المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فكرةٍ صالحةٍ تغير بعض أخلاقها، وعاداتها، أو مقاومة بدعةٍ فاشيةٍ - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٥

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: فكرةٍ صالحةٍ تغير بعض أخلاقها، وعاداتها، أو مقاومة بدعةٍ فاشيةٍ

فكرةٍ صالحةٍ تغير بعض أخلاقها، وعاداتها، أو مقاومة بدعةٍ فاشيةٍ بين أفرادها، فإنها تجد مقاومةً من الخاصة بله العامة، فتراهم يرفعون راية العصيان في وجه الداعي، ويشاكسونه بكل الوسائل، ولا سيما إذا تعلق بتغيير بعض عادات مرنوا عليها جيلًا بعد جيل، ووجدوا من أشباه العلماء من يؤازرهم، ويناصرهم في باطلهم.

وكثيرًا ما يحدث للداعي التلف والهلاك، أو ثلم العرض أو الإخراج من حظيرة الدين.

وقرأ الجمهور (1){وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا} بكسر الميم لالتقاء الساكنين. وقرأ ابن وثاب، والنخعي بفتحها. وخُرِّج على أنه إتباعٌ لفتحة اللام، أو على إرادة النون الخفيفة، وحذفها كقول الشاعر:

لا تُهِيْنَ الفَقِيْرَ عَلَّكَ أَنْ تَرْ

كَعَ يَوْمًا وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ

وقرأ الجمهور {وَيَعْلَمَ} بفتح الميم فقيل: هو مجزومٌ وأتبع الميم اللام في الفتح كقراءة من قرأ {وَلَمَّا يَعْلَمِ} بفتح الميم على أحد التخريجين السابقين. وقيل: هو منصوب فعلى مذهب البصريين بإضمار أن بعد واو المعية نحو: ما تأتينا وتحدثنا. وعلى مذهب الكوفيين بواو الصرف. وتقرير المذهبين في علم النحو وقرأ الحسن، وابن يعمر، وأبو حيوة، وعمرو بن عبيد، بكسر الميم عطفًا على {وَلَمَّا يَعْلَمِ} المجزوم. وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو وبن العلاء {وَيَعْلَمَ} برفع الميم، وفي تخريجه وجهان:

أظهرهما: أنه مستأنف، أي وهو يعلم الصابرين.

وثانيهما: أن الواو للحال كأنه قيل: ولما تجاهدوا، وأنتم صابرون. قاله الزمخشري.

‌143

- وقوله: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ} خوطب به الذين لم يشهدوا بدرًا، وكانوا يتمنون أن يحضروا مشهدًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لينالوا كرامة الشهادة.

(1) البحر المحيط.

ص: 157

أي: وعزتي وجلالي، لقد كنتم يا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم تطلبون الموت بالشهادة في الحرب من قبل أن تشاهدوا أسباب الموت وشدائده من الجهاد، والقتال يوم أحد، أو من قبل أن تلقوا العدو فيه حيث قلتم ليت لنا يومًا كيوم بدر لننال ما نال شهداؤه من الكرامة، كانوا قد ألحوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في الخروج إلى المشركين في أحد، وكان رأيه صلى الله عليه وسلم في الإقامة بالمدينة حتى يدخلها عليهم المشركون. ثم ظهر منهم خلاف ذلك. وقراءة الجمهور بكسر اللام {مِنْ قَبْلِ} لأنها معربة لإضافتها إلى {أَنْ} وما في حيزها؛ أي: من قبل لقائه. وقرأ مجاهد بن جبر {مِنْ قَبْلِ} بضم اللام قطعها عن الإضافة كقوله: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} وعلى هذا، فـ {إن} وما في حيزها في محل نصب على أنها بدل اشتمال من الموت أي: تمنون لقاء الموت كقولك رهبت العدو لقاءه.

وقرأ الزهري والنخعيُّ {تلاقوه} ومعناه متحدٌ مع معنى تلقوه، لأن لقي يستدعي أن يكون بين اثنين بمادته، وإن لم يكن على المفاعلة.

{فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ} أي: فقد رأيتم الموت وأسبابه وأبصرتموه يوم أحد إن كنتم صادقين في تمنيكم الحرب {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} أي: والحال أنكم تنظرون، إلى سيوف الكفار، والأعداء حين قتل أمامكم من قتل من إخوانكم فلم انهزمتم منهم، ولم تثبتوا مع نبيّكم؛ وهذه الجملة تأكيدٌ لما قبلها، أي: والحال أنكم بصراء ليس بأعينكم علَّةٌ.

وقال الشوكاني: وقيد الرؤية بالنظر مع اتحاد معناهما للمبالغة. انتهى.

وقرأ طلحة بن مصرف {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ} باللام.

فمعنى (1) قوله: {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ} أنكم شاهدتم أسبابه من ملاقاة الشجعان بعدتهم، وأسلحتهم، وكرهم وفرهم مشاهدةً لا خفاء فيها، ولا شبهة، وكان لها الأثر العميق في نفوسكم.

(1) المراغي.

ص: 158