الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المشركون قاتلوهم على أفواه الأزقة، والشوارع، وترميهم النساء، والصبيان بالأحجار من سطوح المنازل.
ومنها: أنكم فشلتم وضعفتم في الرأي.
ومنها: أنكم تنازعتم، وحصلت بينكم مهاترة (1) كلاميةٌ.
ومنها: أنكم عصيتم الرسول صلى الله عليه وسلم وفارقتم المكان الذي أمركم بالوقوف فيه، لحماية ظهوركم بنضح عدوكم بالنبل إذا أرادوا أن يكونوا من ورائكم، ولا شك أن العقوبات آثارٌ لازمةٌ للأعمال، والله إنما وعدكم النصر بشرط ترك المعصية، كما قال:{إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} . {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} أراده (قدير)؛ أي: قادرٌ، فإنه قادر على نصركم، لو ثبتم وصبرتم كما هو قادرٌ على التخلية بينكم وبين عدوكم إذا خالفتم، وعصيتم، وهو سبحانه وتعالى قد ربط الأسباب بالمسببات، ولا يشذ عن ذلك مؤمنٌ، ولا كافرٌ، فوجود الرسول بينكم وأنتم قد خالفتم سنن الله في البشر، لا يحميكم مما تقتضيه هذه السنن.
166
- {وَمَا أَصَابَكُمْ} ؛ أي: وكل ما أصابكم، ونالكم أيها المؤمنون من القتل والجراحة والهزيمة {يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ}؛ أي: يوم تقابل وتقاتل فيه جمع المسلمين، وجمع المشركين، وهو يوم أحد {فَبِإِذْنِ اللَّهِ}؛ أي: فهو واقعٌ بكم بإذن الله، وإرادته، وقضائه، السابق بجعل المسببات نتائج لأسبابها، فكل عسكر يخطئ الرأي، ويعصى قائده، ويخلي بين العدو وظهره، يصاب بمثل ما أصبتم به، أو بما هو أشد، وأنكى منه، وفي ذلك تسليةٌ للمؤمنين بما حصل لهم يوم أحد من القتل والهزيمة، ولا تقع التسلية إلا إذا علموا أن ذلك واقعًا بقضاء الله تعالى، وقدره، وحينئذٍ يرضون بما قضى الله عليهم.
وقوله {وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ} معطوف (2) على قوله {فَبِإِذْنِ اللَّهِ} عطف مسببٍ على سببٍ.
167
- وقوله: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا} عطفٌ على ما قبله قيل: أعاد الفعل
(1) فتح القدير.
(2)
المراغي.
لقصد تشريف المؤمنين عن أن يكون الفعل المسند إليهم، وإلى المنافقين واحدًا. والمعنى؛ أي: وما أصابكم يوم التقى الجمعان فكائنٌ بإذن الله تعالى، وإرادته، وكائن ليظهر الله صبر الذين آمنوا، وصبروا، وثبتوا، ولم يتزلزلوا، وقوة إيمانهم، وليظهر نفاق الذين نافقوا كعبد الله بن أبيٍّ، وأصحابه الذين انخذلوا يوم أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجعوا، كانوا نحوًا من ثلاث مئة رجل {وَقِيلَ لَهُمْ}؛ أي: قال لهم بعض المسلمين قيل: هو عبد الله بن عمرو بن حرام، والد جابر بن عبد الله رضي الله عنهما {تَعَالَوْا} معنا إلى أحد، و {قَاتِلُوا} معنا المشركين {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} إن كنتم ممن يؤمن بالله واليوم الآخر {أَوِ ادْفَعُوا}؛ أي: أو قاتلوا المشركين دفعًا عن أنفسكم، وأهليكم، وأموالكم، وبلدكم إن لم تكونوا مؤمنين؛ أي: كونوا إمَّا من المجاهدين في سبيل الله، أو من الدَّافعين عن الأنفس والأموال والبلاد.
والخلاصة: قاتلوا ابتغاء مرضاة الله وإقامة دينه أو قاتلوا للدنيا ودافعوا عن أنفسكم وأهليكم ووطنكم لكنهم راوغوا وقعدوا وتكاسلوا.
{قَالُوا} ؛ أي: قال المنافقون للمؤمنين {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا} ؛ أي: لو نعرف قتالًا، ونحسنه ونقدر عليه {لَاتَّبَعْنَاكُمْ}؛ أي: لذهبنا معكم إلى أحد، وقاتلنا معكم، ولكنا لا نقدر على ذلك، ولا نحسنه. وقيل: معناه لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالا لاتبعناكم، ولكن ما أنتم بصدده ليس بقتالٍ، ولكنه إلقاءٌ بالنفس إلى التهلكة لعدم القدرة منا ومنكم، على دفع ما ورد من الجيش بالبروز إليهم، والخروج من المدينة. وقيل: المعنى لو نعلم أنكم تلقون قتالًا في خروجكم .. ما أسلمناكم، بل كنا نتبعكم، لكنا نرى أن الأمر سينتهي بدون قتال، ولا شك أن هذا الجواب منهم يدل على كمال النفاق، وأنه ما كان غرضهم منه إلا التلبيس والاستهزاء إذ ذهاب المشركين وهم مدججون بسلاحهم إلى أحد من أقوى الإمارات على أنهم يريدون قتالًا {هُمْ}؛ أي: هؤلاء المنافقون {لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ} ؛ أي: هم يوم إذ قالوا فيه ما قالوا، وانخذلوا فيه عن المؤمنين أقرب للكفر من قربهم إلى الإيمان عند من كان يظن أنهم مسلمون؛ لأنهم قد بينوا حالهم وهتكوا أستارهم، وكشفوا عن نفاقهم إذ ذاك، فإنهم كانوا