الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دلَالَة لفظ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ على إِرَادَة الْمُتَكَلّم إِيَّاه (وَيدْفَع بِمَنْعه) أَي بِمَنْع كَون الْمُسْتَثْنى مرَادا بِالْأولِ، وَإِن كَانَ مدلولا (وَلَو سلم) كَونه مرَادا فِي الْجُمْلَة (فَغير مُرَاد بالحكم وَهَذَا) التَّعْرِيف (أَيْضا لما لَهُ) التَّعْرِيف فِي (الأول) أَي تَعْرِيف الْغَزالِيّ: وَهُوَ الِاسْتِثْنَاء بِمَعْنى الأداة (فَلَا يكون الأولى) من كل مِنْهُمَا أَن يُقَال فِي تَعْرِيفه كَمَا قَالَ ابْن الْحَاجِب (إِخْرَاج بَالا أَو إِحْدَى أخواتها، وَهُوَ) أَي هَذَا التَّعْرِيف (على غير مهيعة) أَي طَرِيق كل من التعريفين السَّابِقين أَي لَا يكون هَذَا أولى، وَالْحَال أَنه على غير مهيعهما، فَإِن الْأَوْلَوِيَّة فرع الِاتِّحَاد فِيمَا صدق التعريفات الثَّلَاثَة عَلَيْهِ: اللَّهُمَّ (إِلَّا معنى الأول تَعْرِيف) الِاسْتِثْنَاء بِالْمَعْنَى (المصدري الَّذِي هُوَ التَّخْصِيص الْخَاص) وَهُوَ مَا يكون بألا وَإِحْدَى أخواتها (وَترك مَا بِهِ) التَّخْصِيص (وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِك) أَي أولى هَهُنَا (فَإِن الْكَلَام فِي ذَلِك) أَي الْمُخَصّص الْمُتَّصِل الْمُسَمّى بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي نفس التَّخْصِيص إِذْ الْكَلَام فِي بَيَان المخصصات (وَاعْلَم أَنه قد يعرف مَا يُطلق عَلَيْهِ لفظ الِاسْتِثْنَاء من ماهيتي الْمُتَّصِل والمنقطع غير أَنه) أَي لفظ الِاسْتِثْنَاء (لَيْسَ حَقِيقَة فيهمَا) أَي الماهيتين (مُشْتَركا) بِأَن يكون مَوْضُوعا بِإِزَاءِ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِوَضْع على حِدة (أَو متواطئا) بِأَن يكون مَوْضُوعا بِإِزَاءِ مَفْهُوم يعمهما (إِلَّا اصْطِلَاحا) نحويا اسْتثِْنَاء من قَوْله متواطئا: أَي لَيْسَ حَقِيقَة فيهمَا على التواطؤ فِي وضع إِلَّا فِي الْوَضع الاصطلاحي (وَنظر الأصولي فِي معنى الِاسْتِثْنَاء) إِنَّمَا هُوَ (من جِهَة اللُّغَة، وَيُمكن تعريفهما) أَي ماهيتي الْمُتَّصِل والمنفصل (لَا من حَيْثُ هما مدلولا لفظ أصلا، أَو مدلولا لفظ لغَوِيّ) يَعْنِي تعريفهما إِنَّمَا يتَصَوَّر على أحد الْوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا أَن يَقع النّظر عَن كَونهمَا مدلولي لفظ، لَا لُغَة وَلَا اصْطِلَاحا إِن لم يكن فِي نفس الْأَمر هَهُنَا اصْطِلَاح كَمَا أَنه لَيْسَ هَهُنَا لُغَة، وَالثَّانِي أَن يَقع النّظر عَن كَونهمَا مدلولي لُغَة وَإِن فرض وجود اصْطِلَاح (هُوَ) أَي ذَلِك اللَّفْظ اللّغَوِيّ (الأدوات، فالاستثناء: أَي مَا تفيده إِلَّا وَأَخَوَاتهَا) حَقِيقَة أَو مجَازًا (الْمَعْرُوفَة) صفة لأخواتها (إِخْرَاج بهَا) أَي بِإِحْدَى الْمَذْكُورَات، ثمَّ فسر الْإِخْرَاج بقوله (أَي منع) أحد الْمَذْكُورَات مدخوله (من الدُّخُول اشْتهر) لفظ الْإِخْرَاج فِي هَذَا الْمحل (فِيهِ) أَي فِي الْمَنْع الْمَذْكُور (من الحكم أَو الصَّدْر مَعَه) أَي مَعَ الحكم على مَا ذكر من الْوَجْهَيْنِ.
مسئلة
(الِاتِّفَاق أَن مَا بعد إِلَّا مخرج من حكم الصَّدْر: أَي لم يرد بِهِ) أَي بِحكم الصَّدْر (فالمقر بِهِ لَيْسَ إِلَّا سَبْعَة، فِي على عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة، وَاخْتلف فِي تَقْدِير دلَالَته) أَي فِي تَوْجِيه دلَالَة الْكَلَام الْمَذْكُور على سَبْعَة (فالأكثر) على أَنه (أُرِيد سَبْعَة) بِعشْرَة مجَازًا (وَإِلَّا)
مَعَ دُخُولهَا (قرينته) أَي قرينَة هَذَا المُرَاد الَّذِي هُوَ جُزْء الْمُسَمّى (والاتفاق أَن التَّخْصِيص كَذَلِك) أَي الْمُخَصّص فِيهِ قرينَة على أَن المُرَاد بالمخصص مَا بَقِي بعد التَّخْصِيص (وَقيل أُرِيد عشرَة ثمَّ أخرج) ثَلَاثَة بإلا ثَلَاثَة، فَدلَّ إِلَّا على الْإِخْرَاج وَثَلَاثَة على الْعدَد الْمُسَمّى بهَا (ثمَّ حكم على الْبَاقِي، وَالْمرَاد أُرِيد عشرَة وَحكم على سَبْعَة فإرادة الْعشْرَة) بِلَفْظ عشرَة (بَاقٍ بعد الحكم) على سَبْعَة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن المُرَاد هَذَا (رَجَعَ إِلَى إِرَادَة سَبْعَة بِهِ) أَي بِلَفْظ عشرَة (مَعَ الحكم عَلَيْهَا) أَي على سَبْعَة (فَلم يزدْ على الأول إِلَّا) مَا حصل (بتكلف لَا فَائِدَة لَهُ وَاخْتَارَهُ) أَي هَذَا القَوْل (بعض الْمُتَأَخِّرين) وَهُوَ ابْن الْحَاجِب، وَاسْتدلَّ (بِالْقطعِ باستثناء نصفهَا فِي: اشْتريت الْجَارِيَة إِلَّا نصفهَا فَكَانَ) جَمِيع الْجَارِيَة (مرَادا) من الْجَارِيَة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يرد مِنْهَا جَمِيعًا، بل نصفهَا (كَانَ) الِاسْتِثْنَاء لنصفها (من نصفهَا فَهُوَ) أَي الِاسْتِثْنَاء (مُسْتَغْرق) جمع الْمُسْتَثْنى مِنْهُ، وَهُوَ بَاطِل (أَو) كَانَ (الْمخْرج الرّبع لِأَن الْبَاقِي من النّصْف بعد إِخْرَاج النّصْف مِنْهُ) أَي من النّصْف (الرّبع ويتسلسل: أَي يَنْتَهِي إِلَى إِخْرَاج الْجُزْء غير المتجزئ مِنْهُ) أَي من الْمُسْتَثْنى مِنْهُ، وَفِي تَفْسِير التسلسل بالانتهاء إِلَى مَا ذكر مُسَامَحَة: يَعْنِي لَيْسَ المُرَاد التسلسل إِلَى غير النِّهَايَة، يل إِلَى حد لَا يتَصَوَّر بعده الْمخْرج والمخرج مِنْهُ (وَعلمت أَن الْإِخْرَاج مجَاز عَن عدم الْإِرَادَة) أَي عَن عدم إِرَادَة الْمُسْتَثْنى مِنْهُ بالمستثنى مِنْهُ (عِنْدهم، وَإِلَّا نصفهَا بَيَان إِرَادَة النّصْف بلفظها) أَي الْجَارِيَة فَلَا يكون إِلَّا نصفهَا مُسْتَغْرقا، وَإِنَّمَا كَانَ يلْزم ذَلِك لَو أُرِيد بِلَفْظ الْجَارِيَة نصفهَا قبل ذكرا، ثمَّ أخرج نصفهَا من ذَلِك المُرَاد (وَلَا يتسلسل) الإخراجيات (لعدم حَقِيقَة الْإِخْرَاج) فَإِن مبْنى التسلسل على أَن الِاسْتِثْنَاء يخرج بعض المُرَاد من لفظ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ، وَالْمرَاد مِنْهُ يتَعَيَّن بعده الْإِخْرَاج بِالِاسْتِثْنَاءِ، فتعقب كل اسْتثِْنَاء اسْتثِْنَاء، وَهَذَا إِذا كَانَ هُنَاكَ حَقِيقَة الْإِخْرَاج، وَأما إِذا كَانَ الْإِخْرَاج عبارَة عَن عدم إِرَادَة الْبَعْض بِسَبَب الِاسْتِثْنَاء، وَبعد مَا تعين المُرَاد بِسَبَبِهِ فقد انْتهى عمل الِاسْتِثْنَاء قبله، وَلَا إِخْرَاج بعد ذَلِك فَافْهَم (و) ابْن الْحَاجِب قَالَ (أَيْضا الضَّمِير) فِي نصفهَا (لِلْجَارِيَةِ) إِذْ المُرَاد نصف جَمِيعهَا قطعا، وَيلْزم من كَون المُرَاد من الْجَارِيَة نصفهَا أَن يرجع الضَّمِير إِلَى نصفهَا، لِأَن الْمَذْكُور على هَذَا التَّقْدِير لَا جَمِيعهَا (وَيدْفَع) هَذَا (بِأَن الْمرجع) لضمير نصفهَا (اللَّفْظ) أَي لفظ الْجَارِيَة (لِأَنَّهُ) أَي الضَّمِير (لربط لفظ بِلَفْظ بِاعْتِبَار مَعْنَاهُمَا) حَقِيقِيًّا كَانَ أَو مجازيا لَا الْمُسَمّى: أَي (لَا) بِاعْتِبَار (الْمُسَمّى) خَاصَّة (فَيرجع) ضمير نصفهَا (إِلَى لفظ الْجَارِيَة مرَادا بِهِ بَعْضهَا) الَّذِي هُوَ النّصْف (وَأَيْضًا إِجْمَاع) أهل (الْعَرَبيَّة أَنه) أَي الِاسْتِثْنَاء الْمُتَّصِل (إِخْرَاج بعض من كل) وَلَو أُرِيد الْبَاقِي من الْجَارِيَة
لم يكن ثمَّة كل وَلَا بعض وَلَا إِخْرَاج، فَأجَاب عَنهُ بقوله (وَعرفت أَنه) أَي الْإِخْرَاج (منع دُخُوله) أَي الْمُسْتَثْنى (فِي الْكل) وَهُوَ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ (فالإجماع على هَذَا الْمَعْنى) وَهُوَ مَوْجُود على قَول الْأَكْثَر، ثمَّ قَالَ ابْن الْحَاجِب (وَأَيْضًا تبطل النُّصُوص) لِأَنَّهُ إِذا حمل على الْمَعْنى الْمجَازِي لم تبْق نصوصية فِي مَعْنَاهُ (قُلْنَا: النَّص وَالظَّاهِر سَوَاء بِاعْتِبَار ذاتهما) فَإِن كَون اللَّفْظ نصا فِي معنى بِحَيْثُ لَا يحْتَمل خِلَافه لَا يتَحَقَّق قطّ بِمُجَرَّد ذَاته، بل باقتران أَمر آخر من لفظ وَغَيره، فَلَا أثر لذات اللَّفْظ فِي منع التَّجَوُّز بِهِ، وَلَوْلَا انضمام كلهم أَجْمَعُونَ للفظ الْمَلَائِكَة، ويطير بجناحيه للفظ الطَّائِر لما نَص الأول فِي الْعُمُوم، وَالثَّانِي فِيمَا أُرِيد بِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَلَا نصوصية بِمَعْنى رفع الِاحْتِمَال مُطلقًا إِلَّا بِخَارِج، وَلَيْسَ الْعدَد بِمُجَرَّدِهِ) أَي مُجَرّد لَفظه (مِنْهُ) أَي من النَّص بِمَعْنى نفي الِاحْتِمَال (فالملازمة) بَين إِرَادَة السَّبْعَة من الْعشْرَة وَبطلَان النُّصُوص (مَمْنُوعَة) وَقد عرفت سَنَد الْمَنْع (وَأما إِسْقَاط مَا بعْدهَا) أَي وَأما الدَّلِيل الْخَامِس لِابْنِ الْحَاجِب، وَهُوَ أَنا نعلم فِي الِاسْتِثْنَاء أَنه يسْقط مَا بعد إِلَّا مِمَّا قبلهَا (فَيبقى الْبَاقِي) من الْمُسْتَثْنى مِنْهُ، فيسند إِلَيْهِ الحكم (وَهُوَ) أَي إِسْقَاط مَا بعْدهَا مِمَّا قبلهَا (فرع إِرَادَة الْكل) مِمَّا قبلهَا (فَقَوْل الْأَكْثَر يقتضى أَن الْإِسْقَاط) الْمَذْكُور (ذكر مَا لم يرد) بالحكم، وَهُوَ الثَّلَاثَة بعْدهَا كَمَا أَن الْإِخْرَاج عبارَة عَن عدم الدُّخُول ابْتِدَاء وهما متقاربان معنى، وَقد مر أَنه شاع فِي عدم الدُّخُول، فشيوع تِلْكَ الْإِرَادَة قرينَة لهَذِهِ (ونسبته) أَي نِسْبَة مَا لم يرد بِهِ (للمسمى) أَي الْمَوْضُوع لَهُ لفظ الْعشْرَة من حَيْثُ أَنه يفهم من ذكر إِلَّا ثَلَاثَة أَن الثَّلَاثَة هِيَ من أَجزَاء الْعشْرَة، وَلم يتَنَاوَلهُ حكم مَا عده من أَجْزَائِهَا مَعَ أَن لفظ الْعشْرَة مستعملة فِي السَّبْعَة لَا فِي الْعشْرَة (ليعرف الْبَاقِي) المُرَاد من الْمُسَمّى لَا لِأَن الْمُسَمّى قد اسْتعْمل فِيهِ اللَّفْظ (أَو) الْإِسْقَاط (بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَدْلُوله) أَي اللَّفْظ، فَإِنَّهُ لما كَانَت الثَّلَاثَة مَعَ السَّبْعَة مُشَاركَة فِي المدلولية من اللَّفْظ بِمُوجب الْوَضع وَلم ينلها الحكم كَمَا نَالَ السَّبْعَة قبل لَهَا أسقط مَا قبلهَا (وَإِذا لم يبطل الأول) أَي قَول الْأَكْثَر (وَهُوَ أقل تكلفا) من الثَّانِي (تعين) الأول للاعتبار (وَلِأَن الثَّانِي خَارج عَن قانون الِاسْتِعْمَال، وَهُوَ) أَي قانون الِاسْتِعْمَال (إِيقَاع اللَّفْظ فِي التَّرْكِيب ليحكم على وضعيه) أَي الْمَعْنى الْمَوْضُوع لَهُ اللَّفْظ (أَو مُرَاده) أَي وعَلى الْمَعْنى المُرَاد بِهِ مجَازًا (أَو بهما) أَي وليحكم بِالْمَعْنَى الْمَوْضُوع لَهُ اللَّفْظ أَو بالمراد، لِأَن اللَّفْظ إِمَّا مَأْخُوذ فِي جَانب الْمَحْكُوم عَلَيْهِ، أَو فِي جَانب الْمَحْكُوم بِهِ (وَلَا مُوجب) لِلْخُرُوجِ عَن قانون الِاسْتِعْمَال (فَوَجَبَ نَفْيه) أَي نفي القَوْل الثَّانِي لِخُرُوجِهِ عَن القانون (وَعَن القَاضِي أبي بكر عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة) مَوْضُوعَة (لمدلول سَبْعَة كسبعة) أَي كَمَا وضع لفظ سَبْعَة لَهُ، وَاخْتَارَهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ (ورد بِأَنَّهُ خَارج
عَن اللُّغَة، إِذْ لَا تركيب من) أَلْفَاظ (ثَلَاثَة فِي غير المحكي، وَالْأول غير مُضَاف وَلَا مُعرب وَلَا حرف) فَعلم أَنه يُوجد مركب من ثَلَاثَة أَلْفَاظ إِذا كَانَ محكيا كبرق نَحره، وشاب قرناها، وَإِذا كَانَ غير المحكى إِذا كَانَ الأول مِنْهُ غير جَامع السُّكُوت الثَّلَاثَة كَأبي عبد الله. قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: إِنَّمَا الْكَلَام فِي التَّسْمِيَة بِثَلَاثَة أَلْفَاظ فَصَاعِدا إِذا جعلت اسْما وَاحِدًا على طَرِيق حَضرمَوْت وبعلبك من غير أَن يُلَاحظ فِيهَا الْإِعْرَاب وَالْبناء الأصليان، بل يكون بِمَنْزِلَة زيد وَعَمْرو، وَيجْرِي الْإِعْرَاب الْمُسْتَحق على حرفه الْأَخير، وَهَذَا لَيْسَ من لُغَة الْعَرَب بِلَا نزاع صرح بِهِ صَاحب الْكَشَّاف انْتهى وَحَاصِل كَلَام المُصَنّف رحمه الله: نفى مركب من ثَلَاثَة أَلْفَاظ يكون أَولهَا جَامع السُّكُوت الثَّلَاثَة وَقَوْلنَا عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة يصدق على أَولهَا أَنه لَيْسَ بمضاف، وَلَا حرف، وَلَا مُعرب لِأَنَّهُ على طَريقَة القَاضِي مَحل الْإِعْرَاب الْحَرْف الْأَخير لَا الأول (و) رد أَيْضا (بِلُزُوم عود الضَّمِير) فِي نَحْو إِلَّا نصفهَا (على جُزْء الِاسْم) الَّذِي هُوَ الْجَارِيَة فِي: اشْتريت الْجَارِيَة إِلَّا نصفهَا (وَهُوَ) جُزْء الِاسْم (كزاي زيد لعدم دلَالَته) أَي جُزْء الِاسْم على الْمَعْنى، فَيمْتَنع عود الضَّمِير إِلَيْهِ (وَالْحق أَنه) أَي قَول القَاضِي (أحد المذهبين) الْمَذْكُورين (للْقطع بِأَن مفرداته) أَي مُفْرَدَات عَليّ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة بَاقِيَة (فِي مَعَانِيهَا) الافرادية (وَقَوله بِإِزَاءِ سَبْعَة) إِنَّمَا هُوَ (بِاعْتِبَار الْحَاصِل) من التَّرْكِيب سَوَاء قُلْنَا أَن الْعشْرَة اسْتعْملت مجَازًا فِي السَّبْعَة بِقَرِينَة إِلَّا ثَلَاثَة، أَو اسْتعْملت فِي الْعشْرَة ثمَّ أخرج الثَّلَاثَة، فَإِنَّهُ على التَّقْدِيرَيْنِ لَا بُد من مُلَاحظَة معنى إِلَّا وَمعنى ثَلَاثَة، وَبعد إِخْرَاج ثَلَاثَة من عشرَة يصير كَأَنَّهُ اسْتعْمل أَولا فِي السَّبْعَة وَلَا يخفى أَن معنى اسْتِعْمَال عشرَة فِي سَبْعَة ذكر عشرَة وَإِرَادَة سَبْعَة، وَلَا تتمّ هَذِه الْإِرَادَة على وَجه يفهمها الْمُخَاطب إِلَّا بعد تعقل معنى إِلَّا وَثَلَاثَة، فالتركيب الْمَذْكُور بعد أحد التصرفين محصوله محصول السَّبْعَة من حَيْثُ الْمَآل (وَلذَا شبه) فَقَالَ كسبعة على مَا نقل عَنهُ (فَانْتفى مَا بناه بَعضهم) وَهُوَ صدر الشَّرِيعَة (عَلَيْهِ) أَي على قَول القَاضِي (من أَن تَخْصِيصه) أَي الِاسْتِثْنَاء بِنَاء على مَا ذهب إِلَيْهِ (كمفهوم اللقب) أَي كتخصيص مَفْهُوم اللقب على مَا ذهب إِلَيْهِ بعض النَّاس: يَعْنِي أَن تَخْصِيص الِاسْتِثْنَاء أَمر مُتَّفق عَلَيْهِ، وتخصيض مَفْهُوم اللقب نَفَاهُ الْكل إِلَّا بعض الْحَنَابِلَة وشذوذا وَهُوَ إِضَافَة نقيض حكم مَا عبر عَنهُ باسمه علما أَو جِنْسا إِلَى مَا سواهُ على مَا سبق، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة بِمَنْزِلَة سَبْعَة، فنفى الحكم عَمَّا عدا سَبْعَة كنفي الزَّكَاة عَمَّا عدا الْغنم فِي قَوْلنَا: فِي الْغنم زَكَاة، وَلَيْسَ فِي هَذَا شَيْء من الْإِخْرَاج، وَلذَا قَالَ (الْمُقْتَضى أَن لَا إِخْرَاج أصلا) صفة لمَفْهُوم اللقب (وَجهه) أَي وَجه مَا قُلْنَا من أَن قَوْله بِإِزَاءِ سَبْعَة بِاعْتِبَار الْحَاصِل (أَن
الحكم لَيْسَ إِلَّا على السَّبْعَة فَأَما باعتبارها) أَي بِاعْتِبَار كَون السَّبْعَة (مدلولا مجازيا للتركيب) فَإِن الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ لَهُ الْعشْرَة المخرجة مِنْهَا الثَّلَاثَة كَمَا هُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور (أَو) بِاعْتِبَار كَون السَّبْعَة (مَا) أَي شَيْئا (يصدق على السَّبْعَة، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ حَاصِل التَّرْكِيب حَاصِل السَّبْعَة فَلَا يخرج القَاضِي على المذهبين (هَذَا) أَي خُذ هَذَا، أَو الشَّأْن هَذَا (وَبَعض الْحَنَفِيَّة قَالُوا إِخْرَاج الِاسْتِثْنَاء عِنْد الشَّافِعِي بطرِيق الْمُعَارضَة) لِأَنَّهُ أثبت للمستثنى حكم مُخَالف لصدر الْكَلَام كَمَا فِي الْعَام إِذا خص مِنْهُ بعضه من حَيْثُ أَنه يثبت لذَلِك الْبَعْض حكم مُخَالف لحكمه، فتحقق الْمُعَارضَة بَين الْحكمَيْنِ (وَعِنْدنَا بَيَان مَحْض) لكَون الحكم الْمَذْكُور فِي الصَّدْر واردا على الْبَعْض، وَهُوَ مَا عدا الْمُسْتَثْنى (ثمَّ أبطلوه) أَي الْحَنَفِيَّة المذكورون مَا قَالَه الشَّافِعِي رحمه الله (بِأَنَّهُ لَو كَانَ) إِخْرَاجه بطرِيق الْمُعَارضَة (وَهُوَ) أَي وَالْحَال أَن الْإِقْرَار الْمَذْكُور (لَا يُوجب) حكمه (إِلَّا فِي سَبْعَة ثَبت مَا لَيْسَ من محتملات اللَّفْظ، فَإِن الْعشْرَة لَا يَقع عَلَيْهَا) أَي السَّبْعَة فَقَط (حَقِيقَة) وَهُوَ ظَاهر (وَلَا مجَازًا) وَلَا نِسْبَة بَينهَا وَبَين الْعشْرَة سوى العددية، وَهِي عَامَّة لَا تصلح للتجوز، وَشرط التَّجَوُّز بِالْكُلِّيَّةِ والجزئية كَون الْجُزْء مُخْتَصًّا بِالْكُلِّ كاختصاص الرَّقَبَة بالإنسان (بِخِلَاف الْعَام) الْمَخْصُوص (إِذْ لَا يستلزمه) أَي ثُبُوت مَا لَيْسَ من محتملات اللَّفْظ، لِأَنَّهُ لَا يُقَال فِي الْعَام لَا يُطلق على بعض أَفْرَاده لَا حَقِيقَة وَلَا مجَازًا لوُجُود العلاقة المصححة للتجوز (وَلَو سلم) جَوَاز التَّجَوُّز بِالْعشرَةِ عَن السَّبْعَة كَمَا يشْعر قَوْلهم عشرَة كَامِلَة رفعا لتوهم الْمجَاز (فالمجاز مَرْجُوح) لكَونه خلاف الأَصْل (فَلَا يحمل عَلَيْهِ) مَعَ إِمْكَان الْحَقِيقَة بِأَن يُرَاد الْعشْرَة، ثمَّ يخرج مِنْهَا الْبَعْض (كَذَا نَقله) أَي هَذَا الْإِبْطَال (مُتَأَخّر) يَعْنِي صدر الشَّرِيعَة (من الْحَنَفِيَّة، وَأَنه) أَي وأبطلوه بِأَنَّهُ: أَي قَول الشَّافِعِي رحمه الله مَبْنِيّ (على) قَول (الْقَائِل) بِأَن قَوْله (عشرَة) فِي الْإِقْرَار الْمَذْكُور (مُسْتَعْمل (فِي سَبْعَة) وَالْحكم عَلَيْهَا فَقَط من غير أَن يحكم على الثَّلَاثَة بِنَفْي وَلَا إِثْبَات (فَتكون الثَّلَاثَة مسكوتة) وَهَذَا يُنَافِي مَا سبق من أَن إِخْرَاج الِاسْتِثْنَاء عِنْد الشَّافِعِي رحمه الله بطرِيق الْمُعَارضَة (وَكَأن هَذَا مِنْهُ) أَي من الْمُبْطل (إِلْزَام) للشَّافِعِيّ (وَإِلَّا فالشافعي) رحمه الله (لَا يَجْعَلهَا) أَي الثَّلَاثَة (مسكوتة) بل يَجْعَل لَهَا ضد حكم الصَّدْر لما عرفت (وَغَيره) أَي غير هَذَا الْمُتَأَخر (مِنْهُم) أَي الْحَنَفِيَّة كصاحب التَّحْقِيق، وَصَاحب الْمنَار وشارحيه، والبديع (نَقله) أَي الْإِبْطَال (بِالْآيَةِ هَكَذَا: لَو كَانَ) عمل الِاسْتِثْنَاء بِنَاء (على الْمُعَارضَة ثَبت فِي قَوْله تَعَالَى) - (فَلبث فيهم
(ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما)} - حكم الْألف بجملتها) قَوْله ألف فَاعل ثَبت (ثمَّ عَارضه) أَي الِاسْتِثْنَاء حكم االألف (فِي الْخمسين) إِلَّا خمسين (فَيلْزم كذب الْخَبَر فِي أَحدهمَا، وَهَذَا) التَّوْجِيه (هُوَ الْأَلْيَق بِمَعْنى الْمُعَارضَة) وَهُوَ الْمُنَافَاة المستلزم كذب أحد المتنافيين (وَإِلَّا فَالْحكم على سَبْعَة) فِي عَليّ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة (و) على (تِسْعمائَة وَخمسين) فِي الْآيَة (بالإثبات لَا يُعَارضهُ) أَي الحكم الْمَذْكُور (نَفْيه) أَي الحكم (عَن ثَلَاثَة وَخمسين) لعدم توارد الْإِثْبَات وَالنَّفْي على مَحل وَاحِد (وَبَنوهُ) أَي الْحَنَفِيَّة كَون إِلَّا ثَلَاثَة وَإِلَّا خمسين نفيا على الثَّلَاثَة والخمسة (على أَن الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي إِثْبَات وَقَلبه) أَي وعَلى أَن الِاسْتِثْنَاء من الْإِثْبَات نفي (مَنْقُولًا عَن أهل اللُّغَة، وعَلى أَن التَّوْحِيد) وَهُوَ الْإِقْرَار بِوُجُود الْبَارِي ووحدته (فِي كَلمته) أَي التَّوْحِيد وَهِي: لَا إِلَه إِلَّا الله إِنَّمَا يحصل (بِالنَّفْيِ) للألوهية عَمَّا سوى الله (وَالْإِثْبَات) أَي إِثْبَاتهَا لله وَحده (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن فِي هَذِه الْكَلِمَة مَجْمُوع النَّفْي وَالْإِثْبَات (كَانَت) كلمة التَّوْحِيد (مُجَرّد نفي الألوهية عَن غَيره) أَي عَن غير الله تَعَالَى، فَلَا يحصل بِهِ التَّوْحِيد على مَا عرفت (فالتزمته) أَي أَنَّهَا لَا تفِيد إِلَّا نفي الألوهية عَن غَيره تَعَالَى (الطَّائِفَة الْقَائِلُونَ مِنْهُم) أَي الْحَنَفِيَّة (مَا بعد إِلَّا مسكوت) عَن مَحْكُوم عَلَيْهِ بِحكم (وَإِن التَّوْحِيد) الْمركب من النَّفْي وَالْإِثْبَات يحصل (من النَّفْي القولي) الْمَدْلُول عَلَيْهِ بِلَا إِلَه إِلَّا الله (وَالْإِثْبَات العلمي لأَنهم) أَي الْكفَّار (لم ينكروا ألوهيته تَعَالَى) كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى - {وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض} - الْآيَة ونظائره (بل أشركوا، فبالنفي عَن غَيره ينتفى) الشّرك (وَيحصل التَّوْحِيد فَلَا تكون) كلمة التَّوْحِيد (من الدهري إِيَّاه) أَي توحيده، لإنكاره وجود الْبَارِي تَعَالَى سَوَاء كَانَ قَائِلا بصانع هُوَ الدَّهْر والأفلاك، أَو الأنجم، أَو الْفُصُول الْأَرْبَعَة أَو غير ذَلِك أَولا (وَالْجُمْهُور وَمِنْهُم طَائِفَة من الْحَنَفِيَّة) كفخر الْإِسْلَام وَمن وَافقه ذَهَبُوا إِلَى الحكم (فِيمَا بعد إِلَّا بالنقيض) يَعْنِي أَنه لَا يدل على أَن مَا بعْدهَا لم يثبت لَهُ مَا ثَبت لما قبلهَا، وَيلْزم مِنْهُ أَن يثبت لَهُ نقيض مَا ثَبت لذَلِك: وَإِلَّا يلْزم ارْتِفَاع النقيضين، وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى وَالْجُمْهُور إِلَى آخِره حكم فِيمَا بعد إِلَّا بالنقيض بِمُوجب اللُّغَة (وَهُوَ) مَا ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور (الْأَوْجه، لنقل الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي إِثْبَات إِلَى آخِره) أَي إِثْبَات وَقَلبه عَن أهل اللُّغَة (وَلَا يسْتَلْزم) هَذَا (كَون الْإِخْرَاج بطرِيق الْمُعَارضَة لعدم اتِّحَاد مَحل النَّفْي وَالْإِثْبَات كَمَا ذكرنَا آنِفا) من أَن الحكم على سَبْعَة وعَلى تِسْعمائَة وَخمسين بالإثبات وَلَا يُعَارضهُ نَفْيه عَن ثَلَاثَة وَعَن خمسين (وَنقل أَنه) أَي الِاسْتِثْنَاء (تكلم بِالْبَاقِي بعد الثنيا) بِالضَّمِّ وَالْقصر اسْم من الِاسْتِثْنَاء من أهل اللُّغَة أَيْضا (لَا يُنَافِيهِ) أَي كَونه من الْإِثْبَات نفيا وَقَلبه (فَجَاز اجْتِمَاعهمَا) أَي النقلين (فَيصدق أَنه تكلم بِالْبَاقِي بعد الثنيا بِاعْتِبَار الْحَاصِل من
مَجْمُوع التَّرْكِيب، وَنفي وَإِثْبَات بِاعْتِبَار الْأَجْزَاء) يَعْنِي إِذا فصلنا أَجزَاء الْكَلَام وجدنَا نفيا وإثباتا، وَإِذا نَظرنَا إِلَى محصله ومآله وجدنَا تكلما بِالْبَاقِي فَإِن قلت الْمَفْهُوم من أَنه تكلم بِالْبَاقِي إِلَى آخِره الِاقْتِصَار على حكم الصَّدْر وَتَعْيِين مَحَله، وَهُوَ الْبَاقِي بعد إِخْرَاج مَا بعد إِلَّا من غير تعرض لحكم مَا بعْدهَا فَكيف لَا يُنَافِيهِ قلت الظَّاهِر من الْعبارَة مَا ذكرت لَكِن التَّوْفِيق بَين النقلين يقتضى صرفه عَن الظَّاهِر، وَحمله على عدم دُخُول الثَّلَاثَة مثلا فِي الحكم الْمُثبت على عشرَة فالقائل لَهُ عَليّ عشرَة كَأَنَّهُ لم يتَكَلَّم إِلَّا بسبعة، وَذَلِكَ قَوْله إِلَّا ثَلَاثَة، وَلَيْسَ المُرَاد أَنه لم يتَكَلَّم إِلَّا بهَا حَقِيقَة حَتَّى يلْزم انْتِفَاء الحكم فِيمَا بعد إِلَّا كَمَا سيشير إِلَيْهِ (وَنَحْو لَا صَلَاة إِلَّا بِطهُور يُفِيد ثُبُوتهَا) أَي صِحَة الصَّلَاة (مَعَ الظُّهُور فِي الْجُمْلَة) جَوَاب عَمَّا قيل فِي إِثْبَات كَون مَا بعد إِلَّا فِي حكم الْمَسْكُوت عَنهُ، وَأَنه لَو لم يكن كَذَلِك يلْزم صِحَة الصَّلَاة بالطهور وَلَيْسَ كَذَلِك لاشتراطها بِشُرُوط أخر وَحَاصِل الْجَواب أَن اللَّازِم من اعْتِبَار الحكم فِيمَا بعد إِلَّا هَهُنَا الْإِيجَاب الجزئي لَا الْإِيجَاب الْكُلِّي، وَلَا شكّ أَن الصَّلَاة الجامعة لبَقيَّة الشُّرُوط تصح بِطهُور فَصحت الْمُوجبَة فِي الْجُمْلَة (وغايته) أَي غَايَة مَا يلْزم من كَلَام من قَالَ أَن الِاسْتِثْنَاء تكلم بِالْبَاقِي بعد الثنيا أَن الِاسْتِثْنَاء بِاعْتِبَار صدر الْكَلَام (تكلم بعام مَخْصُوص) بِمَا عدا الْمُسْتَثْنى إِذا كَانَ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ عَاما، وَهَذَا لَا يُنَافِي التَّكَلُّم بِمَا خرج عَنهُ من أَفْرَاده ثَانِيًا مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِحكم مُخَالف للْأولِ، هَذَا وَالشَّارِح حمله على الِاسْتِثْنَاء الْمَذْكُور فِي لَا صَلَاة إِلَى آخِره وتكلف فِي تَحْصِيل عُمُومه بِكَوْنِهِ نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي، وَأَن هَذَا الْمُقْتَضى للْعُمُوم مُنْتَفٍ فِي الْإِثْبَات، وَلم يتَعَرَّض لبَيَان الْخُصُوص، ثمَّ أَفَادَ أَن الْمَعْنى لَا جَوَاز للصَّلَاة فِي حَال من الْأَحْوَال إِلَّا فِي حَال من الاقتران بالطهور، فَإِن لَهَا فِي هَذِه الْحَال جَوَازًا فِي الْجُمْلَة على مَا عرفت (غير أَن قَول الطَّائِفَة الثَّانِيَة) الحكم (الثَّانِي) وَهُوَ الَّذِي بعد الْإِشَارَة، فَقَوْل الثَّانِي (إِشَارَة) خبر أَن (وَهُوَ) أَي الحكم الإشاري (مَنْطُوق) فِي الْكَلَام (غير مَقْصُود بِالسوقِ على مَا مر) فِي التَّقْسِيم الأول (وَقَول الْهِدَايَة) وَهُوَ (فِيمَا أَنْت إِلَّا حر يعْتق لِأَن الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي إِثْبَات على وَجه التَّأْكِيد كَمَا فِي كلمة الشَّهَادَة ظَاهر فِي الْعبارَة) فِي شرح الْهِدَايَة: هَذَا هُوَ الْحق الْمَفْهُوم من تركيب الِاسْتِثْنَاء لُغَة، ثمَّ قَالَ: وَأما كَونه إِثْبَاتًا مؤكدا فلوروده بعد النَّفْي بِخِلَاف الْإِثْبَات الْمُجَرّد انْتهى، كَأَنَّهُ يُرِيد أَن الْإِثْبَات بعد النَّفْي يسْتَلْزم تكْرَار الأَصْل النِّسْبَة أَو يُنبئ عَن زِيَادَة تَحْقِيق فِي الْمحل، وَأما كَونه ظَاهرا فِي الْعبارَة، فَلِأَن الْمَعْنى الَّذِي لم يكن سوق الْكَلَام لَهُ لَا يُؤَكد وَالله أعلم (وَالْأَوْجه أَنه مَنْطُوق إِشَارَة تَارَة وَعبارَة) تَارَة (أُخْرَى بِأَن يقْصد) بِالسوقِ كَمَا هُوَ حَال سَائِر المنطوقات وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّه مَنْطُوق (لما ذكرنَا) مِمَّا يدل على منطوقيته (وَلِأَن النَّفْي عَمَّا بعد إِلَّا يفهم
من اللَّفْظ) وَلَا يَعْنِي بالمنطوقية إِلَّا هَذَا وَالْمرَاد بِالنَّفْيِ خلاف حكم مَا قبلهَا (وَأما الِاتِّفَاق على أَن إِلَّا لمُخَالفَة مَا بعْدهَا لما قبلهَا وضعا فَلَا يُفِيد) الْمَقْصُود (لصدق الْمُخَالفَة) بَين مَا بعْدهَا وَمَا قبلهَا (بِعَدَمِ الحكم عَلَيْهِ) أَي على مَا بعد إِلَّا (فَلَا يسْتَلْزم الحكم) على مَا بعد إِلَّا (بنقيضه) أَي بنقيض حكم مَا قبلهَا شَيْء (إِلَّا فهمه) أَي فهم الحكم بنقيضه من اللَّفْظ (كَمَا سَمِعت) إِذْ فهم الْمَعْنى من اللَّفْظ دَلِيل إفادته إِيَّاه (ثمَّ قد يقصدان) أَي الْإِثْبَات وَالنَّفْي (ككلمة التَّوْحِيد) أَي كَمَا قصدا فِي كلمة التَّوْحِيد (والمفرغ) أَي وكما قصدا فِي الِاسْتِثْنَاء المفرغ كَمَا جَاءَ إِلَّا زيد وَفِي نَحْو مَا جَاءَ الْقَوْم إِلَّا زيدا للْقطع بِأَن سياقها لإِثْبَات الألوهية، ومجيء زيد بِالْمَنْعِ وَجه (فعبارة) أَي فَالْحكم بعد إِلَّا فِيهَا عبارَة (أَو) يقْصد (غير الثَّانِي) وَهُوَ الحكم على مَا قبلهَا لَا غير (كعلي عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة لفهم أَن الْغَرَض السَّبْعَة) أَي الْإِقْرَار بهَا وَلم يقْصد أَن الثَّلَاثَة لَيست عَليّ وَإِن كَانَ يلْزم ضمنا (فإشارة) أَي فَالْحكم على مَا بعد الْأَخير إِشَارَة (وَلما بعد أَن يَقُول بِحَقِيقَة الْمُعَارضَة) فِي الِاسْتِثْنَاء الْوَاقِع فِي الْكتاب وَالسّنة (مُسلم لِأَنَّهَا) أَي الْمُعَارضَة تكون (بِثُبُوت الْحكمَيْنِ) المتناقضين (وَهُوَ) أَي ثبوتهما (التَّنَاقُض صرح الْمُحَقِّقُونَ) جَوَاب لما (بِنَفْي الْخلاف الْمَذْكُور) وَهُوَ أَن الْإِخْرَاج فِي الِاسْتِثْنَاء بطرِيق الْمُعَارضَة أَولا (وباتفاق أهل الدّيانَة أَنه) أَي الِاسْتِثْنَاء (بَيَان مَحْض كَسَائِر التخصيصات، وَإِنَّمَا هُوَ) أَي الِاسْتِثْنَاء (صورتهَا) أَي الْمُعَارضَة (نظرا إِلَى ظَاهر إِسْنَاد الصَّدْر) مَعَ مَا يُخَالِفهُ فِيمَا بعد إِلَّا (وَلَا يخْتَلف فِيهِ) أَي فِيمَا ذكر من أَنه بَيَان مَحْض، وَلَيْسَ الْمُعَارضَة إِلَّا بِحَسب الصُّورَة (كالتخصيص بِغَيْرِهِ) أَي كَمَا لَا يخْتَلف فِي التَّخْصِيص بِغَيْر الِاسْتِثْنَاء.
(تَنْبِيه: جَوَاز) بيع (مَا لَا يدْخل تَحت الْكَيْل) من المكيلات (قلَّة) بِأَن يكون مَا دون نصف صَاع على مَا قَالُوا (بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا عِنْد الْحَنَفِيَّة، لَا الشَّافِعِيَّة مَعَ قَوْله صلى الله عليه وسلم " لَا تَبِيعُوا الطَّعَام بِالطَّعَامِ إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء، قيل) قَالَه فَخر الْإِسْلَام وَمن وَافقه (للمعارضة عِنْده) أَي الشَّافِعِي (فَمَعْنَى الِاسْتِثْنَاء لكم بيع طَعَام) بِطَعَام (مسَاوٍ، فَمَا سواهُ) أَي مَا سوى الْمسَاوِي مِنْهُ قَلِيلا أَو كثيرا. (منع) أَي مَمْنُوع (بالصدر) أَي لَا تَبِيعُوا الطَّعَام بِالطَّعَامِ، لِأَن الِاسْتِثْنَاء إِخْرَاج الْمكيل الْمسَاوِي خَاصَّة من عُمُوم الطَّعَام ضَرُورَة ثُبُوت الْمُعَارضَة فِيهِ، إِذْ المُرَاد التَّسَاوِي فِي الْكَيْل فنفى غير الْمكيل مُتَحَقق بِلَا مُعَارضَة، فَيحرم بيع حفْنَة من الْبر بحفنتين مِنْهُ مثلا (و) قَالَ (الْحَنَفِيَّة لَا حكم) مُتَحَقق (فِي الثَّانِي) أَي الْمُسْتَثْنى (وَهُوَ اسْتثِْنَاء حَال الْمُسَاوَاة من) الْأَحْوَال (الثَّلَاثَة) أَي (المجازفة وأخويها) المفاضلة والمساواة بِنَاء على أَنه تكلم بِالْبَاقِي: فَكَأَنَّهُ نهى عَن المجازفة والمفاضلة فَقَط (وَالْكل) أَي المجازفة وأخواها (يسْتَند إِلَى الْكَيْل) لِأَن الْمُسْتَثْنى مِنْهُ