنين اثنين. {وَثُلَاثَ} {وَرُبَاعَ} معطوفان على {مَثْنَى} معدولان من ثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، والأصل: فانكحوا ما طاب لكم من النساء اثنين اثنين، وثلاثًا ثلاثًا، وأربعًا أربعًا.

{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} .

{فَإِنْ} {الفاء} فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم جواز نكاح مثنى وثلاث ورباع، وأردتم بيانَ حكم ما إذا خفتم أن لا تعدلوا بينهن .. فأقول لكم {إن خفتم} {إن} حرف شرط جازم. {خِفْتُمْ} فعل وفاعل في محل الجزم بـ {إن} على كونه فعل شرط لها. {أَلَّا تَعْدِلُوا} أن حرف نصب ومصدر. {لا} نافية. {تعدلوا} فعل وفاعل منصوب بإن، وجملة {أَلَّا تَعْدِلُوا} صلة {أن} المصدرية، {أن} مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على المفعولية تقديره:{فَإِنْ خِفْتُمْ} عدم عدلكم فيما فوق الواحدة {فَوَاحِدَةً} الفاء رابطة لجواب إن الشرطية المحذوف تقديره: {فانكحوا} واحدة. {واحدة} مفعول لذلك المحذوف، وجملة {إن} الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة.

{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} .

ص: 410

{أَوْ} حرف عطف. {مَا} موصولة أو موصوفة في محل النصب معطوف على واحدة، أو منصوب بعامل محذوف تقديره: أو تسروا ما ملكت أيمانكم على حد علفتها تبنًا، وماءَ باردًا. {مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فعل وفاعل، ومضاف إليه، والجملة صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد، أو الرابط محذوف تقديره: أو ما ملكته أيمانكم. {ذَلِكَ} مبتدأ. {أَدْنَى} خبره، والجملة مستأنفة. {أن} حرف مصدر. {لا} نافية. {تَعُولُوا} فعل وفاعل منصوب بأن، وجملة {أن} المصدرية في تأويل مصدر مجرور بإلى محذوفًا، تقديره: ذلك الاقتصار على الواحدة، أو على ما ملكت أيمانكم أقرب إلى عدم عولكم وجوركم في الاثنتين، وما فوقهما.

{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} .

{وَآتُوا} {الواو} استئنافية. {آتوا} فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {النِّسَاءَ} مفعول أول. {صَدُقَاتِهِنَّ} مفعول ثان، ومضاف إليه. {نِحْلَةً} حال من صدقاتهن أو منصوب على المفعولية المطلقة؛ لأنه مصدر معنوي لـ {آتُوا}. {فَإِنْ طِبْنَ} الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم وجوب إيتاء الصداق للنساء، وأردتم بيان حكم ما إذا وهبن لكم فأقول لكم:{فَإِنْ طِبْنَ} إن حرف شرط {طِبْنَ} فعل وفاعل في محل الجزم بـ {إن} على كونه فعل شرط لها. {لَكُمْ} جار ومجرور متعلق بـ {طبن} {عَنْ شَيْءٍ} جار ومجرور متعلق به. {مِنْهُ} جار ومجرور صفة لـ {شَيْءٍ} . {نَفْسًا} تمييز محول عن فاعل {طِبْنَ} منصوب به. {فَكُلُوهُ} الفاء رابطة الجواب. {كلوه} فعل وفاعل، ومفعول في محل الجزم بـ {إن} على كونه جوابًا لها {هَنِيئًا مَرِيئًا} حالان من ضمير المفعول، أو منصوبان على المفعولية المطلقة تقديره أكلا هنيئًا مريئًا، وجملة {إن} الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة.

{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} .

{وَلَا} {الواو} استئنافية {لا} ناهية جازمة. {تُؤْتُوا} فعل وفاعل. {السُّفَهَاءَ} مفعول أول. {أَمْوَالَكُمُ} مفعول ثان، ومضاف إليه، والجملة مستأنفة.

ص: 411

{الَّتِي} اسم موصول في محل النصب صفة لـ {أموالكم} . {جَعَلَ اللَّهُ} فعل وفاعل. {لَكُمْ} متعلق به. {قِيَامًا} مفعول ثان. لـ {جعل} ، والأول محذوف تقديره جعلها الله لكم قيامًا، والجملة صلة الموصول، والعائد الضمير المحذوف.

{وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} .

{وَارْزُقُوهُمْ} {الواو} عاطفة. {ارزقوهم} فعل وفاعل ومفعول. {فِيهَا} جار ومجرور متعلق بـ {ارزقوا} و {في} بمعنى من الابتدائية. {وَاكْسُوهُمْ} فعل وفاعل، ومفعول معطوف على {وَلَا تُؤْتُوا} . {وَقُولُوا} الواو عاطفة. {قولوا} فعل وفاعل معطوف على {وَلَا تُؤْتُوا} . {لَهُمْ} جار ومجرور متعلق بـ {قولوا} . {قَوْلًا} منصوب على المفعولية المطلقة. {مَعْرُوفًا} صفة لـ {قولا} .

{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} .

{وَابْتَلُوا} {الواو} استئنافية. {ابتلوا اليتامى} فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة. {حَتَّى} حرف ابتداء لدخولها على الجملة، فلا عمل لها، وإنما دخلت على الكلام لمعنى الغاية، كما تدخل على المبتدأ، أو حرف جر وغاية لكون ما بعدها غايةً لما قبلها، و {إذا} حينئذ مجردة عن معنى الشرط. {إِذَا} ظرف لما يستقبل من الزمان مضمن معنى الشرط. {بَلَغُوا النِّكَاحَ} فعل وفاعل، ومفعول، والجملة في محل الخفض بإضافة {إِذَا} إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. {فَإِنْ آنَسْتُمْ} {الفاء} رابطة لجواب إذا لكون الجواب جملة شرطية {إن} حرف شرط {آنَسْتُمْ} فعل وفاعل في محل الجزم بـ {إن} على كونه فعل شرط لها. {مِنْهُمْ} متعلق به. {رُشْدًا} مفعول به. {فَادْفَعُوا} {الفاء} رابطة لجواب {إن} الشرطية وجوبًا لكون الجواب جملة طلبية. {ادفعوا} فعل وفاعل في محل الجزم بـ {إن} على كونه جوابًا لها. {إِلَيْهِمْ} متعلق به. {أَمْوَالَهُمْ} مفعول به ومضاف إليه، وجملة إن الشرطية من فعل شرطها وجوابها جواب {إِذَا} لا محل لها من الإعراب على القول بأن {حَتَّى} حرف ابتداء، أو في محل الجرب {حتى} على القول بأن {حتى} حرف جر

ص: 412

وغاية، والمعنى على الأول: أعني كونها حرف ابتداء إذا بلغوا النكاحَ راشدينَ، فادفعوا إليهم أموالهم. والمعنى على الثاني: أعني كونها حرف جر وغاية، وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم، واستحقاقهم دفع أموالهم بشرط إيناس الرشد.

{وَلَا تَأكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} .

{وَلَا} {الواو} استئنافية. {لا} ناهية جازمة. {تَأكُلُوهَا} فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة. {إِسْرَافًا وَبِدَارًا} حالان من الفاعل، ولكن بتأويلهما بمشتق؛ أي: حالة كونكم مسرفينَ، ومبادرينَ إلى أكلها، أو مفعولان لأجله؛ أي: لأجل الإسراف، والمبادرة لهم إلى أكلها. {أَنْ يَكْبَرُوا} فعل، وفاعل منصوب {بأن} المصدرية، والجملة في تأويل مصدر مجرور بإضافة المصدر المقدر، تقديره: مَخَافة كبرهم، والمصدر المقدر منصوب على المفعولية لأجله، أو الجملة في تأويل مصدر منصوب على كونه مفعول {وَبِدَارًا} تقديره: ومبادرين كبرهم. {وَمَنْ} الواو استئنافية. {من} اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الجواب. {كَانَ} فعل ماض ناقص في محل الجزم بمن على كونه فعل شرط لها، واسمه ضمير يعود على {من} . {غَنِيًّا} خبرها. {فَلْيَسْتَعْفِفْ} الفاء رابطة لجواب من الشرطية، وفاعله ضمير يعود على {من} وجملة {من} الشرطية مستأنفة.

{وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} .

{وَمَنْ} {الواو} عاطفة. {من} اسم شرط مبتدأ. {كَانَ فَقِيرًا} فعل شرط لها {فَلْيَأكُلْ} في محل الجزم جوابها، والجملة معطوفة على جملة {من} الأولى {بِالْمَعْرُوفِ} متعلق بـ {يأكل} أو صفة لمصدر محذوف تقديره؛ أي: أكلًا ملتبسًا بالمعروف. {فَإِذَا} {الفاء} استئنافية، أو فصيحة؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم وجوبَ الدفع إليهم عند إيناس الرشد منهم، وأردتم بيانَ ما ينبغي لكم عند الدفع فأقول:{إذا دفعتم} إذا ظرف لما يستقبل من الزمان. {دَفَعْتُمْ} فعل وفاعل. {إِلَيْهِمْ} متعلق به. {أَمْوَالَهُمْ} مفعول به، ومضاف إليه،

ص: 413

والجملة في محل الخفض بـ {إذا} على كونها فعلَ شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. {فَأَشْهِدُوا} {الفاء} رابطة لجواب {إذا} . {شهدوا} فعل وفاعل جواب {إذا} لا محل له من الإعراب. {عَلَيْهِمْ} متعلق به، وجملة {إذا} مستأنفة، أو في محل النصب مقول لجواب {إذا} المقدرة، وجملة {إذا} المقدرة مستأنفة. {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} الواو استئنافية. {كفى} فعل ماض. {باِللهَ} الباء (1) زائدة. ولفظ الجلالة فاعل، ودخلت عليه {الباء} ؛ لتدل على معنى الأمر، إذ التقدير اكتف بالله، وقيل: إن الفاعل مضمر، والتقدير: كفى الإكتفاء بالله، فبالله على هذا في موضع نصب مفعولًا به. {حَسِيبًا} حال، وقيل: تمييز، وكفى يتعدى إلى مفعولين، وقد حذفا هنا، والتقدير: كفاك الله شرهم، ونحو ذلك، والدليل على ذلك قوله تعالى:{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} ذكره أبو البقاء.

{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7)} .

{لِلرِّجَالِ} جار ومجرور خبر مقدم. {نَصِيبٌ} مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة. {مِمَّا} جار ومجرور صفة لـ {نصيب} . {تَرَكَ الْوَالِدَانِ} فعل وفاعل. {وَالْأَقْرَبُونَ} معطوف عليه، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: مما تركه الوالدان. {وَلِلنِّسَاءِ} الواو عاطفة. {للنساء} جار ومجرور خبر مقدم. {نَصِيبٌ} مبتدأ مؤخر، والجملة معطوفة على جملة {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ}. {وَالْأَقْرَبُونَ} صفة لـ {نصيب}. {مِمَّا قَلَّ} جار ومجرور بدل من الجار والمجرور في قوله:{وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ} بإعادة الجار، وجملة {قَلَّ} صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد، أو الرابط ضمير الفاعل. {والهاء} في {مِنْهُ} عائد إلى {ما} في قوله:{مِمَّا تَرَكَ} ، وهذا البدل مقدر أيضًا في الجملة الأولى، أعني قوله:{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ} محذوف لعلمه من المذكور، ويجوز (2) أن يكون الجار والمجرور في قوله:{مِمَّا قَلَّ} حالًا من الضمير

(1) عكبري.

(2)

عكبري.

ص: 414

المحذوف في {تَرَكَ} ؛ أي: وللنساء نصيب مما تركه الوالدان، والأقربون حالة كونه قليلًا. أو كثيرًا، أو مستقرًا مما قلَّ {أَوْ كَثُرَ} معطوف على {مما قلّ} منصوب على المصدرية بعامل محذوف تقديره: نصبهم نصيبًا؛ أي: أعطاهم الأنصباء عطاءً مقدرًا بما لا يزيد، ولا ينقص، وقيل: هو حال مؤكدة، والعامل فيها: معنى الاستقرار في قوله: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ} وقيل: هو حال من الفاعل في {قَلَّ} {أَوْ كَثُرَ} وقيل: هو مفعول لفعل محذوف تقديره: أوجب لهم نصيبًا، وقيل: هو منصوب على إضمار أعني، ذكره أبو البقاء. {مَفْرُوضًا} صفة لـ {نصيبا} .

{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} .

{وَإِذَا} {الواو} استئنافية. {إذا} ظرف لما يستقبل من الزمان. {حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} فعل ومفعول وفاعل، ومضاف إليه، والجملة في محل الخفض بإضافة {إذا} إليها على كونها فعل شرط لها، {وَالْيَتَامَى} معطوف على {أُولُو الْقُرْبَى} {وَالْمَسَاكِينُ} معطوف عليه أيضًا {فَارْزُقُوهُمْ} {الفاء} رابطة لجواب {إذا} . {ارزقوهم} فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب {إذا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إذا} الشرطية مستأنفة. {مِنْهُ} جار ومجرور متعلق بـ {ارزقوهم} . {وَقُولُوا} فعل وفاعل معطوف على {ارزقوهم} {لَهُمْ} جار ومجرور، متعلق به. {قَوْلًا} منصوب على المصدرية. {مَعْرُوفًا} صفة له.

{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9)} .

{وَلْيَخْشَ} {الواو} استئنافية. {اللام} حرف أمر وجزم مبني على السكون، تخفيفًا لاتصالها بالواو. {يخشى الذين}: فعل وفاعل مجزوم بلام الأمر، والجملة مستأنفة، ومفعول (1) الخشية محذوف تقديره: وليخش الله الذين

(1) الجمل.

ص: 415

لو تركوا، ويجوز أن تكون المسألة من باب التنازع، فإن قوله:{وَلْيَخْشَ} يطلب الجلالة، وكذلك {فَلْيَتَّقُوا} ، ويكون من أعمال الثاني للحذف من الأول. اهـ "سمين". {لَوْ} حرف شرط غير جازم بمعنى {إن} . {تَرَكُوا} فعل وفاعل، والجملة فعل شرط لـ {لو} لا محل لها من الإعراب. {مِنْ خَلْفِهِمْ} جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ {تركوا} ، ويجوز أن يكون حالًا من {ذُرِّيَّةً} كما ذكره أبو البقاءِ. {ذُرِّيَّةً} مفعول به لـ {تركوا} . {ضِعَافًا} صفة لـ {ذرية} . {خَافُوا} فعل وفاعل. {عَلَيْهِمْ} متعلق به، والجملة جواب {لَوْ} . لا محل لها من الإعراب، وجملة {لَوْ} من فعل شرطها، وجوابها صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل في {تَرَكُوا} . {فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ} {الفاء} عاطفة. و {اللام} لام الأمر، مبني على السكون تخفيفًا لاتصالها بـ {الفاء} {يتقوا الله} فعل وفاعل ومفعود مجزوم بلام الأمر، والجملة معطوفة على جملة {يخش} . {وَلْيَقُولُوا} فعل وفاعل معطوف على {يتقوا} . {قَوْلًا} منصوب على المصدرية. {سَدِيدًا} صفة له.

{إِنَّ الَّذِينَ يَأكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)} .

{إِنَّ} حرف نصب. {الَّذِينَ} اسم موصول في محل النصب اسم {إِنَّ} . {يَأكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى} فعل وفاعل ومفعول، ومضاف إليه، والجملة صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل. {ظُلْمًا} مفعول لأجله، وشروط النصب موجودة فيه، أو منصوبُ على الحالية من فاعل {يَأكُلُونَ} ، ولكن بتأويله بمشتق تقديره: يأكلونه حالَ كونهم ظَالِمينَ. {إِنَّمَا} أداة حصر. {يَأكُلُونَ} فعل وفاعل. {فِي بُطُونِهِمْ} جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ {يأكلون} أو بمحذوف حال من {نَارًا} لأنه صفة نكرة قدمت عليه، فانتصب حالًا. {نَارًا} مفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إن} وفي ذلك (1) دلالة على وقوع خبر

(1) الجمل.

ص: 416

{إن} جملة مصدرةً بـ {إن} ، وفي ذلك خلاف، وحسنه هنا وقوع اسم إن موصولًا فطال الكلام بصلة الموصول، فلما تباعد ما بينهما لم يبال بذلك. {وَسَيَصْلَوْنَ} الواو عاطفة. {سيطلون} فعل وفاعل، والجملة في محل الرفع معطوفة على جملة {يَأكُلُونَ} . {سَعِيرًا} منصوب على الظرفية متعلق بـ {يصلون} ، وجاء (1){يَأكُلُونَ} بالمضارع دون سين الاستقبال، {سيصلون} بالسين، فإن كان الأكل للنار حقيقةً فهو مستقبل، واستغنى عن تقييده بالسين بعطف المستقبل عليه، وإن كان مجازًا فليس بمستقبل؛ إذ المعنى يأكلون ما يجر إلى النار، ويكون سببًا إلى العذاب بها، ولما كان لفظ {نَارًا} مطلقًا، في قوله:{إِنَّمَا يَأكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} قيد في قوله: {سَعِيرًا} إذ هو الجمر المتقد. ذكره أبو حيان.

التصريف ومفردات اللغة

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ} {النَّاسُ} (2) اسم للجنس البشري، وهو الحيوان الناطق، المنتصب القامة، الذي يُطلَق عليه اسم إنسان {مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} .

بحث في حقيقة النفس والروح على اختلاف آراء الناس فيها

اختلف المسلمون في حقيقة النفس، أو الروح الذي يحيا به الإنسانُ، وتتحقق به وحدة جنسه على اختلاف أصنافه، وأشهر آرائهم في ذلك الرأي القائل: إنها جسم نوراني علوي خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء، ويسري فيها سريان الماء في الورد، والنار في الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحةً لقبول الآثارِ التي تفيض عليها من هذا الجسم اللطيف، وجد الحس والحركةَ الإراديةَ والفكر وغيرها، وإذا فسدت هذه الأعضاء، وعجزت عن قبول تلك الآثار، فارق الروح البدنَ وانفصل إلى عالم الأرواح.

ومما يثبت ذلك أن العقلَ، والحفظَ، والتذكر وهي أمور ثابتة قطعًا. ليست

(1) البحر المحيط.

(2)

المراغي.

ص: 417

من صفات هذا الجسد، فلا بد لها من منشأ وجوديّ عبرَ عنه الأقدمون بالنفس، أو الروح.

وما مثلها إلا مثل الكهرباء، فالماديون الذين يقولون: لا روحَ إلا هذه الحياة يكون مثل الجسد عندهم مثل المستودع الكهربائي، فهو بوضعه الخاص، وبما يودع فيه من المواد تتولد فيه الكهرباء، فإذا زال شيءُ مما أودع فيه أو أزيل تركيبه الخاص فقد الكهرباء، وهكذا حال الجسم تتولد فيه الحياة بتركيب مزاجه بكيفية خاصة، وبزوالها تزول الحياة.

والذين يقولون: إن للأرواح استقلالًا عن الجسد يكون مثلُ الجسد مثل الآلة التي تدار بكهرباء تأتي إليها من المولد الكهربائي، فإذا كانت الآلة على وضع خاص في أجزائها، وأداوتها كانت مستعدة لقبول الكهرباء التي توجه إليها، حتى تؤدي وظيفتَها، وإن فقدت منها بعض الأجزاء الرئيسية، أو اختل وضعها الخاص تصبح غير قابلة للكهرباء، ومن ثم لا تؤدي وظيفتَها الخاصة بها. ذكره المراغي.

{وَبَثَّ} بمعنى نشَرَ وفرق، ومنه {وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} فهو من المضاعف المتعدي فقياسه ضم عين مضارعه، {وَالْأَرْحَامَ} جمع رحم، والرحم: القرابة، وإنما استعير اسم الرحم للقرابة؛ لأن الأقارب يتراحمون، ويعطف بعضهم على بعض، والرحم في الأصل: مكان يكون فيه الجنين في بطن أمه، ثم أطلق على القرابة. {رَقِيبًا} الرقيب: فعيل بمعنى فاعل؛ أي: بمعنى المراقب، وهو المشرف من مكان عال، والمرقب مفعل بمعنى المكان الذي يشرف منه الإنسان على ما دونه، والمراد بالرقيب هنا الحافظ المطلع على الأعمال؛ لأن ذلك من لوازمه.

{وَآتُوا الْيَتَامَى} جمع يتيم، لغة من مات أبوه مطلقًا، لكن العرف خصصه بمن لم يبلغ مبلغ الرجال، وفي "المصباح"(1) يتم ييتم من باب تعب، وضرب يتمًا بضم الياء وفتحها، لكن اليتم في الناس من قبل الأب: فيقال: صغير يتيم،

(1) الفتوحات الإلهية.

ص: 418

والجمع أيتام، وصغيرة يتيمة، والجمع يتامى، وفي غير الناس من قبل الأم، وأيتمت المرأة أيتامًا، فهي مؤتم، صار أولادها يَتَامَى، فإن مات الأبوان فالصغير لطِيم، وإن ماتت الأم فقط فهو عَجَمي انتهى.

{الْخَبِيثَ} : هو مال اليتيم، وإن كان جيدًا، فهو خبيث لكونه حرامًا {بِالطَّيِّبِ} وهو مال الولي، فهو طيب لكونه حلالًا، وإن كان رديئًا {حُوبًا} الحوب الذنب، والإثم فهو مصدر: حاب يحوب حوبًا من باب قال: وفي "المصباح" حاب حوبًا من باب قال: إذا اكتسب الإثم، وبضم الحاء أيضًا.

{أَلَّا تُقْسِطُوا} من أقسط الرباعي بمعنى عدل، ومنه قوله تعالى:{وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} ، وفي "المصباح" قسط يقسط من باب: ضرب قسطًا، وقسوطًا إذا جار، ومنه قوله تعالى:{وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} ، ويأتي بمعنى عدل أيضًا، فهو حينئذ من الأضداد، قاله ابن القطاع. ويقال: أقسط بالألف إذا عدلَ، والاسم منه: القِسط بالكسر، وقرىء هنا بفتح التاء من قسط الثلاثي، إذا جار، فتكون هذه القراءة محمولة على تقدير زيادة لا، كأنه قال: وإن خفتم أن تقسطوا.

{مَا طَابَ لَكُمْ} ؛ أي: ما مال إليه القلب منهن {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} واعلم (1) أن هذه الألفاظَ المعدولةَ فيها خلاف، وهل يجوز فيها القياس، أو يقتصر فيها على السماع؛ قولان. قول البصريين: عدم القياس، وقول الكوفيين، وأبي إسحاق: جوازه، والمسموع من ذلك أحدَ عشرَ لفظًا أحاد، وموحد، وثناء، ومثنى، وثلاث، ومثلث، ورباع، ومربع، ومخمس، وعشار، ومعشر، ولم يسمع خماس، ولا غيره من بقية العقد، واختلفوا أيضًا في صرفها، وعدمه فجمهور النحاة على منعه، وأجاز الفراء صرفَها، وإن كان المنع عنده أولى {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} {أَدْنَى} اسم تفضيل من دنا يدنو دنوًا إلى الشيء إذا قرب إليه، ودنا يتعدى بإلى، وباللام وبمن تقول: دنوت إليه، وله، ومنه {تَعُولُوا} من عال يعول من باب: قال إذا مال عن الحق، وجار فيه، والمصدر العول، والعيالة، وعال الحاكم إذا جار.

(1) الفتوحات الإلهية.

ص: 419

{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ} ؛ أي: أعطوا (1) من آتى الرباعي إيتاء بمعنى أعطاه، ومنه قوله تعالى:{وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} لا من أتى بالقصر إتيانًا إذا جاء، {صَدُقات} جمع صدقة بفتح الصاد، وضم الدال اسم للمهر، وله أسماء كثيرة منها صَدَقة بفتحتين، وبفتح فسكون، وصَدَاق بالفتح والكسر {نِحْلَةً} مصدر من غير لفظ الفعل بل من معناه؛ لأن معنى آتوهن بمعنى أنحلوهن، فهو على حد جلست قعودًا وقمت وقوفًا، وفي "المصباح" ونحله بفتحتين نحلًا مثل قفل إذا أعطيته شيئًا من غير عوض عن طيب نفس، ونحلت المرأة مهرها نحلةَ بالكسر أعطيتها {هَنِيئًا مَرِيئًا} الهنيء هو ما يستلذه الآكل، والمريء، ما تُحمَد عاقبته، كأن يسهلَ هضمه، وتحسُنَ تغذيته، وقيل: ما ينساغ في مجراه الذي هو المريء، وهو ما بين الحلقوم إلى فم المعدة، سمي بذلك لمرور الطعام فيه؛ أي: انسياغه {هَنِيئًا مَرِيئًا} {هَنِيئًا} (2) مصدر جاء على وزن فعيل، وهو نعت لمصدر محذوف؛ أي: أكلًا هنيئًا، وقيل: هو مصدر في موضع الحال من الهناء، والتقدير: مهنا أو طيبًا ومثله {مَرِيئًا} والمريء، فعيل بمعنى مفعل؛ لأنك تقول: أَمْرَأَني الشيء رباعيًّا إذا لم تستعله مع هَنَاني، فإن قلت هَنَانِي ومَراني لم تأت بالهمزة في مَرَاني؛ لتكون تابعةً لهناني ثلاثيًّا. ذكره أبو البقاء.

وقال أبو حيان (3): {هَنِيئًا مَرِيئًا} صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ إذا كان سائغًا لا تنغيص فيه، ويقال: هَنَا يهنا بغير همز قيل: واشتقاق الهنيء من هناء البعير، وهو الدواء الذي يطلى به من الجرب، ويُوضع في عقره، والمريء ما يساغ في الحلق كما مر آنفًا انتهى.

{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ} وأصل: {تُؤْتُوا} تؤتيوا بوزن تكرموا أستثقلت الضمة على الياء، فحذفت الضمة، فالتقى ساكنان الياء وواو الضمير، فحذفت الياء؛ لئلا يلتقي ساكنان. والسفهاء (4) جمع سفيه، وهو المبذر للمال المنفق له فيما لا ينبغي، وأصل السفه الخفة والاضطراب، ومنه قيل: زمان سفيه؛ إذا كان كثير

(1) كرخي.

(2)

عكبري.

(3)

البحر المحيط.

(4)

المراغي.

ص: 420

الاضطراب، وثوب سفيه رديء النسج، ثم استعمل في نقصان العقل، وهو المراد هنا {قِيَامًا}؛ أي: تقوم بها أمور معايشكم، وتمنع عنكم الفقر؛ قال الراغب: القيامُ والقوامُ ما يقوم به الشيء، ويثبت كالعماد، والسناد ما يعمد، ويسند به.

و {قِيَامًا} بالياء، والألف مصدر قام، والياء بدل من الواو، وأبدلَت منها لما أعلت في الفعل، وكانت قبلها كسرة {قَوْلًا مَعْرُوفًا} ، والقول المعروف هو ما تطيبُ به النفوسُ، وتألفه كإفهام السفيه أنَّ المال مَالُه لا فضلَ لأحد عليه، {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا}؛ أي: علمتم منهم حسن التصرف في الأموال، وفي "المصباح"، وآنستُ الشيء بالمد، علمته، وآنسته أبصرته. انتهى، وفيه أيضًا الرشد: خلاف العيّ والضلال، وهو إصابةُ الصواب، ورشد رشدًا من باب تعب، ورشد يَرُشُد من باب قتل، فهو راشد، والاسم: الرشاد اهـ. {إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} الإسراف: مجاوزة الحد في التصرف في المال، والبدار المبادرة والمسارعة إلى الشيء، يقال: بادرت إلى الشيء، وبدرت إليه، وهو من باب المفاعلة التي تكون بين اثنين؛ لأن اليتيم مار إلى الكبرَ، والولي مار إلى أخذ ماله فكأنهما يستبقان، ويجوز أن يكون من واحد، وفي "المصباح": كبر الصبي، وغيره يكبر من باب: تعب مكبرًا مثلَ مسجد، وكبرًا وزانَ عِنب، فهو كبير، وجمعه كبار، والأنثى كبيرة {فَلْيَسْتَعْفِفْ}؛ أي: فليعف نفسَه عن مال اليتيم، فـ {السين} و {التاء} فيه زائدتان، والعفة تركُ ما لا ينبغي من الشهوات، وفي "المختار": عفَّ عن الحرام يَعِفُّ بالكسر عِفةً وعَفًّا، وعفا إذا كف عنه، فهو عف، وعفيف، والمرأة عفة، وعفيفة {نَصِيبًا مَفْرُوضًا}؛ أي: سهمًا مقدرًا مَحْتُومًا لا بد لهم أن يأخذوه {وَلْيَخْشَ} الخشية: الخوف في محل الأمن {قَوْلًا سَدِيدًا} والسديد: العدل، والصواب، والسداد بالكسر: ما يسد به الشيء كالثغر موضع الخوف من العدو، والقارورة {وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} يقال: صلى اللحم صليًا، إذا شواه، فإذا أراد إحراقه يقال: أصلاه إصلاءً، وصلاه تصليةً وصلى يده بالنار - من باب رضي - أدفأها، واصطلى استدفأ، وفي "المختار" صليت اللحم وغيره؛ من باب: رمَى شويته، ويقال: صليت الرجلَ نارًا؛ أي: أدخلته النار، وجعلته يصلاها. اهـ. والسعير: النار المستعرة المشتعلة، يقال: سَعرت النار، وسعرتُهَا، أوقدتُها.

ص: 421

البلاغة

قال أبو حيان (1): وقد تضمنت هذه الآيات من ضروب البيان والفصاحة:

منها: الطباق في قوله: {وَاحِدَةٍ} و {زَوْجَهَا} و {غنيًّا} و {فقيرًا} و {قل} {أو كثر} و {رِجَالًا} {وَنِسَاءً} و {الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} .

ومنها: التكرار المسمى بالإطناب عندهم في قوله: {اتقوا} ، و {خلق} ، و {خِفْتُمْ} ، و {أَلَّا تُقْسِطُوا} ، و {أَلَّا تَعْدِلُوا} منه جهة المعنى و {اليتامى} ، و {النساء} ، و {فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} و {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ} {وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ} ، وفي قوله:{وَلْيَخْشَ} و {خافوا} من جهة المعنى على قول من جعلهما مترادفين.

ومنها: إطلاق اسم المسبب على السبب في قوله: {ولا تأكلوا} لأن الأخذَ سبب للأكل.

ومنها: تسمية الشيء باسم ما كان عليه في قوله: {وَآتُوا الْيَتَامَى} سماهم يتامى بعد البلوغ.

ومنها: التأكيد بالإتباع في قوله: {هَنِيئًا مَرِيئًا} .

ومنها: تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه في قوله: {نصيب مما ترك} ، و {نارا} على قول من زعم أنها حقيقة كقوله تعالى:{إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} ؛ أي: عنبًا يؤول إلى خمر.

ومنها: التجنيس المماثل في قوله: {فَادْفَعُوا} {فَإِذَا دَفَعْتُمْ} والمغاير في قوله: {وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا} .

ومنها: الزيادة للزيادة في المعنى في قوله: {فَلْيَسْتَعْفِفْ} .

ومنها: إطلاق اسم الكل على البعض في قوله: {الأقربون} إذ المراد أرباب الفرائض.

(1) البحر المحيط.

ص: 422

ومنها: إقامة الظرف المكاني مقام الزماني في قوله: {مِنْ خَلْفِهِمْ} ؛ أي: من بعد وفاتهم.

ومنها: الاختصاص في قوله: {بُطُونِهِمْ} خصها دون غيرها؛ لأنها محل للمأكولات.

ومنها: التعريضُ في قوله: {فِي بُطُونِهِمْ} عرض بذكر البطون لخستهم، وسقوط هممهم، والعرب تذم بذلك قال شاعرهم:

دَعِ الْمَكَارِمَ لَا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِهَا

وَاقْعُدْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الطَّاعِمُ الْكَاسِيْ

ومنها: تأكيد الحقيقة بما يرفع احتمالَ المجاز في قوله: {فِي بُطُونِهِمْ} رفع المجازَ العارضَ في قوله: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} على قول من حمله على الحقيقة، ومَنْ حملَه على المجاز فيكون عنده من ترشيح المجاز، ونظيره في كونه رافعًا للمجاز قوله {يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} ، وقوله:{يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} والحذف في عدة مواضعَ مثل قوله: {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} ؛ أي: كثيرًا.

ومنها: المقابلة اللطيفة بَيْنَ {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} .

فائدة: وفي قوله تعالى: {نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} إشارة إلى ترك المفاخرة، والكبر لتعريفه إياهم، بأنهم من أصل واحد، ودلالة على المعاد؛ لأن القادر على إخراج أشخاص مختلفينَ من شخص واحد، فقدرته على إحيائهم بطريق الأولى، و {زَوْجَهَا} هي حواء، وظاهر منها ابتدأ خلق حواء من نفسه، وأنه هو أصلها الذي اخترعت، وأنشئت منه، ويدل عليه الحديث الصحيح في قوله صلى الله عليه وسلم:"إن المرأة خلقت من ضلع أعوج، فإن ذهبت تُقِيمُها كسرتها، وكسرها طلاقها" انتهى.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 423

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} .

المناسبة

لما (1) بين الله سبحانه وتعالى حُكْمَ الميراث مجملًا في قوله: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} ذكر هنا تفصيلَ ذلك المجمل فبيَّن أحكامَ المواريث، وفرائضها، لإبطال ما كان عليه العربُ من نظام التوارث في الجاهلية من منع الأنثى، وصغار الأولاد، وتوريث بعض مَنْ حَرَمه الإِسلامُ من الميراث. وقد كانت أسبابُ الإرث في الجاهلية ثلاثةً:

الأول: النّسبُ، وهو لا يكون إلا للرجال الذين يركبون الخيلَ، ويقاتلون

(1) المراغي.

ص: 424

العدوَّ، ويأخذون الغنائم، وليس للضعيفَيْنِ المرأة والطفل من ذلك شيء.

والثاني: التبني فقد كان الرجلُ يتبنَّى ولدَ غيره، فيكون له أحكام الولد في الميراث وغيره.

والثالث: الحِلْفُ والعهدُ، فقد كان الرجل يقول لآخرَ: دمي دمك، وهدمي هدمك؛ أي: إذا أهدر دمي أهْدِر دمك، وترثني وأرثك، وتطلَبُ بي وأطلَبُ بك، فإذا فعلًا ذَلك، ومات أحدهما قبل الآخر كان للحيّ ما اشترط من مال الميت.

فلما جاء الإِسلام أقرهم على الأول، والثالث دون الثاني، فقال:{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} والمراد به: التوارث بالنسب، وقال:{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} والمراد به التوارثُ بالعهد، وقال:{وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} والمراد به: التوارث بالتبني، وزاد شيئين آخرين:

الأول: الهجرةُ، فكان المهاجر يرثُ من المهاجر، وإن كان أجنبيًّا عنه، إذا كان بينهما مخالطة، وود، ولا يرثه غير المهاجر، وإن كان من أقاربه.

والثاني: المؤاخاةُ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤاخي بين كل اثنين من الرجال، وكان ذلك سببًا للتوارث، ثم نسخ التوارثُ بهذين السببين بقوله:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} . ثم استقر الأمر بعد نزول أحكام الفرائض على أن أسباب الإرث ثلاثة: النسب، والنكاح، والولاء.

قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} مناسبتها لما قبلها (1): لما بين الله سبحانه وتعالى حدوده التي حدها لعباده، قَسَمَ الناس إلى عامل بها، مطيع، وإلى غير عامل بها، عاص، وبدأ بالمطيع؛ لأن الغالبَ على مَنْ كان مؤمنًا بالله تعالى الطاعة، إذ السورة مفتتحة بخطاب الناس عامةً، ثم أردف بخطاب من يتصف بالإيمان إلى آخر المواريث، وبدأ بالمطيع؛ لأن قسم الخير ينبغي أن يبتدأ

(1) البحر المحيط.

ص: 425

به، وأن يعتنَى بتقديمه، وحَمَل أوَّلًا على لفظ {من} في قوله:{يُطِعِ} و {يُدْخِلْهُ} فأفرد، ثم حملَ على المعنى في قوله:{خالدين} .

قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} ، مناسبتها لما قبلها: لمَّا ذكر ثَوابَ مراعي الحدود .. ذَكَرَ عقابَ من يتعداها، وغلظ في قسم المعاصي، ولم يكتف بالعصيان بل أكَّدَ ذلك بقوله:{وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ} وناسب الختم بالعذاب المهين؛ لأن العاصيَ المتعدي للحدود؛ برز في صورة من اغترَّ، وتجاسرَ على معصية الله تعالى، وقد تقل المبالاة بالشدائد، ما لم ينضمَّ إليها الهوانُ، ولهذا قالوا: المنية ولا الدنيَّةُ.

قيل: وأفرد خالدًا هنا، وجمع في خالدين فيها؛ لأن أهلَ الطاعةِ، أهل الشفاعة، وإذا اشفع في غيره دخلها، والعاصي لا يدخل النار به غيره، فبقي وحيدًا.

أسباب النزول

قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ

} الآية، سبب (1) نزولها: ما أخرجه الأئمة الستة وغيرُهم عن جابر بن عبد الله، قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة، مَاشِيينْ فوجدني النبي صلى الله عليه وسلم لا أعقل شيئًا، فدعا بماءٍ فتوضأ، ثم رش علي فأفقت، فقلتُ ما تأمرني أن أصنع في مالي؟ فنزلت {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} .

وللآيةِ سببٌ آخر: وهو ما أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والحاكم عن جابر رضي الله عنه قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قتل أبوهما معك في أحد شهيدًا، وأن عمهما أخَذَ مالهما، فلم يَدَعْ لهما مالًا، ولا تنكحَان إلا ولهما

(1) لباب النقول.

ص: 426

مالٌ، فقال: يقضي الله في ذلك، فنزلت آية الميراث {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} الآيةَ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما، فقال: أعط بنتي سعد الثلثين، وأمهما الثمنَ، وما بقي فهو لك، قالوا وهذه أول تركة قسِمَتْ في الإِسلام.

وقصة جابر أصح؛ لأنها متفق عليها، وأما قصة بنات سعد بن الربيع ففيها عبدُ الله بن محمَّد بن عقيل، وهو صدوق ضعيفُ الحفظ على أنه لا تنافيَ بين القصتين، فيحتمل أنها نزلت فيهما معًا.

قال الحافظ بن حجر في "الفتح": تمسَّك بهذا الحديث الأخير مَنْ قال: إن الآية نَزلت في قصة ابنتي سعد، ولم تنزل في قصة جابر خصوصًا أنَّ جابرًا لم يكن له يومئذ ولد، قال الحافظ: والجواب أنها نزلت في الأمرين معًا، ويحتمل أن يكون: نزولُ أولها في قصة البنتين، وآخرها، وهو قوله:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً} في قصة جابر، ويكون مراد جابر بقوله: فنزلت: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} ؛ أي: ذكر الكلالة المتصلُ بهذه الآية، والله أعلم. انتهى.

وأقولُ في كلام الحافظ رحمه الله: نظر، فإنَّ قوله:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً} في ميراث الإخوة لأم، فالأَوْلى أن يقال: لا مانع من نزول الآية في الأمرين معًا كما قرره هو قبل، والله أعلم.

وقد ورد (1) في الآية سببُ ثالثٌ: وهو ما أخرجه ابن جرير، عن السدي قال: كان أهل الجاهلية لا يورثون الجواريَ ولا الضعفاء من الغلمان، لا يرث الرجلَ منْ ولده إلا من أطاق القتالَ، فمات عبد الرحمن أخو حسَّان الشاعر، وترك امرأة يقال لها: أم كحلة، وخمسَ بنات، فجاء الورثة يأخذون مالَه، فشكَتْ أمَّ كحلة ذلك إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية:{فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} ثم قال في أمّ كحلةَ {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ} .

(1) لباب النقول.

ص: 427

فصول في فضل علم الفرائض وذكر نبذة من أحكامه

وقبل الشروع في تفسير هذه الآيات الكريمة، نقدم فصولًا تتضمن أحكامَ الفرائض، وأصولَ قواعدها.

الفصل الأول: في فضله والحث على تعلمه وتعليمه

اعلم أن علم الفرائض من أعظم العلوم قدرًا، وأشرفها ذخرًا، وأفضلها ذكرًا، وهي ركن من أركان الشريعة، وفرع من فروعها في الحقيقة، اشتغل الصدر الأول من الصحابة بتحصيلها، وتكلموا في فروعها، وأصولها، ويكفي في فضلها أن الله عز وجل تَولَّى قسمتَها بنفسه، وأنزلها في كتابه مبينةً من فوق سمواته، وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على تعليمها فيما رواه أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعلموا الفرائضَ والقرآنَ، وعلموا الناسَ، فإني مقبوض" أخرجه الترمذي، وقال: فيه اضطراب، وأخرجه أحمد بن حنبل، وزاد فيه "فإني امرؤ مقبوض" والعلمُ مرفوع، ويوشك أن يختلف اثنان في الفريضة فلا يَجدَانِ أحدًا يخبرهما". وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعلموا الفرائض وعلّموها، فإنه نصف العلم، وهو أول علم يُنْسَى، وهو أول شيء يُنْزَعُ من أمتي". أخرجه ابن ماجه والداقطني.

الفصل الثاني: في بيان الورثة وأقسامها

إذا مات الميت، وله مال يبدأ بتجهيزه من ماله، ثم تُقضى ديونه، إن كان عليه دين، ثم تنفَّذ وصايَاه، وما فَضَل بعد ذلك من ماله يقسم بين ورثته. والوارثون من الرجال عشرة بالاختصار، الابن وابن الابن، وإن سفل، والأب، والجد وإن علا، والأخ سواء كان لأب وأم، أو لأب فقط، أو لأم فقط، وابن الأخ للأب والأم، أو للأب وإن سفل، والعم للأب والأم، أو للأب فقط، وابناهما، وإن سفلوا، والزوج، والمعتق.

والوارثات من النساء سبع بالاختصار: البنت، وبنت الابن وإن سفلت، والأم والجدة وإن علت، والأخت من كل الجهات، والزوجة، والمعتقة.

ص: 428

وستة من هؤلاء لا يلحقهم حجب الحرمان بالغير، وهم: الأبوان، والولدان، والزوجان، لأنه ليس بينهم، وبين الميت واسطة.

ثم الورثة ثلاثة أصناف: صنف يرث بالفرض فقط، وهم الزوجان، والبنات، والأخوات، والأمهات، والجدات، وأولاد الأم، وصنف يرث بالتعصيب فقط، وهم البنون والإخوة الأشقاء أو لأب وبنوهم والأعمام وبنوهم وصنف يرث بالتعصيب تارة وبالفرض أخرى وهما الأب والجد، فيرث بالتعصيب إذا لم يكن للميت ولد، فإن كان له ابن، ورث الأب بالفرض السدس، وإن كانت بنت ورث السدس بالفرض، وأخذ الباقيَ بالتعصيب والعصبة: هو من يأخذ جميع المال إذا انفرد، ويأحذ ما فَضَل عن أصحاب الفروض إذا كان معهم.

الفصل الثالث: في أسباب الإرث وموانعه

وأسباب الإرث ثلاثة: نسب، ونكاح، وولاء، فالنسب القرابةُ يرث بعضهم بعضًا، والنكاح هو أن يرث أحد الزوجين من صاحبه بسبب النكاح، والولاء هو أن المعتقَ وعصباته يرثون المعتقَ.

والأسباب التي تمنع الإرث أربعة:

الأول: اختلاف الدين، فالكافر لا يرث المسلم، والمسلم لا يرث الكافر؛ لما روي عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم". أخرجاه في "الصحيحين". فأما الكفار فيرث بعضهم بعضًا مع اختلاف مللهم، وأديانهم؛ لأن الكفر كله ملة واحدة، وذهب بعضهم إلى أن اختلاف الملل والكفر يمنع التوارث أيضًا، حتى لا يرث اليهودي من النصراني، ولا النصراني من المجوسي، وإلى هذا ذهب الزهري، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، لما روي عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا توارث بين أهل ملتين". أخرجه الترمذي، وقال حديث غريب.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

ص: 429

قال: "لا يتوارث أهل ملتين شتى". أخرجه أبو داود، وحمله الآخرون على الإِسلام والكفر؛ لأن الكفر عندهم ملة واحدة، فتوريث بعضهم من بعض لا يكون فيه إثبات التوارث بين ملتين شتى.

والثاني: الرق، فإنه يمنع الإرث، لأن الرقيق ملك، ولا ملك له، فلا يرث، ولا يورث.

والثالث: القتل، فإنه يمنع الإرث مطلقًا محمدًا كان القتل، أو خطأً؛ لما روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"القاتل لا يرث". أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث لا يصح، والذي العمل عليه عند أهل العلم أن القاتل لا يرث، سواءً كان القتل عمدًا أو خطأً. وقال بعضهم: إذا كان القتل خطأً. فإنه يرث، وهو قول مالك.

والرابع: إبهام الموت، وهو أن يخفى موت المتوارثين، وذلك بأن غرقا أو انهدم عليهما بناء، فلم يدر أيهما سبق موته، فلا يرث أحدهما الآخر، بل يكون إرث كل واحد منهما لمن كانت حياته يقينًا بعد موته من ورثته.

الفصل الرابع: في بيان الفروض وأهلها

والسهام المقدرة في المواريث المذكورة في كتاب الله عز وجل ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس:

فالنصف: فرض الزوج عند عدم الولد الوارث، وفرض البنت الواحدة للصلب، أو بنت الابن عند عدم بنت الصلب، وفرض الأخت الواحدة للأب والأم، وفرض الأخت الواحدة للأب إذا لم يكن ولد لأب وأم.

والربع: فرض الزوج مع الولد، وفرض الزوجة مع عدم الولد.

والثمن: فرض الزوجة مع الولد.

والثلثان: فرض البنتين فصاعدًا، أو بنات الابن عند عدم بنات الصلب، وفرض الأختين فصاعدًا للأب والأم، أو للأب.

ص: 430

والثلث: فرض ثلاثة: فرض الأم إذا لم يكن للميت ولد، ولا اثنان من لإخوة والأخوات إلا في مسألتين: تسمى بالغراوين: إحداهما زوج، وأبوان، والأخرى: زوجة وأبوان، فإن للأم فيهما ثلث الباقي بعد نصيب الزوج، أو الزوجة، وفرض الاثنين فصاعدًا من أولاد الأم ذكرهم وأنثاهم فيه سواء، وفرض الجد مع الإخوة إذا لم يكن في المسألة صاحب فرض، وكان الثلث خيرًا له من المقاسمة مع الإخوة.

والسدس: فرض سبعة: فرض الأب إذا كان للميت ولد، وفرض الأم إذا كان للميت ولد، أو ولد ابن أو اثنان من الإخوة، والأخوات، وفرض الجد إذا كان للميت ولد، ومع الإخوة إذا كان في المسألة صاحب فرض، وكان السدس خيرًا له من المقاسمة مع الإخوة، وفرض الجدة والجدات، وفرض الواحد من أولاد الأم ذكرًا كان أو أنثى، وفرض بنات الابن مع بنت الصلب تكملةَ الثلثين، وفرض الأخوات للأب مع الأخت للأب والأم تكملةَ الثلثين.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر". متفق عليه.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان المال للولد، والوصية للوالدين، فنسخ الله من ذلك ما أحب، فَجَعَلَ للذكر مثل حظ الأثنيين، وجعل للأبوين لكل واحد منهما: السدس، أو الثلث، وجعل للمرأة الثمن، أو الربع، وللزوج الشطر أو الربع، رواه البخاري.

الفصل الخامس: في الحجب

روي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: ولَدُ الأبناء بمنزلة الأبناء، إذا لم يكن دونه ابن، ذكرهم كذكرهم، وأنثاهم كأنثاهم، يرثون ويَحجبون كما يَحجبون، ولا يرث ولد ابن مع ابن ذكر، فإن ترك بنتًا، وابن ابن .. كان للبنت النصف، ولابن الابن ما بقي لقوله صلى الله عليه وسلم:"ألحقوا الفرائضَ بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر". ففي هذا الحديث دلالة على أن بعض الورثة يحجب البعض،

ص: 431

والعجيب قسمان: حجبُ نقصان، وحجبُ حرمان:

أمَّا الأول: وهو حجب النقصان: فهو أن الولد وولد الابن يحجب الزوجَ من النصف إلى الربع، والزوجةَ من الربع إلى الثمن، والأم من الثلث إلى السدس، وكذلك الاثنان من الإخوة والأخوات يحجبون الأم من الثلث إلى السدس.

وأما الثاني: وهو حجب الحرمان. فهو أن الأم تسقط الجدات، وأولاد الأم، وهم الإخوة للأم يسقطون بأربعة: بالأب، والجد، وإن علا، وبالولد، وولد الابن، وأولاد الأب والأم، وهم الإخوة للأب والأم يسقطون بثلاثة: بالأب، والابن، وابن الابن وإن سفلوا، ولا يسقطون بالجد على مذهب زيد بن ثابت، وهو قول عمر، وعثمان، وعلي وابن مسعود، وبه قال مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد وأولاد الأب يسقطون بهؤلاء الثلاثة، وبالأخ للأب والأم. وذهب قوم إلى أن الإخوة يسقطون جميعًا بالجد كما يسقطون بالأب، وهو قول أبي بكر الصديق، وابن عباس، ومعاذ، وأبي الدرداء، وعائشة، وبه قال الحسن، وعطاء، وطاووس، وأبو حنيفة.

الفصل السادس: في العصبات

والأقرب من العصبات يسقط الأبعدَ منهم، فأقربُهم الابن، ثم ابن الابن، وإن سفل، ثم الأب، ثم الجد، وإن علا، فإن كان مع الجد أحد من الإخوة، والأخوات للأب والأم أو للأب يشتركان في الميراث، فإن لم يكن جد فللأخ للأب والأم، ثم الأخ للأب، ثم بنوا الأخوة يقدم أقربهم، سواء كان لأب وأم، أو لأب، فإن استويا في الدرجة، فالذي هو لأب وأم أولى، ثم العم لأب، وأم، ثم لأب ثم بنوهم على ترتيب بني الإخوة، ثم عم الأب، ثم عم الجد على الترتيب السابق في الإخوة، فإن لم يكن أحد من عصبات النسب، وعلى الميت ولاء، فالميراث للمعتق، فإن لم يكن حيًّا فلعصبات المعتق، وأربعة من الذكور يعصبون الإناث: الابن، وابن الابن، والأخ للأب والأم، والأخ للأب، فلو مات عن ابن، وبنت، أو عن أخ، وأخت لأب وأم، أو لأب، يكون المال

ص: 432