المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مَاء (فَإِنَّهُ) أَي حكم مَا ذكره وَهُوَ كَون الثَّانِي مؤكدا - تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه - جـ ١

[أمير باد شاه]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي انقسام الْمُفْرد بِاعْتِبَار ذَاته من حَيْثُ أَنه مُشْتَقّ أَولا

- ‌مَسْأَلَة

- ‌ مَسْأَلَة

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌التَّقْسِيم الثَّانِي

- ‌التَّقْسِيم الثَّالِث

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌التَّقْسِيم الثَّالِث

- ‌التَّقْسِيم الثَّانِي

- ‌الْبَحْث الثَّانِي

- ‌الْبَحْث الثَّالِث

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌ مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مسئلة

- ‌‌‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌الْبَحْث الرَّابِع

- ‌الْبَحْث الْخَامِس

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مسئلة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌ مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مَبْحَث الْأَمر

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌(صِيغَة الْأَمر لَا تحْتَمل التَّعَدُّد الْمَحْض)

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

الفصل: مَاء (فَإِنَّهُ) أَي حكم مَا ذكره وَهُوَ كَون الثَّانِي مؤكدا

مَاء (فَإِنَّهُ) أَي حكم مَا ذكره وَهُوَ كَون الثَّانِي مؤكدا للْأولِ فِي مثلهَا (اتِّفَاق) أما فِي الأولى فَلَمَّا ذكر، وَأما فِي الثَّانِيَة فَلِأَن دفع الْحَاجة بِمرَّة وَاحِدَة غَالِبا، وستظهر فَائِدَة مَا فِي الْقُيُود (قيل بِالْوَقْفِ) فِي كَونه تأسيسا أَو تَأْكِيدًا، وَهُوَ لأبي بكر الصَّيْرَفِي وَأبي الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ (وَقيل تَأْكِيد) وَهُوَ لبَعض الشَّافِعِيَّة والجبائي (وَقيل تأسيس) وَهُوَ للأكثرين (لِأَنَّهُ) أَي التأسيس (أفود، وَوضع الْكَلَام للإفادة وَلِأَنَّهُ الأَصْل: وَالْأول) وَهُوَ أَنه أفود وَوضع الْكَلَام للإفادة (يُغني عَن هَذَا) أَي لِأَنَّهُ الأَصْل (وَالْكل) أَي كل مِنْهُمَا (لَا يُقَاوم الأكثرية) للتكرير فِي التَّأْكِيد بِالنِّسْبَةِ إِلَى التأسيس معَارض بِمَا فِي التَّأْكِيد بِالنِّسْبَةِ إِلَى التأسيس وَالْحمل على الْمَعْنى الْأَغْلَب (ومعارض بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّة) أَي التأسيس معَارض بِمَا فِي التَّأْكِيد من الْمُوَافقَة للْأَصْل: وَهِي بَرَاءَة ذمَّة الْمُكَلف من تعلق التَّكْلِيف بهَا مرّة ثَانِيَة (بعد منع الإصالة) أَي أَن الأَصْل فِي الْكَلَام الإفادة (فِي التّكْرَار) إِنَّمَا ذَلِك فِي غير التّكْرَار بِشَهَادَة الْكَثْرَة (فيتزجح) التَّأْكِيد (وَإِذا منع كَون التأسيس أَكثر فِي مَحل النزاع) وَهُوَ تعاقب أَمريْن بمتماثلين فِي قَابل للتكرار لَا صَارف عَنهُ (سقط مَا قيل) أَي مَا قَالَه الْوَاقِف (تعَارض التَّرْجِيح) فِي التأسيس والتأكيد (فالوقف) لثُبُوت أرجحية التَّأْكِيد عَلَيْهِ لما عرفت (وَفِي الْعَطف كوصل رَكْعَتَيْنِ) بعد صل رَكْعَتَيْنِ (يعْمل بهما) أَي الْأَمريْنِ، لِأَن التَّأْكِيد بالْعَطْف لم يعْهَد أَو يقل، وَقيل يكون الثَّانِي عين الأول، وَالْأول هُوَ الْوَجْه (إِلَّا أَن ترجح التَّأْكِيد) فِي الْعَطف بمرجح (فبه) أَي فَيعْمل بالتأكيد (أَو) يُوجد (التعادل) بَين المرجحات من الْجَانِبَيْنِ (فبمقتضى خَارج) أَي فَالْعَمَل بِمُقْتَضى خَارج عَن المعادلين إِن وجد، وَإِلَّا فالوقف، قيل بترجيح التأسيس لما فِيهِ من الِاحْتِيَاط وَأجِيب بِأَن الِاحْتِيَاط قد يكون فِي الْحمل على التَّأْكِيد لاحْتِمَال الْحُرْمَة فِي الْمرة الثَّانِيَة: هَذَا فِي الْأَمريْنِ بمتماثلين، فَإِن كَانَا مُخْتَلفين عمل بهما اتِّفَاقًا، ثمَّ هَذَا كُله فِي المتعاقبين فَإِن تراخي أَحدهمَا عَن الآخر عمل بهما سَوَاء تماثلا أَو اخْتلفَا بعطف أَو بِغَيْر عطف.

‌مسئلة

(اخْتلف الْقَائِلُونَ بالنفسي) أَي بِالْأَمر النَّفْسِيّ، وَهُوَ الَّذِي حد فِيمَا سبق باقتضاء فعل غير كف على جِهَة الاستعلاء، وستظهر فَائِدَة تَقْيِيد الِاخْتِلَاف بهم (فاختيار الإِمَام وَالْغَزالِيّ وَابْن الْحَاجِب أَن الْأَمر بالشَّيْء فَوْرًا لَيْسَ نهيا عَن ضِدّه) أَي ضد ذَلِك الشَّيْء (وَلَا يَقْتَضِيهِ) أَي لَا يَقْتَضِي الْأَمر بالشَّيْء النَّهْي عَن ضِدّه (عقلا، والمنسوب إِلَى الْعَامَّة) أَي عَامَّة الْعلمَاء

ص: 362

وجماهيرهم (من الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة والمحدثين أَنه) أَي الْأَمر بالشَّيْء (نهى عَنهُ) أَي عَن ضد ذَلِك الشَّيْء (إِن كَانَ) الضِّدّ (وَاحِدًا) فَالْأَمْر بِالْإِيمَان نهى عَن الْكفْر (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن وَاحِدًا (فَعَن الْكل) أَي فَهُوَ نهى عَن كلهَا، فَالْأَمْر بِالْقيامِ نهى عَن الْقعُود، والاضطجاع، وَالسُّجُود وَغَيرهَا (وَقيل) نهى (عَن وَاحِد غير معِين) من أضداده (وَهُوَ بعيد) جدا (وَأَن النَّهْي) عَن الشَّيْء (أَمر بالضد المتحد) فِي الضدية، فالنهي عَن الْكفْر أَمر بِالْإِيمَان (وَإِلَّا) بِأَن كَانَ لَهُ أضداد (فَقيل) قَالَه بعض الْحَنَفِيَّة والمحدثين هُوَ أَمر (بِالْكُلِّ) أى بأضدادها كلهَا (وَفِيه بعد، والعامة) من الحنيفة وَالشَّافِعِيَّة والمحدثين هُوَ أَمر (بِوَاحِد غير معِين) من أضداده (وَالْقَاضِي) قَالَ (أَولا كَذَلِك) أَي الْأَمر بالشَّيْء نهى عَن ضِدّه، وَالنَّهْي عَن الشَّيْء أَمر بضده (وآخرا يتضمنان) أَي يتَضَمَّن الْأَمر بالشَّيْء النَّهْي عَن ضِدّه، ويتضمن النَّهْي عَن الشَّيْء الْأَمر بضده (وَمِنْهُم من اقْتصر على الْأَمر) أَي قَالَ الْأَمر بالشَّيْء نهى عَن ضِدّه، وَسكت عَن النَّهْي وَهُوَ معزو للأشعري ومتابعيه (وعمم) الْأَمر فِي أَنه نهى عَن الضِّدّ (فِي) الْأَمر (الإيجابي و) الْأَمر (الندبى، فهما نهيا تَحْرِيم وَكَرَاهَة فِي الضِّدّ) نشر على تَرْتِيب اللف (وَمِنْهُم من خص أَمر الْوُجُوب) بِكَوْنِهِ نهيا عَن الضِّدّ دون أَمر النّدب (وَاتفقَ الْمُعْتَزلَة لنفيهم) الْكَلَام (النَّفْسِيّ على نفي العينية فيهمَا) أَي على أَن الْأَمر بالشَّيْء لَيْسَ نهيا عَن ضِدّه وَلَا بِالْعَكْسِ لعدم إِمْكَان ذَلِك لفظا فيهمَا (وَاخْتلفُوا هَل يُوجب كل من الصيغتين) أَي صِيغَة الْأَمر وَالنَّهْي (حكما فِي الضِّدّ: فَأَبُو هَاشم وَأَتْبَاعه) قَالُوا (لَا) يُوجب شَيْئا مِنْهُمَا حكما فِيهِ (بل) الضِّدّ (مسكوت) عَنهُ (وَأَبُو الْحُسَيْن وَعبد الْجَبَّار) قَالَا الْأَمر (يُوجب حرمته) أَي الضِّدّ (وَعبارَة) طَائِفَة (أُخْرَى) الْأَمر (يدل عَلَيْهَا) أَي حُرْمَة ضِدّه (و) عبارَة طَائِفَة (أُخْرَى) الْأَمر (يقتضيها) أَي حُرْمَة ضِدّه: فَمن قَالَ يُوجب أَشَارَ إِلَى ثُبُوتهَا ضَرُورَة تحقق حكم الْأَمر كَالنِّكَاحِ أوجب الْحل فِي حق الزَّوْج بصيغته، وَالْحُرْمَة فِي حق الْغَيْر بِحكمِهِ دون صيغته، وَمن قَالَ يدل أَشَارَ إِلَى أَنَّهَا تثبت بطرِيق الدّلَالَة كالنهي عَن التأفيف يدل على حُرْمَة الضَّرْب، وَمن قَالَ يقتضى أَشَارَ إِلَى ثُبُوتهَا بِالضَّرُورَةِ المنسوبة إِلَى غير لفظ الْأَمر: كَذَا ذكره الشَّارِح. (وفخر الْإِسْلَام وَالْقَاضِي أَبُو زيد وشمس الْأَئِمَّة) السَّرخسِيّ رحمهم الله، وَصدر الْإِسْلَام (وأتباعهم) من الْمُتَأَخِّرين قَالُوا: الْأَمر (يَقْتَضِي كَرَاهَة الضِّدّ وَلَو كَانَ) الْأَمر (إِيجَابا، وَالنَّهْي) يَقْتَضِي (كَونه) أَي الضِّدّ (سنة مُؤَكدَة وَلَو) كَانَ النَّهْي (تَحْرِيمًا، وحرر أَن المسئلة فِي أَمر الْفَوْر لَا التَّرَاخِي) ذكره شمس الْأَئِمَّة وَصدر الْإِسْلَام وَصَاحب القواطع وَغَيرهم: كَذَا ذكره الشَّارِح (وَفِي الضِّدّ) الوجودي (المستلزم للترك

ص: 363

لَا التّرْك) ثمَّ قَالُوا (وَلَيْسَ النزاع فِي لَفْظهمَا) أَي الْأَمر وَالنَّهْي بِأَن يُقَال: لفظ النَّهْي أَمر، وَبِالْعَكْسِ للْقطع بِأَن الْأَمر مَوْضُوع لصيغة افْعَل وَنَحْوه، وَالنَّهْي للا تفعل وَنَحْوه (وَلَا المفهومين) وَلَيْسَ النزاع فِي أَن مَفْهُوم أَحدهمَا، وَهُوَ الصِّيغَة الْمَخْصُوصَة لَيْسَ مَفْهُوم الآخر، وَهُوَ الصِّيغَة الْأُخْرَى (للتغاير) بَين المفهومين (بل) النزاع (فِي أَن طلب الْفِعْل الَّذِي هُوَ الْأَمر عين طلب ترك ضِدّه الَّذِي هُوَ النَّهْي، وَقَول فَخر الْإِسْلَام وَمن مَعَه) وَالْأَمر بالشَّيْء يقتضى كَرَاهَة ضِدّه إِلَى آخِره كَمَا مر آنِفا (لَا يسْتَلْزم) كَون المُرَاد بِالْأَمر أوالنهي (اللَّفْظِيّ) حَتَّى يلْزم أَن تكون صِيغَة الْأَمر صِيغَة الْمنْهِي عَنهُ وَبِالْعَكْسِ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ صِيغَة الْأَمر مستلزما للكراهة مَعَ قطع النّظر عَن مُلَاحظَة الضَّرُورَة كَانَت الْكَرَاهَة مدلولا التزاميا بِصِيغَة (بل هُوَ) أَي أحد قوليه وَمن مَعَه (كالتضمن فِي قَول القَاضِي آخرا) فِي أَن مآلهما وَاحِد: وَهُوَ أَنه يسْتَلْزم الْأَمر بالشَّيْء النَّهْي عَن ضِدّه ضَرُورَة، وَكَذَلِكَ النَّهْي عَن الشَّيْء يسْتَلْزم كَون ضد ذَلِك الشَّيْء مَأْمُورا بِهِ ضَرُورَة وَلذَا اقتصروا على كَونه سنة مُؤَكدَة: إِذْ لَا ضَرُورَة فِي إِثْبَات الْوُجُوب لَهُ، لِأَن حرمته تَسْتَلْزِم تَركه، وَتَركه لَا يسْتَلْزم فعل ضِدّه الوجودي لجَوَاز أَن لَا يفعل شَيْئا من الضدين، لكنه علم من عَادَته صلى الله عليه وسلم أَنه كَانَ يعْمل بضد مَا نهى عَنهُ أَلْبَتَّة فَيكون سنة مُؤَكدَة (وَمرَاده) أَي فَخر الْإِسْلَام من الْأَمر الَّذِي يقتضى كَرَاهَة الضِّدّ (غير أَمر الْفَوْر لتنصيصه) أَي فَخر الْإِسْلَام (على تَحْرِيم الضِّدّ المفوت) إِذا كَانَ الْأَمر للْوُجُوب حَيْثُ قَالَ: التَّحْرِيم إِذا لم يكن مَقْصُودا بِالْأَمر لم يعْتَبر إِلَّا من حَيْثُ يفوت الْأَمر، فَإِن لم يفوتهُ كَانَ مَكْرُوها: كالأمر بِالْقيامِ لَيْسَ بنهي عَن الْقعُود قصدا، حَتَّى لَو قعد ثمَّ قَامَ لم تفْسد صلَاته بِنَفس الْقعُود وَلكنه يكره انْتهى، وَسَيَأْتِي لَهُ زِيَادَة تَفْصِيل، وَجه التَّعْلِيل أَن الِاشْتِغَال بالضد فِي الْأَمر الفوري مفوت لَهُ، فضد كل أَمر فوري حرَام لَا مَكْرُوه (وعَلى هَذَا) الَّذِي تحرر مُرَاد فَخر الْإِسْلَام (يَنْبَغِي تَقْيِيد الضِّدّ) فِيمَا إِذا قيل الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه (بالمفوت، ثمَّ إِطْلَاق الْأَمر عَن كَونه) أَي الْأَمر (فوريا) فَيُقَال: الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه المفوت لَهُ، وَالنَّهْي عَن الشَّيْء أَمر بضده المفوت عَدمه لَهُ، وَلذَا قَالَ صدر الشَّرِيعَة: أَن الضدان فَوت الْمَقْصُود بِالْأَمر يحرم، وَإِن فَوت عَدمه الْمَقْصُود بِالنَّهْي يجب، وَإِن لم يفوت فِي الْأَمر يَقْتَضِي الْكَرَاهَة، وَفِي النَّهْي كَونه سنة مُؤَكدَة (وَفَائِدَة الْخلاف) فِي كَون الْأَمر بالشَّيْء نهيا عَن ضِدّه (اسْتِحْقَاق الْعقَاب بترك الْمَأْمُور بِهِ فَقَط) إِذا قيل بِأَنَّهُ لَيْسَ بنهي عَن ضِدّه (أَو بِهِ) أَي بترك الْمَأْمُور بِهِ (وبفعل الضِّدّ حَيْثُ عصى أمرا ونهيا) إِذا قيل بِأَنَّهُ نهي عَن ضِدّه، وعَلى هَذَا الْقيَاس فِي جَانب النَّهْي (للنافين) كَون الْأَمر نهيا عَن ضِدّه وَبِالْعَكْسِ (لَو كَانَا) أَي النَّهْي عَن الضِّدّ وَالْأَمر بالضد (إيَّاهُمَا) أَي عين الْأَمر

ص: 364

بالشَّيْء وَالنَّهْي عَن الشَّيْء (أَو) لم يَكُونَا عينهما بل كَانَا (لازميهما لزم تعقل الضِّدّ فِي الْأَمر وَالنَّهْي و) تعقل (الْكَفّ) فِي الْأَمر وَالْأَمر فِي النَّهْي (لاستحالتهما) أَي لِاسْتِحَالَة الْأَمر وَالنَّهْي عل ذَلِك التَّقْدِير (مِمَّن لم يتعقلهما) أَي الضِّدّ والكف فِي الْأَمر والضد وَالْأَمر فِي النَّهْي (وَالْقطع بتحققهما) أَي الْأَمر وَالنَّهْي (وَعدم خطورهما) أَي الضِّدّ والكف فِي الْأَمر والضد وَالْأَمر فِي النَّهْي حَاصِل (وَاعْترض) على هَذَا الِاسْتِدْلَال (بِأَن مَا لَا يخْطر) بالبال إِنَّمَا هُوَ (الأضداد الْجُزْئِيَّة) كلهَا وتعقله أَي الضِّدّ وَلَيْسَت مرَادا للقائل بِكَوْنِهَا نهيا عَن الضِّدّ (وَالْمرَاد) بالضد فِي كَلَامه (الضِّدّ الْعَام) وَهُوَ مَا لَا يُجَامع الْمَأْمُور بِهِ الدائر فِي الأضداد الْجُزْئِيَّة كلهَا (وتعقله) أَي الضِّدّ الْعَام (لَازم) لِلْأَمْرِ وَالنَّهْي (إِذْ طلب الْفِعْل مَوْقُوف على الْعلم بِعَدَمِهِ) أَي الْفِعْل (لانْتِفَاء طلب الْحَاصِل) أَي الْمَعْلُوم حُصُوله، وَفِيه أَن هَذَا يَقْتَضِي عدم الْعلم بحصوله، لَا الْعلم بِعَدَمِهِ (وَهُوَ) أَي الْعلم بِعَدَمِهِ (ملزوم الْعلم بالخاص) أَي بالضد الْخَاص (وَهُوَ) أَي الضِّدّ الْخَاص (ملزوم للعام) أَي للضد الْعَام فَلَا بُد من تعقل الضِّدّ الْعَام فِي الْأَمر بالشَّيْء، وَكَذَلِكَ لَا بُد مِنْهُ فِي النَّهْي عَن الشَّيْء لانْتِفَاء طلب التّرْك مِمَّن لم يعلم بِوُجُود الْفِعْل وَالْعلم بِوُجُودِهِ ملزوم للْعلم بالضد الْخَاص: وَهُوَ ملزوم للعام، وَلما كَانَ تَقْرِير الِاعْتِرَاض فِي جَانب النهى نَظِير تَقْرِيره فِي جَانب الْأَمر بتغيير يسير اكْتفى بِمَا فِي جَانب الْأَمر وَترك الآخر للمقايسة، وَفِيه أَن لُزُوم الضِّدّ الْخَاص فِي الأول غير بعيد، لِأَن الْعَالم بِعَدَمِ الْفِعْل عَادَة لم يشغل الْمَأْمُور بضده بِخِلَاف الْعَالم بِوُجُودِهِ: فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِك (وَلَا يخفى مَا فِي هَذَا الِاعْتِرَاض من عدم التوارد أَولا) لِأَن شَرط التوارد الَّذِي هُوَ مدَار الِاعْتِرَاض كَون مورد الْإِيجَاب وَالسَّلب للمتخاصمين بِحَيْثُ يكون قَول كل مِنْهُمَا على طرف النقيض لقَوْل الآخر، والمستدل نفي خطور الضِّدّ الْخَاص على الْإِطْلَاق، فَقَوْل الْمُعْتَرض أَولا أَن مَا لَا يخْطر بالبال: إِنَّمَا هُوَ الأضداد الْجُزْئِيَّة مُوَافقَة مَعَه فِيهَا، فَلَا تتَحَقَّق المناظرة بَينهمَا بِاعْتِبَارِهِ: نعم يُجَاب عَنهُ بِأَن مُرَاد الْمُعْتَرض من ذَلِك بَيَان غلط الْمُسْتَدلّ من حَيْثُ أَنه اشْتبهَ عَلَيْهِ مُرَاد الْقَائِل بِأَن الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن الضِّدّ، فَزعم أَن مُرَاده الأضداد الْجُزْئِيَّة وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الضِّدّ الْعَام، وَلَا يَصح نفي خطور الضِّدّ الْعَام لما ذكر، فَحِينَئِذٍ تَنْعَقِد المناطرة بَينهمَا ويتحقق التوارد، فمقصود المُصَنّف أَنه إِذا نَظرنَا إِلَى أول كَلَام الْمُعْتَرض لم نجد التوارد، وَإِذا نَظرنَا إِلَى آخر كَلَامه وجدنَا التَّنَاقُض فَلَا خير فِي أول كَلَامه مَعَ قطع النّظر عَن آخِره وَلَا فِي آخِره إِذا انْضَمَّ مَعَ أَوله لوُجُود التَّنَاقُض، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وتناقضه فِي نَفسه ثَانِيًا) ثمَّ بَين التَّنَاقُض بقوله (إِذْ فرضهم) أَي الْقَائِلين بِأَن الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه، فَإِن الِاعْتِرَاض الْمَذْكُور من قبلهم لَا يخْطر أَن مَا فِي كَلَام النافين

ص: 365

هُوَ الأضداد (الْجُزْئِيَّة فَلَا تخطر) أَي فَقَوْلهم لَا تخطر (تَسْلِيم) لعدم خطورها بالبال أصلا (وَقَوله) أَي الْمُعْتَرض الْعلم بِعَدَمِ الْفِعْل (ملزوم الْعلم بالخاص) أَي بالضد الْخَاص وَهُوَ أَي الضِّدّ الْخَاص ملزوم للعام: أَي للضد الْخَاص (يُنَاقض مَا لَا يخْطر إِلَى آخِره) أَي الأضداد الْجُزْئِيَّة. لِأَن الْإِيجَاب الجزئي نقيض السَّلب الْكُلِّي عِنْد اتِّحَاد النِّسْبَة، ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا فِي الشَّرْح العضدي وَغَيره فِي جَوَاب هَذَا الِاعْتِرَاض بقوله (وَأجِيب بِمَنْع التَّوَقُّف) لِلْأَمْرِ بِالْفِعْلِ (على الْعلم بِعَدَمِ التَّلَبُّس) بذلك الْفِعْل فِي حَال الْأَمر بِهِ (لِأَن الْمَطْلُوب مُسْتَقْبل فَلَا حَاجَة لَهُ) أَي للطَّالِب (إِلَى الِالْتِفَات إِلَى مَا فِي الْحَال) أَي حَال الطّلب من وجود الْفِعْل وَعَدَمه (وَلَو سلم) توقف الْأَمر بِالْفِعْلِ على الْعلم بِعَدَمِ التَّلَبُّس بِهِ (فالكف) عَن الْفِعْل الْمَطْلُوب (مشَاهد) مَخْصُوص فقد تحقق مَا توقف عَلَيْهِ الْأَمر بِالْفِعْلِ من الْعلم بِعَدَمِ التَّلَبُّس بِهِ (وَلَا يسْتَلْزم) شُهُود الْكَفّ عَن الْفِعْل الْمَأْمُور بِهِ (الْعلم بِفعل ضد خَاص لحصوله) أَي لحُصُول شُهُود الْكَفّ (بِالسُّكُونِ) عَن الْحَرَكَة اللَّازِمَة لمباشرة الْفِعْل الْمَأْمُور بِهِ (وَلَو سلم) لُزُوم تعقل الضِّدّ فِي الْجُمْلَة (فمجرد تعقله الضِّدّ لَيْسَ ملزوما ل) تعلق ال (طلب بِتَرْكِهِ) الَّذِي هُوَ معنى النَّهْي عَن الضِّدّ (لجَوَاز الِاكْتِفَاء) فِي الْأَمر بالشَّيْء (بِمَنْع ترك الْفِعْل) الْمَأْمُور بِهِ فَترك الْمَأْمُور بِهِ ضد لَهُ، وَقد تعقل حَيْثُ منع عَنهُ، لكنه فرق بَين الْمَنْع عَن التّرْك وَبَين طلب الْكَفّ عَن التّرْك تَوْضِيحه أَن الْأَمر بِفعل غير مجوز تَركه قد يخْطر بِبَالِهِ تَركه من حَيْثُ أَنه لَا يجوزه ملحوظا بالتبع لَا قصدا، وَبِهَذَا الِاعْتِبَار يُقَال منع تَركه، وَلَا يُقَال: طلب الْكَفّ عَن تَركه، لِأَنَّهُ لَا يحْتَاج إِلَى توجه قصدي، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (إِمَّا لما قيل لَا نزاع فِي أَن الْأَمر بِشَيْء نهى عَن تَركه) اللَّام فِي لما قيل مُتَعَلق بِجَوَاز الِاكْتِفَاء كَأَن قَائِلا يَقُول من أَيْن لَك الحكم بِجَوَاز الِاكْتِفَاء بِمَا ذكر من غير تعلق الطّلب بِتَرْكِهِ، فَيَقُول لَوْلَا جَوَاز ذَلِك لم يتَّفق الْكل على أَن الْأَمر بِشَيْء إِلَى آخِره، لِأَن عدم جَوَاز الِاكْتِفَاء يسْتَلْزم تعلق الطّلب بِالتّرْكِ قصدا، وَهُوَ ضد الْمَأْمُور بِهِ، فَيثبت أَن الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه وَهُوَ عين المنازع فِيهِ، فَلَزِمَ تَأْوِيل قَوْلهم لَا نزاع إِلَى آخِره بِأَن المُرَاد مِنْهُ الْمَنْع عَن ترك الْفِعْل وَهُوَ كَاف فِي الْأَمر بالشَّيْء (وَإِمَّا لِأَنَّهُ) أَي منع تَركه (بِطَلَب آخر) غير طلب الْفِعْل الْمَأْمُور بِهِ (لخطور التّرْك عَادَة) فَإِن من يطْلب الْفِعْل من غير تَجْوِيز تَركه يخْطر التّرْك بِبَالِهِ غَالِبا من حَيْثُ كَونه مَطْلُوب التّرْك (وَطلب ترك تَركه) أَي ترك الْمَأْمُور بِهِ إِنَّمَا يكون امتثاله (الْكَائِن بِفِعْلِهِ) أَي بِأَن يفعل الْمَأْمُور بِهِ حَال كَونه طلب ترك التّرْك (وزان) قَوْله (لَا تتْرك) فَإِن قَوْله افْعَل هَذَا وَلَا تتْرك بِمَعْنى افعله واترك تَركه، وَحَاصِل طلب الْفِعْل وَطلب ترك تَركه وَاحِد فَإِن قلت إِمَّا الثَّانِيَة عديل أما الأولى، فَمَا وَجه تَعْلِيل جَوَاز الِاكْتِفَاء بِهِ مَعَ أَنه أثبت هُنَا

ص: 366

طلبان قلت الثَّانِيَة فِي معنى الأولى بِاعْتِبَار اشتراكهما فِي عدم ملزومية الطّلب الأول للطلب الثَّانِي كَمَا هُوَ الْخصم فَتَأمل (وَكَذَا الضِّدّ المفوت) أَي مثل ترك الْفِعْل للضد المفوت للْفِعْل مَطْلُوب بِطَلَب آخر لخطور تَركه عَادَة وَطلب تَركه بِفعل الْمَأْمُور بِهِ (فَالْأَوْجه أَن الْأَمر بالشَّيْء مُسْتَلْزم النَّهْي عَن تَركه غير مَقْصُود) استلزاما بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ فَإِن اللَّازِم (بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ) هُوَ أَن يكون تصور الْمَلْزُوم وَاللَّازِم مَعًا كَافِيا فِيهِ للجزم باللزوم، بِخِلَاف اللَّازِم بِالْمَعْنَى الْأَخَص، فَإِن الْعلم بالملزوم هُنَاكَ يسْتَلْزم الْعلم باللازم (وَكَذَا) الْأَمر بالشَّيْء نهي (عَن الضِّدّ المفوت لخطوره كَذَلِك) أَي إِذا لوحظ معنى الْأَمر بالشَّيْء ولوحظ معنى النَّهْي عَن ضِدّه المفوت لَهُ حكم الْعقل باللزوم بَينهمَا (فَإِنَّمَا التعذيب بِهِ) أَي بالضد المفوت (لتفويته) أَي تَفْوِيت الْمَأْمُور بِهِ، لَا من حَيْثُ ترك الِامْتِثَال لحكم آخر غير الْمَأْمُور بِهِ (فَأَما ضد) أَي خطور ضد (بِخُصُوصِهِ) إِذا كَانَ للْمَأْمُور بِهِ أضداد (فَلَيْسَ لَازِما عَادَة) لِلْأَمْرِ بالشَّيْء (للْقطع بِعَدَمِ خطور الْأكل من تصور الصَّلَاة) عِنْد الْأَمر بهَا (فِي الْعَادة). قَالَ (القَاضِي: لَو لم يكن) الْأَمر بالشَّيْء (إِيَّاه) أَي نهيا عَن ضِدّه (فضده أَو مثله أَو خِلَافه) أَي لَكَانَ إِمَّا مثله أَو ضِدّه أَو خِلَافه، وَاللَّازِم بأقسامه بَاطِل كَمَا فِي الشَّرْح العضدي، أما الْمُلَازمَة فَلِأَن كل متغايرين إِمَّا أَن يتساويا فِي صِفَات النَّفس أَو لَا، وَالْمعْنَى بِصِفَات النَّفس: مَا لَا يحْتَاج الْوَصْف بِهِ إِلَى تعقل أَمر زَائِد كالإنسانية للْإنْسَان، والحقيقة، والوجود، والشبيه لَهُ، بِخِلَاف الْحَدث والتحيز، فَإِن تَسَاويا فمثلان: كسوادين أَو بياضين، وَإِلَّا فإمَّا أَن يتنافيا بأنفسهما أَي يمْتَنع اجْتِمَاعهمَا فِي مَحل وَاحِد بِالنّظرِ إِلَى ذاتهما أَولا، فَإِن تنافيا بأنفسهما: كالسواد وَالْبَيَاض فضدان، وَإِلَّا فخلافان: كالسواد والحلاوة انْتهى، وَأما بطلَان اللَّازِم فَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (والأولان) أَي كَونهمَا ضدين، وكونهما مثلين (باطلان) أَي منفيان (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يَكُونَا كَذَلِك بِأَن يَكُونَا ضدين أَو مثلين (امْتنع اجْتِمَاعهمَا) لِاسْتِحَالَة اجْتِمَاع الضدين والمثلين (واجتماع الْأَمر بالشَّيْء مَعَ النَّهْي عَن ضِدّه لَا يقبل التشكيك) أَي لَا شكّ فِيهِ لِأَنَّهُ ضَرُورِيّ كَمَا فِي تحرّك، وَلَا تسكن (وَكَذَا الثَّالِث) أَي كَونهمَا خلافين بَاطِل أَيْضا (وَإِلَّا) بِأَن يَكُونَا خلافين (جَازَ كل) أَي اجْتِمَاع كل من الْأَمر بالشَّيْء وَالنَّهْي عَن ضِدّه (مَعَ ضد الآخر كالحلاوة وَالْبَيَاض) إِذْ يجوز أَن تَجْتَمِع الْحَلَاوَة مَعَ ضد الْبيَاض وَهُوَ السوَاد وَبِالْعَكْسِ (فيجتمع الْأَمر بالشَّيْء مَعَ ضد النَّهْي عَن ضِدّه وَهُوَ) أَي ضد النَّهْي عَن ضِدّه (الْأَمر بضده وَهُوَ) أَي الْأَمر بالشَّيْء مَعَ الْأَمر بضد ذَلِك الشَّيْء (تَكْلِيف بالمحال لِأَنَّهُ) أَي الْأَمر بالشَّيْء حِينَئِذٍ (طلبه) أَي طلب ذَلِك الشَّيْء (فِي وَقت طلب فِيهِ عَدمه) أَي عدم ذَلِك الشَّيْء فقد طلب مِنْهُ الْجمع بَين الضدين

ص: 367

فتعينت العينية (أُجِيب بِمَنْع كَون لَازم كل خلافين ذَلِك) أَي جَوَاز اجْتِمَاع كل مَعَ ضد الآخر (لجَوَاز تلازمهما) أَي الخلافين على مَا هُوَ التَّحْقِيق من عدم اشْتِرَاط جَوَاز الانفكاك فِي المتغايرين كالجوهر مَعَ الْعرض وَالْعلَّة مَعَ الْمَعْلُول (فَلَا يُجَامع) أحد الخلافين على تَقْدِير تلازمهما (الضِّدّ) للْآخر، لِأَن أحد المتلازمين إِذا اجْتمع مَعَ ضد آخر لزم اجتماعه مَعَ الضدين جَمِيعًا، وَهُوَ ظَاهر (وَإِذن) أَي وَإِذا كَانَ الْأَمر على مَا حققناه فِي الخلافين (فالنهي) الَّذِي ادّعى كَون الْأَمر إِيَّاه (إِذا كَانَ ترك ضد الْمَأْمُور بِهِ اخترناهما) أَي اخترنا كَونه وَالْأَمر بالشَّيْء (خلافين) من شقوق الترديد (وَلَا يجب اجتماعه) أَي اجْتِمَاع النَّهْي اللَّازِم لِلْأَمْرِ (مَعَ ضد طلب الْمَأْمُور بِهِ) على مَا زَعمه القَاضِي (كَالصَّلَاةِ مَعَ إِبَاحَة الْأكل) أَي كالأمر بِالصَّلَاةِ وَالنَّهْي عَن الْأكل فَإِنَّهُمَا خلافان، وَلَا يلْزم من كَونهمَا خلافين اجْتِمَاع الصَّلَاة الْمَأْمُور بهَا مَعَ إِبَاحَة الْأكل الَّتِي هِيَ ضد النَّهْي عَن الْأكل (وَبعد تَحْرِير مَحل (النزاع) وَبَيَان المُرَاد من الْمنْهِي عَنهُ بِحَيْثُ لَا يشْتَبه (لَا يتَّجه الترديد) فِي المُرَاد بِالنَّهْي عَن الضِّدّ على مَا فِي الشَّرْح العضدي (بَينه) أَي بَين مَا ذكر (وَبَين فعل ضد ضِدّه الَّذِي) فعل ضِدّه، الَّذِي صفة فعل ضد ضِدّه (يتَحَقَّق بِهِ ترك ضِدّه) أَي ضد الْمَأْمُور بِهِ (وَهُوَ) أَي وَفعل ضد ضِدّه (عينه) أَي عين فعل الْمَأْمُور بِهِ (فحاصله) أَي حَاصِل الْمَجْمُوع أَعنِي الْأَمر بالشَّيْء نهى عَن ضِدّه و (طلب الْفِعْل طلب عينه) أَي عين الْفِعْل، فَإِن ضد ضِدّه المفوت هُوَ عينه (وَأَنه) أَي الْحَاصِل الْمَذْكُور (لعب) إِذْ لَا يُقَال بَين الشَّيْء ونفيه مثل هَذَا الْكَلَام إِلَّا بطرِيق اللّعب وَاللَّهْو (ثمَّ إِصْلَاحه) أَي إصْلَاح الترديد على وَجه لَا يكون لعبا (بِأَن يُرَاد بِأَن طلب الْفِعْل لَهُ اسمان، أَمر بِالْفِعْلِ، وَنهى عَن ضِدّه وَهُوَ) أَي النزاع (حِينَئِذٍ لغَوِيّ) رَاجع إِلَى تَسْمِيَة الْأَمر بالشَّيْء نهيا عَن ضِدّه هَل هِيَ ثَابِتَة فِي اللُّغَة أم لَا؟ (وَلَهُم) أَي الْقَائِلين الْأَمر بالشَّيْء غير النَّهْي عَن ضِدّه، وهم القَاضِي وموافقوه (أَيْضا فعل السّكُون عين ترك الْحَرَكَة وَطَلَبه) أَي فعل السّكُون (استعلاء وَهُوَ الْأَمر طلب تَركهَا) أَي الْحَرَكَة (وَهُوَ) أَي طلب تَركهَا (النَّهْي، وَهَذَا) الدَّلِيل (كَالْأولِ يعم النَّهْي) إِذْ يُقَال أَيْضا بِالْقَلْبِ (وَالْجَوَاب بِرُجُوع النزاع لفظيا) كَمَا ذكره ابْن الْحَاجِب وَغَيره فِي الشَّرْح العضدي رَجَعَ النزاع لفظيا فِي تَسْمِيَة فعل الْمَأْمُور بِهِ تركا لضده وَفِي تَسْمِيَة طلبه نهيا، وَكَانَ طَرِيق ثُبُوته النَّقْل لُغَة وَلم يثبت (مَمْنُوع بل هُوَ) أَي النزاع (فِي وحدة الطّلب الْقَائِم بِالنَّفسِ) بِأَن يكون طلب الْفِعْل عين طلب ترك ضِدّه (وتعدده) بِأَن يَكُونَا متغايرين بِالذَّاتِ (بِنَاء على أَن الْفِعْل) الْمَأْمُور بِهِ (أَعنِي الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ) فَإِنَّهُ الْمَطْلُوب إِيقَاعه من الْمُكَلف لَا الْمصدر الْمَبْنِيّ

ص: 368

للْفَاعِل وَلَا الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول إِذْ هما نسبتان عقليتان لازمتان للحاصل بِالْمَصْدَرِ فَإِنَّهُ إِذا صدر عَن الْفَاعِل وَتعلق بالمفعول ثَبت بِالضَّرُورَةِ للْفَاعِل وصف اعتباري: وَهُوَ كَونه بِحَيْثُ صدر عَنهُ ذَلِك الْحَدث، وَآخر للْمَفْعُول وَهُوَ كَونه بِحَيْثُ وَقع عَلَيْهِ وَلَا شَيْء مِنْهُمَا بموجود فِي الْخَارِج، وَإِنَّمَا الْمَوْجُود فِيهِ نفس ذَلِك الْحَدث الْمُسَمّى بالحاصل بِالْمَصْدَرِ، وَإِن أردْت زِيَادَة تَحْقِيق لَهُ فَعَلَيْك برسالة الْفُقَهَاء فِي تَحْقِيقه (وَترك أضداده) أَي الْمَأْمُور بِهِ (وَاحِد فِي الْوُجُود) أَي يوجدان (بِوُجُود وَاحِد أَو لَا) فعلى الأول يلْزم اتِّحَاد الطّلب الْمُتَعَلّق بِالْفِعْلِ مَعَ الطّلب الْمُتَعَلّق بترك أضداده، وعَلى الثَّانِي يلْزم تغاير الطلبين بِالذَّاتِ لتغاير متعلقيهما بِالذَّاتِ (بل الْجَواب مَا تضمنه دَلِيل النافين من الْقطع بِطَلَب الْفِعْل مَعَ عدم خطور الضِّدّ) وَهَذَا فِي غير نَحْو الْحَرَكَة والسكون (وَأَيْضًا فَإِنَّمَا يتم) الِاسْتِدْلَال بِمَا ذكر من قَوْله: أَي فعل السّكُون عين ترك الْحَرَكَة إِلَى آخِره (فِيمَا أَحدهمَا) أَي الْمَأْمُور بِهِ وَالنَّهْي عَنهُ (ترك الآخر) وَفِي نُسْخَة عدم للْآخر (كالحركة والسكون، لَا) فِي (الأضداد الوجودية) يَعْنِي إِذا كَانَ للْمَأْمُور بِهِ ضد وَاحِد مسَاوٍ النقيضه وَهُوَ فِي الْمَعْنى لَيْسَ بوجودي لكَونه مُسَاوِيا لعدم الْمَأْمُور بِهِ، فَحِينَئِذٍ طلب تَركه طلب للْمَأْمُور بِهِ فِي الْحَقِيقَة، وَأما إِذا كَانَ لَهُ أضداد لَيْسَ أَحدهَا على الْوَجْه الْمَذْكُور وَهِي حِينَئِذٍ وجودية، فَطلب ترك أَحدهَا لَا يكون طلبا للْمَأْمُور بِهِ لنحقق تَركه فِي ضمن ضد آخر لَهُ (فَلَيْسَ) مَا أَحدهمَا ترك الآخر (مَحل النزاع عِنْد الْأَكْثَر) لاتفاقهم على أَن الْأَمر بالشَّيْء فِيهِ نهي عَن ضِدّه (وَلَا تَمَامه) أَي مَحل النزاع (عندنَا) لِأَنَّهُ أَعم من ذَلِك، هَكَذَا فِي نُسْخَة الشَّارِح وَلَيْسَ فِي النُّسْخَة الَّتِي اعتمدنا عَلَيْهَا عِنْد الْأَكْثَر إِلَى آخِره وَهُوَ الصَّوَاب، لِأَن نفي كَون مَا ذكر تَمام مَحل النزاع يدل على أَنه من جملَة مَحَله، وَلَا وَجه للنزاع فِيهِ كَمَا لَا يخفى إِلَّا أَن يتَكَلَّف، وَيُقَال فرق بَين طلب الشَّيْء وَطلب ترك نقيضه من حَيْثُ التَّعْبِير وَإِن اتحدا مَآلًا.

وَأَنت خَبِير بِأَنَّهُ لَا يَتَرَتَّب على هَذَا النزاع بِمرَّة (وللمعمم) الْقَائِل (فِي النَّهْي) أَنه أَمر بالضد كَمَا أَن الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن الضِّدّ (دَلِيلا القَاضِي) وهما لَو لم يكن نَفسه لَكَانَ مثله أَو ضِدّه أَو خِلَافه إِلَى آخِره، والسكون ترك الْحَرَكَة إِلَى آخِره (وَالْجَوَاب) عَنْهُمَا (مَا تقدم) آنِفا من جَوَاز تلازم الخلافين وَالْقطع بِطَلَب الْفِعْل مَعَ عدم خطور الضِّدّ (وَأَيْضًا يلْزم فِي نهي الشَّارِع كَون كل من الْمعاصِي المضادة) للنَّهْي عَنهُ (مَأْمُور بِهِ مُخَيّرا) فَيكون النَّهْي عَن الزِّنَا أَمر باللواط (وَلَو التزموه لُغَة) فَقَالُوا سلمنَا أَنه يلْزم ذَلِك من حَيْثُ الدّلَالَة اللُّغَوِيَّة (غير أَنَّهَا) أَي الْمعاصِي (مَمْنُوعَة بشرعي) أَي بِدَلِيل شَرْعِي فَهُوَ قرينَة دَالَّة على أَنَّهَا لَيست مُرَاد

ص: 369

الشَّارِع (كالمخرج من الْعَام) من حَيْثُ أَن الْعَام (يتَنَاوَلهُ) لُغَة (وَيمْتَنع فِيهِ) أَي فِي الْمخْرج (حكمه) أَي الْعَام بِدَلِيل شَرْعِي (أمكنهم) جَوَاب لَو، وَلَا يخفى سماجة هَذَا الِالْتِزَام (وعَلى اعْتِبَاره) أَي الِالْتِزَام الْمَذْكُور (فالمطلوب ضد لم يمنعهُ الدَّلِيل، وَأما إِلْزَام نفي الْمُبَاح) على المعمم بِأَن يُقَال مَا من مُبَاح إِلَّا وَهُوَ ضد الْحَرَام مَنْهِيّ عَنهُ، وَلِهَذَا ذهب الكعبي إِلَى أَنه مَا من مُبَاح إِلَّا هُوَ ترك حرَام فَيلْزم كَون ذَلِك الْمُبَاح مَأْمُورا بِهِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ منع شَرْعِي حَتَّى يكون كالمخرج من الْعَام (فَغير لَازم) إِذْ كَون الْمُبَاح تركا لِلْحَرَامِ لَا يسْتَلْزم كَونه ضدا لَهُ إِذْ الضدان هما المتنافيان بأنفسهما، على أَنه إِن قَامَ دَلِيل على إِبَاحَته كَانَ قرينَة لعدم إِرَادَته على مَا ذكر آنِفا (المضمن) أَي الْقَائِل بِأَن الْأَمر بالشَّيْء يتَضَمَّن النَّهْي عَن ضِدّه وَنقض هَذَا الدَّلِيل قَالَ (أَمر الْإِيجَاب طلب فعل يذم بِتَرْكِهِ فاستلزم النَّهْي عَنهُ) أَي عَن تَركه (وَعَما يحصل) التّرْك (بِهِ وَهُوَ) أَي مَا يحصل بِهِ التّرْك (الضِّدّ) للْمَأْمُور بِهِ فاستلزم الْأَمر الْمَذْكُور النَّهْي عَن ضِدّه (وَنقض) هَذَا الدَّلِيل بِأَنَّهُ (لَو تمّ لزم تصور الْكَفّ عَن الْكَفّ) عَن الْمَأْمُور بِهِ (لكل أَمر إِيجَابا) لِأَن الْمُسْتَدلّ ادّعى استلزام الْأَمر النَّهْي عَن تَركه، لِأَن تَركه هُوَ الْكَفّ عَنهُ، وَالنَّهْي عَن الشَّيْء هُوَ طلب الْكَفّ عَن الْكَفّ لَازم لطلب الْكَفّ عَن ذَلِك الشَّيْء، فالنهى عَن الْكَفّ الْمَأْمُور بِهِ هُوَ طلب الْكَفّ عَن الْكَفّ عَنهُ، وتصور الْكَفّ عَن الْكَفّ، وَاللَّازِم بَاطِل للْقطع بِطَلَب الْفِعْل مَعَ عدم خطور الْكَفّ عَن الْكَفّ (وَلَو سلم) عدم لُزُوم تصور الْكَفّ عَن الْكَفّ (منع كَون الذَّم بِالتّرْكِ جُزْء الْوُجُوب) أَي جُزْء الْأَمر الإيجابي أَو لَازم مَفْهُومه لُزُوما عقليا واستلزام الْأَمر الإيجابي النَّهْي عَن تَركه فرع كَون الذَّم بِالتّرْكِ جُزْءا أَو لَازِما (وَإِن وَقع) الذَّم بِالتّرْكِ (جُزْء التَّعْرِيف) الرسمي لَهُ (بل هُوَ) أَي الْوُجُوب يَعْنِي الْأَمر الإيجابي (الطّلب الْجَازِم) الَّذِي لم يجوز طَالبه ترك الْمَطْلُوب بِهِ (ثمَّ يلْزم تَركه) أَي ترك مَطْلُوبه (ذَلِك) أَي الذَّم فَاعل يلْزم قدم مَفْعُوله (إِذا صدر) الْأَمر (مِمَّن لَهُ حق الْإِلْزَام) أَي ولَايَة الْإِلْزَام واللزوم بِحَسب التحقق فِي الْخَارِج لَا يسْتَلْزم اللُّزُوم بِحَسب التعقل، وَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوب (وَلَو سلم) كَون الذَّم بِالتّرْكِ جُزْء الْوُجُوب (فَجَاز كَون الذَّم عِنْد التّرْك لِأَنَّهُ لم يفعل) مَا أَمر بِهِ لَا لِأَنَّهُ فعل الضِّدّ المستلزم للترك، وَكَون الضِّدّ مَنْهِيّا عَنهُ لَا يتَحَقَّق إِلَّا بِكَوْن الذَّم لأَجله (وَلَا يخفى أَنه لَا يتَوَجَّه الذَّم على الْعَدَم) أَي على عدم الْفِعْل (من حَيْثُ هُوَ عدم بل من حَيْثُ هُوَ فعل الْمُكَلف) يَعْنِي لَو توجه إِنَّمَا يتَوَجَّه من حَيْثُ أَنه فعل الْمُكَلف لَكِن هَذِه الْحَيْثِيَّة غير مَوْجُودَة فِيهِ، فَلَا يتَوَجَّه عَلَيْهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَلَيْسَ الْعَدَم فعله بل) فعله إِنَّمَا هُوَ (التّرْك المبقى للعدم) الأَصْل (على الأَصْل) وَحَاصِله كف النَّفس عَمَّا يقطع الْعَدَم الْأَصْلِيّ من فعل

ص: 370

ضِدّه فَتَأمل (وَمَا قيل لَو سلم) أَن الْأَمر بالشَّيْء مُتَضَمّن للنَّهْي عَن ضِدّه (فَلَا مُبَاح) إِذْ ترك الْمَأْمُور بِهِ وضده يعم الْمُبَاحَات، والمفروض أَن الْأَمر يسْتَلْزم النَّهْي عَنْهَا، والمنهي عَنهُ لَا يكون مُبَاحا (فَغير لَازم) إِذْ المُرَاد من الضِّدّ الْمنْهِي عَنهُ المفوت لِلْأَمْرِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَإِلَّا) أَي وَلَو كَانَ مستلزما نفي الْمُبَاح بِأَن يكون مُرَاد المضمن من الضِّدّ كلما يتَحَقَّق فِيهِ ترك الْمَأْمُور بِهِ وَلم يُقيد بِمَا يفوتهُ (امْتنع) للمضمن المعمم (التَّصْرِيح فَلَا تعقل الضِّدّ المفوت) للْمَأْمُور بِهِ بعد الْأَمر لِأَن لَازم الْأَمر عِنْده على ذَلِك التَّقْدِير لَا بِفعل مُطلق الضِّدّ، فَبين لَازم الْكَلَام وَمَفْهُومه تدافع، وَمن الْمَعْلُوم عدم امْتنَاع تصريحه بذلك (والحل) أَي حل الشُّبْهَة (أَن لَيْسَ كل ضد) بِمَعْنى مَا يحصل بِهِ التّرْك (مفوتا) للْمَأْمُور بِهِ (وَلَا كل مُقَدّر) من الْمُبَاحَات (ضدا كَذَلِك) أَي مفوتا (كخطوه فِي الصَّلَاة، وابتلاع رِيقه، وَفتح عينه وَكثير) من نظائرها فَإِنَّهَا أُمُور مغايره بِالذَّاتِ للصَّلَاة، وَبِهَذَا الِاعْتِبَار يُطلق عَلَيْهَا الضِّدّ وَلكنهَا لَا تفوت الصَّلَاة (وَأَيْضًا لَا يسْتَلْزم) هَذَا الدَّلِيل (مَحل النزاع، وَهُوَ) أَي مَحل النزاع (الضِّدّ) الجزئي لِلْأَمْرِ وَهُوَ فعل خَاص وجودي مفوت للْمَأْمُور بِهِ (غير التّرْك) أَي ترك الْمَأْمُور بِهِ مُطلقًا، فَإِنَّهُ لَا نزاع فِي كَونه نهيا عَنهُ، غير أَنه لَا يلْزم بِهِ إِثْم عدم امْتِثَال الْأَمر، وَإِنَّمَا قُلْنَا مَا أَفَادَهُ الدَّلِيل خَارج عَن مَحل النزاع (لِأَن مُتَعَلق النَّهْي اللَّازِم) لِلْأَمْرِ ضَرُورَة (أحد الْأَمريْنِ: من التّرْك والضد) يَعْنِي النَّهْي الَّذِي يحكم الْعقل بلزومه لِلْأَمْرِ مُتَعَلّقه أحد الْأَمريْنِ لَا على التَّعْيِين، فللمانع أَن يَقُول لم لَا يجوز أَن يكون تحَققه فِي ضمن التّرْك؟ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فنختار الأول) فَيكون النَّهْي اللَّازِم إِنَّمَا هُوَ النَّهْي عَن ترك الْمَأْمُور بِهِ لَا النَّهْي عَن الضِّدّ، وَهُوَ لَيْسَ من مَحل النزاع لما عرفت فَإِن قلت قد ادّعى المُصَنّف استلزام الْأَمر للنَّهْي عَن ترك الْمَأْمُور بِهِ وَعَما يحصل بِهِ التّرْك وَهُوَ الضِّدّ مَعًا، فَمَا وَجه تَسْلِيم استلزامه لَهما جَمِيعًا قلت بالِاتِّفَاقِ لَيْسَ النَّهْي اللَّازِم لِلْأَمْرِ مُتَعَددًا، وَإِلَّا يلْزم إِثْبَات أَفْرَاد كَثِيرَة للمنهي بِعَدَد الأضداد الْجُزْئِيَّة وَاعْتِبَار ترك الْمَأْمُور بِهِ مُتَعَلقا بِالنَّهْي مغن عَن الْكل، لِأَنَّهُ يتَحَقَّق فِي ضمن كل ضد فَتعين لكَونه مُتَعَلقا للنَّهْي (وَزَاد المعممون فِي النَّهْي) الْقَائِلُونَ بِأَن النَّهْي عَن الشَّيْء يتَضَمَّن الْأَمر بضده كَمَا أَن الْأَمر يتَضَمَّن النَّهْي عَنهُ (أَنه) أَي النَّهْي (طلب ترك فعل وَتَركه) أَي الْفِعْل (بِفعل أحد أضداده) أَي الْفِعْل (فَوَجَبَ) أحد أضداده: وَهُوَ الْأَمر، لِأَن مَا لَا يحصل الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب (وَدفع) هَذَا (بِلُزُوم كَون كل من الْمعاصِي إِلَى آخِره) أَي المضادة مَأْمُورا بِهِ مُخَيّرا (وَبِأَن لَا مُبَاح) أَي وبلزوم أَن لَا يُوجد مُبَاح أصلا لما مر من أَن كل مُبَاح ترك الْمحرم وضد لَهُ فَإِن قلت غَايَة مَا يلْزم وجود أحد الْمُبَاحَات المضادة لَا كلهَا قلت وجوب أحد الْأَشْيَاء لَا على التَّعْيِين

ص: 371

بِحَيْثُ يحصل مَا هُوَ الْوَاجِب بأَدَاء كل وَاحِد مِنْهَا يُنَافِي الْإِبَاحَة كَمَا فِي خِصَال الْكَفَّارَة (وبمنع وجوب مَا لَا يتم الْوَاجِب أَو الْمحرم) أَي الاجتناب من الْمحرم (إِلَّا بِهِ، وَفِيهِمَا) أَي فِي لُزُوم كَون كل من الْمعاصِي إِلَى آخِره، وَأَن لَا مُبَاح (مَا تقدم) من أَنهم لَو التزموا الأول لُغَة أمكنهم غير أَنه غير مُرَاد بِدَلِيل شَرْعِي وَأَن الثَّانِي غير لَازم (وَأما الْمَنْع) لوُجُوب مَا لَا يتم الْوَاجِب أَو الْمحرم إِلَّا بِهِ (فَلَو لم يجب) أَي فَدفعهُ أَن يُقَال لَو لم يجب مَا لَا يتم الْوَاجِب أَو الْمحرم إِلَّا بِهِ (لجَاز تَركه) أَي ترك مَا لَا يتم إِلَّا بِهِ (ويستلزم جَوَاز) تَركه جَوَاز (ترك الْمَشْرُوط) فِي الْوَاجِب (أَو جَوَاز فعله) أَي الْمَشْرُوط فِي الْمحرم (بِلَا شَرطه الَّذِي لَا يتم إِلَّا بِهِ وَسَيَأْتِي تَمَامه) فِي مسئلة مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ، فَلَا يمْنَع ذَلِك (بل يمْنَع أَنه) أَي الْمَطْلُوب بِالنَّهْي (لَا يتم إِلَّا بِهِ) أَي بِفعل أحد اضداده (بل يحصل) الْمَطْلُوب بِهِ بِهِ (بالكف) عَن الْفِعْل المنهى عَنهُ (الْمُجَرّد) عَن فعل الضِّدّ (والمخصص فِي العينية واللزوم) أَي المقتصر على أَن الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه أَو يستلزمه، وَلَيْسَ النَّهْي عَن الشَّيْء أمرا بضده وَلَا يستلزمه (فإمَّا لِأَن النَّهْي طلب نفي) أَي فإمَّا لِأَن مذْهبه: أَي النَّهْي نفي الْفِعْل: وَهُوَ عدم مَحْض كَمَا هُوَ مَذْهَب أبي هَاشم، لَا طلب الْكَفّ عَن الْفِعْل الَّذِي هُوَ ضِدّه فَلَا يكون أمرا بالضد وَلَا يستلزمه، إِذْ لَا مَطْلُوب حِينَئِذٍ سوى النَّفْي الْمَحْض (مَعَ منع أَن مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَى آخِره) أَي إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب، وَقد عرفت دَفعه، وَأَن مَحل الْمَنْع أَنه لَا يتم إِلَّا بِهِ (وَإِمَّا لظن وُرُود الْإِلْزَام الفظيع) وَهُوَ كَون الزِّنَا وَاجِبا لكَونه تركا للواط على تَقْدِير كَون النَّهْي عَن الشَّيْء أَمر بضده أَو يستلزممه (أَو لظن أَن أَمر الايجاب استلزم النهى) إِلَى آخِره (باستلزام ذمّ التّرْك) أى بِسَبَب استلزام أَمر الايجاب الذَّم على تَركه (والنهى لَا) يسْتَلْزم الْأَمر لِأَنَّهُ طلب الْكَفّ عَن الْفِعْل، والذم إِنَّمَا يَتَرَتَّب على الْفِعْل، فَلَو استلزم الْأَمر بشئ لَكَانَ ذَلِك الشئ هُوَ الْكَفّ، والكف لَا يصلح مُتَعَلقا لِلْأَمْرِ: إِذْ الْأَمر طلب فعل غير الْكَفّ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لِأَنَّهُ طلب كف عَن فعل مَعَ منع أَن مَا لَا يتم إِلَى آخِره) وَقد عرفت دَفعه، وَمحل الْمَنْع هَهُنَا كَون ضد الْمنْهِي عَنهُ بِحَيْثُ لَا يتم الِانْتِهَاء عَنهُ إِلَّا بِهِ يحصل الِانْتِهَاء بِمُجَرَّد الْكَفّ عَن الْمنْهِي عَنهُ (وَإِمَّا لظن وُرُود إبِْطَال الْمُبَاح كالكعبي) على تَقْدِير كَون النَّهْي عَن الشَّيْء أمرا بضده، لِأَن كل مُبَاح ترك الْمنْهِي عَنهُ: فَيلْزم كَونه مَأْمُورا بِهِ، لِأَن ترك الشَّيْء ضد لَهُ، وَقَوله كالكعبي: أَي كمذهب الكعبي على مَا مر من قَوْله: كل مُبَاح ترك لحرام (ومخصص أَمر الْإِيجَاب) بِكَوْنِهِ نهيا عَن ضِدّه، أَو مستلزما لَهُ دون أَمر النّدب ذهب إِلَيْهِ (لظن وُرُود الْأَخيرينِ) على تَقْدِير كَون أَمر النّدب نهيا عَن الضِّدّ، وَهُوَ أَن استلزام الذَّم للترك المستلزم للنَّهْي إِنَّمَا هُوَ فِي أَمر الْوُجُوب وَلُزُوم إبِْطَال الْمُبَاح: إِذْ مَا من وَقت إِلَّا

ص: 372

وَندب فِيهِ فعل، فَإِن استغراق الْأَوْقَات بالمندوبات مَنْدُوب، بِخِلَاف الْوَاجِب فَإِنَّهُ لَا يستغرقها، فَيكون الْفِعْل فِي غير وَقت لُزُوم أَدَاء الْوَاجِب مُبَاحا وَلَا يلْزم نفي الْمُبَاح (وَعلمت) أَن (مرجع) قَول (فَخر الْإِسْلَام) وَهُوَ أَن الْأَمر يَقْتَضِي كَرَاهَة الضِّدّ وَلَو إِيجَابا وَالنَّهْي كَونه سنة مُؤَكدَة وَلَو تَحْرِيمًا (إِلَى) قَول (الْعَامَّة) من أَن الْأَمر بالشَّيْء نهى عَن ضِدّه إِن كَانَ وَاحِدًا وَإِلَّا فَعَن الْكل وَأَن الْأَمر بالضد المتحد، وَفِي بعض النّسخ المتعدد بِوَاحِد غير معِين، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِرُجُوعِهِ إِلَيْهِم عدم الْمُخَالفَة بَينهم: وَإِنَّمَا علم ذَلِك بتقييد الضِّدّ فِي الْمُتَنَازع فِيهِ بالمفوت، وَحمل كَلَامه على المفوت، فعلى هَذَا ذكر الْكَرَاهَة فِي جَانب الْأَمر وَالسّنة فِي جَانب النَّهْي لَا يُوجب الِاخْتِلَاف بَين قَوْله وَقَوْلهمْ (وَلَا يخفى أَن مَا مثل بِهِ) فَخر الْإِسْلَام (لكَرَاهَة الضِّدّ من أَمر قيام الصَّلَاة) بَيَان للموصول مُبينًا لَهُ بقوله (لَا يفوت) امْتِثَال الْأَمر الْمَذْكُور (بالقعود فِيهَا) أَي فِي الصَّلَاة: إِذْ لَيْسَ الْقعُود ضدا مفوتا للْقِيَام لجَوَاز أَن يعود إِلَيْهِ لعدم تعْيين الزَّمَان (وَيكرهُ) عطف على قَوْله لَا يفوت (اتفاقي) خبر أَن: يَعْنِي إِنَّمَا أجتمع كَرَاهَته مَعَ الْأَمر بِالْقيامِ اتِّفَاقًا (لَا من مُقْتَضى الْأَمر) لِأَن مُقْتَضى الْأَمر النَّهْي عَن الضِّدّ المفوت، وَالْقعُود بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقيام لَيْسَ كَذَلِك لما عرفت (بل مَبْنِيّ الْكَرَاهَة) أَمر (خَارج) عَن مُقْتَضى الْأَمر (وَهُوَ التَّأْخِير) عَن وقته الْمسنون لَهُ (وَإِلَّا) لَو كَانَ الْقعُود مفوتا لَهُ (فَسدتْ) وَكَانَ ذَلِك الْقعُود حَرَامًا (وَكَذَا قَول أبي يُوسُف بِالصِّحَّةِ) أَي بِصِحَّة السَّجْدَة الْمَأْمُور بهَا فِي الصَّلَاة (فِيمَن سجد) أَي فِي حق من سجد (على مَكَان نجس فِي الصَّلَاة وَأعَاد) السَّجْدَة (على) مَكَان (طَاهِر) لَيْسَ من مُقْتَضى الْأَمر (لِأَنَّهُ) أَي سُجُوده على نجس (تَأْخِير السَّجْدَة الْمُعْتَبرَة) وَهِي المستجمعة شَرَائِط الصِّحَّة (عَن وَقتهَا لَا تَفْوِيت) لَهَا (وَهُوَ) أَي تَأْخِيرهَا عَن وَقتهَا الْمسنون لَهَا (مَكْرُوه وفسدت) الصَّلَاة (عِنْدهمَا) أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله (للتفويت) لأمر الطَّهَارَة (بِنَاء على أَن الطَّهَارَة فِي الصَّلَاة) وصف (مَفْرُوض الدَّوَام) أَي فِي جَمِيع أَجزَاء الْوَقْت الَّذِي هُوَ فِي الصَّلَاة، وَقد فَاتَ فِي جُزْء مِنْهَا فَإِن قلت أَبُو يُوسُف رحمه الله لَا يعْتَبر ذَلِك الْجُزْء من أَجزَاء الصَّلَاة: بل هُوَ خَارج فاصل بَين الْأَجْزَاء قلت بل هُوَ من الْأَجْزَاء بِدَلِيل ترَتّب الْأَحْكَام اللَّازِمَة على الْمُصَلِّي بِالتَّحْرِيمِ لَهَا فِي ذَلِك الجزيء من الْوَقْت وَذكر الشَّارِح أَن حِكَايَة الْخلاف بَينهم هَكَذَا مَذْكُورَة فِي عير وَاحِد من الْكتب، وَذكر الْقَدُورِيّ أَن النَّجَاسَة إِن كَانَت فِي مَوضِع سُجُوده فروى مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَن صلَاته لَا تُجزئ إِلَّا أَن يُعِيد السُّجُود على مَوضِع طَاهِر، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد، وروى عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة رحمه الله أَنَّهَا تُجزئ بِغَيْر إِعَادَة، وَجه الأولى أَن السُّجُود كالقيام فِي

ص: 373

عدم الِاعْتِدَاد بِهِ مَعَ النَّجَاسَة، وَوجه الْأُخْرَى أَن الْوَاجِب عِنْده أَن يسْجد على طرف أَنفه، وَهُوَ أقل من قدر الدِّرْهَم، وَهَذَا الْقدر لَا يمْنَع جَوَاز الصَّلَاة وَأما عِنْدهمَا فالسجود على الْجَبْهَة وَاجِب، وَهُوَ أَكثر من قدر الدِّرْهَم فَيمْنَع جَوَاز الصَّلَاة، ثمَّ ذكر أَنه إِذا افْتتح على مَوضِع طَاهِر ثمَّ نقل قدمه إِلَى مَوضِع نجس ثمَّ أَعَادَهُ صحت صلَاته إِلَى أَن يَتَطَاوَل حَتَّى يصير فِي حكم الْفِعْل الَّذِي إِذا زيد فِي الصَّلَاة أفسدها انْتهى، وَفِي آخر كَلَامه نظر يظْهر بملاحظة فرض دوَام الطَّهَارَة فَتَأمل (وَأما قَوْله) أَي فَخر الْإِسْلَام (النَّهْي يُوجب فِي أحد الأضداد السّنيَّة كنهي الْمحرم عَن الْمخيط سنّ لَهُ الْإِزَار والرداء فَلَا يخفى بعده عَن وَجه الاستلزام). قَالَ الشَّارِح قلت فِي هَذَا سَهْو، فَإِن لفظ فَخر الْإِسْلَام، وَأما النَّهْي عَن الشَّيْء فَهَل لَهُ حكم فِي ضِدّه؟ قَالَ بَعضهم يُوجب أَن يكون ضِدّه فِي معنى سنة وَاجِبَة، وعَلى القَوْل الْمُخْتَار يحتملان نقيض ذَلِك انْتهى، ثمَّ فسر ذَلِك بقوله: أَي كَون الضِّدّ فِي معنى سنة مُؤَكدَة إِذا كَانَ النَّهْي لتَحْرِيم وَوجه بِأَن النَّهْي الثَّابِت فِي ضمن الْأَمر لما اقْتضى الْكَرَاهَة الَّتِي هِيَ أدنى من الْحُرْمَة بِدَرَجَة، وَجب أَن يَقْتَضِي الْأَمر الثَّابِت فِي ضمن النهى سنية الضِّدّ الَّتِى هى أدنى من الْوَاجِب بِدَرَجَة، ثمَّ قَالَ وَهَذَا التلازم غير لَازم كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ المُصَنّف، ثمَّ قَالَ فِي التَّحْقِيق وَغَيره وَلم يرد بِالسنةِ مَا هُوَ المصطلح بَين الْفُقَهَاء، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَا هُوَ قريب من الْوُجُوب وَقَالَ يحْتَمل لِأَنَّهُ لم ينْقل هَذَا القَوْل نصا عَن السّلف لكنه مُقْتَضى الْقيَاس، ثمَّ ذكر من الحَدِيث مَا يدل على النَّهْي عَن لبس الْقَمِيص والعمائم والبرانس والخفاف، وَذكر أَن هَذَا النَّهْي ذُو ضد مُتحد، لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَة بَين لبس الْمخيط وَلبس غَيره، فَيلْزم وجوب لبس الْإِزَار، والرداء لَا سنيته، على أَن لبسهما لَيْسَ مِمَّا نَحن فِيهِ لما يدل عَلَيْهِ الحَدِيث من الْأَمر بلبسهما وَأَطْنَبَ فِي غير طائل، وَإِذا تَأَمَّلت فِي كَلَامه وجدته إِلَى السَّهْو أقرب، لِأَن استبعاد المُصَنّف بِسَبَب أَن أحد الأضداد إِذا كَانَ مِمَّا لَا بُد مِنْهُ فِي الِامْتِثَال بِالنَّهْي يلْزم كَونه وَاجِبا وَإِلَّا فَلَا يدل على سنيته أَيْضا، وَقَوله لَيْسَ مِمَّا نَحن فِيهِ غير مُوجبَة لجَوَاز تعدد دَلِيل السّنيَّة، فسبحان من جرأ الضَّعِيف على الْقوي لعدم مَعْرفَته مقَامه (وَأما النَّهْي) بالتفسير الْمُقَابل لِلْأَمْرِ (فالنفسي طلب كف عَن فعل) فَخرج الْأَمر لِأَنَّهُ طلب فعل غير كف (على جِهَة الاستعلاء) فَخرج بِهِ الالتماس وَالدُّعَاء (وإيراد كف نَفسك) عَن كَذَا طرده لصدقه عَلَيْهِ (إِن كَانَ) مورده مَادَّة للنقض (لَفظه) أَي لفظ كف نَفسك كَذَا (فَالْكَلَام فِي النَّفْسِيّ) أَي فَنَقُول لَا مَحْذُور لعدم صدقه عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَلَب كف، بل لَيْسَ بِطَلَب (أَو) كَانَ مورده (مَعْنَاهُ التزامناه) أَي صدق التَّعْرِيف عَلَيْهِ حَال كَونه (نهيا) نفسيا من جملَة أَفْرَاد الْمُعَرّف (وَكَذَا معنى أطلب الْكَفّ) نهى

ص: 374

نَفسِي: أَي مَعْنَاهُ التضمني، وَهُوَ الطّلب. لَا المطابقي، لِأَنَّهُ إِخْبَار، وَالنَّهْي مَضْمُون إنشائي (لوحدة معنى اللَّفْظَيْنِ) أَي كف نَفسك، وأطلب الْكَفّ، وَمعنى كل وَاحِد من الْمَذْكُورين لدلالتها على قيام طلب الْكَفّ بالقائل (وَهُوَ) أَي ذَلِك الْمَعْنى هُوَ (النَّهْي النَّفْسِيّ واللفظي، وَهُوَ غَرَض الأصولي) لِأَنَّهُ يبْحَث عَن الدّلَالَة اللفظية السمعية (مَبْنِيّ تَعْرِيفه) أَي اللَّفْظِيّ (أَن لذَلِك الطّلب) الْمَذْكُور (صِيغَة تخصه) أَي لَا تسْتَعْمل فِي غير حَقِيقَة، إِذْ لَو لم يكن هَذَا الِاخْتِصَاص لم يقصدوا تَعْرِيفه (وَفِي ذَلِك) أَي فِي أَن لَهُ صِيغَة تخصه من الْخلاف (مَا فِي الْأَمر) وَالصَّحِيح فِي كليهمَا نعم (وَحَاصِله) تَعْرِيف النَّهْي اللَّفْظِيّ ذكر (مَا يعينها) أَي يُمَيّز تِلْكَ الصِّيغَة من غَيرهَا من الصِّيَغ (فسميت) الْمَذْكُورَات لذَلِك (حدودا، وَالأَصَح) مِنْهَا صِيغَة (لَا تفعل) كَذَا ونظائرها (أَو اسْمه) أَي اسْم لَا تفعل من أَسمَاء الْأَفْعَال (كمه) فَإِنَّهُ بِمَعْنى لَا تفعل (حتما) حَال من لَا تفعل بِمَعْنى وجوبا، وَحَقِيقَة كَونه لطلب الْكَفّ من غير تَجْوِيز الْفِعْل، وَكَذَا (استعلاء) وَقد مر تَفْسِيره، وَالْخلاف فِي اشْتِرَاطه كالأمر وَأَنه الْمُخْتَار (وَهِي) أَي هَذِه الصِّيغَة خَاص (للتَّحْرِيم) لَا للكراهة (أَو الْكَرَاهَة) دون التَّحْرِيم، أَو مُشْتَرك لَفْظِي بَين التَّحْرِيم وَالْكَرَاهَة، أَو معنوي، أَو وضع للقدر الْمُشْتَرك بَينهمَا، وَهُوَ طلب الْكَفّ استعلاء، أَو مُتَوَقف فيهمَا بِمَعْنى لَا نَدْرِي لأيهما وضعت (كالأمر) أَي كصيغة الْأَمر اكْتفى بِهِ عَن التَّفْصِيل الْمَذْكُور لما مر فِي الْأَمر. قَالَ الشَّارِح: ثمَّ يزِيد إِلَّا من يُنَافِي الْمذَاهب الْمَذْكُورَة ثمَّة (وَالْمُخْتَار) أَنَّهَا حَقِيقَة (للتَّحْرِيم لفهم الْمَنْع الحتم) أَي بِغَيْر تَجْوِيز الْفِعْل (من) الصِّيغَة (الْمُجَرَّدَة) عَن الْقَرَائِن، وَهُوَ أَمارَة الْحَقِيقَة (ومجاز فِي غَيره) أَي التَّحْرِيم لعدم التبادر وَالْحَاجة إِلَى الْقَرِينَة، ثمَّ هَذَا الْحَد النَّفْسِيّ غير منعكس لصدقه على الْكَرَاهَة النفسية، فَلِذَا قَالَ (فمحافظة عكس) حد النَّهْي (النَّفْسِيّ بِزِيَادَة) قيد (حتم) بعد قَوْله طلب كف. وَالْمرَاد بِالْعَكْسِ هَهُنَا المانعية (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يزدْ (دخلت الْكَرَاهَة النفسية فالنهي) النَّفْسِيّ (نفس التَّحْرِيم وَإِذا قيل مُقْتَضَاهُ) أَي إِذا قيل التَّحْرِيم مُقْتَضى النَّهْي (يُرَاد) بِالنَّهْي النَّهْي (اللَّفْظِيّ، وَتَقْيِيد الْحَنَفِيَّة التَّحْرِيم بقطعي الثُّبُوت و) تقييدهم (كَرَاهَته) أَي كَرَاهَة التَّحْرِيم (بظنيه) أَي بظني الثُّبُوت (لَيْسَ خلافًا) فِي أَن النَّهْي النَّفْسِيّ نفس التَّحْرِيم (وَلَا تعدد) فِي حَقِيقَة النَّهْي (فِي نفس الْأَمر) فَإِن الثَّابِت فِي نفس الْأَمر إِنَّمَا هُوَ طلب التّرْك حتما لَا غَيره، وَهَذَا الطّلب قد يُسْتَفَاد بطرِيق قَطْعِيّ فَهُوَ قَطْعِيّ وَقد يُسْتَفَاد بطرِيق ظَنِّي فظني (وَكَون تقدم الْوُجُوب) للمنهي عَنهُ قبل النَّهْي عَنهُ (قرينَة الْإِبَاحَة) أَي كَون النَّهْي للْإِبَاحَة (حكى الْأُسْتَاذ) أَبُو إِسْحَاق الاسفراني

ص: 375