الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَاعْتَذر) المتوعد عَن ضربه (بمخالفته) أَي بمخالفة العَبْد إِيَّاه فِي أمره فِي حَضرته وَلم يرد مِنْهُ الْفِعْل، بل عَدمه ليثبت عذره فيتخلص العَبْد من وعيده (وألزم تَعْرِيفه) أَي الْأَمر (بِالطَّلَبِ النَّفْسِيّ مثله) أَي مثل الْإِيرَاد الْمَذْكُور: أَي كَمَا يرد على تَعْرِيف الْأَمر بِإِرَادَة الْفِعْل أَنه غير جَامع إِلَى آخِره كَذَلِك يرد على تَعْرِيفه بِأَنَّهُ طلب النَّفْسِيّ الْفِعْل لثُبُوت الْأَمر وَلَا طلب كَمَا فِي الْمِثَال الْمَذْكُور بِعَيْنِه، إِذْ الْعَاقِل لَا يطْلب هَلَاك نَفسه كَمَا يُريدهُ (وَدفعه) على مَا فِي الشَّرْح العضدي (بتجويز طلبه) أَي طلب الْعَاقِل الْهَلَاك لغَرَض (إِذا علم عدم وُقُوعه) أَي الْهَلَاك (إِنَّمَا يَصح فِي اللَّفْظِيّ: أما النَّفْسِيّ فكالإرادة) أَي فالطب النَّفْسِيّ كالإرادة النفسية (لَا يَطْلُبهُ أَي سَبَب هَلَاكه بِقَلْبِه كَمَا لَا يُريدهُ، وَمَا قيل) على مَا ذكره الْآمِدِيّ، وَاسْتَحْسنهُ ابْن الْحَاجِب (لَو كَانَ) الْأَمر (إِرَادَة لوقعت المأمورات) أَي الَّتِي أمرهَا (بِمُجَرَّدِهِ) أَي الْأَمر (لِأَنَّهَا) أَي الْإِرَادَة (صفة تخصص الْمَقْدُور بِوَقْت وجوده) أَي الْمَقْدُور (فوجدوها) أَي الْإِرَادَة (فرع) وجود مَقْدُور (مُخَصص) وَالثَّانِي بَاطِل لِأَن إِيمَان الْكفَّار الْمَعْلُوم عَدمه عِنْد الله لَا شكّ أَنه مَأْمُور بِهِ، فَيلْزم أَن يكون مرَادا، وَهُوَ يسْتَلْزم وجوده مَعَ أَنه محَال (لَا يلْزمهُم) أَي الْمُعْتَزلَة خبر مَا قيل (لِأَنَّهَا) أَي الْإِرَادَة (عِنْدهم) أَي الْمُعْتَزلَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعباد (ميل يتبع اعْتِقَاد النَّفْع أَو دفع الضَّرَر) فِي الْفِعْل (وبالنسبة إِلَيْهِ سبحانه وتعالى الْعلم بِمَا فِي الْفِعْل من الْمصلحَة) وَهَذَا تَحْقِيق مَذْهَبهم فِي الإفادة.
مسئلة
(صِيغَة الْأَمر خَاص) أَي حَقِيقَة على الْخُصُوص (فِي الْوُجُوب) فَقَط (عِنْد الْجُمْهُور) وَصَححهُ ابْن الْحَاجِب والبيضاوي، وَقَالَ الإِمَام الرَّازِيّ هُوَ الْحق، الْآمِدِيّ وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ أَنه مَذْهَب الشَّافِعِي رحمه الله، وَقيل هُوَ الَّذِي أملاه الْأَشْعَرِيّ على أَصْحَابه فَقَالَ (أَبُو هَاشم) فِي جمَاعَة من الْفُقَهَاء مِنْهُم الشَّافِعِي رحمه الله على قَول، وَعَامة الْمُعْتَزلَة قَالُوا حَقِيقَة (فِي النّدب) فَقَط (وَتوقف الْأَشْعَرِيّ وَالْقَاضِي فِي أَنه) مَوْضُوع (لأيهما) أَي الْوُجُوب وَالنَّدْب (وَقيل) توقفا فِيهِ (بِمَعْنى لَا يدْرِي مَفْهُومه) أصلا، قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ وَهُوَ الْمُوَافق لكَلَام الْآمِدِيّ (وَقيل مُشْتَرك) لَفْظِي (بَينهمَا) أَي الْوُجُوب وَالنَّدْب، وَهُوَ مَنْقُول عَن الشَّافِعِي (وَقيل) مُشْتَرك لَفْظِي بَين الْوُجُوب وَالنَّدْب (وَالْإِبَاحَة، وَقيل) مَوْضُوع (للمشترك بَين الْأَوَّلين) أَي الْوُجُوب، وَالنَّدْب وَهُوَ الطّلب: أَي تَرْجِيح الْفِعْل على التّرْك: وَهُوَ مَنْقُول عَن أبي مَنْصُور الماتريدي وعزى إِلَى مَشَايِخ سَمَرْقَنْد (وَقيل) مَوْضُوع (لما) أَي للقدر الْمُشْتَرك (بَين الثَّلَاثَة من الْأذن) وَهُوَ رفع الْحَرج
عَن الْفِعْل بَيَان للموصول، قيل وَهُوَ مَذْهَب المرتضى من الشِّيعَة، وَقَالَ (الشِّيعَة مُشْتَرك) لَفْظِي (بَين الثَّلَاثَة) أَي الْوُجُوب وَالنَّدْب وَالْإِبَاحَة (والتهديد) وَقيل غير ذَلِك (لنا) على الْمُخْتَار وَهُوَ أَنه حَقِيقَة فِي الْوُجُوب أَنه (تكَرر اسْتِدْلَال السّلف بهَا) أَي بِصِيغَة الْأَمر مُجَرّدَة عَن الْقَرَائِن (على الْوُجُوب) اسْتِدْلَالا (شَائِعا بِلَا نَكِير فَأوجب الْعلم العادي باتفاقهم) على أَنَّهَا لَهُ (كالقول) أَي كإجماعهم القَوْل: يَعْنِي أَن عدم نكيرهم مَعَ شيوع الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور يدل على إِجْمَاعهم على ذَلِك كَمَا يدل تصريحهم بذلك قولا (وَاعْترض بِأَنَّهُ) أَي استدلالهم على الْوُجُوب إِنَّمَا (كَانَ بأوامر مُحَققَة بقرائن الْوُجُوب) يَعْنِي أَن إِرَادَة الْوُجُوب بِتِلْكَ الْأَوَامِر لم يكن بطرِيق الْحَقِيقَة، بل بالمجاز بقرائن تدل على خُصُوص الْوُجُوب (بِدَلِيل استدلالهم بِكَثِير مِنْهَا) أَي من صِيغ الْأَمر (على النّدب قُلْنَا تِلْكَ) الصِّيَغ أُرِيد بهَا النّدب (بقرائن) صارفة عَن الْحَقِيقَة وَهُوَ الْوُجُوب مُعينَة للنَّدْب، علم ذَلِك (باستقراء الْوَاقِع مِنْهُمَا) أَي من الصِّيَغ الْمَنْسُوب إِلَيْهَا الْوُجُوب، والصيغ الْمَنْسُوب إِلَيْهَا النّدب فِي الْكتاب وَالسّنة وَالْعرْف: يَعْنِي علمنَا بالتتبع أَن فهم الْوُجُوب لَا يحْتَاج إِلَى الْقَرِينَة لتبادره إِلَى الذِّهْن بِخِلَاف النّدب فَإِنَّهُ يحْتَاج (قَالُوا) فِي الرَّد على الْمُخْتَار مَا يفِيدهُ هَذَا الدَّلِيل (ظن فِي الْأُصُول لِأَنَّهُ) أَي الْإِجْمَاع الْمَذْكُور (سكوتي) اخْتلف فِي حجيته، وَمثله يكون ظنيا (وَلما قُلْنَا من الِاحْتِمَال) أَي احْتِمَال كَون فهم الْوُجُوب بقرائن وَالظَّن لَا يَكْفِي، لِأَن الْمَطْلُوب فِيهَا الْعلم (قُلْنَا لَو سلم) أَنه ظَنِّي (كفى) فِي الْأُصُول (وَإِلَّا تعذر الْعَمَل بِأَكْثَرَ الظَّوَاهِر) لِأَنَّهَا لَا تفِيد إِلَّا الظَّن، وَالْقطع لَا سَبِيل إِلَيْهِ كَمَا لَا يخفى على المتتبع لمسائل الْأُصُول (لَكنا نمنعه) أَي كَون المفاد بِالدَّلِيلِ الْمَذْكُور الظَّن (لذَلِك الْعلم) أَي لحُصُول الْعلم العادي باتفاقهم على أَنَّهَا للْوُجُوب بِسَبَب تكْرَار الِاسْتِدْلَال وَعدم النكير وَحُصُول الْعلم بِسَبَب الدَّلِيل يدل على كَون مفاده الْعلم إِلَّا الظَّن (ولقطعنا بتبادر الْوُجُوب من) الْأَوَامِر (الْمُجَرَّدَة) عَن الْقَرَائِن الصارفة عَنهُ (فَأوجب) الْقطع بتبادره (الْقطع بِهِ) أَي الْوُجُوب (من اللُّغَة، وَأَيْضًا) قَوْله تَعَالَى لإبليس - {مَا مَنعك أَن لَا تسْجد} - (إِذْ أَمرتك، يَعْنِي) قلت لَك فِي ضمن خطابي الْمَلَائِكَة {اسجدوا لآدَم} الْمُجَرّد) عَن الْقَرَائِن صفة للفظ اسجدوا، دلّ على أَن مَدْلُول الْأَمر الْمُجَرّد عَن الْقَرِينَة الصارفة للْوُجُوب، وَإِنَّمَا لزمَه اللوم المستعقب للطرد لَا مَكَان حمله على النّدب الَّذِي لَا حرج فِي تَركه، وَالْقَوْل بِأَن الْوُجُوب لَعَلَّه فهم من قرينَة حَالية أَو مقالية لم يحكها الْقُرْآن أَو من خُصُوصِيَّة تِلْكَ اللُّغَة الَّتِي وَقع الْأَمر بهَا احْتِمَال غير قَادِح فِي الظُّهُور، وَقَوله تَعَالَى {وَإِذا قيل لَهُم ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} يدل على ذَلِك لِأَنَّهُ تَعَالَى (ذمهم على مُخَالفَة ارْكَعُوا) الْمُجَرّد، وَلَوْلَا أَن حَقِيقَته الْوُجُوب لما ترَتّب عَلَيْهَا الذَّم (وَأما) الِاسْتِدْلَال على الْوُجُوب كَمَا ذكره
ابْن الْحَاجِب وَغَيره بِمَا اشْتهر على أَلْسِنَة الْعلمَاء وَهُوَ (تَارِك الْأَمر عَاص) مَأْخُوذ من قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن خطاب مُوسَى لهارون عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام - {أفعصيت أَمْرِي} - بِتَرْكِهِ مُقْتَضَاهُ (وَهُوَ) أَي العَاصِي مُطلقًا (متوعد) لقَوْله تَعَالَى - {وَمن يعْص الله وَرَسُوله فَإِن لَهُ نَار جَهَنَّم} - (فنمنع كَونه) أَي العَاصِي (تَارِك) الْأَمر (الْمُجَرّد) عَن الْقَرَائِن الْمُجَرَّدَة للْوُجُوب (بل) العَاصِي (تَارِك مَا) هُوَ مقرون من الْأَوَامِر (بِقَرِينَة الْوُجُوب) وَإِضَافَة أَمْرِي عهدية أُشير بهَا إِلَى أَمر كَذَا (فَإِذا اسْتدلَّ) لعصيان تَارِك الْأَمر الْمُجَرّد (بأفعصيت أَمْرِي: أَي اخلفني) تفسر لقَوْله أَمْرِي إِشَارَة إِلَى قَوْله تَعَالَى - {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُون اخلفني فِي قومِي} - (منعنَا تجرده) أَي تجرد هَذَا الْأَمر عَن الْقَرِينَة المفيدة للْوُجُوب، فَإِن فِي السِّيَاق مَا يُفِيد ذَلِك (فَأَما) الِاسْتِدْلَال بقوله تَعَالَى {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره} أَي يعرضون عَنهُ بترك مُقْتَضَاهُ - {أَن تصيبهم فتْنَة} - أَي محنة الدُّنْيَا - {أَو يصيبهم عَذَاب أَلِيم} - لِأَنَّهُ رتب على ترك مُقْتَضى أمره أحد العذابين (فَصَحِيح، لِأَن عُمُومه) أَي عُمُوم أمره (بِإِضَافَة الْجِنْس الْمُقْتَضى كَون لفظ أَمر لما يُفِيد الْوُجُوب خَاصَّة يُوجِبهُ للمجردة) يَعْنِي أَن لفظ أمره عَام لكَون إِضَافَته جنسية فَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْله الْأَمر بِاللَّامِ الاستغراقية، فَلَزِمَ ترَتّب الْوَعيد على مُخَالفَة كل فَرد من أَفْرَاد مَا وضع لَهُ لفظ أَمر من الصِّيَغ الْمَعْلُومَة كاسجد، واركع إِلَى غير ذَلِك، وَهَذَا الْعُمُوم يقتضى كَون لفظ أَمر مَوْضُوعا لما يُفِيد الْوُجُوب فَقَط، وَإِلَّا لم يَتَرَتَّب الْوَعيد على مُخَالفَة كل فَرد، إِذْ من الْجَائِز على تَقْدِير عدم لُزُوم موضوعية كل صِيغَة مِنْهَا للْوُجُوب وَقع مُخَالفَته لمقْتَضى صِيغَة مُجَرّدَة عَن الْقَرِينَة الْمعينَة للْوُجُوب، فالعموم الْمَذْكُور مُوجب لكَون الصِّيغَة الْمُجَرَّدَة عَن الْقَرَائِن للْوُجُوب: فَحِينَئِذٍ يَصح الْعُمُوم لكَون جَمِيع أَفْرَاده حِينَئِذٍ مَوْضُوعا للْوُجُوب وَالله أعلم. (والاستلال) للْوُجُوب أَيْضا (بِأَن الِاشْتِرَاك خلاف الأَصْل) لَا خلاله بالفهم (فَيكون) الْأَمر (لأحد الْأَرْبَعَة) الْوُجُوب، وَالنَّدْب، وَالْإِبَاحَة والتهديد حَقِيقَة. وَفِي الْبَاقِي مجَازًا، وَلم يذكر غير الْأَرْبَعَة للاتفاق على كَونه مجَازًا فِيمَا سواهَا (وَالْإِبَاحَة والتهديد بعيد للْقطع بفهم تَرْجِيح الْوُجُوب) يَعْنِي أَنا نقطع بِأَنَّهُ يفهم من صِيغَة الْأَمر أَن الْأَمر طَالب لوُجُوب الْفِعْل بِمَعْنى أَنه رَاجِح عِنْدهم وَعَن تَركه أَعم من أَن يكون مجوزا للترك أَو لَا، وَهَذَا الْفَهم لَا يحْتَاج إِلَى قرينَة لتبادره إِلَى الذِّهْن (وَانْتِفَاء النّدب) أَي كَونه حَقِيقَة أَيْضا ثَابت (للْفرق بَين) قَوْلنَا (اسْقِنِي وندبتك) إِلَى أَن تسقيني، وَلَو كَانَ لَهُ لم يكن بَينهمَا فرق (ضَعِيف لمنعهم) أَي النادبين (الْفرق) بَينهمَا (وَلَو سلم) الْفرق (فَيكون ندبتك نصا) فِي النّدب (واسقني) لَيْسَ بِنَصّ فِيهِ، بل (يحْتَمل الْوُجُوب) وَالنَّدْب (وَأَيْضًا لَا ينتهض) أَي لَا يقوم بِالدَّلِيلِ الْمَذْكُور حجَّة بِنَاء
(على) احْتِمَال الِاشْتِرَاك (الْمَعْنَوِيّ إِذْ نفى) الِاشْتِرَاك (اللَّفْظِيّ لَا يُوجب تَخْصِيص الْحَقِيقَة بأحدها) أَي الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة وَإِذا لم يُوجب تخصيصها بأحدها يبطل نَفْيه الدَّلِيل أَيْضا لِأَنَّهَا فرع ذَلِك الْإِيجَاب (وَلَو أَرَادَ) الْمُسْتَدلّ بالاشتراك (مُطلق الِاشْتِرَاك) أَي مَا يُطلق عَلَيْهِ لفظ الِاشْتِرَاك ليشْمل اللَّفْظِيّ والمعنوي (منعنَا كَون) الِاشْتِرَاك (الْمَعْنَوِيّ بِخِلَاف الأَصْل، وَلَو قَالَ) الْمُسْتَدلّ (الْمَعْنَوِيّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى معنوي أخص مِنْهُ خلاف الأَصْل: إِذْ الإفهام بِاللَّفْظِ) وَالْأَصْل فِيهِ الْخُصُوص لإفادته الْمَقْصُود من غير مُزَاحم، فَيكون الْأَمر مَوْضُوعا للْوُجُوب الْمُشْتَرك بَين أَفْرَاده مثلا أَدخل فِي الإفهام من كَونه لما يعم الْوُجُوب وَالنَّدْب إِلَى غير ذَلِك لقلَّة المزاحم (اتجه) جَوَاب لَو: يَعْنِي كَانَ كلَاما موجها، ثمَّ مثل للمعنوي الْأَعَمّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَخَص بقوله (كالمعنوي الَّذِي هُوَ الْمُشْتَرك بَين الْوُجُوب وَالنَّدْب) وَهُوَ الطّلب (بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعْنَوِيّ الَّذِي هُوَ وجوب فَإِنَّهُ) أَي الْمُشْتَرك بَينهمَا (جنس بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوُجُوب، إِذْ هُوَ) أَي الْوُجُوب (نوع) من الطّلب (فدار) معنى الْأَمر (بَين خُصُوص الْجِنْس وخصوص النَّوْع) وخصوص النَّوْع أولى لما فِيهِ من تقليل الِاشْتِرَاك وَاحْتج (النادب) بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنهُ صلى الله عليه وسلم (إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم) فَإِن رد الْأَمر إِلَى مشيئتنا عَلامَة أَن المُرَاد بِالْأَمر مَا يُفِيد النّدب (قُلْنَا) إفادته رد الْأَمر إِلَى مشيئتنا مَمْنُوع، بل هُوَ رد إِلَى استطاعتنا و (هُوَ دَلِيل الْوُجُوب) لِأَن السَّاقِط عَنَّا حِينَئِذٍ مَا لَا استطاعة لنا فِيهِ وَفِي الْمَنْدُوب المستطاع أَيْضا سَاقِط لَا حرج فِيهِ، وَاسْتدلَّ (الْقَائِل بِالطَّلَبِ) هُوَ الَّذِي يَقُول: حَقِيقَة الطّلب الْأَعَمّ من الْوُجُوب وَالنَّدْب فَإِنَّهُ (ثَبت رُجْحَان) جَانب (الْوُجُود) أَي وجود الْفِعْل على تَركه فِي قصد الْآمِر، وَهُوَ الْمَعْنى الْمُشْتَرك بَين الْوُجُوب وَالنَّدْب (وَلَا مُخَصص) لَهُ بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِه ليتعين كَونه مَطْلُوبا لَهُ دون الآخر (فَوَجَبَ كَونه) أَي الْوُجُوب (الْمَطْلُوب مُطلقًا) حَال إِمَّا عَن الضَّمِير أَو عَن الْخَبَر، ومآلهما وَاحِد، وَإِذا ثَبت كَون الْوُجُوب الْمُطلق مرَادا وَجب كَونه حَقِيقَة فِيهِ (دفعا للاشتراك) على تَقْدِير كَونه مَوْضُوعا لكل مِنْهُمَا (وَالْمجَاز) على تَقْدِير وَضعه لأَحَدهمَا فَقَط وَلَا يخفى عَلَيْك أَن أول الْكَلَام يدل على أَن وجوب كَونه الْمَطْلُوب مُطلقًا لثُبُوت رُجْحَان الْوُجُود مَعَ عدم الْمُخَصّص، وَآخره يدل على أَنه وجوب لدفع لُزُوم الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ وَالْمجَاز فبينهما تدافع، وَقد أَشَرنَا إِلَى جَوَابه وتوضيحه أَن قَوْله دفعا إِلَى آخِره تَعْلِيل لنفي احْتِمَال يفهم ضمنا، وَذَلِكَ لِأَن ثُبُوت رُجْحَان الْوُجُود كَمَا يجوز أَن يكون بِسَبَب وضع الْأَمر لمُطلق الطّلب كَذَلِك يجوز أَن يكون بِسَبَب اسْتِعْمَاله فِي كل من نَوْعي الطّلب على سَبِيل الِاشْتِرَاك، أَو الْحَقِيقَة وَالْمجَاز، ورجحان الْوُجُوب لَازم على الْوَجْهَيْنِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَجب كَون حَقِيقَته للطلب الْمُطلق لَا غير دفعا إِلَى آخِره