الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجيب: بأن النصر في ذلك ينسب للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لقوله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} فلو هلكوا بشيء مما هلك به الأمم السابقة .. لم يكن في ذلك مزيد فخر للمؤمنين، ولا شفاء لغيظهم لكونه خارجًا عن اختيارهم.
126
- {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ} ، أي: ما جعل الله ذلك الإمداد بالملائكة، أو ما جعل (1) الله ذلك القول الذي قاله الرسول لكم {أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ} الآية. {إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ}؛ أي: إلّا بشارة لكم أيها المؤمنون لتزدادوا ثباتًا على لقاء العدو أي؛ وما جعل الله ذلك الإمداد إلا ليبشركم به {وَ} إلا {لِتَطْمَئِنَّ} وتثبت {قُلُوبُكُمْ بِهِ} ؛ أي: بذلك الإمداد، وتسكن إليه من الخوف الذي طرقها من كثرة عدد عدوكم، وعظيم استعداده لكم. وفي هذا إشارة إلى أن في ذكر الإمداد فائدتين:
إحداهما: إدخال السرور في القلوب.
والثانية: حصول الطمأنينة ببيان أن معونة الله ونصرته. معهم فلا يجبنوا عن المحاربة مع العدوّ {وَمَا النَّصْرُ} على الأعداء حاصل من عند أحدٍ غير الله لا من عند الملائكة، ولا من كثرة العدد {إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} سبحانه وتعالى {الْعَزِيزِ} أي؛ القوي الذي لا يغالب في أقضيته وأحكامه {الْحَكِيمِ} الذي يعطي النصر لأوليائه، ويبتليهم بجهاد أعدائه، أو الذي يدبر الأمور على خير السنن، وأقوم الوسائل، فيهدي لأسباب النصر الظاهرة، والباطنة من يشاء، ويصرفهما عمن يشاء.
والمراد (2): أنه يجب توكلكم على الله لا على الملائكة، فيجب على العبد أن لا يتكل على الأسباب فقط، بل يقبل على مسبب الأسباب؛ إذ هو الذي لا يعجز عن إجابة الدعوات، فعليكم ألا تتوقعوا النصر إلا من رحمته، ولا المعونة إلا من فضله وكرمه؛ لأن من لم ينصره الله فهو مخذول، وإن كثرت أنصاره، فإن حصل الإمداد بالملائكة، فليس ذلك إلا جزءًا من أسباب النصر، وهناك أسباب
(1) المراغي.
(2)
المراغي.
أخرى كإلقاء الرعب في قلوب الأعداء، ومعرفة المواقع، والمكامن كما فعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم، إذ سلك إلى أحد أقرب الطرق، وأخفاها على العدو، وعسكر في أحسن موضع، وهو الشعب أي: الوادي وجعل ظهره إلى الجبل، وجعل الرماة من ورائهم.
فإن قلت: لم أمد الله المؤمنين يوم بدر بملائكته يثبتون قلوبهم، وحرمهم من ذلك يوم أحد حتى أصاب العدو منهم ما أصاب؟
فالجواب: إن المؤمنين كانوا يوم بدر في قلة وذلةٍ، من الضعف والحاجة؛ فلم يكن لهم إعتمادٌ إلا على الله، وما وهبهم من قوة في أبدانهم ونفوسهم، وما أمرهم به من الثبات، والذكر إذ قال:{إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .
ولم يكن في نفوسهم تطلع إلى شيء سوى النصر، وإقامة الدين، والدفاع عن حوزته، وكانت أرواحهم بهذا الإيمان مستعدة لقبول الإلهام من أرواح الملائكة، والتقوي بالاتصال بها.
وروى أحمد ومسلم وغيرهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو يوم بدر "اللهم أنجز ما وعدتني، اللهم أنجز ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة .. فلن تعبد في الأرض أبدًا" وما زال يستغيث ربه، ويدعوه حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه فرداه به، ثم التزمه من ورائه ثم قال: يا نبي الله كفاك مناشدتك لربك، فإنه ينجز لك ما وعدك. وأنزل الله يومئذٍ {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ} الآية.
أمَّا في يوم أحد: فقد كان بعضهم في أول القتال قريبًا من الافتتان بما كان من المنافقين، ومن ثم همت طائفتان منهم أن تفشلا، ولكن الله ثبتهما، وباشروا القتال مع بقية المؤمنين حتى انتصروا، وهزموا المشركين، ثم خرج بعضهم عن التقوى، وخالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وطمعوا في الغنيمة، وتنازعوا في الأمر فقتلوا، وضعف استعداد أرواحهم، فلم ترتق إلى الاستمداد من أرواح الملائكة، فلم يكن لهم منهم مدد في ذلك اليوم.