الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَي ككلي بَين سُجُود الْعُقَلَاء (فَيسْجد لَهُ) أَي فَقَوله تَعَالَى - {يسْجد لَهُ} - مَعْنَاهُ (يخضع لَهُ من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ) أَي الخضوع (لجنسيته تخْتَلف صوره) كَمَا أَن سَائِر الماهيات الجنسية قَابِلَة لحلول صور نوعية مُخْتَلفَة (فَفِي الْعُقَلَاء) يتَحَقَّق (بِالْوَضْعِ) أَي بِوَضْع الْجَبْهَة على الأَرْض إِظْهَارًا لكَمَال التذلل والانقياد (وَفِي غَيرهم بِغَيْرِهِ) أَي بِغَيْر وضع الْجَبْهَة مِمَّا يدل على الخضوع كقبول التَّصَرُّف من غير إباء (فَانْدفع الِاعْتِرَاض بِأَنَّهُ إِن أُرِيد) بِالسُّجُود الخضوع والانقياد (القهري شَمل الْكل) أَي الموجودات الممكنة (فَلَا وَجه لتخصيص كثير من النَّاس) بِالذكر (أَو) أُرِيد الخضوع (الِاخْتِيَارِيّ لم يتأت فِي غَيرهم) أَي غير الْعُقَلَاء: لأَنا نَخْتَار شقا ثَالِثا وَهُوَ الْمَعْنى الْأَعَمّ من القهري والاختياري فَإِن قلت إِذا أُرِيد الْأَعَمّ أَيْضا لَا مغنى لوجه التَّخْصِيص الْمَذْكُور لِأَنَّهُ يعم الْكل قلت وجهة الْإِشَارَة إِلَى أَن الْعُقَلَاء تميزوا بِنَوْع من ذَلِك الْجِنْس غير أَنه خَاصَّة غير شَامِلَة لكلهم، وَفِيه إِيهَام أَن بَعضهم خارجون عَن دَائِرَة الخضوع الْمُطلق بِالْكُلِّيَّةِ (وَكَذَا الصَّلَاة مَوْضُوعَة للاعتناء) بالمصلى عَلَيْهِ (بِإِظْهَار الشّرف) وَرفع الْقدر لَهُ (ويتحقق) الاعتناء الْمَذْكُور (مِنْهُ تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ) عَلَيْهِ (وَمن غَيره بدعائه لَهُ) وَإِنَّمَا اختير هَذَا (تَقْدِيمًا للاشتراك الْمَعْنَوِيّ على) الِاشْتِرَاك (اللَّفْظِيّ، أَو يَجْعَل) مَعْطُوف على الشّرطِيَّة الْمَذْكُورَة بعد قُلْنَا: أَي يَجْعَل الْمَذْكُور من السُّجُود وَالصَّلَاة (مجَازًا فِيهِ) أَي الْمَعْنى الْمَذْكُور من الخضوع والاعتناء لعلاقة اللُّزُوم (فَيعم) الْمَعْنى الْمجَازِي الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ فيهمَا: أَعنِي وضع الْجَبْهَة وَالدُّعَاء (وَأما أهل التَّفْسِير فعلى) أَي فاتفقوا على (إِضْمَار خبر للْأولِ) فِي آيَة الصَّلَاة، تَقْدِيره إِن الله يُصَلِّي وَمَلَائِكَته يصلونَ، فَحذف يُصَلِّي لدلَالَة يصلونَ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَول الْقَائِل:
(نَحن بِمَا عندنَا وَأَنت بِمَا
…
عنْدك رَاض والرأي مُخْتَلف)
وَإِذا تكَرر اللَّفْظ حمل كل وَاحِد على معنى آخر فَلَا حجَّة فِيهِ (وَعَلِيهِ) أَي وعَلى منع تَعْمِيم الْمُشْتَرك (تفرع بطلَان الْوَصِيَّة لمواليه وهم) أَي الموَالِي موجودون (لَهُ من الطَّرفَيْنِ) على مَا تقدم لِأَنَّهُ لما لم يعمها وَلَيْسَ أَحدهمَا أولى من الآخر بَقِي الْمُوصى لَهُ مَجْهُولا فبطلت.
مسئلة
(الْمُقْتَضى) بِصِيغَة الْمَفْعُول هُوَ (مَا استدعاه صدقه الْكَلَام: كرفع الْخَطَأ وَالنِّسْيَان) أَي كَمَا اقْتضى، لَا صدق رفع الْخَطَأ فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم " رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان ":
الحَدِيث (أَو) مَا استدعاه (حكم لزمَه شرعا) أَي لزم الْكَلَام: كاعتق عَبدك عني بِأَلف، وَالْمرَاد بِهِ الْمَفْهُوم الْكُلِّي وَمنع عُمُومه: أَي عُمُوم الْمُقْتَضى، فَالْحكم اللَّازِم للْكَلَام ولَايَة الاعتاق للمخاطب عِنْده من قبل الْمُتَكَلّم، وَلَا يتَصَوَّر ذَلِك إِلَّا بِاعْتِبَار بيع بَينهمَا سَابق على الْوكَالَة اللَّازِمَة للْكَلَام الْمَذْكُور، فإنشاء البيع الْمَذْكُور مَا استدعاه الحكم الْمَذْكُور، وَيجوز أَن يكون قَوْله أَو حكم مَعْطُوفًا على الْمَوْصُول، وَالْمعْنَى والمقتضى حكم لزم الْكَلَام لتوقف صِحَة حكمه الْمَنْطُوق عَلَيْهِ، لَكِن قَوْله (فَإِن توقفا) يُؤَيّد الأول: أَي توقف الصدْق وَالْحكم الْمَذْكُورَان على مَا هُوَ الْمُتَبَادر (على خَاص بِعَيْنِه أَو عَام لزم) ذَلِك الْخَاص أَو الْعَام، وَالْمرَاد بِهِ الْمَفْهُوم الْكُلِّي (وَمنع عُمُومه) أَي عُمُوم الْمُقْتَضى أَو الْعَام (هُنَا) أَي فِيمَا توقفه على عَام (لعدم كَونه) أَي الْعَام هُنَا (لفظا) إِذْ الْعُمُوم من أَوْصَاف اللَّفْظ كَمَا ذكره جمَاعَة: مِنْهُم صدر الشَّرِيعَة (لَيْسَ بِشَيْء) خبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي منع (لِأَن الْمُقدر كالملفوظ) فِي إِفَادَة الْمَعْنى (وَقد تعين) الْمُقدر بِصفة الْعُمُوم بِالدَّلِيلِ الْمعِين لَهُ فَيكون عَاما (وَأَيْضًا هُوَ) أَي عُمُوم الْمُقدر (ضرري لفرض التَّوَقُّف) أَي توقف الْكَلَام صدقا أَو صِحَة شَرْعِيَّة (عَلَيْهِ) أَي على عُمُومه (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يتَوَقَّف عَلَيْهِ (فَغير الْمَفْرُوض) أَي فالمقدر الَّذِي لَا يتَوَقَّف على عُمُومه غير الْمُقدر الْمَفْرُوض (وَلَو كَانَ) التَّوَقُّف (على أحد أَفْرَاده) أَي الْعَام (لَا يقدر مَا يعمها) أَي أَفْرَاده كلهَا (بل إِن اخْتلفت أَحْكَامهَا) أَي أَحْكَام أَفْرَاد تِلْكَ الْعَام فيترتب على تَقْدِير بَعْضهَا حكم يُخَالف الحكم الْمُتَرَتب على الْبَعْض الآخر (وَلَا معِين) فِي الْمقَام يعين الْبَعْض الَّذِي يحصل بِهِ الْمَقْصُود (فمجمل) فالمقدر حِينَئِذٍ مُجمل (أَولا) تخْتَلف أَحْكَامهَا (فالدائر) أَي فَيقدر الْفَرد الْمُنْتَشِر الَّذِي يَدُور مَعَ كل فَرد لصدقه عَلَيْهِ، وَنسب إِلَى الشَّافِعِيَّة أَنهم يقدرُونَ فِي هَذَا الْمقَام مَا يعمها (لنا) فِي أَنه لَا يقدر مَا يعمها أَن تَقْدِيره (إِضْمَار الْكل) أَي تَقْدِيره فِي الْكَلَام (بِلَا مُقْتَض) فَلَا يجوز، لِأَن التَّقْدِير إِنَّمَا يكون بِحَسب الضَّرُورَة. (قَالُوا) أَي المعممون إِضْمَار الْكل كتعميم رفع حكم الْخَطَأ وَالنِّسْيَان، بِحَيْثُ يَشْمَل الدنيوي، وَهُوَ الصِّحَّة وَالْفساد، والأخروي وَهُوَ الثَّوَاب وَالْعِقَاب (أقرب إِلَى الْحَقِيقَة) كرفع ذَات الْخَطَأ وَالنِّسْيَان من سَائِر المجازات إِلَيْهَا لِأَن فِي رفع أَحْكَامهَا مُطلقًا رَفعهَا، وَالْمجَاز الْأَقْرَب أولى من غَيره (قُلْنَا) نعم (إِذا لم ينفه) أَي الْمجَاز الْأَقْرَب (الدَّلِيل) وَلَكِن هُنَا نَفَاهُ، وَهُوَ إِضْمَار الْكل بِلَا مُقْتَض (وَكَون الْمُوجب للإضمار) حَاصِلا (فِي الْبَعْض) أَي فِي بعض أَفْرَاد الْعَام (يَنْفِي الْكل) أَي إِضْمَار الْكل (لما قُلْنَا) من كَونه بِلَا مُقْتَض، فَإِن مُقْتَضى التَّبْعِيض لَا يكون مُقْتَضى الْكل، (فَفِي الحَدِيث أُرِيد حكمهمَا) أَي حكم الْخَطَأ وَالنِّسْيَان (ومطلقه) أَي الحكم الْمُطلق (يعم حكمي
الدَّاريْنِ) الدُّنْيَا وَالْآخِرَة (وَلَا تلازم) بَين الْحكمَيْنِ (إِذْ ينتفى الْإِثْم) وَهُوَ حكم الْآخِرَة (وَيلْزم الضَّمَان) وَهُوَ حكم الدُّنْيَا كَمَا فِي إِتْلَاف مُحْتَرم مَمْلُوك للْغَيْر خطأ (فلولا الْإِجْمَاع على أَن الأخروي مُرَاد توقف) عَن الْعَمَل بِهِ لإجماله فِيهَا (وَإِذ أجمع) على أَن الأخروي مُرَاد (انْتَفَى الآخر) وَهُوَ الدنيوي (ففسدت الصَّلَاة بنسيان الْكَلَام وخطئه) أَي بنسيان وَخطأ أوقع الْمصلى فِي التَّكَلُّم، فالإضافة لأدنى مُلَابسَة، وَالْكَلَام مُفسد مُطلقًا عِنْد أَصْحَابنَا، ولغيرهم تفاصيل تعرف فِي فروعهم (و) فسد (الصَّوْم بِالثَّانِي) أَي بالمفسد الثَّانِي، وَهُوَ الْأكل أَو الشّرْب خطأ لوصول المَاء إِلَى الْجوف خطأ فِي الْمَضْمَضَة (لَا الأول) أَي لَا بالمفسد الأول، وَهُوَ الْأكل وَالشرب نِسْيَانا (بِالنَّصِّ) وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم " من نسى وَهُوَ صَائِم فَأكل أَو شرب فليتم صَوْمه، فَإِنَّمَا أطْعمهُ الله وسقاه "(وَلَو صَحَّ قِيَاسه) أَي الْخَطَأ (عَلَيْهِ) أَي النسْيَان فِي غير إِفْسَاد الصَّوْم بِجَامِع عدم الْقَصْد إِلَى الْجِنَايَة كَمَا هُوَ القَوْل الْأَصَح للشَّافِعِيّ رحمه الله إِذا لم يُبَالغ فِي الْمَضْمَضَة، وَالِاسْتِنْشَاق، وَقَول أَحْمد رحمه الله إِذا لم يسرف فيهمَا خلافًا لِأَصْحَابِنَا وَمَالك، بل وَأكْثر الْفُقَهَاء على مَا قَالَ الْمَاوَرْدِيّ (فدليل آخر) أَي فموجبه دَلِيل آخر، لَا حَدِيث " رفع الْخَطَأ ". وَإِنَّمَا قَالَ لَو، لِأَن صِحَّته مَحل نظر لكَونه قِيَاسا مَعَ الْفَارِق الْمُؤثر لندرة الْأكل اَوْ الشّرْب مَعَ التَّذَكُّر، ولكثرة الْوُجُود دخل فِي الْعذر (وَأما الصَّلَاة) أَي قياسها (على الصَّوْم) فِي عدم الْفساد بِفعل الْمُفْسد نِسْيَانا (فبعيد، لِأَن عذره) أَي الْمُكَلف (وَلَا مُذَكّر) حَال عَن الضَّمِير: أَي كَونه مَعْذُورًا فِي حَال لَا مُذَكّر لَهُ فِيهَا كَمَا فِي الصَّوْم (لَا يستلزمه) أَي لَا يسْتَلْزم كَونه مَعْذُورًا حَال كَونه (مَعَه) أَي مَعَ الْمُذكر كَمَا فِي الصَّلَاة لانْتِفَاء التَّقْصِير مِنْهُ فِي الأول دون الثَّانِي (وَلذَا) أَي لعدم الاستلزام الْمَذْكُور (وَجب الْجَزَاء بقتل الْمحرم الصَّيْد نَاسِيا) لوُجُود الْمُذكر لَهُ، وَهُوَ هَيْئَة الْإِحْرَام (وَفِي الثَّانِي) من قسمي الْمُقْتَضى فِي نَحْو: أعتق عَبدك عني بِأَلف (لزم التَّرْكِيب) من حكمين (شرعا) إِلَّا إِذا كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَة (حكم) هُوَ (صِحَة الْعتْق) عَن الْأَمر (و) حكم هُوَ (سُقُوط الْكَفَّارَة) عَنهُ إِن نوى عتقه فِيهَا فَيَقْتَضِي سبق وجود الْملك للْآمِر فِي العَبْد ليَصِح الاعتاق عَنهُ، وَالْملك يقتضى سَببا، وَهُوَ هَهُنَا البيع بِدَلِيل قَوْله: عني بِأَلف، فَالْبيع لَازم مُتَقَدم كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (ويقتضى) هَذَا اللَّازِم (سبق تَقْدِير: اشْتريت عَبدك بِأَلف فِي الْمُتَقَدّم) أَي فِي قَول الْآمِر: أعتق عَبدك إِلَى آخِره (و) سبق تَقْدِير (بِعته فِي الْمُتَأَخر) أَي فِي قَول الْمَأْمُور أَعتَقته عَنْك على هَذَا (أما) الْمُتَقَدّم (بِعَيْنِه) أَي بِالنّظرِ إِلَى نَفسه مَعَ قطع النّظر عَن لَازمه (فتوكيل) أَي فَهُوَ تَوْكِيل (للْبَائِع) بالاعتاق (فَقَط) أَي لَا يتَعَدَّى عَن هَذَا الْمِقْدَار
بِاعْتِبَار منطوقه وَإِن كَانَ مستلزما لركني البيع، وهما: اشْتريت فِي الْمُتَقَدّم، وبعت فِي الْمُتَأَخر وَهَذَا (لَا يُجزئ) فِي انْعِقَاد البيع لِأَنَّهُ لَا بُد من التَّلَفُّظ بشرَاء العَبْد، وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ مُقْتَضى الْقيَاس إِلَّا أَنا تَرَكْنَاهُ لما أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (لَوْلَا أَنه) أَي انْعِقَاده (ضمني) وَكم من شَيْء يثبت ضمنا وَلَا يثبت قصدا فَلَا يصير فِي ثُبُوته بِدُونِ التَّلَفُّظ بهما، إِذْ كل مِنْهُمَا ركن يقبل السُّقُوط فِي الْجُمْلَة كَمَا فِي بيع التعاطي: أَلا ترى أَنه لم يشْتَرط فِي الضمني مَا اشْترط فِي القصدي من كَون الْمَبِيع مَقْدُور التَّسْلِيم حَتَّى يَصح هَذَا فِي الْآبِق فَيعتق عَن الْآمِر وَلم يثبت لَهُ خِيَار الرُّؤْيَة وَالْعَيْب، غير أَنه يشْتَرط فِيهِ أَهْلِيَّة الاعتاق، فَلَو لم يكن أَهلا لَهُ لَا يثبت البيع بِهِ، فَلَا يعْتق، وَلَا يسْتَشْكل كَون الْمُقْتَضى لَا عُمُوم لَهُ بِوُقُوع الثَّلَاث بطلقي نَفسك إِذا طلقت نَفسهَا ثَلَاثًا، وَقد نَوَاهَا الزَّوْج لِأَنَّهُ لَيْسَ من مَحل النزاع كَمَا أَفَادَ بقوله (وَلَيْسَ من الْمُقْتَضى) على صِيغَة الْفَاعِل (طَلِّقِي) أَو على صِيغَة الْمَفْعُول، وَالْمعْنَى وَلَيْسَ من الْمُقْتَضى مَا اقْتَضَاهُ طَلِّقِي (لِأَن الْجِنْس) وَهُوَ الطَّلَاق (مَذْكُور لُغَة) والمقتضى يلْزمه عدم الذّكر (إِذْ هُوَ) أَي طَلِّقِي مَعْنَاهُ (أوجدي طَلَاقا) كَمَا عرف فِي علم الْمعَانِي من أَن الْفِعْل الْمُتَعَدِّي قد يحذف مَفْعُوله، وَيُرَاد بِهِ هَذَا (فَصحت نِيَّة الْعُمُوم) لِأَن الْمصدر مِمَّا يصلح للْعُمُوم وَقد نَوَاه (وَنقض) هَذَا (بطالق) فَإِن اسْم الْفَاعِل يتَضَمَّن الْمصدر، فَيَنْبَغِي أَن يَصح فِيهِ نِيَّة الثَّلَاث، لَكِن الْحَنَفِيَّة لم يصححوه حَتَّى لَو نوى الثَّلَاث لم يَقع إِلَّا وَاحِدَة (وَأجِيب بِأَن الْمَذْكُور) فِي أَنْت طَالِق (طَلَاق هُوَ وصفهَا) أَي الْمُطلقَة، لَا الموصوفة بطالق (وتعدده) أَي تعدد وصفهَا بِهِ (بِتَعَدُّد فعله) أَي فعل الْمُطلق (تطليقه) وَلَا يتَكَرَّر الْأَثر إِلَّا بِتَكَرُّر الْمُؤثر فَإِن قلت فعلى هَذَا لَا يَتَّصِف بِالطَّلَاق الثَّلَاث فِي طَلِّقِي، وَإِن نَوَاهَا لعدم تعدد التَّطْلِيق المستلزم لعدم تعدد الْوَصْف قلت المُرَاد وصفهَا بِحَيْثُ يسْتَلْزم الْأَخْبَار عَن كَونهَا مَوْصُوفَة بالمتعدد من الطَّلَاق فَإِن لَهُ تَأْثِيرا فِي الْفرق كَمَا ستعرف (وثبوته) أَي التَّطْلِيق (مُقْتَضى حكم شَرْعِي هُوَ الْوُقُوع) أَي وُقُوع الطَّلَاق فِي أَنْت طَالِق، فَإِنَّهُ يقتضى سبق تطليق (تَصْدِيقًا لَهُ) أَي لمن قَالَ: أَنْت طَالِق، فَإِن إِيقَاعه هَذَا الحكم الشَّرْعِيّ إِنَّمَا وَقع على وَجه استلزام الْأَخْبَار عَن وُقُوع الطَّلَاق، ووقوعه مَوْقُوف على التَّطْلِيق توقف الْأَثر على الْمُؤثر، فَصدقهُ فِي هَذَا الاخبار يتَوَقَّف على سبق التَّطْلِيق، بِخِلَاف طَلِّقِي فَإِنَّهُ انشاء مَحْض لَا يسْتَلْزم إِخْبَارًا مقتضيا لسبق تطليق، وَإِذا عرفت أَن ثُبُوت التَّطْلِيق فِي أَنْت طَالِق على سَبِيل الِاقْتِضَاء (فَلَا يقبل الْعُمُوم) وَفِيه أَنه لَو سلم أَن الْمُقْتَضى لَا عُمُوم لَهُ، لَكِن عدم قبُوله للْعُمُوم بانضمام مَا يَقْتَضِيهِ من النِّيَّة غير مُسلم (وَيدْفَع) هَذَا الْفرق (بِأَنَّهُ) أَي أَنْت طَالِق (إنْشَاء شرعا) وَإِن كَانَ إِخْبَارًا لُغَة (يَقع بِهِ) الطَّلَاق
(وَلَا مُقَدّر أصلا) فِي أَنْت طَالِق، أَي لَا يقدر فِيهِ تطليق سَابق مصدرا قَالَه (لِأَنَّهُ) أَي التَّقْدِير (فرع الخبرية الْمَحْضَة) إِذْ الْكَلَام الَّذِي هُوَ خبر من وَجه وإنشاء من وَجه يجوز أَن يعْتَبر فِيهِ حيثية الإنشائية، وَلَا يلْتَفت إِلَى مَا تَقْتَضِيه حيثيته الْأُخْرَى (وَلَا تصح فِيهِ) أَي فِي أَنْت طَالِق (الجهتان) الإنشائية والخبرية مَعًا كَمَا قيل (لتنافي لازمي الْخَبَر والإنشاء) يَعْنِي احْتِمَال الصدْق وَالْكذب وَعدم احتمالهما (وَالثَّابِت لَهُ) أَي لأَنْت طَالِق (لَازم الانشاء) لعدم احْتِمَاله الصدْق وَالْكذب فَقَط، دون لَازم الْخَبَر فَهُوَ إنْشَاء مَحْض (وَقد يلْتَزم) كَونه إنْشَاء وَيُجَاب عَن عدم صِحَة نِيَّة الثَّلَاث بِأَنَّهُ نقل من الْأَخْبَار إِلَى الْإِنْشَاء إِلَى وُقُوع وَاحِدَة فَقَط، فإرادة التَّعَدُّد خلاف مَا عين لَهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (غير أَن المتحقق) عِنْد النَّقْل عَن الْأَخْبَار إِلَى الْإِنْشَاء (تَعْيِينه) أَي تعْيين أَنْت طَالِق (برمتِهِ) أَي بجملته ومجموع أَجْزَائِهِ لَا يكون (إنْشَاء لوُقُوع) طَلْقَة (وَاحِدَة فتعديها) أَي الْوَاحِدَة إِلَى مَا فَوْقهَا يكون (بِلَا لفظ) مُفِيد لذَلِك، وَهُوَ غير جَائِز اتِّفَاقًا (بِخِلَاف طَلِّقِي) لعدم تعينه إنْشَاء لوُقُوع وَاحِدَة (لِأَنَّهُ) أَي طَلِّقِي (طلب لإيقاع الطَّلَاق) مُطلقًا (فَتَصِح) نِيَّة الثَّلَاث فِيهِ (وَفِي) وُقُوع (الثَّلَاث) إِذا نَوَاهَا (بطالق) أَي بأنت طَالِق (طَلَاقا رِوَايَة) عَن أبي حنيفَة رحمه الله (بِالْمَنْعِ) أَي بِمَنْع وُقُوعهَا كَمَا هُوَ الظَّاهِر لكَونه كَأَنْت طَالِق (وعَلى) تَقْدِير (التَّسْلِيم) لوقوعها بِهِ كَمَا (هُوَ) الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة هُوَ: أَي وُقُوعهَا بِهِ مَبْنِيّ (على إِرَادَة التَّطْلِيق بطلاقا) حَال كَونه (مصدرا لمَحْذُوف) فَإِنَّهُ قد يُرَاد بِهِ التَّطْلِيق كالسلام والبلاغ بِمَعْنى التَّسْلِيم والتبليغ، فَيصح حِينَئِذٍ إِرَادَة الثَّلَاث لكَونه مَعْمُولا لفعل مَحْذُوف تَقْدِيره طَالِق، لَا فِي طَلقتك طَلَاقا: يَعْنِي ثَلَاثًا (وَإِنَّمَا يتم) القَوْل بوقوعها بطلاقا (بإلغاء طَالِق مَعَه) أَي مَعَ طَلَاقا فِي حق الْإِيقَاع: أَي (كَمَا) ألغى طَالِق (مَعَ الْعدَد) فِي أَنْت طَالِق ثَلَاثًا، فَإِن الْوَاقِع هُوَ الْعدَد (وَإِلَّا) أَي لم يلغ (وَقع بِهِ) أَي بطالق (وَاحِدَة لزم ثِنْتَانِ بِالْمَصْدَرِ) عِنْد نِيَّة الثَّلَاث (وَهُوَ) أَي وُقُوع ثِنْتَيْنِ بِالْمَصْدَرِ (مُنْتَفٍ عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة فِي الْحرَّة لما عرف مِنْهُ أَن معنى التَّوْحِيد مراعى فِيهِ، وَهُوَ بالفردية، والجنسية، والمثنى بمعزل عَنْهُمَا وَأَيْضًا يلْزم فِي غير المدخولة الْبَيْنُونَة بالواحدة، وَعدم وُقُوع شَيْء بِالْمَصْدَرِ الْمَنوِي بِهِ بِالثلَاثِ (وَفِي أَنْت الطَّلَاق) يَصح نِيَّة الثَّلَاث (بِتَأْوِيل وَقع عَلَيْك) الطَّلَاق لعدم صِحَة ظَاهره، وصيانة لكَلَام الْعَاقِل عَن الْبطلَان (وَمَا قيل فَمَا يمْنَع مثله فِي أَنْت طَالِق) بِأَن يُقَال: أَنْت ذَات وَقع عَلَيْك التَّطْلِيق فَيصح فِيهِ نِيَّة الثَّلَاث أَيْضا (يُجَاب بِعَدَمِ إِمْكَان التَّصَرُّف فِيهِ) أَي فِي أَنْت طَالِق (إِذْ نقل) من الْأَخْبَار (للإنشائية) أَي إِلَيْهَا شرعا (فَكَانَ عين اللَّفْظ) أَي لفظ أَنْت طَالِق مَوْضُوعا (لعين
الْمَعْنى الْمَعْلُوم نَقله إِلَيْهِ، وَهُوَ) أَي الْمَعْنى الْمَنْقُول إِلَيْهِ الطَّلقَة (الْوَاحِدَة) عِنْد عدم ذكر الْعدَد (والثنتان، وَالثَّلَاث مَعَ الْعدَد، وَلَيْسَ من الْمُقْتَضى الْمَفْعُول) بِهِ المطوي ذكره لفعل مُتَعَدد بعد نفي أَو شَرط كَمَا (فِي نَحْو لَا آكل وَإِن أكلت) فَعَبْدي حر (إِذْ لَا يحكم بكذب مُجَرّد أكلت) وَلَا أكل كَمَا يحكم بكذب رفع الْخَطَأ، لِأَن نَفسه غير مَرْفُوع، لِأَن أكلت من غير أَن يذكر لَهُ مُتَعَلق خَاص لَا يلْزم كذبه (فَلم يتَوَقَّف صدقه) أَي أكلت (عَلَيْهِ) أَي الْمَفْعُول بِهِ (و (لَا) يحكم (بِعَدَمِ صِحَة شَرْعِيَّة) لأكلت بِدُونِ الْمَفْعُول بِهِ (فتخصه) أَي الْمَفْعُول بِهِ (باسم الْمَحْذُوف، وَهُوَ) أَي هَذَا الْمَحْذُوف (وَإِن قبل الْعُمُوم لَا يقبل عُمُومه التَّخْصِيص، إِذْ لَيْسَ) هَذَا الْمَحْذُوف أمرا (لفظيا وَلَا فِي حكمه) أَي اللَّفْظِيّ لتناسبه وَعدم الِالْتِفَات إِلَيْهِ، إِذْ لَيْسَ الْأَخْبَار إِلَّا بِمُجَرَّد الْفِعْل على مَا عرف فِي تَنْزِيل المتعدى منزلَة اللَّازِم (فَلَو نوى مَأْكُولا دون) مَأْكُول (آخر لم تصح) نِيَّته قَضَاء بالِاتِّفَاقِ وَلَا (ديانَة خلافًا للشَّافِعِيَّة) وَفِي رِوَايَة عَن أبي يُوسُف اخْتَارَهَا الْخصاف (والاتفاق عَلَيْهِ) أَي على عدم قبُول التَّخْصِيص (فِي بَاقِي المتعلقات من الزَّمَان وَالْمَكَان) حَتَّى لَو نوى لَا يَأْكُل فِي زمَان أَو مَكَان دون آخر لم تصح نِيَّته اتِّفَاقًا (والتزام الْخلاف) فِي قبُول التَّخْصِيص) (فِيهَا) أَي فِي بَاقِي المتعلقات أَيْضا بِجَامِع المفعولية كَمَا فِي أصُول ابْن الْحَاجِب (غير صَحِيح) قَالَ السُّبْكِيّ أَنه لَو قَالَ وَالله لَا آكل وَنوى زَمَانا أَو مَكَانا صحت يَمِينه: يَعْنِي نِيَّته، وَدَعوى الإِمَام الرَّازِيّ الْإِجْمَاع على خِلَافه مَمْنُوعَة وَقد نَص الشَّافِعِي رحمه الله على أَنه لَو قَالَ: إِن كلمت زيدا فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَ: أردْت التَّكَلُّم شهرا يَصح فَيحْتَاج إِلَى الْفرق (وَالْفرق) بَين الْمَفْعُول بِهِ وظرفي الزَّمَان وَالْمَكَان (بِأَن الْمَفْعُول بِهِ فِي حكمه) أَي الْمَذْكُور (إِذْ لَا يعقل) معنى الْفِعْل الْمُتَعَدِّي (إِلَّا بعقليته) أَي إِلَّا بتعقل الْمَفْعُول بِهِ، فَيجوز أَن يُرَاد بِهِ الْبَعْض، بِخِلَاف الظرفين إِذْ ليسَا فِي حكم الْمَذْكُور لِأَن الْفِعْل قد يعقل مَعَ الذهول عَنْهُمَا وَإِن لم يَنْفَكّ عَنْهُمَا فِي الْوَاقِع، فَلَا يدخلَانِ تَحت الْإِرَادَة، والتخصيص فرع الدُّخُول تحتهَا (مَمْنُوع) خبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي الْفرق، ومرجع الْمَنْع قَوْله إِذْ لَا يعقل إِلَى آخِره (ونقطع بتعقل معنى) الْفِعْل (الْمُتَعَدِّي من غير إخطاره) أَي الْمَفْعُول بالبال، إِن أَرَادَ من غير اخطار خُصُوص الْمَفْعُول بِهِ فَمُسلم، وَإِن أَرَادَ من غير اخطار مفعول مَا فَغير مُسلم، بل الوجدان يحكم بِأَن الضَّرْب لَا يتعقل بِدُونِ تعقل مَضْرُوب مَا، وَلذَا صَرَّحُوا بِأَن نِسْبَة الْمَفْعُول بِهِ جُزْء من الْمُتَعَدِّي لنسبة الْفَاعِل (فَإِنَّمَا هُوَ) أَي الْمَفْعُول (لَازم لوُجُوده) أَي وجود الْمُتَعَدِّي (لَا) لتعقل مَعْنَاهُ فَلَيْسَ بِلَازِم (مَدْلُول اللَّفْظ) فِي التعقل ليتجزى بالإرادة فَلم يكن كالمذكور (بَقِي أَن يُقَال لَا آكل) مَعْنَاهُ (لَا أوجد أكلا) وأكلا عَام لِأَنَّهُ نكرَة