الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(نَفْيه) أَي نفي كَونه قرينَة لَهَا (إِجْمَاعًا، وَتوقف الإِمَام) أَي إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي ذَلِك (لَا يتَّجه إِلَّا بالطعن فِي نَقله) أَي فِي نقل الْأُسْتَاذ الْإِجْمَاع (وَنقل الْخلاف) أَي وَنقل الْموقف الَّذِي لم يقبل حِكَايَة الْإِجْمَاع الْخلاف فِي كَونه قرينَة. قَالَ الشَّارِح: وَظَاهر كَلَام الإِمَام أَنه لم يُقَلّد إِلَّا تخمينا فَلَا يقْدَح (إِذْ بِتَقْدِير صِحَّته) أَي الْإِجْمَاع على ذَلِك (يلْزم استقراؤهم) أَي أهل الْإِجْمَاع (ذَلِك) أَي تتبعهم مواقع تحقق النَّهْي بعد الْوُجُوب استقراء مُفِيدا لنفي كَون تقدم الْوُجُوب قرينَة لكَون النَّهْي للْإِبَاحَة بوجدانهم كَون للْإِبَاحَة تَارَة وللتحريم، أَو الْكَرَاهَة أُخْرَى (وموجبها) أَي مُوجب صِيغَة النَّهْي (الْفَوْر والتكرار: أَي الِاسْتِمْرَار خلافًا لشذوذ) ذَهَبُوا إِلَى أَن مُوجبهَا مُطلق الْكَفّ من غير دلَالَة على الدَّوَام والمرة. قَالَ الشَّارِح: وَنَصّ فِي الْمَحْصُول على أَنه الْمُخْتَار وَفِي الْحَاصِل أَنه الْحق، لِأَنَّهَا قد تسْتَعْمل لكل مِنْهُمَا، وَالْمجَاز والاشتراك اللَّفْظِيّ خلاف الأَصْل، فَيكون الْمُقدر الْمُشْتَرك، وأجيبوا بِأَن الْعلمَاء لم يزَالُوا يستدلون بِالنَّهْي على وجوب التّرْك مَعَ اخْتِلَاف الْأَوْقَات من غير تَخْصِيص بِوَقْت دون وَقت، وَلَوْلَا أَنه للدوام لما صَحَّ ذَلِك.
مسئلة
قَالَ (الْأَكْثَر إِذا تعلق) النَّهْي (بِالْفِعْلِ) بِأَن طلب الْكَفّ عَنهُ (كَانَ) النَّهْي (لعَينه) أَي لذات الْفِعْل أَو جزئه بِأَن يكون منشأ النَّهْي قبيحا ذاتيا (مُطلقًا) أَي حسيا كَانَ ذَلِك الْفِعْل كَالزِّنَا وَالشرب، أَو شَرْعِيًّا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم (وَيَقْتَضِي) النَّهْي (الْفساد شرعا وَهُوَ) أَي الْفساد شرعا) (الْبطلَان) وَهُوَ (عدم سببيته لحكمه) بِأَن لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ ثَمَرَته الْمَقْصُودَة مِنْهُ (وَقيل) يَقْتَضِي الْفساد (لُغَة) أَي اقْتِضَاء بِحَسب اللُّغَة، بِمَعْنى أَن من يعرف اللُّغَة إِذا سمع النَّهْي اللَّفْظِيّ يفهم أَن مُتَعَلّقه بَاطِل لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ حكمه (وَقيل) يَقْتَضِي الْفساد (فِي الْعِبَادَات فَقَط) فَحِينَئِذٍ لَا يكون الِاقْتِضَاء لُغَة بل شرعا، وَعَلِيهِ أَبُو الْحسن الْبَصْرِيّ وَالْغَزالِيّ والرازي (وَالْحَنَفِيَّة كَذَلِك) أَي ذَهَبُوا إِلَى أَن النَّهْي الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين دون اعتقاداتهم على مَا فِي التَّلْوِيح يكون لعين الْفِعْل (فِي الْحسي) وَهُوَ (مَا لَا يتَوَقَّف مَعْرفَته على الشَّرْع كَالزِّنَا وَالشرب) أَي شرب الْخمر فَإِنَّهُ لَا تتَوَقَّف معرفَة حقيقتهما على الشَّرْع: إِذْ يعرفهما من يعلم الشَّرْع وَمن لَا يعلم، فِي التَّلْوِيح فسر الشَّرْعِيّ بِمَا يتَوَقَّف تحَققه على الشَّرْع، والحسي بِخِلَافِهِ وَاعْترض بِأَن مثل الصَّلَاة وَالْبيع يتَحَقَّق من غير توقف على الشَّرْع وَأجِيب بِأَن المستغني عَن الشَّرْع نفس الْفِعْل، وَأما مَعَ وصف كَونه عبَادَة أَو عقدا يتَوَقَّف على شَرَائِط
وَيَتَرَتَّب عَلَيْهِ أَحْكَام فَلَا يتَحَقَّق بِدُونِ الشَّرْع، ورد بِأَن المتوقف حِينَئِذٍ وصف كَونه عبَادَة فَفِي الْحسي أَيْضا وصف كَون الزِّنَا مثلا مَعْصِيّة لَا يتَحَقَّق إِلَّا بِالشَّرْعِ، ففسره المُصَنّف بِمَا يكون لَهُ مَعَ تحَققه الْحسي تحقق شَرْعِي بأركان وشرائط اعتبرها الشَّرْع بِحَيْثُ لَو انْتَفَى بَعْضهَا لم يحل الشَّارِع ذَلِك الْفِعْل وَلم يحكم بتحققه كَالصَّلَاةِ بِلَا طَهَارَة، وَالْبيع الْوَارِد على مَا لَيْسَ بِمحل انْتهى، وَيُمكن أَن يحمل عَلَيْهِ مَا ذكره المُصَنّف بِأَن يُرَاد بمعرفته معرفَة تحَققه على وَجه يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الحكم فمعرفة تحقق الصَّلَاة على وَجه يَتَرَتَّب عَلَيْهَا أَنَّهَا مجزئة يتَوَقَّف على معرفَة شرائطها الشَّرْعِيَّة، بِخِلَاف الزِّنَا فَإِن الْعلم بتحققه الْحسي الْمُتَرَتب عَلَيْهِ الحكم لَا يتَوَقَّف على الشَّرْع (إِلَّا بِدَلِيل أَنه) أَي الْمنْهِي عَنهُ (لوصف ملازم أَو) منفك عَنهُ (مجاور) لَهُ فَيكون النَّهْي حِينَئِذٍ لغيره، وَهُوَ ذَلِك المجاور (كنهي قرْبَان الْحَائِض) فَإِن النَّهْي عَن وَطئهَا إِنَّمَا هُوَ لِمَعْنى الْأَذَى، وَهُوَ مجاور للْوَطْء غير مُتَّصِل بِهِ، وَلَيْسَ بِلَازِم لَهُ: إِذْ قد يَنْفَكّ عَنهُ مَا فِي حَالَة الطُّهْر (أما) الْفِعْل (الشَّرْعِيّ) وَهُوَ مَا تتَوَقَّف مَعْرفَته على الشَّرْع (فلغيره) أَي فالنهي عَنهُ لغيره من جِهَة كَونه (وَصفا لَازِما للتَّحْرِيم أَو كَرَاهَته) أَي كَرَاهَة التَّحْرِيم (بِحَسب الطَّرِيق) الموصلة لَهُ إِلَيْنَا من قطع أَو ظن (للُزُوم الْمنْهِي) تَعْلِيل للُزُوم ذَلِك الْوَصْف التَّحْرِيم الَّذِي هُوَ مثار النَّهْي للمنهي (كَصَوْم) يَوْم (الْعِيد) فَإِن الصَّوْم الشَّرْعِيّ لَا يعرف إِلَّا من قبل الشَّرْع وَقد نهى لِمَعْنى اتَّصل بِالْوَقْتِ الَّذِي هُوَ مَحل الْأَدَاء وَصفا لَازِما لَهُ وَهُوَ كَونه يَوْم ضِيَافَة الله تَعَالَى لِعِبَادِهِ، وَفِي الصَّوْم إِعْرَاض عَنْهَا فَكَانَ حَرَامًا للْإِجْمَاع عَلَيْهِ لَا أَنه مَكْرُوه تَحْرِيمًا لثُبُوته بِخَبَر الْآحَاد (أَو) فلغيره من جِهَة كَونه وَصفا (مجاورا) لَهُ (مُمكن الانفكاك) عَنهُ (فالكراهة) أَي فالنهي عَن الْفِعْل لمجاور كَذَا نفس الْكَرَاهَة كَمَا قَالَ نفس التَّحْرِيم (وَلَو) كَانَ طَرِيق ثُبُوت النهى (قطيعا كَالْبيع وَقت النيداء) أى أَذَان الْجُمُعَة بعد زَوَال الشَّمْس، فان النهى عَنهُ لوصف مجاور مُمكن الانفكاك مشار إِلَيْهِ بقوله (لترك السَّعْي) أَي للإخلال بالسعي الْوَاجِب، أما الانفكاك فَلِأَن البيع يُوجد بِدُونِ الْإِخْلَال بالسعي بِأَن يتبايعا فِي الطَّرِيق ذَاهِبين إِلَيْهَا، والإخلال بالسعي يُوجد بِدُونِ البيع بِأَن يمكثا فِي الطَّرِيق من غير بيع، وَلما لم يكن البيع الْمنْهِي عَنهُ للمجاور الْمُمكن الانفكاك منافيا لحكم الْخطاب الأول: أَعنِي وجوب السَّعْي وَكَانَ مخلا بِهِ فِي الْجُمْلَة فتنزل عَن مرتبَة الْحُرْمَة والبطلان إِلَى الْكَرَاهَة فهم ضمنا إِذا كَانَ الْمنْهِي عَنهُ منافيا لحكم الْخطاب الأول كَانَ بَاطِلا وَصرح بِمَا علم ضمنا فَقَالَ (فَإِن نافى) الْمنْهِي عَنهُ الشَّرْعِيّ بِاعْتِبَار حكمه حكم (الأول فَبَاطِل) أَي فَذَلِك الْمنْهِي عَنهُ بَاطِل إِن فعل لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ ثَمَرَة (كَنِكَاح الْمَحَارِم) فَإِنَّهُ (لَيْسَ حكمه) أَي حكم هَذَا النِّكَاح (إِلَّا الْحل المنافى
لمقتضاه أَي لمقْتَضى الْخطاب الأول، وَهُوَ التَّحْرِيم المؤبد فنكاحهن بَاطِل وَلما كَانَ هَهُنَا مَظَنَّة سُؤال، وَهُوَ أَنه إِذا كَانَ بَاطِلا كَيفَ يسْقط بِهِ الْحَد وَيثبت بِهِ النّسَب أجَاب بقوله (وَعدم الْحَد وَثُبُوت النّسَب حكم الشُّبْهَة) أَي صُورَة العقد عَلَيْهِنَّ، وَعدم الْحَد قَول أبي حنيفَة وسُفْيَان الثَّوْريّ وَزفر، وَثُبُوت النّسَب، وَوُجُوب الْعدة قَول الْمَشَايِخ تَفْرِيعا على هَذَا القَوْل، وَمِنْهُم من منع ثُبُوته لَا وُجُوبهَا، لِأَن أقل مَا يبتنى عَلَيْهِ كِلَاهُمَا وجود الْحل من وَجه، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْمَحَارِم فَلَا إِشْكَال حِينَئِذٍ وَأما على قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالْأَئِمَّة الثَّلَاثَة فَلَا إِشْكَال أَيْضا إِذا علم بِالتَّحْرِيمِ لإيجابهم الْحَد عَلَيْهِ، وَعدم وجوب الْغرَّة، وَعدم ثُبُوت النّسَب (وَيجب مثله) أَي مثل هَذَا الْبطلَان (فِي الْعِبَادَات) سَوَاء كَانَ الْمنْهِي عَنهُ لوصف ملازم أَولا لعدم سببيتها لحكمها الَّذِي شرعت لَهُ، وَهَذَا بحث المُصَنّف، وَاخْتَارَهُ ورتب عَلَيْهِ خلافًا لَهُم فِي بعض الْفُرُوع (كَصَوْم الْعِيد) فَإِن النَّهْي عَنهُ لِمَعْنى ملازم، وَهُوَ الْإِعْرَاض عَن ضِيَافَة الله تَعَالَى، فَكَانَ بَاطِلا لما ذكر، وَالْإِجْمَاع العقد على حرمته، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لعدم الْحل وَالثَّوَاب) وَمَا انْتَفَى فِيهِ صفة الْحل إِجْمَاعًا وَلم يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الثَّوَاب، وَالَّذِي لم يشرع إِلَّا لَهُ فَهُوَ حقيق بِأَن يحكم بِبُطْلَانِهِ، ثمَّ فِيهِ على عدم حل الشُّرُوع فِيهِ عدم لُزُوم الْقَضَاء بالإفساد، فَقَالَ (فَوَجَبَ عدم الْقَضَاء بالإفساد، لِأَن وُجُوبه) أَي الْقَضَاء بالإفساد (يتبعهُ) أَي يتبع حل الشُّرُوع فِيهِ فَإِن قيل فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن لَا يَصح نَذره: إِذْ لَا يَصح نذر فِي مَعْصِيّة الله تَعَالَى كَمَا فِي صَحِيح مُسلم فَالْجَوَاب مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَصِحَّة نَذره لِأَنَّهُ) أَي نَذره (غير مُتَعَلّقه) بِفَتْح اللَّام، وَهُوَ مُبَاشرَة الصَّوْم فِي يَوْم الْعِيد: كَذَا فِي التَّلْوِيح وَالْحَاصِل أَن للصَّوْم جِهَة طَاعَة وجهة مَعْصِيّة، وانعقاد النّذر بِاعْتِبَار الْجِهَة الأولى حَتَّى قَالُوا: لَو صرح بِذكر الْمنْهِي عَنهُ، بِأَن يَقُول: لله عَليّ صَوْم يَوْم النَّحْر لم يَصح نَذره فِي رِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة كَمَا لَو قَالَت: لله عَليّ أَن أَصوم أَيَّام حيضي، بِخِلَاف مَا لَو قَالَت غَدا، وَكَانَ الْغَد يَوْم نحر أَو حيض وَأما ضرب أَبِيه أَو شَتمه فَلَا جِهَة فِيهِ لغير الْمعْصِيَة، فَلَا يَصح النّذر بِهِ أصلا وَتَحْقِيق ذَلِك أَن النّذر إِيجَاب بالْقَوْل وبالفعل أمكن التَّمْيِيز بَين الْمنْهِي عَنهُ والمشروع، والشروع إِيجَاب بِالْفِعْلِ، وَفِي الْفِعْل لَا يُمكن التَّمْيِيز بَين الْجِهَتَيْنِ انْتهى، وَإِنَّمَا ارتكبوا ذَلِك (ليظْهر) أَثَره (فِي الْقَضَاء تحصيلا للْمصْلحَة) وَهُوَ أَن ينْعَقد النّذر واضطر إِلَى الْقَضَاء لتعذر الْأَدَاء (فَيجب) على هَذَا (أَن لَا يبرأ) النَّاذِر (بصومه) لكِنهمْ يَقُولُونَ بِخُرُوجِهِ عَن نَذره بصيامه مَعَ الْعِصْيَان، لِأَنَّهُ نذر مَا هُوَ نَاقص وَأَدَّاهُ كَمَا الْتَزمهُ، وَلما كَانَ الْقَضَاء مَبْنِيا على أَن مُوجب النّذر وجوب أَدَائِهِ قَالَ. (فَإِن لزم فِيهَا) أَي صِحَة هَذَا النّذر (وجوب الْأَدَاء) للمنذور (أَولا) بِأَن يكون الْخطاب
الْمُتَعَلّق بِمُوجب النّذر ابْتِدَاء طلب فعل عين الْمَنْذُور، فَإِذا لم يؤده حِينَئِذٍ يجب خَلفه من الْقَضَاء كَمَا هُوَ الْمُتَعَارف فِي الْقَضَاء، وَلَا يكون المنظور أَولا ظُهُور الْأَثر فِي الْقَضَاء بِحَيْثُ لَا يبرأ بصومه (وَجب نَفيهَا) أَي صِحَة النّذر، لِأَنَّهُ نذر بِمَعْصِيَة وَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ، وَمَا ذكر من وجوب بطلَان مثل صَوْم يَوْم الْعِيد، وَوُجُوب عدم الْقَضَاء بالإفساد لما عَرفته، وَعدم صِحَة النّذر بِمُجَرَّد ظُهُور الْأَثر فِي الْقَضَاء وَعدم وجوب الْأَدَاء أَولا، وَعدم الْبَرَاءَة بصومه إِنَّمَا هُوَ مُقْتَضى رَأْي المُصَنّف رحمه الله بِمُوجب الدَّلِيل (خلافًا لَهُم) أَي للحنفية فِي ذَلِك كُله، فَإِنَّهُم يَقُولُونَ بأضداد ذَلِك على مَا هُوَ الْمَذْكُور فِي المطولات من كتبهمْ. وَفِي الشَّرْح تَفْصِيل لَهَا (وَمَا خَالف) مَا ذكرنَا من وجوب بطلَان الْعِبَادَات الَّتِي تعلق بهَا نهي التَّحْرِيم (فلدليل) يَقْتَضِي مُخَالفَة ذَلِك (كَالصَّلَاةِ) النَّافِلَة (فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة على ظنهم) أَي الْحَنَفِيَّة فَإِنَّهُم حكمُوا بِصِحَّتِهَا مَعَ النَّهْي الْمحرم أَو الْمُوجب لكَرَاهَة التَّحْرِيم، فَفِي صَحِيح مُسلم وَالسّنَن الْأَرْبَع " ثَلَاث سَاعَات كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أَن نصلي فِيهِنَّ وَأَن نقبر فِيهِنَّ مَوتَانا: حِين تطلع الشَّمْس بازغة حَتَّى ترْتَفع، وَحين يقوم قَائِم الظهيرة حَتَّى تَزُول، وَحين تضيف الشَّمْس للغروب حَتَّى تغرب " وَفِي قَوْله إِلَى ظنهم إِشَارَة إِلَى أَنه خلاف مَا يرضيه، ثمَّ أَشَارَ إِلَى رفع منشأ ظنهم بقوله (وَكَون مسماها) أَي الصَّلَاة (لَا يتَحَقَّق إِلَّا بالأركان) وَالنَّهْي عَن مُسَمّى الصَّلَاة فرع تحَققه، وَإِلَّا فَإِن كَانَ مِمَّا لَا يتَحَقَّق على تَقْدِير الْإِتْيَان بصورته يلْزم عدم الْفَائِدَة للنَّهْي، فَثَبت أَنه إِذا أَتَى بِصُورَة الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة يتَحَقَّق هُنَاكَ حَقِيقَة الصَّلَاة بأركانها والشروع فِي النَّفْل يلْزم، فَعِنْدَ الْإِفْسَاد يجب الْقَضَاء، فَأَشَارَ إِلَى دفع هَذَا بقوله (لَا يقتضى) أَي الْكَوْن الْمَذْكُور (وجوب الْقَضَاء) عِنْد الْإِفْسَاد (لِأَنَّهُ) أَي وجوب الْقَضَاء عِنْده (بِوُجُوب الْإِتْمَام قبل الْإِفْسَاد، وَالثَّابِت) بِالنَّهْي الْمَذْكُور (نقيضه) أَي نقيض وجوب الْإِتْمَام وَهُوَ حرمته، بل حُرْمَة الشُّرُوع فِيهِ وَلَا بُد فِي إتْمَام هَذَا الْبَحْث من الْتِزَام أحد الْأَمريْنِ: منع اقْتِضَاء النَّهْي عَن الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الْمَذْكُورَة تحقق أَرْكَانهَا عِنْد الْإِتْيَان بصورتها على وَجه تتَحَقَّق حَقِيقَتهَا. أَو منع كَون الشُّرُوع فِي النَّفْل ملزما على الْإِطْلَاق: بل إِذا لم يكن مَنْهِيّا عَنهُ (وَيلْزم) كَون مسماها لَا يتَحَقَّق إِلَّا بالأركان (أَن تفْسد) الصَّلَاة (بعد رَكْعَة) لِأَنَّهُ قبل الرَّكْعَة لَا تتَحَقَّق أَرْكَان الصَّلَاة من الْقيام وَالرُّكُوع وَالسُّجُود، وَبعد مَا تتَحَقَّق الرَّكْعَة فَيتَحَقَّق مَا يُطلق عَلَيْهِ لفظ الصَّلَاة بتحقق ارْتِكَاب الْمنْهِي الْمُوجب للإفساد (وَهُوَ) أَي الْفساد بعد رَكْعَة (مُنْتَفٍ عِنْدهم) وَحِينَئِذٍ (فَالْوَجْه أَن لَا يَصح الشُّرُوع لانْتِفَاء فَائِدَته) أَي الشُّرُوع (من الْأَدَاء وَالْقَضَاء) لما قُلْنَا (وَلَا مخلص) مِمَّا أوردنا عَلَيْهِم من بطلَان الصَّلَاة وَعدم وجوب الْقَضَاء
(إِلَّا بجعلها) أَي كَرَاهَة الصَّلَاة النَّافِلَة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة (تنزيهية، وَهُوَ) أَي جعلهَا تنزيهية (مُنْتَفٍ إِلَّا عِنْد شذوذ) من النَّاس لَا يعْتد بهم فَلَا يخلص وَالله أعلم أما البيع فَحكمه الْملك، وَيثبت) الْملك (مَعَ الْحُرْمَة فَيثبت) البيع مَعَ النَّهْي (مستعقبا لَهُ) أَي للْملك حَال كَونه (مَطْلُوب التفاسخ رفعا للمعصية إِلَّا بِدَلِيل الْبطلَان) اسْتثِْنَاء من ثُبُوت البيع مَعَ النَّهْي، وَذَلِكَ لعدم قابلية الْمحل (وَهُوَ) أَي كَون ثُبُوت الْملك مَطْلُوب التفاسخ (فَسَاد الْمُعَامَلَة عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة فِيهِ مُسَامَحَة، فَإِن فَسَادهَا سَبَب لطلب التفاسخ لَا عينه، وَإِنَّمَا قيد بالمعاملة، فَإِن الْعِبَادَة فَسَادهَا وبطلانها سَوَاء، وَإِنَّمَا الْفرق بَين الْفساد والبطلان فِي الْمُعَامَلَات (بِخِلَاف بيع المضامين) جمع مَضْمُون، من ضمن الشَّيْء بِمَعْنى تضمنه، وَهُوَ مَا تضمنه صلب الْفَحْل من الْوَلَد، فَيَقُول: بِعْت الْوَلَد الَّذِي يحصل من هَذَا الْفَحْل فَإِنَّهُ (بَاطِل) لقِيَام الدَّلِيل على ثُبُوت الْبطلَان فِيهِ مَعَ النَّهْي عَنهُ، وَقد صَحَّ أَنه صلى الله عليه وسلم نهى عَن بيع المضامين، ثمَّ بَين سَبَب الْبطلَان بقوله (لعدم الْمحل) أَي محليته الشَّرْعِيَّة للْبيع، لِأَن المَاء قبل أَن يخلق مِنْهُ الْحَيَوَان لَيْسَ بِمَال، وَالْمحل شَرط لصِحَّة البيع فَكَانَ بَاطِلا بِالضَّرُورَةِ (أما الأول) أَي ثُبُوت حكم البيع، وَهُوَ الْملك مَعَ الْحُرْمَة (فلعدم النَّافِي) لَهُ كَمَا هُوَ الأَصْل (وَوُجُود الْمُقْتَضى) لَهُ (وَهُوَ الْوَضع الشَّرْعِيّ) لِأَن الشَّرْع وضع الْإِيجَاب وَالْقَبُول لإِثْبَات الْملك غير أَنه نهى عَنهُ إِذا كَانَ بِصفة كَذَا، وَهَذَا الْقدر لَا يُوجب تخلف مُقْتَضى ذَلِك الْوَضع (للْقطع بِأَن الْقَائِل لَا تَفْعَلهُ) أَي لَا تفعل مَا جعلته سَببا لكذا (على هَذَا الْوَجْه، فَإِن فعلت) ذَلِك على هَذَا الْوَجْه (ثَبت حكمه وعاقبتك) لعدم امْتِثَال النَّهْي (لم يُنَاقض) نَفسه فِي الحكم بِأَن التَّصَرُّف الْوَاقِع على هَذَا الْوَجْه مَنْهِيّ عَنهُ ومنتهض سَببا لكذا، وَقد يُقَال أَن مَا ذكرْتُمْ إِنَّمَا يتم إِذا جعله الشَّارِع سَببا للْحكم مُطلقًا سَوَاء وَقع على الْوَجْه الْمنْهِي الَّذِي يرتضيه: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يتَحَقَّق فِي خصوصيات المُرَاد مَا يدل على جعله سَببا على الْإِطْلَاق فَتَأمل (وَقَوْلهمْ) أَي الشَّافِعِيَّة النَّهْي عَن البيع (ظَاهر فِي عدم ثُبُوته) أَي الْملك فِي البيع الْوَاقِع على الْوَجْه الْمنْهِي عَنهُ (شرعا) أَي ثبوتا شَرْعِيًّا، أَو فِي الشَّرْع (مَمْنُوع) فَإِن أثر النَّهْي لَيْسَ إِلَّا فِي التَّحْرِيم، وَقد ذكر أَنه لَا يضاد ثُبُوت حكمه وَلَا يخفى أَن الْمَنْع إِنَّمَا يَصح إِذا كَانَ مقصودهم بِهَذَا إِثْبَات لطلب: أَعنِي بطلَان البيع، وَأما إِذا قصدُوا بِهِ تَقْوِيَة مَعَ وجود الْمُقْتَضى وَهُوَ الْوَضع الشَّرْعِيّ، وَعدم تَسْلِيم جعله سَببا على الْإِطْلَاق بِقَرِينَة النَّهْي: فَلَا يتَّجه الْمَنْع (فَيثبت الْملك شرعا فِي بيع الرِّبَا) أَي فِي بيع مُشْتَمل على اشْتِرَاط زِيَادَة بِلَا عوض حَقِيقَة أَو شُبْهَة (وَالشّرط) أَي وَفِي البيع الْمَشْرُوط بِشَرْط مُخَالف لما يَقْتَضِيهِ العقد حَال كَونه (مَطْلُوب
الْفَسْخ) رفعا للمعصية (وَيلْزمهُ) أَي بيع الرِّبَا وَالشّرط (الصِّحَّة) وَهُوَ أَن يرجع إِلَى الصِّحَّة وَلَا يبْقى مَطْلُوب الْفَسْخ (بِإِسْقَاط الزِّيَادَة فِي) بيع الرِّبَا وَإِسْقَاط (الشَّرْط) الْمُفْسد فِي البيع الْمَشْرُوط بِهِ (لِأَنَّهُ) أَي كل وَاحِد مِنْهُمَا (الْمُفْسد) للْبيع (وَأما الثَّانِي) أَي لُزُوم التفاسخ (فلرفع الْمعْصِيَة وَيُصَرح بِثُبُوت الاعتبارين) استعقاب الحكم وَطلب الْفَسْخ (طَلَاق الْحَائِض) الْمَدْخُول بهَا وَقت الْحيض (ثَبت حكمه) وَهُوَ وُقُوع الطَّلَاق (وَأمر) الزَّوْج الْمُطلق فِي الْحيض (بالرجعة رفعا) للمعصية (بِالْقدرِ الْمُمكن) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر " أَنه طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض فَذكر ذَلِك عمر للنَّبِي صلى الله عليه وسلم فتغيظ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم ثمَّ قَالَ ليراجعها ثمَّ يمْسِكهَا حَتَّى تطهر، ثمَّ تحيض فتطهره فَإِن بدا لَهُ أَي يطلقهَا فَلْيُطَلِّقهَا قبل أَن يَمَسهَا فَتلك الْعدة كَمَا أَمر الله تَعَالَى " وَإِنَّمَا قَالَ بِالْقدرِ الْمُمكن لِأَن رفع الطَّلَاق الْوَاقِع حَال الْحيض بِالْكُلِّيَّةِ غير مُمكن لِأَنَّهُ نقص بِهِ عدد الطَّلَاق إِجْمَاعًا، لكنه لما كَانَ منشأ النَّهْي إطالة الْعدة بِالرُّجُوعِ يرْتَفع ذَلِك جعلت الرّجْعَة رفعا لَهُ بِاعْتِبَار ارْتِفَاع محذوره (بِخِلَاف مَا لَا يُمكن) رَفعه (كحل مَذْبُوح ملك الْغَيْر) صفة مَذْبُوح لعدم إِفَادَة إِضَافَة ملك إِلَى الْغَيْر التَّعْرِيف، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا قدرَة للْعَبد على رفع الْمعْصِيَة اللَّازِمَة من ذبحه مَمْلُوك الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه بإعادته ملك الْغَيْر وَبِه الرّوح " وَعنهُ صلى الله عليه وسلم أَنه زار قوما من الْأَنْصَار فِي دَرَاهِم فذبحوا لَهُ شَاة فصنعوا لَهُ مِنْهَا طَعَاما فَأخذ من اللَّحْم شَيْئا فلاكه فمضغه سَاعَة لَا يسيغه: فَقَالَ مَا شَأْن هَذَا اللَّحْم؟ قَالُوا شَاة لفُلَان ذبحناها حَتَّى يَجِيء فنرضيه من ثمنهَا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أطعموها الأسرى " فَقَوله أطعموها دلّ على أَنهم ملكوها بالإهلاك ولزمهم الضَّمَان غير أَنه ملك خَبِيث لمَكَان الْمعْصِيَة فِي طَرِيق ثُبُوته، وَمثل ذَلِك لَا يَلِيق بِغَيْر الأسرى (قَالُوا) أَي الذاهبون إِلَى أَنه يدل على الْبطلَان مُطلقًا (لم تزل الْعلمَاء) فِي الْأَعْصَار (يستدلون بِهِ) أَي بِالنَّهْي (على الْفساد: أَي الْبطلَان) من غير إِنْكَار عَلَيْهِم، فَهُوَ إِجْمَاع مِنْهُم على أَنه يدل على الْبطلَان (قُلْنَا) مَا ذكرْتُمْ من الِاسْتِدْلَال إِنَّمَا هُوَ (فِي الْعِبَادَات) على الْإِطْلَاق لِأَن الْمَقْصُود مِنْهَا الثَّوَاب وَلَا ثَوَاب مَعَ النَّهْي (و) يسْتَدلّ على الْبطلَان بِالنَّهْي (مَعَ) وجود (الْمُقْتَضى) للبطلان (فِي غَيرهَا) أَي الْعِبَادَات من الْمُعَامَلَات: يَعْنِي لَا يثبت فِي الْمُعَامَلَات الْبطلَان بِمُجَرَّد النَّهْي لعدم انحصار فائدتها فِي الثَّوَاب، فَلَا يلْزم عدم الثَّوَاب الْبطلَان لوُجُود فَائِدَة أُخْرَى غير الثَّوَاب غير مُنَافِيَة للنَّهْي (وَإِلَّا) أَي لم يُوجد الْمُقْتَضِي فِي غير الْمُعَامَلَات (فعلى مُجَرّد التَّحْرِيم) أَي فالإجماع على أَنه يدل على مُجَرّد التَّحْرِيم، أَو فَإِنَّمَا يستدلون بِهِ على مُجَرّد تَحْرِيم الْمنْهِي عَنهُ (وَلَو صرح بَعضهم بِالْبُطْلَانِ) أَي بِأَنَّهُ يدل على الْبطلَان (فكقولكم) أَي الشَّافِعِيَّة يرد عَلَيْهِ مَا يرد عَلَيْكُم فَلَا يصلح لِأَن
يحتجوا بِهِ علينا (وَبِه) أَي بِهَذَا الدَّلِيل (اسْتدلَّ للغة) أَي لِأَنَّهُ يدل على الْبطلَان لُغَة (وَمنع بِأَن فهمه) أَي الْبطلَان مِنْهُ إِنَّمَا يكون (شرعا) لِأَن بُطْلَانه عبارَة عَن سلب أَحْكَامه وَلَيْسَ فِي لفظ النَّهْي مَا يدل على هَذَا لُغَة قطعا (قَالُوا) أَي الذاهبون إِلَى أَنه يدل على الْبطلَان لُغَة (لأمر يَقْتَضِي الصِّحَّة فضده) وَهُوَ النَّهْي يَقْتَضِي (ضدها) أَي ضد الصِّحَّة: وَهُوَ الْفساد والبطلان (أُجِيب بِمَنْع اقتضائه) أَي الْأَمر الصِّحَّة (لُغَة وَلَو سلم) اقْتِضَاء الْأَمر الصِّحَّة (فَيجوز اتِّحَاد أَحْكَام المتقابلات) لجَوَاز اشتراكها فِي لَازم وَاحِد وَلَا يخفى بعده هَهُنَا: إِذْ كَون الْأَمر مقتضيا للصِّحَّة إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار كَون الْمَأْمُور بِهِ مَطْلُوبا لِلْأَمْرِ وَالظَّاهِر كَون الْمَطْلُوب غير مسلوب الحكم، وَهَذَا الِاعْتِبَار لَا يتَصَوَّر فِيمَا هُوَ مَطْلُوب الْكَفّ، بل الظَّاهِر كَونه مسلوب الحكم فَتَأمل (وَلَو سلم) أَي أَحْكَام المتقابلة متقابلة (فاللازم عدم اقْتِضَاء الصِّحَّة لَا اقْتِضَاء عدمهَا) أَي الصِّحَّة، وَالْأول أَعم، والأعم لَا يسْتَلْزم الْأَخَص (وَدَلِيل تفصيلهم) أَي الْحَنَفِيَّة (فِيمَا) يكون النهى عَنهُ لقبح (لعَينه وَغَيره) أَي وَفِيمَا يكون النَّهْي عَنهُ لقبح غَيره (أما فِي الْحسي) وَقد مر (فَالْأَصْل) أَي فالقبح فِيهِ لعَينه، لِأَن الأَصْل فِي الْقبْح أَن يكون قبحه لعَينه مَا لم يصرف عَنهُ صَارف، وَلَيْسَ فِيهِ، أَو لِأَن الأَصْل أَن يثبت الْقبْح باقتضاء النَّهْي فِي الْمنْهِي عَنهُ فِي غَيره فَلَا يتْرك الأَصْل من غير ضَرُورَة وَلَا ضَرُورَة: وَهَذَا أظهر (وَأما فِي الشَّرْعِيّ) وَقد مر تَفْسِيره أَيْضا فالقبح فِيهِ لغيره، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَلَو) كَانَ الْمنْهِي عَنهُ (لعَينه) أَي لقبحه الذاتي (امْتنع الْمُسَمّى شرعا) لِامْتِنَاع وجود الْقبْح شرعا، وَالنَّهْي دلّ على وجوده إِذْ لَا ينْهَى عَن الْمَعْدُوم (فَحرم نفس الصَّوْم) فِي الْأَيَّام المنهية (وَالْبيع) وَقت النداء (لكنهما ثابتان) شرعا (فَكَانَ) الشَّرْعِيّ (مَشْرُوعا بِأَصْلِهِ، لَا وَصفه بِالضَّرُورَةِ، وَقيل لَو كَانَ) الْقبْح فِي الْمنْهِي عَنهُ الشَّرْعِيّ لعَينه (امْتنع النَّهْي لِامْتِنَاع الْمنْهِي عَنهُ حِينَئِذٍ لَكِن النَّهْي وَاقع، فَكَذَا الْمنْهِي عَنهُ (وَدفع بِأَن امْتِنَاعه) أَي الْمنْهِي عَنهُ شرعا (لَا يمْنَع تصَوره) أَي إِمْكَان وجود الْمنْهِي عَنهُ (حسا وَهُوَ) أَي تصَوره حسا (مصحح النَّهْي وَهُوَ) أَي هَذَا الدّفع (بِنَاء على أَن الِاسْم الشَّرْعِيّ) مَوْضُوع (للصورة) سَوَاء تحقق مَعَ صور الْحَقِيقِيَّة الشَّرْعِيَّة مَا اعْتَبرهُ الشَّارِع من الْأَركان والشرائط أَولا (وهم) أَي الْحَنَفِيَّة (يمنعونه) أَي ينفون كَونه للصورة مُطلقًا (بل) هُوَ عِنْدهم لَهَا (بِقَيْد الِاعْتِبَار) يَعْنِي مُسَمّى الْأَسْمَاء الشَّرْعِيَّة لَيْسَ مُجَرّد صورها، بل يُقيد اعْتِبَار الشَّارِع إِيَّاهَا بِأَن يكون مستجمعا للأركان والشرائط (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ للصورة مُطلقًا (النَّهْي عَن صَلَاة الْحَائِض و) النَّهْي عَن (صَوْم الْعِيد وَلُزُوم كَون مثل الطَّهَارَة) من شُرُوط الصَّلَاة (جُزْء مَفْهُوم الْمَشْرُوط) الَّذِي هُوَ الصَّلَاة لما ذكر من أَن الِاسْم
الشَّرْعِيّ مَوْضُوع للصورة بِقَيْد الِاعْتِبَار واندراج الْمَشْرُوط فِي الِاعْتِبَار والاندراج فِي الْمُسَمّى يسْتَلْزم كَون المندرج جُزْءا مِنْهُ (و) لُزُوم (بطلَان صَلَاة فَاسِدَة) للتنافي بَين كَونهَا صَلَاة وَكَونهَا فَاسِدَة، لِأَن الِاعْتِبَار الْمَذْكُور مخرج لما فسد من مُسَمّى لفظ الصَّلَاة (يُوجِبهُ) خبر الْمُبْتَدَأ: أَي يُوجب مَا ذكر أَن الِاسْم بِإِزَاءِ الْهَيْئَة مُطلقًا (الْجَواب) أَنه (إِنَّمَا يُوجب) النَّهْي عَن الصَّلَاة وَالصَّوْم، وَقَوْلهمْ صَلَاة فَاسِدَة (صِحَة التَّرْكِيب) أَي تركيب لَا تصلي الْحَائِض وَلَا تصم يَوْم الْعِيد إِلَى غير ذَلِك (وَلَا يسْتَلْزم) صِحَة التَّرْكِيب (الْحَقِيقَة) أَي كَون الِاسْم حَقِيقَة فِي الصُّورَة فَقَط (فالاسم مجَاز شَرْعِي فِي الْجُزْء الَّذِي هُوَ الصُّورَة للْقطع بِصدق لم يصم للمسك) عَن الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع (حمية) مَعَ وجود الصُّورَة والمنفي عدم الْمجَاز وللزوم اتِّحَاد مسماها: أَي الْأَسْمَاء الشَّرْعِيَّة لُغَة وَشرعا فِي بَعْضهَا: أَي فِي بعض تِلْكَ الْأَسْمَاء: وَهُوَ فِيمَا إِذا كَانَ الْمَعْنى اللّغَوِيّ عين صُورَة الْمُسَمّى الشَّرْعِيّ وَهُوَ أَي الِاتِّحَاد الْمَذْكُور مُنْتَفٍ لما مر (والوضع لما وجد شَرطه لَا يسْتَلْزم اعْتِبَار الشَّرْط جُزْءا) مِنْهُ فَانْتفى لُزُوم جزئية الشَّرْط من الْمَشْرُوط (وَلَا يخفى أَنه آل كَلَامهم) أَي الْحَنَفِيَّة على هَذَا الْجَواب (إِلَى أَن مصحح النَّهْي جُزْء الْمَفْهُوم) أَي اسْتِعْمَال لفظ الصَّلَاة وَالصَّوْم فِي جُزْء مفهومهما (وَهُوَ) أَي جُزْء الْمَفْهُوم (مُجَرّد الْهَيْئَة فَسَلمُوا قَول الْخصم) لموافقتهم لَهُ على أَن الْمُصَحح النَّهْي الْوُجُود الْحسي للمنهي وَإِن اخْتلفُوا فِي أَن الِاسْم حَقِيقَة شَرْعِيَّة للصورة فَقَط أَو بِقَيْد الِاعْتِبَار (غير أَن ضعف الدَّلِيل) الْمعِين (لَا يبطل الْمَدْلُول) لجَوَاز ثُبُوته بِغَيْرِهِ (ويكفيهم) أَي الْحَنَفِيَّة (مَا ذَكرْنَاهُ لَهُم) من أَنه لَو كَانَ لعَينه لامتنع الْمُسَمّى لِامْتِنَاع مشروعيته مَعَ كَونه قبيحا لعَينه.
(تَنْبِيه: لما قَالَت الْحَنَفِيَّة بِحسن بعض الْأَفْعَال وقبحها لنَفسهَا وَغَيرهَا كَانَ تعلق النَّهْي الشَّرْعِيّ بِاعْتِبَار الْقبْح مَسْبُوقا بِهِ) أَي الْقبْح (ضَرُورَة حِكْمَة الناهي) لِأَن الْحَكِيم لَا يُنْهِي عَن الشَّيْء إِلَّا لقبحه، والقبح إِنَّمَا يعرف بِهَذَا الْوَجْه (لَا) أَنه يكون (مَدْلُول الصِّيغَة، فانقسم مُتَعَلّقه) أَي النَّهْي (إِلَى حسي فقبحه لنَفسِهِ إِلَّا بِدَلِيل) يدل على أَنه لغيره (وَلَا جِهَة محسنة) لذَلِك الْحسي الْقَبِيح لنَفسِهِ (فَلَا تقبل حرمته النّسخ) لِأَن نسخ حرمتهَا مُسْتَلْزم شرعيتها، والمفروض انه لَيْسَ لَهَا جِهَة حسن أصلا، وَمَا لَيْسَ فِيهِ جِهَة حسن لَا يصلح للمشروعية (وَلَا يكون سَبَب نعْمَة) وكل مَشْرُوع لَا بُد أَن يكون سَبَب نعْمَة (كالعبث) أَي اللّعب لخلوه عَن الْفَائِدَة (وَالْكفْر) لما فِيهِ من الكفران الْمنَافِي لشكر النعم الْوَاجِب عقلا قبح مَا لَا فَائِدَة فِيهِ وكفران الْمُنعم مركوز فِي الْعقل بِحَيْثُ لَا يتَصَوَّر جَرَيَان النّسخ فِيهِ (بِخِلَاف الْكَذِب الْمُتَعَيّن طَرِيقا لعصمة نَبِي) فَإِن فِيهِ جِهَة محسنة (أَو) قبحه (لجِهَة لم يرجح عَلَيْهَا غَيرهَا) من الْجِهَات
(فَكَذَلِك) أَي لَا تقبل حرمته النّسخ وَلَا يكون سَبَب نعْمَة (وَيُقَال فِيهِ قبح لعَينه شرعا كَالزِّنَا للتضييع) فَإِنَّهُ فعل حسي مَنْهِيّ عَنهُ لجِهَة فِيهِ لم يرجح عَلَيْهَا غَيرهَا: وَهِي تَضْييع النَّسْل، لِأَن الشَّرْع قصر انْتِفَاء النَّسْل بِالْوَطْءِ على مَحل مَمْلُوك (فَلم يبحه) الله تَعَالَى (فِي مِلَّة) من الْملَل فَإِن قيل ثُبُوت حُرْمَة الْمُصَاهَرَة نعْمَة، لِأَنَّهَا تلْحق الأجنبيات بالأمهات والأجانب بِالْآبَاءِ، وَقد ثبتَتْ مسببة عَن الزِّنَا عِنْد الْحَنَفِيَّة فَتعلق بِهِ خطاب الْوَضع من حَيْثُ جعله سَببا لَهَا فَلَزِمَ مشروعيته من هَذَا الْوَجْه وَأجِيب بِأَنَّهَا لم تثبت مسببة عَن الزِّنَا من حَيْثُ ذَاته، بل من حَيْثُ أَنه سَبَب للْمَاء الَّذِي هُوَ سَبَب الْمعْصِيَة الْحَاصِلَة بِالْوَلَدِ الَّذِي هُوَ مُسْتَحقّ للكراهة، وَمِنْهَا حُرْمَة الْمَحَارِم إِلَى آخر مَا ذكرُوا فِي مَحَله، وَفِيه مَا فِيهِ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَثُبُوت حُرْمَة الْمُصَاهَرَة عِنْده) أَي الزِّنَا (بِأَمْر آخر) لَا بِالزِّنَا (كثبوت ملك الْغَاصِب عِنْد زَوَال الِاسْم وتقرر الضَّمَان فِيمَا يجب بِملك) شُبْهَة، جَوَاب هَذَا الْإِشْكَال بِجَوَاب إِشْكَال آخر: وَهُوَ أَن الْغَصْب تعد على الْغَيْر فَلهُ جِهَة قبح لم يرجح عَلَيْهَا غَيرهَا وَقد جَعَلُوهُ مَشْرُوعا بعد النَّهْي حَيْثُ جَعَلُوهُ سَببا للْملك الْمَغْصُوب إِذْ تصرف فِيهِ الْغَاصِب تَصرفا بِهِ تغير بِحَيْثُ زَالَ اسْمه، وَكَانَ ذَلِك الْمَغْصُوب مِمَّا يَصح تملكه احْتِرَازًا عَن نَحْو الْمُدبر وَالْملك نعْمَة، وَذَلِكَ أَنه لم يثبت بِعَين الْغَصْب، بل بِأَمْر آخر وَهُوَ أَن لَا يلْزم اجْتِمَاع الْبَدَلَيْنِ فِي ملك الْمَغْصُوب مِنْهُ إِن قُلْنَا يبْقى ملكه فِي عين الْمَغْصُوب عِنْد تقرر الضَّمَان وصيرورة قِيمَته دينا فِي ذمَّة الْغَاصِب، وَفِي الْمَبْسُوط وَلَكِن هَذَا غلط، لِأَن الْملك عندنَا يثبت من وَقت الْغَصْب، وَلِهَذَا يَقع بيع الْغَاصِب وَيسلم الْكسْب لَهُ انْتهى، وَقد يُقَال ثُبُوته من وَقت الْغَصْب بطرِيق الِاسْتِنَاد وَهُوَ لَا يُنَافِي ثُبُوته عِنْد زَوَال الِاسْم، وَإِلَيْهِ أَشَارَ المُصَنّف رحمه الله إِلَى رد مَا ذكر من أَن سَبَب الْملك غير الْغَصْب أَمر آخر بقوله (وَالْمُخْتَار) أَن (الْغَصْب عِنْد الْفَوات سَبَب الضَّمَان مَقْصُودا جبرا) للفائت رِعَايَة للعدل: يَعْنِي لَا نقُول سَبَب الْملك أَمر آخر غير الْغَصْب، بل إِنَّمَا هُوَ الْغَصْب لَكِن عِنْد الْفَوات، فالفوات شَرط، وَالسَّبَب هُوَ الْغَصْب، وَطَرِيق سببيته أَنه قصد أَولا سببيته للضَّمَان جبرا (فاستدعى) كَون سَبَب الضَّمَان (تقدم الْملك) أَي ملك الْمَغْصُوب للْغَاصِب، لِأَنَّهُ مَعَ بَقَائِهِ فِي ملك الْمَغْصُوب مِنْهُ لَا يُمكن إِثْبَات الضَّمَان فِي ذمَّة الْغَاصِب لما ذكر (فَكَانَ) الْغَصْب (سَببا لَهُ) أَي للْملك (غير مَقْصُود) سببيته بِالذَّاتِ (بل بِوَاسِطَة سببيته) أَي الْغَصْب (لمستدعيه) أَي الْملك وَهُوَ الضَّمَان (وَهَذَا قَوْلهم) أَي حَاصِل قَول الْحَنَفِيَّة (فِي الْفِقْه هُوَ) أَي الْغَصْب (بعرضية) أَي فِي معرض (أَن يصير سَببا) لملك الْمَغْصُوب، لِأَنَّهُ مستبعد للإفضاء إِلَى الْملك غير أَنه مُتَوَقف على تحقق الْفَوات الَّذِي هُوَ شَرط الضَّمَان (لَا يُقَال لَا أثر لِلْعِلَّةِ الْبَعِيدَة) فِي الحكم (فَيصدق نفي سببيته) أَي الْغَصْب (للْملك) لِأَنَّهُ سَبَب بعيد لَهُ (فَالْحق الأول (
أَي كَون السَّبَب للْملك أمرا آخر وَهُوَ الضَّمَان لَا نفس الْغَصْب، لأَنا نقُول لَيْسَ الْحق الأول (لِأَن) نفي سببيته (الصَّادِق) نَفيهَا (الْمُطلق) المتحقق فِي ضمن انْتِفَاء سَبَبِيَّة مَقْصُودَة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وسببيته) أَي الْغَصْب للْملك مُقَيّدَة (بِقَيْد كَونه) أَي الْملك (غير مَقْصُود مِنْهُ) أَي الْغَصْب، بل لثُبُوته لضَرُورَة الْقَضَاء بِالْقيمَةِ، وَكَون الْحق هُوَ الأول إِنَّمَا يَتَأَتَّى بالسلب الْكُلِّي لسببيته مُطلقًا، كَيفَ (ولولاه) أَي سببيته: أَي الْغَصْب لملك الْغَاصِب للْمَغْصُوب (لم يَصح) أَي لم ينفذ (بيع الْغَاصِب) للْمَغْصُوب قبل الضَّمَان لانْتِفَاء مَا عدا وجوب السَّبَب من شُرُوط النّفُوذ فَإِن قيل يشكل بِعَدَمِ نُفُوذ عتقه قيل لَا، لِأَن الْمُسْتَند ثَابت من وَجه دون وَجه فَيكون نَاقِصا، والناقص يَكْفِي لنفوذ البيع لَا الْعتْق كَالْمكَاتبِ يَبِيع وَلَا يعْتق (وَلم يسلم لَهُ الْكسْب السَّابِق) أَي مَا كسب العَبْد الْمَغْصُوب قبل الضَّمَان، وَاسْتشْكل أَيْضا بِعَدَمِ ملك الْغَاصِب زوائده الْمُنْفَصِلَة كَالْوَلَدِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَعدم ملك زوائده الْمُنْفَصِلَة لِأَنَّهُ) أَي ملك الْمَغْصُوب ملك (ضَرُورِيّ) لما ذكر أَنه ثَبت شرطا لوُجُود الضمأن، وَمَا ثَبت ضَرُورَة يقْتَصر على قدر الضَّرُورَة (والمنفصل) من الزِّيَادَة (لَيْسَ تبعا) للْمَغْصُوب (بِخِلَاف الزِّيَادَة الْمُتَّصِلَة) كالسمن وَالْجمال (وَالْكَسْب) فَإِن كلا مِنْهَا تبع مَحْض: أما الْمُتَّصِلَة فَظَاهر، وَأما الْكسْب فَلِأَنَّهُ بدل الْمَنْفَعَة وَالْحكم يثبت فِي التبع بِثُبُوتِهِ فِي الأَصْل سَوَاء ثَبت فِي الْمَتْبُوع مَقْصُودا بِسَبَبِهِ أَو شرطا لغيره، و (بِخِلَاف الْمُدبر) إِنَّمَا كرر قَوْله بِخِلَاف مَعَ أَن كسب الْمُدبر مثل مَا قبله فِي مُخَالفَة حكمه للمنفصل لِأَنَّهُ يسْتَشْكل بِهِ إِذْ لَا يثبت للْملك فِي الْمُدبر للْغَاصِب وَإِن أدّى الضَّمَان لَكِن تحقق فِيهِ معنى فقهي أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (فَإِنَّهُ) أَي الْغَاصِب إِنَّمَا (يملك كَسبه) أَي الْمُدبر (إِن كَانَ) لَهُ كسب (بِنَاء على أَنه) أَي الْمُدبر (خرج عَن) ملك (الْمولى تَحْقِيقا) شَرط (الضَّمَان بِقدر الْإِمْكَان) تَعْلِيل لملك الْكسْب وَالْخُرُوج من الْمولى على سَبِيل التَّنَازُع: إِذْ الضَّمَان يُنَافِي اجْتِمَاع الْبَدَلَيْنِ وَعدم حُصُول ملك الْغَاصِب، وَاسْتشْكل أَيْضا على الأَصْل الْمَذْكُور بِملك الْكَافِر مَال الْمُسلم إِذا أحرزه بدار الْحَرْب، فَإِن الِاسْتِيلَاء فعل حسي مَنْهِيّ عَنهُ لذاته فَلَا يكون مَشْرُوعا بعد النَّهْي وَقد خَالفه الْحَنَفِيَّة حَيْثُ جَعَلُوهُ بعد النَّهْي سَببا للْملك، وَأَشَارَ إِلَى الْجَواب عَنهُ بقوله (وَأما الْكَافِر) الْمَالِك مَال الْمُسلم (بالإحراز) بدار الْحَرْب (فإمَّا لعدم النَّهْي) أَي فاعتبار الشَّرْع سَببه إحرازه واستيلاؤه للْملك إِمَّا لِأَنَّهُ لم يتَوَجَّه لَهُ خطاب وَنهي بِنَاء على عدم خطابهم بالفروع) على مَا ذهب إِلَيْهِ بعض الْحَنَفِيَّة، وَإِذا اختير هَذَا التَّأْوِيل (فَلَيْسَ) كَون إحرازهم سَببا للْملك (من الْبَاب) المبحوث عَنهُ فِي هَذَا الْمقَام (وَأما) لِأَنَّهُ يملك ذَلِك بِالِاسْتِيلَاءِ (عِنْد ثُبُوت الْإِبَاحَة) أَي
إِبَاحَة ذَلِك المَال لَهُ (بانتهاء ملك الْمُسلم) أَي بِسَبَب انْتِهَاء ملكه الْمُوجب رُجُوع المَال إِلَى الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة (بِزَوَال ملك الْمُسلم بِزَوَال الْعِصْمَة) مُتَعَلق بالانتهاء فَإِن مالكية الْمُسلم لمَاله ملزوم للعصمة الملزومة للإحراز بدار الْإِسْلَام، وَزَوَال اللَّازِم يسْتَلْزم زَوَال الْمَلْزُوم، وَزَوَال الْعِصْمَة (بالإحراز بِدَرَاهِم) أَي بِسَبَب إِحْرَاز الْكَافِر مَال الْمُسلم بدار الْحَرْب، وَإِنَّمَا كَانَ إحرازهم لَهُ بهَا مزيلا للعصمة (لانْقِطَاع الْولَايَة) أَي ولَايَة التَّبْلِيغ والإلزام: فَكَانَ استيلاؤهم على هَذَا المَال وعَلى الصَّيْد سَوَاء، وَإِذا كَانَ انْتهى سقط النَّهْي فَلم يكن الِاسْتِيلَاء مَحْظُورًا فصلح أَن يكون سَببا للْملك، ثمَّ يتَخَلَّص من هَذَا أَن مَا هُوَ مَحْظُور وَهُوَ ابْتِدَاء الِاسْتِيلَاء بدار الْإِسْلَام لَيْسَ بِسَبَب الْملك وَهُوَ سَبَب الْملك، وَهُوَ حَال الْبَقَاء والإحراز بدار الْكفْر لَيْسَ بمحظور فَلَا يرد النَّقْض، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (والاستيلاء ممتد فبقاؤه كابتدائه) فَصَارَ بعد الْإِحْرَاز بدار الْحَرْب كَأَنَّهُ استولى على مَال غير مَعْصُوم ابْتِدَاء بدار الْحَرْب فصلح سَببا للْملك فَإِن قيل سفر الْمعْصِيَة بِقطع الطَّرِيق وَإِلَّا بَاقٍ فعل حسي مَنْهِيّ عَنهُ لذاته فَكَانَ مُقْتَضى هَذَا أَن لَا يَجْعَل سَببا للرخصة الَّتِي هِيَ نعْمَة وَقد جعلتموه سَببا، فَالْجَوَاب منع كَونه مَنْهِيّا عَنهُ لذاته كَمَا قَالَ (والترخص بسفر الْمعْصِيَة للْعلم بِأَنَّهُ) أَي النَّهْي (فِيهِ) أَي سفر الْمعْصِيَة (لغيره) أَي لغير ذَات السّفر (مجاورا) للسَّفر (من الْقَصْد للمعصية) وَهَذَا الْقَصْد لَيْسَ بِلَازِم لذاته (إِذْ قد لَا تفعل) الْمعْصِيَة، بِلَا يتبدل بِقصد الطَّاعَة (وَيدْرك الْآبِق الْأذن) بِالسَّفرِ من مَوْلَاهُ، فَيخرج عَن الْعِصْيَان، فَلَا يُؤثر هَذَا المجاور فِي كَونه سَببا للرخصة من حَيْثُ هُوَ سير مديد، لِأَنَّهُ من هَذِه الْحَيْثِيَّة مُبَاح (وَكَذَا وَطْء الْحَائِض عرف) كَونه مَنْهِيّا عَنهُ (للأذى) لقَوْله تَعَالَى - {قل هُوَ أَذَى} - وَهُوَ مجاور فِي الْمحل قَابل للانفكاك (فاستعقب الْإِحْصَان، وَتَحْلِيل الْمُطلقَة) ثَلَاثًا وَصَارَ كَمَا إِذا حرم بِالْيَمِينِ ثمَّ عطف على قَوْله إِلَى حسي قَوْله (وَإِلَى شَرْعِي فالقطع بِأَنَّهُ) أَي الْقبْح فِيهِ (لغيره) أَي غير الْمنْهِي عَنهُ، وَإِلَّا لم يشرع قطيعا (وَلَا ينتهض) الْمنْهِي عَنهُ الشَّرْعِيّ (سَببا) للنعمة (إِذا رتب) الشَّارِع عَلَيْهِ (حكما يُوجب كَونه) أَي الْمنْهِي عَنهُ (لعينة) أَي الْمنْهِي عَنهُ (أَيْضا كَنِكَاح الْمَحَارِم) فَإِنَّهُ فعل (شَرْعِي عقل قبحه: لِأَنَّهُ طَرِيق القطيعة) للرحم الْمَأْمُور بصلتها لما فِيهِ من الامتهان بالاستفراش وَغَيره (فحين أخرجن عَن الْمَحَلِّيَّة) لنكاحه (صَار) نِكَاحه إياهن (عَبَثا، فقبح لعَينه فَبَطل) فَقَوله إِذا رتب إِلَى آخِره بِمَنْزِلَة الِاسْتِثْنَاء من كَون النَّهْي فِي الشَّرْعِيّ لغيره، وَقَوله أَيْضا إِلْحَاق لهَذِهِ الصُّورَة بالحسي الْمَذْكُور (ثمَّ الْإِخْرَاج) عَن محلية إنكاحه (لَيْسَ) وَاقعا على وَجه (وَإِلَّا لَازِما) أَي على وَجه اللُّزُوم (لما مهدناه من أَنه) أَي الشَّارِع (لم يَجْعَل لَهُ) أَي للنِّكَاح (حكما إِلَّا الْحل فنافى) حكمه (مُقْتَضى النَّهْي) وَهُوَ
التَّحْرِيم المؤبد فَكَانَ الْمنْهِي عَنهُ بَاطِلا (وَكَذَا الصَّلَاة بِلَا طَهَارَة بَاطِلَة لمثله) أَي لانْتِفَاء أَهْلِيَّة العَبْد لَهَا بِلَا طَهَارَة شرعا فَصَارَ فعلهَا بِدُونِ الطَّهَارَة عَبَثا فقبح لعَينه (وَكَانَ يجب مثله) أَي بطلَان الصَّلَاة (فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة لَكِن الظَّن الْمُتَقَدّم) أوجب خِلَافه إِشَارَة إِلَى مَا سبق من قَوْله وَمَا خَالف فلدليل كَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة على ظنهم: أَي الْحَنَفِيَّة، فَإِنَّهُم حكوا بِصِحَّتِهَا مَعَ النَّهْي الْمحرم، أَو الْمُوجب لكَرَاهَة التَّحْرِيم للْحَدِيث الْمَذْكُور فِيمَا سبق، وَذَلِكَ لِأَن مُقْتَضى النَّهْي التَّحْرِيم الْمنَافِي للْجُوَاز (وروى عَن أبي حنيفَة بُطْلَانهَا كَمَا اخترناه وَهُوَ قَول زفر) والدراية تقَوِّي هَذِه الرِّوَايَة، فَلْيَكُن التعويل عَلَيْهَا (فَإِن لم يرتب) الشَّارِع على الْمنْهِي عَنهُ حكما يُوجب كَون النَّهْي عَن الْمنْهِي عَنهُ لعَينه (ظهر أَنه لم يعْتَبر فِيهِ جِهَة توجب قبحا فِي عينه كَالْبيع) الْفَاسِد فِي وَقت النداء للْجُمُعَة (على مَا تقدم فَينْعَقد سَببا) لحكمه كالملك (فَظهر أَن الِاخْتِلَاف) فِي المنهيات الشرعيات من حَيْثُ الانتهاض سَببا وَعَدَمه (لَيْسَ مُرَتبا على أَن النَّهْي عَن الشَّرْعِيّ يدل على الصِّحَّة) للمنهي عَنهُ كَمَا هُوَ معزو إِلَى الْحَنَفِيَّة وَإِلَّا لما اخْتلفت فِي انتهاضها مسَائِل على أَن النَّهْي إخْرَاجهَا عَن الْمَحَلِّيَّة لما ذكر لم تنتهض إِلَّا وانتهضت (وَقَوْلهمْ) أَي الْحَنَفِيَّة النَّهْي فِي المشروعيات (يدل على مشروعيته) أَي الْفِعْل الْمنْهِي عَنهُ (بِأَصْلِهِ لَا بوصفه إِنَّمَا يُفِيد صِحَة الأَصْل) أَي أصل الْفِعْل (وَلَا يخْتَلف فِيهِ) أَي فِي كَون الأَصْل صَحِيحا (لِأَنَّهُ) أَي الأَصْل (غير الْمنْهِي عَنهُ) الَّذِي هُوَ مَجْمُوع الأَصْل وَالْوَصْف (فَلَا يستعقب) كَون الْمنْهِي عَنهُ يدل على مَشْرُوعِيَّة الْفِعْل بِأَصْلِهِ (صِحَّته) أَي الأَصْل (بِوَصْف يلازمه) أَي الأَصْل، لَا يُقَال دلّ على صِحَة الأَصْل، وَالْوَصْف الملازم لَا يُفَارق الأَصْل فِي الْوُجُود فَلَا يُفَارِقهُ فِي الصِّحَّة أَيْضا لجَوَاز أَن يكون الشَّيْء بِالنّظرِ إِلَى نَفسه صَحِيحا، وبالنظر إِلَى وَصفه فَاسِدا وَإِن كَانَ ذَلِك الْوَصْف لَازِما لذاته، وَالله أعلم.
تمّ الْجُزْء الأول ويليه الْجُزْء الثَّانِي، وأوله: الْفَصْل الْخَامِس فِي الْمُفْرد بِاعْتِبَار اسْتِعْمَاله.