المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قرأ ابن عباس وابن مسعود {يخوفكم أولياءَه} وقرأ أبي بن - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٥

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: قرأ ابن عباس وابن مسعود {يخوفكم أولياءَه} وقرأ أبي بن

قرأ ابن عباس وابن مسعود {يخوفكم أولياءَه} وقرأ أبي بن كعب، والنخعي {يخوفكم بأوليائه} .

{فَلَا تَخَافُوهُمْ} ؛ أي: فلا تخافوا أولياء الشيطان، ولا تقعدوا عن قتالهم، ولا تجبنوا عنهم، ولا تحفلوا بقولهم {وَخَافُونِ} في مخالفة أمري بالجلوس، فجاهدوا في سبيلي، مع رسولي؛ لأنكم أوليائي، وأنا وليكم وناصركم، {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}؛ أي: مصدقين بوعدي لكم النصر، والظفر، أو راسخي الإيمان قائمين بحقوقه، فإن من حقه إيثار خوف الله تعالى على خوف غيره، والأمن من شر الشيطان، وأوليائه وأثبت أبو عمرو ياء {وَخَافُونِ} وهي ضمير المفعول، والأصل الإثبات، ويجوز حذفها للوقف على نون الوقاية بالسكون، فتذهب الدلالة على المحذوف.

وخلاصة ذلك: أنه إذا عرضت لكم أسباب الخوف فاستحضروا في نفوسكم قدرة الله الذي بيده كل شيء، وهو يجير، ولا يجار عليه، وتذكروا وعده بنصركم، وإظهار دينكم على الدين كله، وأن الحق يدمغ الباطل، فإذا هو زاهق، واذكروا قوله تعالى:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} ثم خذوا أهبتكم، وتوكلوا على ربكم، فإنه لا يدع لخوف غيره مكانًا في قلوبكم.

‌176

- ولما نهى الله سبحانه وتعالى المؤمنين عن خوف أولياء الشيطان، وأمرهم بخوفه وحده تعالى نهى رسوله صلى الله عليه وسلم عن الحزن لمسارعة من سارع في الكفر، فقال:{وَلَا يَحْزُنْكَ} ؛ أي: لا يهمنك أيها الرسول مسارعة {الَّذِينَ يُسَارِعُونَ} ويبادرون {فِي} نصرة دين {الْكُفْرِ} ، والشرك، ومظاهرة أهله على النبي صلى الله عليه وسلم قيل: هم كفار قريش، وقيل: هم المنافقون، وقيل: هو عام في جميع الكفار، والمعنى: ولا يحزنك من يسارع في الكفر بنصرته بأن يقصد جمع العساكر لمحاربتك، وإبطال هذا الدين وإزالة هذه الشريعة، وهذا المقصود لا يحصل لهم، بل يضمحل أمرهم، وتزول شوكتهم، ويعظم أمرك، ويعلو شأنك فـ {إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ}؛ أي: إن هؤلاء المسارعين لن يضروا دين الله ورسوله بهذا الصنيع

ص: 275

{شَيْئًا} من الضرر، وإنما يضرون أنفسهم بأن لا حظ لهم في الآخرة، ولهم عذاب عظيم.

قرأ نافع (1){يُحزِنك} بضم الياء وكسر الزاي، من أحزن الرباعي هنا، وفي جميع القرآن حيثما وقع إلا قوله تعالى:{لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} في سورة الأنبياء فقرأه بفتح الياء، وضم الزاي من حزن الثلاثي كباقي القراء في جميع ما في القرآن، فإنهم قرؤوه بفتح الياء وضم الزاي حيثما وقع، وهما لغتان: يقال حزنني الأمر، وأحزنني، والأول أفصح وقرأ ابن محيصن بضم الياء، والزاي من أحزن على النفي.

وقرأ (2) طلحة بن مصرف النحويُّ {يسرعون} من أسرع الرباعي في جميع القرآن، قال ابن عطية، وقراءة الجمهور أبلغ؛ لأن من يسارع غيره أشد اجتهادًا من الذي يسرع وحده.

وفي ضمن قوله: {إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} دلالةٌ على أن وبال ذلك عائد عليهم ولا يضرون إلا أنفسم، وفي توجيه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:{وَلَا يَحْزُنْكَ} تسليةٌ له، وإيذان بأنه الرئيس المعتنى بشؤونه، ثم علل هذا النهي، وأكمل التسلية بتحقيق نفي ضررهم أبدًا بقوله:{إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ} ؛ أي: إنهم لن يضروا أولياء الله، وهم النبي وصحبه شيئًا من الضرر، فعاقبة هذه المسارعة في الكفر، وبالٌ عليهم لا عليك، ولا على المؤمنين، فإنهم لا يحاربونك، فيضروك، وإنما هم يحاربون الله تعالى، ولا شك أنهم من أن يفعلوا ذلك عاجزون، فهم إذًا لا يضرون إلا أنفسهم، وفي جعل مضرتهم؛ أي: المؤمنين مضرة لله تعالى تشريف لهم، ومزيد مبالغة في تسليته صلى الله عليه وسلم.

ثم بين أنهم لا يضرون إلّا أنفسهم فقال: {يُرِيدُ اللَّهُ} سبحانه وتعالى؛ أي: إنما سارعوا في الكفر؛ لأن الله سبحانه وتعالى أرإد {أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا} ؛ أي: نصيبًا {فِي الْآخِرَةِ} ؛ أي: في الجنة؛ فلذلك خذلهم حتى سارعوا في

(1) مراح وفتح القدير.

(2)

البحر المحيط.

ص: 276