الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَلآخر) كعمرو وَعدم كَونه برمتِهِ لوَاحِد (غير مَقْبُول) بعد التَّمَسُّك بِاسْتِعْمَال الفصحاء (وَقد حكى نَفْيه) أَي نفي الْحصْر الْمَذْكُور (وإثباته مفهوما ومنطوقا) فَهَذِهِ ثَلَاثَة مَذَاهِب (واستبعد) إثْبَاته منطوقا (لعدم النُّطْق بالنافي) أَي إِنَّمَا يدل على نفي الْعلم عَن غير زيد مثلا (وَعلمت فِي إِنَّمَا أَن لَا أثر لَهُ) أَي لعدم النُّطْق بالنافي الْمَعْهُود كَمَا وَلَا بعد وجود مُوجب الِانْتِقَال من وضع إِنَّمَا لمجموع النَّفْي وَالْإِثْبَات (بل وَجهه) أَي وَجه هَذَا الاستبعاد (عدم لفظ يتَبَادَر مِنْهُ) النَّفْي أَو الْمَجْمُوع بِاعْتِبَارِهِ (لِأَن اللَّام) فِي الْعَالم زيد (للْعُمُوم) وشمول اللَّفْظ بِجَمِيعِ أَفْرَاد الْمُسَمّى (فَقَط) فَلَيْسَ النَّفْي جُزْء مفهومها، لكنه يلْزم لما ذكره بقوله (فَإِنَّمَا يثبت) النَّفْي عَن الْغَيْر حَال كَونه (لَازِما لإثباته) أَي إِثْبَات الْجِنْس برمتِهِ لوَاحِد، أَو لإِثْبَات النَّفْي الْمَذْكُور وَالْإِضَافَة بِأَدْنَى مُلَابسَة (بِخِلَاف إِنَّمَا) فَإِنَّهُ يتَبَادَر مِنْهُ النَّفْي كالإثبات (وَمَا نسب إِلَى المنطقيين من جعلهم إِيَّاه) أَي ذَا اللَّام الَّتِي للْعُمُوم (جزئيا) أَي غير مُسْتَغْرق لأفراده لعدم اعتبارهم اللَّام سور الْكُلية (يَنْفِيه) خبر الْمَوْصُول، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب لَهُ، وَالْمَرْفُوع قَوْله (مَا حقق) فِي الْمنطق (من أَن السُّور مَا دلّ على كمية) أَفْرَاد (الْمَوْضُوع) كلا أَو بَعْضًا، وَلَا شكّ أَن اللَّام تدل (فذو اللَّام مسور بسور الْكُلية) فَهِيَ كلفظة كل.
التَّقْسِيم الثَّانِي
من التقسيمات الْمَذْكُورَة فِي عنوان هَذَا الْفَصْل (بِاعْتِبَار ظُهُور دلَالَته) أَي اللَّفْظ الْمُفْرد ومراتبها فِي الظُّهُور (إِلَى ظَاهر وَنَصّ ومفسر ومحكم) مُتَعَلق بِمَحْذُوف تَقْدِيره التَّقْسِيم الثَّانِي تَقْسِيم اللَّفْظ بِاعْتِبَار ظُهُور دلَالَته إِلَى ظَاهر وَكَذَا وَكَذَا (فمتأخروا الْحَنَفِيَّة) أَي فَقَالَ متأخروهم (مَا ظهر مَعْنَاهُ الوضعي) قد عرفت أَن الوضعي مَا للوضع مدْخل فِيهِ، فَدخل الْمَعْنى الْمجَازِي أَيْضا (بِمُجَرَّدِهِ) أَي ظهر وَفهم من غير خَفَاء بِمُجَرَّد سَماع اللَّفْظ، ظَاهر هَذِه الْعبارَة خُرُوج الْمجَاز، لِأَن ظُهُور مَعْنَاهُ بِالْقَرِينَةِ لَا بِمُجَرَّد اللَّفْظ، لَكِن لَا يجوز أَن يكون المُرَاد بِمُجَرَّد اللَّفْظ مَعَ مَا لَا بُد مِنْهُ فِي دلَالَته من غير احْتِيَاج إِلَى أَمر مُسْتَقْبل من كَلَام أَو دَلِيل عَقْلِي، وَأما الْقَرِينَة فَهِيَ كَالْعلمِ بِالْوَضْعِ فِي فهم الْمَوْضُوع لَهُ من اللَّفْظ. قَالَ ابْن الْحَاجِب: مَا دلّ دلَالَة ظنية، أما بِالْوَضْعِ كالأسد، أَو بِالْعرْفِ كالغائط انْتهى، وَفسّر القَاضِي مُرَاده بقوله كالأسد للحيوان، وَأما بعرف الِاسْتِعْمَال كالغائط للْخَارِج المستقذر، وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ هَهُنَا: وَظَاهر كَلَام المُصَنّف رحمه الله أَن قَوْلنَا إِمَّا بِالْوَضْعِ أَو بِالْعرْفِ من تَمام الْحَد احْتِرَازًا بِهِ عَن الْمجَاز، وَبِه صرح الْآمِدِيّ
رَحمَه الله (مُحْتملا) لغير مَعْنَاهُ الظَّاهِر احْتِمَالا مرجوحا (إِن لم يسق) الْكَلَام (لَهُ) أَي لمعناه (أَي لَيْسَ) مَعْنَاهُ (الْمَقْصُود الْأَصْلِيّ من اسْتِعْمَاله) فاسم لَيْسَ ضمير الْمَعْنى وَخَبره الْمَقْصد، قَيده بالأصلي لِئَلَّا يتَوَهَّم أَن المُرَاد نفى كَونه مَقْصُودا مُطلقًا، وَهَذَا هُوَ الْمَوْعُود بقوله كَمَا سنذكر عِنْد تَعْمِيم الْمَقْصد الْأَصْلِيّ وَغَيره فِي عبارَة المُصَنّف رحمه الله (فَهُوَ) أَي اللَّفْظ (بِهَذَا الِاعْتِبَار) أَي بِاعْتِبَار ظُهُور مَعْنَاهُ الوضعي بِمُجَرَّدِهِ إِلَى آخِره (الظَّاهِر) أَي يُسمى بِهِ، وَوجه التَّسْمِيَة ظَاهر (وَبِاعْتِبَار ظُهُور مَا سيق لَهُ مَعَ احْتِمَال التَّخْصِيص والتأويل النَّص) احْتِمَال التَّخْصِيص فِيمَا إِذا كَانَ عَاما، وَأما التَّأْوِيل فَهُوَ يتَحَقَّق فِي الْعَام وَالْخَاص فَلَا وَجه لتخصيص الشَّارِح إِيَّاه بالخاص، والتأويل من أولت الشَّيْء صرفته ورجعته، وَهُوَ اعْتِبَار دَلِيل يصير الْمَعْنى بِهِ أغلب على الظَّن من الْمَعْنى الظَّاهِر، وَالنَّص من نصصت الشَّيْء رفعته، سمى بِهِ لارتفاعه بِالنِّسْبَةِ إِلَى الظَّاهِر (وَيُقَال) النَّص (أَيْضا لكل) شَيْء (سَمْعِي) أَي لكل لفظ سمع من الشَّارِع سَوَاء كَانَ ظَاهرا أَولا (وَمَعَ عدم احْتِمَاله غير النّسخ الْمُفَسّر) التَّفْسِير مُبَالغَة الفسر: وَهُوَ الْكَشْف، فيراد بِهِ كشف لَا شُبْهَة فِيهِ، وَلِهَذَا يحرم التَّفْسِير بِالرَّأْيِ دون التَّأْوِيل لِأَنَّهُ الظَّن بالمراد، وَحمل الْكَلَام على غير الظَّاهِر بِلَا جزم فيقبله الظَّاهِر وَالنَّص، لِأَن الظَّاهِر يحْتَمل غير المُرَاد احْتِمَالا بَعيدا، وَالنَّص يحْتَملهُ احْتِمَالا أبعد دون الْمُفَسّر، لِأَنَّهُ لَا يحْتَملهُ أصلا: غير أَنه يحْتَمل أَن ينْسَخ (وَيُقَال) الْمُفَسّر (أَيْضا ل) كل (مَا بَين) المُرَاد مِنْهُ (بقطعي مِمَّا فِيهِ خَفَاء من الْأَقْسَام الْآتِيَة) للفظ بِاعْتِبَار خَفَاء مَعْنَاهُ الوضعي، والمشكل مَا عدا الْمُتَشَابه مِنْهَا كَمَا هُوَ الْمُخْتَار من أَن الْمُتَشَابه لَا يلْحقهُ الْبَيَان فِي هَذِه الدَّار، وَهُوَ الْخَفي والمشكل والمجمل وَاعْترض الشَّارِح على المُصَنّف بِمَا حَاصله أَن كَلَام المُصَنّف يدل على أَن بَين الْمَعْنيين عُمُوما من وَجه لاجتماعهما فِيمَا لَا يحْتَمل إِلَّا النّسخ، وَقد كَانَ لَهُ خَفَاء أزيل بقطعي، وافتراق الأول عَن الثَّانِي فِي غير مُحْتَمل لم يكن لَهُ خَفَاء أزيل بقطعي: وَهُوَ يحْتَمل غير النّسخ، وَكَلَام فَخر الْإِسْلَام على خِلَافه حَيْثُ قَالَ: وَأما الْمُفَسّر فَمَا ازْدَادَ وضوحا على النَّص: سَوَاء كَانَ بِمَعْنى فِي النَّص أَو بِغَيْرِهِ بِأَن كَانَ مُجملا فَلحقه بَيَان قَاطع فانسد بَاب التَّأْوِيل والتخصيص انْتهى، لِأَنَّهُ يدل على أَن لَهُ معنى وَاحِدًا يعم مَا لَا يحْتَمل من الأَصْل، وَمَا لَا يحْتَمل بعد الْبَيَان، وَكَذَا يدل على خِلَافه على مَا فِي الْمِيزَان من أَن الْمُفَسّر كَمَا يَقع على مَا كَانَ مَكْشُوف المُرَاد من الأَصْل بِأَن لَا يحْتَمل إِلَّا وَجها وَاحِدًا يَقع على الْمُشْتَرك والمشكل والمجمل الَّذِي صَار مُرَاد الْمُتَكَلّم مِنْهُ مَعْلُوما للسامع بِوَاسِطَة انْقِطَاع الِاحْتِمَال والإشكال انْتهى وَأَنت خَبِير بِأَن المُصَنّف رحمه الله لم يُصَرح بِالنِّسْبَةِ بَين الْمَعْنيين، وَكَلَام الْمَتْن مُوَافق لما فِي الْمِيزَان، فَإِنَّهُ وَإِن لم يُصَرح بِكَوْنِهِ مَكْشُوف المُرَاد من الأَصْل، لكنه يفهم من قرينَة التقابل وَكَونه من أَقسَام ظَاهر
الدّلَالَة، وَلَا مَحْظُور فِي أَن يُخَالف فَخر الْإِسْلَام إِذا وَافق غَيره على أَنه يجوز أَن فَخر الْإِسْلَام لما رأى أَن لفظ الْمُفَسّر يسْتَعْمل تَارَة فِي هَذَا، وَتارَة فِي ذَاك جعله بِإِزَاءِ مَا يعمهما اصْطِلَاحا مِنْهُ وَلَا مشاحه فِيهِ (وان) بَين المُرَاد بِمَا فِيهِ خَفَاء من الْأَقْسَام الْمَذْكُورَة (بظني) كَخَبَر الْوَاحِد وَبَعض الأقيسة (فمؤول) ذكره تَقْرِيبًا وتتميما لبَيَان مَا بَين مِنْهُ المُرَاد (وَمَعَ عَدمه) أَي عدم اعْتِبَار ظُهُور مَا سيق لَهُ مَعَ عدم احْتِمَال غير النّسخ وَمَعَ عدم احْتِمَاله، وَيفهم هَذَا من سِيَاق الترقي من الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى، وَيحْتَمل أَن يرجع ضمير عَدمه إِلَى مُطلق الِاحْتِمَال، وبنفي الْمُطلق يحصل الْمَقْصُود (فِي زَمَانه صلى الله عليه وسلم قَيده بذلك الزَّمَان، لِأَن احْتِمَاله لَا يتَصَوَّر بعد مَوته صلى الله عليه وسلم لانْقِطَاع الْوَحْي، فَجَمِيع السمعيات مُتَسَاوِيَة فِي عدم احْتِمَاله كَمَا سَيذكرُهُ (الْمُحكم) وَلَا يخفى وَجه التَّسْمِيَة وَهُوَ (حَقِيقَة عرفية) مُخْتَصَّة بالأصوليين (فِي الْمُحكم لنَفسِهِ) وَهُوَ مَا لَا يحْتَمل النّسخ لَا فِي زَمَانه وَلَا فِي غَيره: كالآيات الدَّالَّة على وجود الصَّانِع ووحدانيته وَسَائِر صِفَاته، وعَلى الْأَخْبَار عَمَّا كَانَ أَو سَيكون عِنْد الْجُمْهُور لِامْتِنَاع التَّغَيُّر فِي مدلولاتها وَلُزُوم الْكَذِب (وَالْكل) من الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة وَغَيرهَا من السمعيات (بعده) صلى الله عليه وسلم (مُحكم لغيره) وَهُوَ انْقِطَاع الْوَحْي فَإِن قلت قَوْله الْكل يَشْمَل الْمُحكم لنَفسِهِ أَيْضا قلت فليشمل، غَايَة الْأَمر لُزُوم كَونه محكما لنَفسِهِ وَغَيره (يلْزمه) أَي لفظ الْمُحكم عِنْد إِطْلَاقه على الْمُحكم لغيره أَو يلْزم الْمُحكم لغيره عِنْد إِطْلَاق لفظ الْمُحكم عَلَيْهِ (التَّقْيِيد) بِقَيْد لغيره (عرفا) أصوليا تمييزا بَين الصِّنْفَيْنِ فِي اللَّفْظ بعد اشتراكهما فِي الْمَعْنى اللّغَوِيّ: وَهُوَ الإتقان والإحكام الْمنَافِي للتغيير والتبديل وَإِنَّمَا لزم التَّقْيِيد فِي الثَّانِي، لِأَن الأول أكمل فِي معنى الإحكام فَيَنْصَرِف الْمُطلق إِلَيْهِ، ثمَّ قبل زِيَادَة الوضوح فِي النَّص على الظَّاهِر بِكَوْنِهِ مسوقا لَهُ، وَفِي الْمُفَسّر بِكَوْنِهِ لَا يحْتَمل التَّأْوِيل والتخصيص، وَأما فِي الْمُحكم فَغير ظَاهر، لِأَن عدم احْتِمَال النّسخ لَا يُؤثر فِي زِيَادَة الوضوح فِي النَّص على الظَّاهِر بِكَوْنِهِ، وَأجِيب بِأَن المُرَاد بِزِيَادَة الوضوح فِيهِ لازمها وَهُوَ زِيَادَة الْقُوَّة، ثمَّ إِذا كَانَت الْأَقْسَام متمايزة بقيود متباينة (فَهِيَ متباينة) هَذَا على مَا هُوَ الْمَشْهُور عِنْد الْمُتَأَخِّرين، فَيشْتَرط فِي الظَّاهِر عدم السُّوق، وَفِي النَّص احْتِمَال التَّخْصِيص والتأويل: أَي أَحدهمَا، وَفِي الْمُفَسّر احْتِمَال النّسخ، وَأما مُقْتَضى كَلَام الْمُتَقَدِّمين فَهُوَ أَن الْمُعْتَبر فِي الظَّاهِر ظُهُور المُرَاد سَوَاء سيق لَهُ أَولا، وَفِي النَّص السُّوق احْتمل أَولا، وَفِي الْمُفَسّر عدم احتمالهما احْتمل النّسخ أَولا على مَا سَيَجِيءُ (وَلَا يمْتَنع الِاجْتِمَاع) أَي اجْتِمَاع قسمَيْنِ مِنْهَا فَأكْثر (فِي لفظ) وَاحِد (بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا سيق إِلَيْهِ وَعَدَمه) عطف على الْمَوْصُول وَالضَّمِير لَهُ، فَالْمُرَاد بِعَدَمِهِ مَا لم يسق لَهُ من بَاب ذكر اللَّازِم وَإِرَادَة الْمَلْزُوم مَعَ ظُهُور الْقَرِينَة، وَيجوز أَن يكون عَدمه على صِيغَة الْمَاضِي، من
قَوْلهم عَدمه إِذا لم يجده، فَيكون مَعْطُوفًا على صلَة الْمَوْصُول، وَالضَّمِير للسوق فَتدبر وَلَا تدافع بَين إِمْكَان الِاجْتِمَاع وَلُزُوم التباين بَين الْأَقْسَام، لِأَن ذَلِك بِاعْتِبَار الْمَعْنى الْوَاحِد، وَهَذَا بِاعْتِبَار الْمَعْنيين (كَمَا تفيده الْمثل، {وَأحل الله البيع وَحرم الرِّبَا} بدل الْبَعْض من الْمثل بِغَيْر عَائِد إِلَى الْمُبدل للْعلم الْوَاضِح ببعضيته مِنْهَا (ظَاهر) أَي النَّص الْمَذْكُور ظَاهر (فِي الْإِبَاحَة وَالتَّحْرِيم إِذا لم يسق لذَلِك) أَي الْإِبَاحَة وَالتَّحْرِيم (نَص) خبر بعد خبر (بِاعْتِبَار) معنى مَفْهُوم مِنْهُ (خَارج) عَن منطوقه (هُوَ) أَي ذَلِك الْخَارِج (رد تسويتهم) المفهومة من قَوْلهم إِنَّمَا البيع مثل الرِّبَا، فَمَا وضع لَهُ اللَّفْظ غير مسوق لَهُ ولازمه الْمَدْلُول التزاما هُوَ المسوق لَهُ {فانكحوا مَا طَابَ لكم} الْآيَة) أَي مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع (ظَاهر فِي الْحل) أَي فِي حل أصل النِّكَاح، لِأَن الْأَمر للْإِبَاحَة (نَص بِاعْتِبَار) معنى (خَارج) عَن الْمُسَمّى (هُوَ قصره) أَي النِّكَاح أَو التناكح (على الْعدَد) الْمَذْكُور (إِذْ السُّوق لَهُ) أَي الْعدَد أَو الْقصر عَلَيْهِ، إِذْ الْحل قد كَانَ مَعْلُوما قبل نُزُولهَا، يُؤَيّد ذَلِك ذكره بعد خوف الْجور، وَترك الْعدْل فِي الْيَتَامَى الْمَدْلُول بقوله تَعَالَى - {وَإِن خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا فِي الْيَتَامَى} -، فَكَأَنَّهُ يَقُول: اتْرُكُوا زواج الْيَتَامَى عِنْد خوف ذَلِك، فَإِن لكم سَعَة فِي غَيْرهنَّ إِلَى هَذَا الْحَد (فيجتمعان) أَي القسمان كَالظَّاهِرِ، وَالنَّص (دلَالَة) تَمْيِيز عَن نِسْبَة الْفِعْل إِلَى فَاعله، يَعْنِي اجْتِمَاع الدلالتين كَيفَ، وَإِلَّا فالدال وَاحِد لَا يتَصَوَّر فِيهِ الِاجْتِمَاع إِلَّا باعتبارها (ثمَّ الْقَرِينَة تعين المُرَاد بِالسوقِ) فَلَا يشْتَبه على الْمُخَاطب بِسَبَب اجْتِمَاع الدلالتين (وَهُوَ) أَي المُرَاد بِالسوقِ الْمَدْلُول (الالتزامي) فِيمَا تقدم من المثالين (فيراد) الْمَعْنى (الآخر) الَّذِي هُوَ ملزوم ذَلِك الالتزامي معنى (حَقِيقِيًّا) للفظ لكَونه مُسَمَّاهُ (لَا) يُرَاد معنى (أَصْلِيًّا) مَقْصُودا بِالسوقِ (أَعنِي) بِالْآخرِ الْحَقِيقِيّ الْمَعْنى (الظَّاهِرِيّ، وَيصير الْمَعْنى النصي مدلولا التزاميا لمجموع الظاهرين) فِي قَوْله تَعَالَى - {وَأحل الله البيع وَحرم الرِّبَا} -، فَعلم أَن النَّص قد يكون مركبا من جملتين، فَلَا يَنْبَغِي تَقْيِيد الْمقسم بالأفراد (وَمِثَال انْفِرَاد النَّص) عَن الظَّاهِر قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم} لكَون مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ هُوَ المسوق لَهُ واحتماله التَّخْصِيص بِمَا عدا الصّبيان والمجانين (وكل لفظ سيق لمفهومه) الْحَقِيقِيّ الْمُحْتَمل للتخصيص أَو التَّأْوِيل الظَّاهِر مُرَاده بِمُجَرَّدِهِ مَعْطُوف على خبر الْمُبْتَدَأ، أَعنِي يَا أَيهَا النَّاس إِلَى آخِره و (أما الظَّاهِر فَلَا ينْفَرد) عَن النَّص (إِذْ لَا بُد) فِي كل أَمر تحقق فِيهِ ظَاهر (من أَن يساق اللَّفْظ لغَرَض) وَيمْتَنع خلو الْكَلَام عَن مَقْصُود أُصَلِّي يساق لَهُ، فَإِن كَانَ مُسَمَّاهُ لم يكن هُنَاكَ غير النَّص، وَإِن كَانَ غَيره لم ينْفَرد الظَّاهِر عَنهُ (ومثلوا) أَي الْمُتَأَخّرُونَ (الْمُفَسّر كالمتقدمين) أَي كَمَا مثل المتقدمون بقوله تَعَالَى {فَسجدَ الْمَلَائِكَة} الْآيَة، ويلزمهم) أَي
الْمُتَأَخِّرين على مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ من اعْتِبَار التباين بَين الْأَقْسَام، وَاحْتِمَال النّسخ فِي الْمُفَسّر (أَن لَا يَصح) تمثيلهم هَذَا (لعدم احْتِمَال النّسخ) لكَونه من الْأَخْبَار (وثبوته) أَي احْتِمَال النّسخ (مُعْتَبر) فِي الْمُفَسّر (للتباين) الْمُعْتَبر بَين الْأَقْسَام على رَأْيهمْ (فَإِنَّمَا يتَصَوَّر الْمُفَسّر) أَي تحَققه بعد احْتِمَال النّسخ فِيهِ (فِي مُفِيد حكم) أَي فِي لفظ يُفِيد حكما شَرْعِيًّا ليمكن نسخه (بِخِلَاف الْمُحكم) فَإِنَّهُ يتَحَقَّق فِي الْأَخْبَار أَيْضا كَقَوْلِه تَعَالَى {وَالله بِكُل شَيْء عليم} ، لِأَنَّهُ) أَي شَرط الْمُحكم بِتَقْدِير الْمُضَاف (نَفْيه) أَي نفي الِاحْتِمَال النّسخ، وَالنَّفْي مُتَحَقق فِي الْأَخْبَار (وَالْأولَى) أَن يذكر فِي تَمْثِيل الْمُحكم (نَحْو) قَوْله صلى الله عليه وسلم (الْجِهَاد مَاض) مُنْذُ بَعَثَنِي الله إِلَى أَن يُقَاتل آخر أمتِي الدَّجَّال لَا يُبطلهُ جور جَائِر، وَلَا عدل عَادل: مُخْتَصر من حَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد، وَجه الْأَوْلَوِيَّة أَن قصد الأصولي بِالذَّاتِ نَحْو بَيَان أَنْوَاع مَا يدل على الحكم الشَّرْعِيّ. (و) قَالَ (المتقدمون) من الْحَنَفِيَّة (الْمُعْتَبر فِي الظَّاهِر ظُهُور) الْمَعْنى (الوضعي بِمُجَرَّدِهِ) أَي بِمُجَرَّد اللَّفْظ الدَّال عَلَيْهِ، وَقد مر بَيَانه (سيق لَهُ أَولا) أَي سَوَاء سيق اللَّفْظ لذَلِك الوضعي أَولا (و) الْمُعْتَبر (فِي النَّص ذَلِك) أَي الظُّهُور المتحقق فِي ضمن السُّوق وَعَدَمه (مَعَ ظُهُور مَا سيق لَهُ) إِذا كَانَ مَا سيق لَهُ غير مَعْنَاهُ الوضعي كآية الرِّبَا، وَعدد النِّسَاء (احْتمل التَّخْصِيص والتأويل أَولا، وَفِي الْمُفَسّر) الْمُعْتَبر (عدم الِاحْتِمَال) لَهما مَعَ ظُهُور مَعْنَاهُ الوضعي والمسوق لَهُ سَوَاء (احْتمل النّسخ أَولا و) الْمُعْتَبر (فِي الْمُحكم عَدمه) أَي احْتِمَال النّسخ مَعَ ظُهُور مَا ذكر، وَعدم احْتِمَال التَّخْصِيص (فَهِيَ) أَي الْأَقْسَام (متداخلة) لكَون الأول يعم الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة، وَالثَّانِي الباقيين، وَالثَّالِث وَالرَّابِع (وَقَول فَخر الْإِسْلَام فِي الْمُفَسّر إِلَّا أَنه يحْتَمل النّسخ سَنَد للمتأخرين فِي اعتبارهم (التباين) بَينهمَا، لِأَنَّهُ لَا وَجه لاعْتِبَار التباين بَين الْمُفَسّر والمحكم دون غَيرهمَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (إِذْ لَا فصل بَين الْأَقْسَام) فِي اعْتِبَار التباين وَعَدَمه (وَبِه) أَي بقول فَخر الْإِسْلَام هَذَا (يبعد نفي) اعْتِبَار (التباين) بَين الْأَقْسَام (عَن كل الْمُتَقَدِّمين) لِأَن الظَّاهِر عدم مُخَالفَته كلهم (وَلعدم) اعْتِبَار (التباين) بَينهَا (مثلُوا) أَي المتقدمون (الظَّاهِر) أَي صوروه بقوله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا} ، الزَّانِي) بِحَذْف العاطف أَو بسردهما على طَرِيق التعداد، وَيُؤَيّد الأول ذكره العاطف فِي قَوْله (وَالسَّارِق وبالأمر) بِإِظْهَار الْبَاء فِي الْمُقدر فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ إِشَارَة إِلَى كَون الْأَمر (وَالنَّهْي) بِاعْتِبَار كثرتهما متميزين عَن الْأَمْثِلَة الْمَذْكُورَة (مَعَ ظهورما) أَي معنى (سيق لَهُ) كل وَاحِد من الْمَذْكُورَات: أَي مثلُوا بهَا مَعَ علمهمْ بِكَوْنِهَا نصوصا بِاعْتِبَار مَعَانِيهَا الظَّاهِرِيَّة لكَونهَا مسوقا لَهَا، فَعلم أَن الْمُعْتَبر فِي الظَّاهِر عِنْدهم ظُهُور الْمَعْنى سَوَاء كَانَ مسوقا لَهُ أَولا، فَالظَّاهِر أَعم من النَّص لَا مباين لَهُ
(وَاقْتصر بَعضهم) أَي الْمُتَقَدِّمين (فِي) تَمْثِيل (النَّص) على إِبَاحَة الْعدَد (على) ذكر (مثنى إِلَى رباع) وَلم يذكر - فانكحوا إِلَى مثنى -، وَفِي تَمْثِيل النَّص على التَّفْرِقَة بَين البيع والربا على مَا ذكر حرم الرِّبَا ظنا مِنْهُ أَن النَّص إِنَّمَا هُوَ مثنى وَثَلَاث وَربَاع فِي الأول، (وَحرم الرِّبَا) فِي الثَّانِيَة (وَالْحق أَن كلا من انكحوا، وَاسم الْعدَد لَا يسْتَقلّ نصا إِلَّا بملاحظة الآخر) وَكَذَا كل من أحل الله البيع، وَمن حرم الرِّبَا لَا يسْتَقلّ نصا على التَّفْرِقَة إِلَّا بملاحظة الآخر (فالمجموع) هُوَ (النَّص) وَذَلِكَ لِأَن التَّنْصِيص على عدد معِين بِاعْتِبَار حكم خَاص لَا يحصل بِمُجَرَّد ذكر الْعدَد من غير ذكر الْمَعْدُود وَالْحكم، وَكَذَا التَّنْصِيص على الْفرق لَا يحصل إِلَّا بِمُجَرَّد حُرْمَة الرِّبَا بِدُونِ ذكر حل البيع. (و) قَالَت (الشَّافِعِيَّة الظَّاهِر مَا) أَي لفظ (لَهُ دلَالَة ظنية) ناشئة (عَن وضع) كالأسد للحيوان المفترس، وعَلى هَذَا فالنص مَا دلّ دلَالَة قَطْعِيَّة (أَو عرف) كالغائط للْخَارِج المستقذر إِذا غلب فِيهِ بعد أَن كَانَ فِي الأَصْل للمكان المطمئن من الأَرْض (وَإِن كَانَ) الدَّال الْمَذْكُور (مجَازًا بِاعْتِبَار اللُّغَة) يَعْنِي أَن لفظ الْغَائِط كَانَ فِي اللُّغَة مَوْضُوعا بِإِزَاءِ الْمَكَان المطمئن الَّذِي هُوَ مَحل عَادَة للْخَارِج المستقذر، وَبِاعْتِبَار هَذِه العلاقة كَانَ يسْتَعْمل فِيهِ مجَازًا، ثمَّ صَار لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال فِيهِ مَوْضُوعا عرفا، فَإِن اسْتعْمل فِيهِ بِاعْتِبَار الْوَضع الْعرفِيّ كَانَ حَقِيقَة، وَإِن بنى التخاطب فِيهِ على الْوَضع اللّغَوِيّ وَاسْتعْمل فِيهِ بِاعْتِبَار تِلْكَ العلاقة كَانَ مجَازًا لغويا، وَقَوله عَن الخ إِن كَانَ من تَمام الْحَد لزم خُرُوج الْمجَاز عَن التَّعْرِيف وَإِن كَانَ إِشَارَة إِلَى التَّقْسِيم بعد تَمام الْحَد لم يلْزم، غير أَن التَّقْسِيم حِينَئِذٍ لَا يكون حاصرا، (ويستلزم) كَونه ظَنِّي الدّلَالَة أَن يحْتَمل (احْتِمَالا مرجوحا) غير الْمَعْنى الظَّاهِرِيّ، وَإِلَّا لزم كَونه قَطْعِيّ الدّلَالَة على الْمَعْنى الظَّاهِرِيّ (وَهُوَ قسم من النَّص عِنْد الْحَنَفِيَّة) أَي الَّذِي هُوَ ظَاهر عِنْد الشَّافِعِيَّة قسم مِمَّا هُوَ نَص عِنْد الْحَنَفِيَّة، فالظرف مُتَعَلق بِمَا يُسْتَفَاد من قَوْله من النَّص، وَالْمعْنَى من الْمُسَمّى بِالنَّصِّ عِنْدهم، وَيجوز أَن يكون ظرفا لكَون الظَّاهِر قسما مِنْهُ، ومآلهما وَاحِد وَلما كَانَ يتَّجه هَهُنَا سُؤال، وَهُوَ أَن مَا دلّ عَلَيْهِ اللَّفْظ ظنا قد لَا يكون مسوقا لَهُ وَلَا ظَاهرا مِنْهُ بِمُجَرَّدِهِ، وهما معتبران فِي النَّص عِنْد الْحَنَفِيَّة مَعَ الدّلَالَة الظنية، فَكل نَص دَال ظنا من غير عكس، فالدال ظنا أَعم من النَّص، وَكَيف يكون الْأَعَمّ قسما من الْأَخَص؟ أَرَادَ تَقْيِيد الْأَعَمّ بِمَا يُسْتَفَاد من قَوْله (وَهُوَ) أَي مَاله دلَالَة ظنية (مَا) أَي لفظ (كَانَ سوقه لمفهومه) وَلَا شكّ أَن النَّص كَمَا يكون سوقه لمفهومه كَذَلِك يكون لغير مَفْهُومه كآية الرِّبَا وَالسَّرِقَة، وَالْجُمْلَة إِمَّا حَال عَن قَوْله هُوَ، أَو مستأنفة لبَيَان الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بالقسمية، وَهَذَا على رَأْي الْمُتَقَدِّمين، وَأما على رَأْي الْمُتَأَخِّرين فالنص اعْتبر فِيهِ احْتِمَال التَّخْصِيص والتأويل،
فَالظَّاهِر بعد التَّقْيِيد الْمَذْكُور يكون أَيْضا أخص مِنْهُ إِلَّا أَن مَادَّة الِافْتِرَاق حِينَئِذٍ تَنْحَصِر فِيمَا سيق لغير مَفْهُومه، بِخِلَاف الأول، فَإِن الْمُفَسّر والمحكم كَذَلِك فِي مَادَّة الِافْتِرَاق فَإِن قلت هَل يجوز إرجاع الْمَرْفُوع الثَّانِي إِلَى النَّص قلت لَا، لِأَنَّهُ يلْزم حِينَئِذٍ كَون الظَّاهِر على إِطْلَاقه قسما من النَّص لعدم مَا يُقَيِّدهُ، مَعَ أَنه مضى تَفْسِيره قَرِيبا، وَلَا يحْتَاج إِلَى التَّفْسِير ثَانِيًا، وَلَيْسَ من دأب المُصَنّف مثل هَذَا التّكْرَار ثمَّ لما كَانَ هَهُنَا مَظَنَّة أَن يُقَال كَيفَ يكون ظَاهر الشَّافِعِيَّة قسما من نَص الْحَنَفِيَّة مَعَ تصريحهم بقطعية دلَالَة النَّص أَفَادَ أَن لَا مُنَافَاة بَينهمَا بقوله (وَإِن اخْتلفُوا) أَي الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة (فِي قَطْعِيَّة دلَالَته) أَي النَّص (وظنيتها) أَي دلَالَته، ثمَّ أَفَادَ وَجه التَّوْفِيق بقوله (وَالْوَجْه أَنه) أَي الْخلاف والنزاع الْمَذْكُور (لَفْظِي) أَي مَنْسُوب إِلَى اللَّفْظ بِاعْتِبَار مَا يُوهم ظَاهره، وَلَا خلاف فِي الْمَعْنى لعدم اتِّحَاد مورد الْقطع وَالظَّن (فالقطعية) الَّتِي ذكرهَا الْحَنَفِيَّة (للدلالة) أَي لدلَالَة هَذَا الْقسم من النَّص على مَعْنَاهُ (والظنية) الَّتِي ذكرهَا الشَّافِعِيَّة (بِاعْتِبَار الْإِرَادَة) وَأَيْنَ الدّلَالَة من الْإِرَادَة؟ فَإِن دلَالَة اللَّفْظ الْمَوْضُوع على مَعْنَاهُ بعد الْعلم بِالْوَضْعِ لَا تنفك عَنهُ قطعا، بِخِلَاف إِرَادَة مَا وضع لَهُ، فَإِنَّهُ قد يصرف عَنهُ الْقَرِينَة الصارفة إِلَى مَا تعينه الْمعينَة (فَلَا اخْتِلَاف) فِي الْمَعْنى هَذَا، وَيرد عَلَيْهِ أَن القطعية بِاعْتِبَار الدّلَالَة لَا تخص النَّص، بل الظَّاهِر أَيْضا دلَالَة قَطْعِيَّة بالتأويل الْمَذْكُور، وَالِاحْتِمَال بِاعْتِبَار الْإِرَادَة فَتدبر (واستمروا) أَي الشَّافِعِيَّة (على إِيرَاد المؤول قرينا لَهُ) أَي الظَّاهِر، (فَيُقَال الظَّاهِر، والمؤول كالخاص وَالْعَام) أَي كَمَا اسْتمرّ الأصوليون على إِيرَاد الْعَام قرينا للخاص (لإِفَادَة الْمُقَابلَة) بَين الظَّاهِر والمؤول (فَيلْزم فِي الظَّاهِر عدم الصّرْف) أَي لما جعلُوا الظَّاهِر مُقَابلا للمؤول لزم أَن يعْتَبر فِي مَفْهُوم الظَّاهِر عدم الصّرْف عَن مَعْنَاهُ الظَّاهِر تَحْقِيقا للمقابلة، فَإِن الصّرْف عَن الظَّاهِر مُعْتَبر فِي مَفْهُوم المؤول (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يعْتَبر عدم الصّرْف فِي الظَّاهِر (اجْتمعَا) أَي الظَّاهِر والمؤول فِي لفظ وَاحِد، والمتقابلان لَا يَجْتَمِعَانِ، بَيَان الْمُلَازمَة مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (إِذْ المصروف) أَي اللَّفْظ الَّذِي صرف عَن مَعْنَاهُ الَّذِي دلَالَته عَلَيْهِ ظنية إِلَى معنى يحْتَملهُ احْتِمَالا مرجوحا لدَلِيل يَقْتَضِيهِ (لَا تسْقط دلَالَته على) الْمَعْنى (الرَّاجِح) يَعْنِي أَن دلَالَته عَلَيْهِ بعد الصّرْف لم تَتَغَيَّر عَن حَالهَا، لِأَن الصّرْف بِاعْتِبَار الْإِرَادَة فَقَط كَمَا عرفت، وَأما الدّلَالَة وَفهم الْمَعْنى فَلَا يتَصَوَّر أَن يصرف عَنْهَا بعد الْعلم بِالْوَضْعِ (فَيكون) اللَّفْظ المصروف عَن الظَّاهِر (بِاعْتِبَارِهِ) أَي كَونه دَالا على الرَّاجِح (ظَاهرا) لصدق تَعْرِيفه عَلَيْهِ، لَان الْمَفْرُوض عدم اعْتِبَار مَا يحصل بِهِ التقابل فِي الْمَفْهُوم (وَبِاعْتِبَار الحكم بِإِرَادَة) الْمَعْنى (الْمَرْجُوح) الَّذِي يحْتَملهُ احْتِمَالا مرجوحا (مؤوّلا)، وَلَا يعلم أَنه لَا يحصل التباين بَين الْقسمَيْنِ إِلَّا بِاعْتِبَار الصّرْف وجودا وعدما
فِي مفهومهما فَإِن قلت قد سبق أَن ظنية دلَالَة الظَّاهِر عِنْد الشَّافِعِيَّة الْإِرَادَة والمصروف تسْقط دلَالَته على الرَّاجِح من حَيْثُ أَنه مُرَاد قلت المصروف من حَيْثُ ذَاته من غير أَن يُلَاحظ مَعَه الصَّارِف يدل دلَالَة ظنية على أَن الرَّاجِح مُرَاد مِنْهُ، وَمُرَاد المُصَنّف صدق التَّعْرِيف بِهَذَا الِاعْتِبَار، لَا مَعَ مُلَاحظَة الصَّارِف فَإِن قيل لَا بَأْس باجتماع المتقابلين باعتبارين وَإِنَّمَا الْمَحْذُور اجْتِمَاعهمَا بِاعْتِبَار وَاحِد قلت هَذَا إِذا كَانَ التَّقْسِيم اعتباريا، وَأما إِذا كَانَ حَقِيقِيًّا فَلَا بُد أَن لَا يجتمعا أصلا، وَالْأَصْل فِي التَّقْسِيم أَن يكون حَقِيقِيًّا، كَيفَ والتباين بَين أَحْكَام الْأَقْسَام يستدعى التباين بَينهَا؟ نعم تَارَة تَسْتَلْزِم ذَلِك عِنْد الضَّرُورَة كَمَا لزم الْمصير إِلَيْهِ بَين الْأَقْسَام الْمَذْكُورَة على رَأْي الْمُتَقَدِّمين (وَتقدم المؤول عِنْد الْحَنَفِيَّة) وَهُوَ مَا بَين بظني بِمَا فِيهِ خَفَاء على مَا مر قَرِيبا (وَلَا يُنكر إِطْلَاقه) أَي المؤول (على) اللَّفْظ (المصروف) عَن ظَاهره (أَيْضا أحد) فَاعل لَا يُنكر، فالمؤول لَهُ مَعْنيانِ: أَحدهمَا مَخْصُوص بالحنفية، وَالْآخر مُشْتَرك بَينهم وَبَين غَيرهم. وَقَالَ الإِمَام الْغَزالِيّ: إِن التَّأْوِيل احْتِمَال يعضده دَلِيل يصير بِهِ أغلب على الظَّن من الْمَعْنى الَّذِي دلّ عَلَيْهِ الظَّاهِر، وَفِيه مُسَامَحَة لِأَن التَّأْوِيل إِنَّمَا هُوَ الْحمل على الِاحْتِمَال الْمَرْجُوح، لَا نَفسه فَإِنَّهُ شَرطه، إِذْ لَا يَصح حمل اللَّفْظ على مَا لَا يحْتَملهُ، وَيرد على عَكسه التَّأْوِيل الْمَقْطُوع بِهِ، وَيُمكن دَفعه بِأَنَّهُ اكْتفى بِذكر الْأَدْنَى، فَيعلم الْأَعْلَى بِالطَّرِيقِ الأولى إِلَّا أَنه ذكر الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ أَن التَّأْوِيل ظن بالمراد، وَالتَّفْسِير قطع بِهِ، ثمَّ هَذَا هُوَ التَّأْوِيل الصَّحِيح، وَأما التَّأْوِيل الْفَاسِد فَهُوَ حمله على الْمَرْجُوح بِلَا دَلِيل، أَو بِدَلِيل مَرْجُوح، أَو مسَاوٍ (وَالنَّص) عِنْد الشَّافِعِيَّة مَا دلّ على معنى (بِلَا احْتِمَال) لغيره، وَلذَا فسروه بِمَا دلّ دلَالَة قَطْعِيَّة، فَإِن عدم احْتِمَال الْغَيْر يستدعى الْقطع فَهُوَ (كالمفسر عِنْد الْحَنَفِيَّة) فِي عدم احْتِمَال معنى آخر، لَا من كل وَجه فَلَا يرد أَن ظُهُور الْمَعْنى والسوق لَهُ مُعْتَبر فِيهِ عِنْد الْحَنَفِيَّة، وَالشَّافِعِيَّة لم يعتبروا ذَلِك فِي النَّص (لَا النَّص) عِنْدهم (فَإِنَّهُ) أَي النَّص عِنْدهم (يحْتَمل الْمجَاز باتفاقهم) أَي الْحَنَفِيَّة، ويخرجه الِاحْتِمَال عَن كَونه قَطْعِيّ الدّلَالَة (وَعلمت) من قَوْلنَا: القطعية للدلالة، والظنية بِاعْتِبَار الْإِرَادَة (أَنه) أَي احْتِمَال الْمجَاز (لَا يُنَافِي القَوْل بقطعيته) أَي بقطعية النَّص بِاعْتِبَار الدّلَالَة (وَقد يفسرون) أَي الشَّافِعِيَّة (الظَّاهِر بِمَا لَهُ دلَالَة وَاضِحَة، فالنص قسم مِنْهُ عِنْدهم) أَي الظَّاهِر حِينَئِذٍ. قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ لِأَن الدّلَالَة الْوَاضِحَة أَعم من الظنية والقطعية انْتهى، فَيتَّجه أَنه يجوز عدم وضوح الْمَعْنى المُرَاد قطعا، فَكيف بأخصية النَّص مُطلقًا، وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ مُجَرّد احْتِمَال فَلَا يصلح للنقض فَتَأمل (والمحكم) عِنْدهم (أَعم يصدق على كل مِنْهُمَا) أَي الظَّاهِر، وَالنَّص (وَلَا يُنَافِي التَّأْوِيل أَيْضا فَهُوَ) أَي الْمُحكم (عِنْدهم) أَي الشَّافِعِيَّة
(مَا استقام نظمه للإفادة وَلَو بِتَأْوِيل) فَإِن المؤول بالتأويل الصَّحِيح قد استقام نظمه للإفادة. وَقَالَ القَاضِي عضد الدّين: الْمُحكم هُوَ المتضح الْمَعْنى سَوَاء كَانَ نصا أَو ظَاهرا، والمتشابه غير المتضح الْمَعْنى، وَمِنْهُم من قَالَ الْمُحكم: مَا استقام نظمه للإفادة وَهُوَ حق، لَكِن مَا يُقَابله من الْمُتَشَابه يكون مَا احْتمل نظمه لعدم الإفادة. وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: وَالظَّاهِر أَن القَوْل باخْتلَاف نظم الْقُرْآن مِمَّا لَا يصدر عَن الْمُسلم، بل الْمُقَابل مَا استقام نظمه لَا للإفادة، فَيكون الْمُحكم مَا انتظم وترتب للإفادة: إِمَّا من غير تَأْوِيل أَو مَعَ التَّأْوِيل، والمتشابه: مَا انتظم وترتب لَا للإفادة، بل للابتلاء وَالْمرَاد بالنظم: اللَّفْظ كَمَا فِي التَّلْوِيح (وَالْحَنَفِيَّة أوعب وضعا للحالات) من قَوْلهم: وعبه، وأوعبه، واستوعبه: أَخذه أجمع، وَقَوله وضعا تَمْيِيز عَن نِسْبَة أوعب إِلَى ضمير الْحَنَفِيَّة، وَقَوله للحالات صلَة الْوَضع، فَالْمَعْنى وضعهم الْأَلْفَاظ الاصطلاحية بِإِزَاءِ الْمعَانِي الْحَاصِلَة من تنوع أَحْوَال الْأَدِلَّة أوعب، وأشمل من وضع الشَّافِعِيَّة لَهَا: نقل الشَّارِح عَن المُصَنّف أَنه قَالَ: وَلذَا كَانَ ê أَقسَام مَا ظهر مَعْنَاهُ أَرْبَعَة متباينة عِنْد الْمُتَأَخِّرين، وَعند الشَّافِعِيَّة لَيْسَ فِي الْخَارِج إِلَّا قِسْمَانِ، لِأَن الْمُحكم أَعم من الظَّاهِر وَالنَّص، وَلَا يتَحَقَّق إِلَّا فِي ضمن أَحدهمَا وَالْمرَاد من الْحَالَات حَالَة احْتِمَال غير الوضعي، وَحَالَة سوقه لشَيْء من مَفْهُومه أَو غَيره، وَحَالَة عدم سوقه لمفهومه، وَحَالَة عدم احْتِمَال النّسخ واحتماله انْتهى (وَمَوْضِع الِاشْتِقَاق يرجح قَوْلهم فِي الْمُحكم) أَي رِعَايَة الْمُنَاسبَة بَين مَا اشتق مِنْهُ الْأَسَامِي الْمَذْكُورَة ومسمياتها يرجح قَول الْحَنَفِيَّة فِي الْمُحكم، وَقَوله فِي الْمُحكم إِمَّا مُتَعَلق بقَوْلهمْ، وَهُوَ الْأَقْرَب، أَو يرجح، أَو بِمَحْذُوف هُوَ صفة الْمُبْتَدَأ، وَذَلِكَ لِأَن مَا لَا يحْتَمل تَخْصِيصًا وَلَا تَأْوِيلا وَلَا نسخا كَأَن الْأَحْكَام فِيهِ أتم وأكمل، بِخِلَاف مَا يحْتَمل شَيْئا مِنْهَا.
بَقِي أَن المُصَنّف لم يذكر لَهُم الْمُفَسّر، وَفِي الْمَحْصُول أَن لَهُ مَعْنيين: أَحدهمَا مَا احْتَاجَ إِلَى التَّفْسِير، وَقد ورد تَفْسِيره، وَثَانِيهمَا الْكَلَام الْمُبْتَدَأ المستغنى عَن التَّفْسِير لوضوحه انْتهى وَالظَّاهِر أَن المُصَنّف لم يلْتَفت إِلَيْهِ لعدم شهرته عِنْدهم، على أَنه لَا حَاجَة فِيهِ إِلَى ارْتِكَاب اصْطِلَاح مِنْهُم، بل اللُّغَة كَافِيَة فِيهِ.
(تَنْبِيه) على تَفْصِيل للتأويل (وقسموا) أَي الشَّافِعِيَّة (التَّأْوِيل إِلَى قريب) من الْفَهم (وبعيد) عَنهُ (ومتعذر) فهمه (غير مَقْبُول) عِنْد الْأُصُولِيِّينَ (قَالُوا) أَي الشَّافِعِيَّة (وَهُوَ) أَي المعتذر (مَا لَا يحْتَملهُ اللَّفْظ) لعدم وَضعه لَهُ، وَعدم العلاقة بَينه وَبَين مَا وضع لَهُ (وَلَا يخفى أَنه) أَي مَا لَا يحْتَملهُ اللَّفْظ (لَيْسَ من أقسامه) أَي التَّأْوِيل (وَهُوَ) أَي التَّأْوِيل مُطلقًا (حمل الظَّاهِر على الْمُحْتَمل الْمَرْجُوح) على مَا مر فَلَا بُد من الِاحْتِمَال وَلَو مرجوحا (إِلَّا
أَن يعرف) التَّأْوِيل (بِصَرْف اللَّفْظ عَن ظَاهره فَقَط) من غير اعْتِبَار حمله على الْمُحْتَمل فَيصدق عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، ثمَّ أَنهم قَالُوا حمل الظَّاهِر، لِأَن النَّص لَا يحْتَمل التَّأْوِيل عِنْدهم، وَتَعْيِين أحد مدلولي الْمُشْتَرك لَا يُسمى تَأْوِيلا، وَقيد بالمجروح لِأَن مَا يحمل على الرَّاجِح ظَاهر (ثمَّ ذكرُوا من الْبَعِيدَة تأويلات) وَاقعَة (للحنفية) مِنْهَا قَوْلهم (فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم لغيلان ابْن سَلمَة الثَّقَفِيّ وَقد أسلم) حَال كَونه (على عشر) من النِّسَاء على مَا كَانُوا عَلَيْهِ من عَادَة الْجَاهِلِيَّة (أمسك أَرْبعا، وَفَارق سائرهن) مقول قَوْله صلى الله عليه وسلم، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم (أَي ابتدئ نِكَاح أَربع، أَو أمسك الْأَرْبَع الأول) مقول قَوْلهم فِي مقَام التَّأْوِيل تَفْسِيرا لقَوْله صلى الله عليه وسلم " أمسك إِلَى آخِره " فسروا الْإِمْسَاك بِالْأَمر بابتداء نِكَاح أَربع مِنْهُنَّ على تَقْدِير علمه بِأَنَّهُ تزوجهن بِعقد وَاحِد لفساد نِكَاح الْكل حِينَئِذٍ بِقَرِينَة أَن إمساكهن لَا يجوز بِدُونِهِ، فَإِن الْأَمر بِمَا يتَوَقَّف جَوَازه على شَيْء أَمر بذلك الشَّيْء أَو بإمساك الْأَرْبَع الأول على تَقْدِير علمه بِأَنَّهُ تزوجهن بعقود مُتَفَرِّقَة، لِأَن الْفساد حِينَئِذٍ فِيمَا بعد الْأَرْبَع (فَإِنَّهُ يبعد أَن يُخَاطب بِمثلِهِ) أَي بِمثل هَذَا الْكَلَام المصروف عَن ظَاهره إِلَى مَا يتَوَقَّف فهمه على معرفَة الشرعيات مُخَاطب (متجدد) دُخُوله (فِي الْإِسْلَام بِلَا بَيَان) لما أُرِيد بِهِ، فَإِن الظَّاهِر من الْأَمر بالإمساك اسْتِدَامَة أَربع مِنْهُنَّ: أَي أَربع شَاءَ مَعَ عدم الْقَرِينَة الصارفة عَن الظَّاهِر، لِأَن الْمَفْرُوض عدم معرفَة الْمُخَاطب الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة، فَقَوله فَإِنَّهُ إِلَى آخِره تَعْلِيل لبعد التَّأْوِيل، وَقيل فِي تأييد الْبعد مَعَ أَنه لم ينْقل تَجْدِيد فَقَط، لَا مِنْهُ وَلَا من غَيره أصلا مَعَ كَثْرَة إِسْلَام الْكَفَرَة المتزوجين (و) مِنْهَا قَوْلهم فِي (قَوْله) صلى الله عليه وسلم (لفيروز الديلمي وَقد أسلم على أُخْتَيْنِ: أمسك أَيَّتهمَا شِئْت) حذف مقولهم لوضوحه: أَي ابتدئ نِكَاح من شِئْت مِنْهُمَا، بِنَاء على فرض علمه صلى الله عليه وسلم بتزوجه إِيَّاهَا فِي عقد وَاحِد، لِأَنَّهُ لَو تزوجهما فِي عقدين لبطل نِكَاح الثَّانِيَة فَقَط وَتعين إمْسَاك الأولى. قَالَ الشَّارِح ثمَّ هَذَا اللَّفْظ وَإِن لم يحفظ فقد حفظ مَعْنَاهُ، وَهُوَ " اختر أَيَّتهمَا شِئْت " كَمَا هُوَ رِوَايَة التِّرْمِذِيّ (أبعد) خبر مَحْذُوف: أَي هَذَا أبعد من الأول، وَذَلِكَ لما فِيهِ من تَفْسِير الْإِمْسَاك بابتداء النِّكَاح وَفرض أَنه تزوجهما فِي عقد وَاحِد، واطلاعه صلى الله عليه وسلم على ذَلِك كَمَا فِي التَّأْوِيل الأول من نَحْو مَا ذكر على أحد تقديريه، وَمَا يحذو حذوه على الآخر، وَهُوَ إمْسَاك أَربع مُعينَة لفرض اطِّلَاعه صلى الله عليه وسلم على أَنه تزوجهن فِي عُقُود مُتَفَرِّقَة مَعَ زِيَادَة شَيْء آخر هُنَا، وَهُوَ التَّصْرِيح بقوله " أَيَّتهمَا شِئْت " فَإِنَّهُ يدل على أَن التَّرْتِيب غير مُعْتَبر كَذَا ذكرُوا، وَفِيه نظر لِأَن التَّخْيِير الْمُسْتَفَاد من أَيَّتهمَا شِئْت إِذا كَانَ مَبْنِيا على اطِّلَاعه صلى الله عليه وسلم على أَنه
تزوجهما فِي عقد وَاحِد لَا يدل على أَن التَّرْتِيب بَينهمَا فِي العقد غير مُعْتَبر فِي جَوَاز إمْسَاك إِحْدَاهمَا بِلَا تَجْدِيد عقد، وَإِنَّمَا كَانَ يدل عَلَيْهِ لَو لم يعلم بذلك، فَإِنَّهُ كَانَ يُقَال حِينَئِذٍ تخييره فِي تعْيين إِحْدَاهمَا من غير أَن يسْأَل عَن التَّرْتِيب وَعَدَمه دَال على مَا ذكر، وَالْوَجْه أَن يُقَال إِن كَون الْأَمر بالإمساك مَبْنِيا على اطِّلَاعه صلى الله عليه وسلم أَمر بعيد، وَلَا بُد من ارتكابه فِي الحَدِيث الثَّانِي، بِخِلَاف الأول لعدم التَّنْصِيص على تَعْمِيم مُتَعَلق التَّخْيِير فِيهِ، لِأَن قَوْله: أَرْبعا يصلح لِأَن يُرَاد بِهِ أَربع مُعينَة أَو غير مُعينَة، فَكَأَنَّهُ قيل لَهُ: إِن كنت عقدتهن فِي عقد وَاحِد فاختر أَي أَربع شِئْت، أَو فِي عُقُود فالأربع الأول لَا يُقَال كَيفَ يُخَاطب بِمثل هَذَا المتجدد فِي الْإِسْلَام، فَإِن هَذَا الاستبعاد مُشْتَرك بَين الْحَدِيثين، غير أَن الثَّانِي أبعد، لِأَنَّهُ لَا مخلص فِيهِ من فرض الِاطِّلَاع الْمَذْكُور، بِخِلَاف الأول (و) مِنْهَا (قَوْلهم فِي) قَوْله تَعَالَى {فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا} فِي كَفَّارَة الظِّهَار (إطْعَام طَعَام سِتِّينَ) مقول لَهُم فِي التَّأْوِيل وَحَاصِله حذف مَا أضيف إِلَيْهِ الْإِطْعَام، وَهُوَ الْمُضَاف إِلَى سِتِّينَ، لِأَن 9 الْإِطْعَام إِذا أضيف إِلَى سِتِّينَ يلْزم اعْتِبَار الْعدَد الْمَخْصُوص، لِأَنَّهُ إِذا أعْطى لوَاحِد طَعَام سِتِّينَ لَا يَصح أَن يُقَال: أطْعم سِتِّينَ مِسْكينا، بل يَصح أَن يُقَال: أطْعم طَعَام سِتِّينَ مِسْكينا فَإِن قلت كَمَا أَن إِضَافَة الْإِطْعَام إِلَى السِّتين تَسْتَلْزِم اعْتِبَار عدم تحقق الْعدَد كَذَلِك إِضَافَة الطَّعَام إِلَيْهَا يستلزمه، فَلَا يَصح إطْعَام طَعَام سِتِّينَ قلت يُرَاد بِطَعَام سِتِّينَ فِي عرف اللُّغَة مَا يكفيهم، والمدار على الْعرف، وَالْمرَاد بِالْإِطْعَامِ حِينَئِذٍ: الْإِعْطَاء وَالْمعْنَى: فكفارته إِعْطَاء هَذَا الْمِقْدَار من الطَّعَام، فَيجوز أَن يُعْطي لوَاحِد، والداعي إِلَى ارْتِكَاب خلاف الظَّاهِر أَن الْمَقْصُود دفع سِتِّينَ حَاجَة من حاجات الْمَسَاكِين (وحاجة وَاحِد فِي سِتِّينَ يَوْمًا حَاجَة سِتِّينَ) وَالْحمل فِيهِ إِمَّا كَقَوْلِهِم: زيد أَسد، وَالْمعْنَى كحاجة سِتِّينَ فِي حُصُول الْمَقْصُود وَالْعبْرَة بِهِ، وَإِمَّا بِدُونِ الْحَذف بِأَن يكون المُرَاد بحاجة سِتِّينَ مَا يكفيهم كَمَا قُلْنَا فِي طَعَام سِتِّينَ، وَهُوَ الْأَظْهر، وَذكر سِتِّينَ يَوْمًا لتجدد الْحَاجَات بتجدد الْأَيَّام (مَعَ إِمْكَان قَصده) أَي من الْبَعِيدَة قَوْلهم بِهَذَا التَّأْوِيل الملغي اعْتِبَار خُصُوص الْعدَد الْمَذْكُور مَعَ إِمْكَان مقصوديته للشارع (لفضل الْجَمَاعَة) تَعْلِيل للقصد، يَعْنِي إِذا أعْطى طَعَام السِّتين للستين أدْرك فَضِيلَة تطييب قُلُوب الْجَمَاعَة الْكَثِيرَة (وبركتهم) أَي بركَة دُعَائِهِمْ (وتضافر قُلُوبهم) أَي تظافرها وتعاضدها (على الدُّعَاء لَهُ) أَي للمكفر (وَعُمُوم الِانْتِفَاع) وشموله للعدد الْمَذْكُور مَعْطُوف على فضل الْجَمَاعَة (دون الْخُصُوص) أَي دون خُصُوص الِانْتِفَاع بِأَن يعْطى وَاحِدًا طَعَام سِتِّينَ، وَيُمكن أَن يُرَاد بالخصوص مَا دون السِّتين، لِأَنَّهُ فِي مُقَابلَة الْعُمُوم بِمَعْنى الشُّمُول للستين (و) مِنْهَا (قَوْلهم فِي نَحْو فِي أَرْبَعِينَ شَاة شَاة) كَذَا فِي كتاب رَسُول الله
صلى الله عليه وسلم إلى اليمين من رواية أبي بكر بن حزم عن أبه عن جده على ما في مراسيل أبي داود، وهو حديث حسن، والمراد بنحوه نظائره كقوله صلى الله عليه وسلم " من كل ثلاثين بقرة تبيع أو تبيعة " وغيره (أي قيمتها). وفي بعض النسخ: أي ماليتها، وهو مقول قولهم، وإنما استبعد هذا التأويل (إذ لا يلزم أن لا تجب الشاة) لتعذر الجمع بينها وبين القيمة في الوجوب، وما قيل من أنه يلزم على الحنفية أن لا تكون الشاة مجزئة وهي مجزئة إجماعا ليس بشيء، لأن مرادهم بالقيمة ماليتها وهي موجودة في نفسها (وكل معنى استنبط من حكم) أي مما يدل عليه، أو من التأمل فيه وما يتعلق به ليعرف مناطه، وهو وجوب الشاة هذا (فأبطله) أي المعنى الحكم (باطل) خبر المبتدأ، والجملة لبيان بطلان اللازم، والمعنى المستنبط هنا جواز دفع قيمة الواجب في الزكاة قياسيا على عينه بعلة دفع حاجة الفقير، وإبطاله لاستلزامه عدم وجوبه بعينه، وبطلانه لأنه يوجب بطلان أصله، وكل ما بطل أصله باطل ضرورة بطلان الفرع عند بطلان أصله فتأمل، (ومنها) أي التأويلات البعيدة (حمل) الحنفية قوله صلى الله عليه وسلم (أيمان امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل إلى آخره) بإعادة قوله فنكاحها باطل مرتين، رواه أصحاب السنن، وحسنه الترمذي، وكلمة ما في أيما مزيدة. قال الرضي: وقلت زيادتها بعد المضاف، نحو - أيما الأجلين قضيت -، و - مثل ما أنكم تنطقون - وقيل إنها المضاف إليه، والمجرور بدل منها (على الصغيرة والأمة والمكاتبة) والمجنونة، والجار متعلق بالجمل: أي المراد بالصغيرة إلى آخره (أو باطل) معطوف على مفعول الحمل، يعني أو حمل قوله باطل على المجاز:(أي يؤول إلى البطلان غالبا لاعتراض الولي) أي تفريقه بينهما فإن أصله المنع، يقال: اعترض في الطريق بتاء: أي يمنع السابلة من سلوكه (لأنها مالكة لبعضها) بضم الباء الفرج، وعقد النكاخ تعليل للتأويل، وصرف الكلام عن ظاهره (فكان) نكاحها نفسها (كبيع سلعة) أي متاع (لها) في كون كل منهما تصرفا في خالص ملكها، فكان المعتبر رضاها مستقلا كالبيع (مع إمكان قصده) صلى الله عليه وسلم (لمنع استقلالها) مفعول للقصد، واللام لتقوية العمل، يعني حملوه على الخصوص مع أنه يمكن أن يكون قصده منع استقلال المرأة على الاطلاق على تزويج نفسها كما هو المتبادر من اللفظ (فيما) أي في تصرف (لا يليق بمحاسن العادات استقلالها) فاعل لا يليق (به) أي بذلك التصرف، يعني أن في استقلال المرأة في تزويج نفسها غير مستحق عادة، لأن اللائق بشأن النساء الحياء، وبشأن البضع الاحترام، وهو إنما يحصل عند التفويض إلى رأي الرجال الكاملين في العقل، وعند ذلك لا تكون مبتذلة
سهلة الحصول. (ومنها حملهم) لقوله صلى الله عليه وسلم (لا صيام لمن لم يبت الصيام من الليل)، يقال بيت الأمر: دبره ليلا، يعني لا صيام لمن لم ينوه من الليل، فموجبه اشتراط وقوع النية في جزء من الليل في مطلق الصيام لوقوعه في حيز النفي (على القضاء والنذر المطلق) ولم يذكر وجه البعد لظهوره، فإن حمل العام على بعض غير متبادر منه من غير قرينة ظاهر البعد، والحديث أخرجه النسائي وأبو داود. قال: بعض الحفاظ أنه حسن، ورجح الجمهور كونه موقوفا (وحملهم) قوله تعالى (ولذي القربى) في قوله - واعلموا أنما غنمتم من شيء - الآية، وهو عام يشمل الأغنياء والفقراء منهم (على الفقراء منهم) أي من ذوي القربى من بني هاشم وبني المطلب (لأن المقصود) من الدفع إليهم (سد خلة المحتاج) أي دفع حاجته، ولا حاجة للأغنياء، فالمعنى يخصص عمومه، وهذا تعليل للتأويل، وأشار إلى وجه بعده بقوله (مع ظهور أن القرابة) أي قرابة النبي صلى الله عليه وسلم (قد تجعل سببا للاستحقاق) أي لاستحقاق الغنيمة مع قطع النظر عن الفقر، بل (مع الغنى تشريفا للنبي صلى الله عليه وسلم، وعد بعضهم) أي الشافعية كإمام الحرمين من التأويلات البعيدة (حمل) الحنفية والمالكية قوله (إنما الصدقات الآية على بيان) جنس (المصرف) لها فيجوز الصرف إلى صنف واحد من الأصناف المذكورة فيها، لا على بيان الاستحقاق كما هو الظاهر ليجب الصرف إلى جميع الأصناف، وجه الظهور أن اللام للملك، والاستحقاق قريب منه، ثم أخذ المصنف رحمه الله في الجواب إجمالا وتفصيلا من غير مراعاة الترتيب تقديما لما تأويله أقرب إلى القبول، فقال:(وأنت تعلم أن بعد التأويل لا يقدح في) ثبوت (الحكم) المستنبط من المؤول، فهذا بحث على تقدير تسليم البعد (بل يفتقر) التأويل وارتكابه (إلى) وجود (المرجح) لئلا يلزم ترجيح الاحتمال المرجوح بالنظر إلى نفس اللفظ المؤول إضراب عن القدح مع بيان ما ينبني على صحة التأويل (فأما الأخير) وهو بعد الحمل على بيان المصرف (فدفع بأن السياق) أي ما سيق له الكلام ههنا، (وهو رد لمزهم) أي طعن المنافقين، وعيبهم (المعطين) على صيغة جمع الفاعل، والمراد به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه روى أن قوله تعالى - ومنهم من يلمزك - الاية: نزلت في أبي الجواظ المنافق قال: ألا ترون إلى صاحبكم إنما يقم صدقاتكم في رعاة الغنم، وقيل في ابن ذي الخو يصرة رأس الخوارج كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنائم حنين فاستعطف قلوب أهل مكة بتوفير الغنائم عليهم، فقال: اعدل يارسول، فقال ويلك إن لم أعدل فمن يعدل؟ (ورضاهم عنهم) أي عن المؤمنين أو المعطين (إذا أعطوهم، وسخطهم إذا منعوا يدل) خبر أن (أن المقصود) أي
على أَن الْمَقْصُود (بَيَان المصارف) فَإِنَّهُم حِين لمزوا وَزَعَمُوا أَن الَّذين أعْطوا مِنْهَا لَيْسُوا من مصارفها، وَإِنَّمَا أعْطوا بِمُوجب هوى النَّفس، فسيق الْكَلَام (لدفع وهم أَنهم) أَي المعطين (يختارون) من يحبونَ، وَمن يبغضون (فِي الْعَطاء وَالْمَنْع) عَنهُ (ورد) الدّفع الْمَذْكُور (بِأَنَّهُ) أَي كَون السِّيَاق لما ذكر (لَا يُنَافِي الظَّاهِر فَلَا يصلح صارفا عَنهُ). وَقَالَ الْآمِدِيّ إِن سلمنَا أَنه لبَيَان الْمصرف، فَلَا نسلم أَنه لَا مَقْصُود سواهُ، فَلْيَكُن الِاسْتِحْقَاق بِصفة التَّشْرِيك أَيْضا مَقْصُودا عملا بِظَاهِر اللَّفْظ انْتهى ثمَّ ذكر المُصَنّف رحمه الله الرَّد الْمَذْكُور بقوله:(وَلَا يخفى أَن ظَاهره) أَي ظَاهر قَوْله تَعَالَى - {إِنَّمَا الصَّدقَات} - الْآيَة (من الْعُمُوم) بَيَان لظاهره: أَي عُمُوم الصَّدقَات، وَعُمُوم الْفُقَرَاء، والمذكورين بِمَعْنى أَن كل صَدَقَة يَسْتَحِقهَا كل فَقير، وكل مِسْكين إِلَى غير ذَلِك (مُنْتَفٍ اتِّفَاقًا) أَي غير مُرَاد إِجْمَاعًا (ولتعذره) أَي الْعُمُوم (حملوه) أَي الشَّافِعِيَّة الْعُمُوم فيهم (على ثَلَاثَة من كل صنف) من الثَّمَانِية إِذا كَانَ المفرق غير الْمَالِك ووكيله ووجدوا (وَهُوَ) أَي حملهمْ هَذَا (بِنَاء على أَن معنى الْجمع مُرَاد) بِلَفْظِهِ (مَعَ اللَّام) حَال عَن ضمير مُرَاد، وَهَذَا من قبيل معية الْمَدْلُول، والمتصل بداله، وَيجوز أَن يكون حَالا عَن لَفظه الْمُقدر كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ (والاستغراق) مَعْطُوف على معنى الْجمع، أَو على ضمير مُرَاد، وَترك التَّأْكِيد بالمنفصل لوُقُوع الْفَصْل وَالْمعْنَى أَن الْجمع الْمحلي بِاللَّامِ يُرَاد بِهِ معنى الْجمع، والاستغراق أَيْضا إِن لم يمْنَع مَانع (وَهُوَ) أَي الِاسْتِغْرَاق (مُنْتَفٍ) هَهُنَا بِالْإِجْمَاع كَمَا عرفت وَلَا يخفى أَن هَذَا على خلاف مَا هُوَ الْمَشْهُور أَن اللَّام تبطل الجمعية، وَتَكون اللَّام لاستغراق الْآحَاد، لَا الْمَجْمُوع، وَلذَا قَالُوا: أَن أشملية استغراق الْمُفْرد فِي مثل: لَا رجل فِي الدَّار فِي لَا، كَمَا فِي الجموع المحلاة بِاللَّامِ، فَإِن استغراقها كاستغراق الْمُفْرد، وَلَا فرق بَين يحب الْمُحْسِنِينَ وَيُحب كل محسن فِي معنى الِاسْتِغْرَاق: نعم يفرق بَينهمَا بِاعْتِبَار أَحْكَام لفظية كَمَا فِي مَوْضِعه، وَيُمكن أَن يكون الْمَعْنى إِن معنى الْجمع مُرَاد بِلَفْظِهِ مَعَ اللَّام إِذا لم يقْصد الْعُمُوم، والاستغراق مُرَاد إِذا قصد، فاشتراكهما فِي الْإِرَادَة بِالْجمعِ الْمحلي على سَبِيل الْبَدَلِيَّة لَا الِاجْتِمَاع فَتَأمل، ثمَّ أَنه لما انْتَفَى الِاسْتِغْرَاق وَبقيت الجمعية، وأقلها ثَلَاثَة حمل عَلَيْهَا لتيقنها، وَذَلِكَ فِيمَا عدا الصَّدقَات من الجموع الْمَذْكُورَة بعْدهَا (وَكَونه) أَي اللَّام مَعْطُوف على قَوْله ظَاهره (للتَّمْلِيك لغير معِين) على مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ (أبعد) مِمَّا ذهب إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّة من التَّأْوِيل الَّذِي سَمَّاهُ الْخصم بَعيدا وَلَيْسَ فِي هَذَا اعْتِرَاف بالبعد، بل كَقَوْلِه تَعَالَى - {مَا عِنْد الله خير من اللَّهْو} -، ثمَّ بَين كَونه أبعد بقوله (ينبو عَن الشَّرْع وَالْعقل) أَي يقصر عَن تَوْجِيهه، من قَوْلهم نبا السهْم عَن الهدف: أَي قصر، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لم يعْهَد مثله فِي الشَّرْع، وَغير الْمعِين من حَيْثُ
إِنَّه غير معِين لَا وجود لَهُ، وَمن حَيْثُ التَّحْقِيق فِي ضمن الْفَرد يتَعَيَّن، فَيلْزم ثُبُوت الْملك لأشخاص مُعينَة، وَلَا يُمكن أَن يثبت لجَمِيع الْأَفْرَاد، فَيلْزم تَرْجِيح بَعْضهَا من غير مُرَجّح فينبو عَنهُ الْعقل أَيْضا، وكما أَنه لَا يُمكن اعْتِبَار الْملك لغير معِين، كَذَلِك لَا يُمكن اعْتِبَار الِاسْتِحْقَاق لَهُ (فالمستحق الله تَعَالَى وَأمر بِصَرْف مَا يسْتَحقّهُ إِلَى من كَانَ من الْأَصْنَاف الْمَذْكُورَة، وَذَلِكَ لوُرُود النُّصُوص فِي إِيجَاب الزَّكَاة فِي أَمْوَال الْأَغْنِيَاء وصرفها إِلَى الْفُقَرَاء، فالزكاة عبَادَة، وَالْعِبَادَة خَالص حق الله تَعَالَى، فَلَا يجب للْفُقَرَاء ابْتِدَاء، وَإِنَّمَا يصرف إِلَيْهِم إنجازا لعدة أَرْزَاقهم (فَإِن كَانُوا) أَي الْأَصْنَاف الْمَذْكُورَة (بِهَذَا الْقدر) أَي بِمُجَرَّد أَمر الله تَعَالَى بِصَرْف مَا يسْتَحقّهُ إِلَيْهِم (مستحقين) للصدقات (فبلا ملك) أَي فاستحقاقهم بِلَا ملك فَلم يثبت مدعى الْخصم من حمل الْكَلَام على الظَّاهِر، وَهُوَ الْملك، وَفِي قَوْله: إِن كَانُوا إِشَارَة إِلَى منع استحقاقهم بِهَذَا الْقدر (وَدون اسْتِحْقَاق الزَّوْجَة النَّفَقَة) مَعْطُوف على قَوْله بِلَا ملك يَعْنِي إِذا كَانَ استحقاقهم بِمُجَرَّد الْأَمر كَانَ دون اسْتِحْقَاقهَا لاشْتِرَاكهمَا فِي الْأَمر، ومزية اسْتِحْقَاقهَا لتعيين الْمُسْتَحق وَهِي الزَّوْجَة دونهم (وَلَا تملك) على صِيغَة الْمَعْلُوم: أَي الزَّوْجَة، أَو الْمَجْهُول: أَي النَّفَقَة (إِلَّا بِالْقَبْضِ) يرد عَلَيْهِ أَن الْخصم يَكْفِيهِ أدنى دَرَجَات الِاسْتِحْقَاق وأنكم مَا نفيتموه بِالْكُلِّيَّةِ، وَذَلِكَ لِأَن كَون اللَّام لاسْتِحْقَاق يقربهُ إِلَى الْحَقِيقَة، فَلَا يضرّهُ كَون استحقاقهم دون اسْتِحْقَاق الزَّوْجَة: فَالْوَجْه نفي الِاسْتِحْقَاق رَأْسا كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ إِمَّا لما ذكرنَا، وَإِمَّا لِأَن الْمُتَبَادر كَون الْآيَة لبَيَان الْمصرف نظرا إِلَى السِّيَاق وَكَمَال ضعف الِاسْتِحْقَاق (وَلنَا آثَار صِحَاح عَن عدَّة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ صَرِيحَة فِيمَا قُلْنَا، وَلم يرو عَن أحد مِنْهُم خلَافَة) بعض الْفُقَهَاء يُسمى الْمَوْقُوف على الصَّحَابِيّ أَو التَّابِعِيّ بالأثر، وَالْمَرْفُوع بالْخبر، وَأما أهل الحَدِيث فيطلقون الْأَثر عَلَيْهِمَا، وَقَوله: وَلنَا: أَي وَالْحجّة الثَّابِتَة لنا، وآثار خبر الْمُبْتَدَأ، وصحاح صفة أثار، وَكَذَلِكَ صَرِيحَة، أما الصَّحَابَة رضي الله عنهم فَمنهمْ عمر رضي الله عنه، روى عَنهُ ابْن أبي شيبَة والطبري، وَمِنْهُم ابْن عَبَّاس روى عَنهُ الْبَيْهَقِيّ والطبري، وَمِنْهُم حُذَيْفَة، وَأما التابعون فَمنهمْ سعيد بن جُبَير وَعَطَاء وَالنَّخَعِيّ وَأَبُو الْعَالِيَة وَمَيْمُون بن مهْرَان روى عَنْهُم ابْن أبي شيبَة والطبري (وَلَا ريب فِي فعل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِخِلَاف قَوْلهم) أَي الشَّافِعِيَّة ذكر أَبُو عبيد فِي كتاب الْأَمْوَال أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم (قسم الذهيبة الَّتِي بعث بهَا معَاذ من الْيمن فِي الْمُؤَلّفَة فَقَط: الْأَقْرَع وعيينة وعلقمة بن علاثة وَزيد الْخَلِيل) قَالَ الْمُؤلف رحمه الله فِي شرح الْهِدَايَة: الْمُؤَلّفَة كَانُوا ثَلَاثَة أَقسَام، قسم كفار كَانَ صلى الله عليه وسلم يعطيهم لتأليفهم على الْإِسْلَام، وَقسم كَانَ يعطيهم لدفع شرهم، وَقسم أَسْلمُوا وَفِيهِمْ ضعف فِي الْإِسْلَام، وَكَانَ
يتألفهم ليثبتوا، ثم بين المؤلفة التي قسم فيها بقوله: الأقرع إلى آخره (ثم أتاه مال آخر فجعله في صنف الغارمين فقط) والغارم عندما من لزمه دين، أوله دين على الناس لا يقدر على أحده، وليس عنده نصاب فاضل في الفصلين، وقال البيضاوي رحمه الله: المديون لنفسه في غير معصية إذا لم يكن له وفاء، أولا صلاح ذات البين وإن كان غنيا (حيث قال) طرف لجعل (لقبيصة ابن المخارق حين أتاه) ظرف لقال (وقد تحمل حمالة) حال عن ضمير أتاه، والحمالة بفتح المهملة وتخفيف الميم الكفالة (أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها) مقول قوله صلى الله عليه وسلم (وفي حديث سلمة بن صخر البياضي أنه أمر له بصدقة قومه) ثم أجاب عما قبل الأخير بقوله (وأما شرط الفقر) في استحقاق ذوي القربى (فقالوا) أي الحنفية (لقوله صلى الله عليه وسلم يا بني هاشم: إن الله كره لكم) أوساخ الناس (إلى) قوله (وعوضكم عنها بخمس الخمس والمعوض عنه) وهو الزكاة إنما هو (للفقير) لا الغني إلا بعارض عمل عليها، فكذا العوض، وقال المصنف في شرح الهداية: لفظ العوض إنما وقع في عبارة بعض التابعين، وذكر فيه أنه قد صح عن الخلفاء الراشدين أنهم لم يعطوا ذوي القربى من الصدقات، والمختار عنده في سبب منعهم ذلك أن قوله تعالى - ولذوي القربى - بيان المصرف لا الاستحقاق، وأنهم كانوا أغنياء إذ ذاك، ورأوا صرفه إلى غيرهم أنفع لمصالح المسلمين، وذهب الشافعي وأحمد رحمهما إلى استواء غنيهم وفقيرهم فيه، لكن للذكر مثل حظ الأثنين، وقال الشارح: والحديث بهذا اللفظ يحفظ نعم في حديث مسلم: إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وأنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد، وفي معجم الطبراني: إنه لا يحل لكم أهل البيت من الصدقات شيء إنما هي غسالة الأيدي، وإن لكم في اخمس الخمس لما يغنيكم انتهى، وفي قوله: قالوا اشارة إلى أنه لم يصح عنده (وأما الأولان) وهما مسألتان: اسلام الرجل على أكثر من أربع، واسلامه على أختين (فالأوجه) فيهما (خلاف قول أبي حنيفة) رحمه الله (وهو) أي خلاف قوله (قول محمد بن الحسن) ومالك والشافعي وأحمد رضي الله عنهم: وهو أنه في الأول يختار أي أربع يشاء منهن ويفارق الآخر من غير فرق في المستئلتين بين أن يكون تزوجهن في عقد واحد، أو في عقود من غير حاجة إلى تجديد نكاح، وفي المبسوط أن محمدا فرق في السير الكبير بين أهل الحرب وأهل الذمة فقال في أهل الذمة كأبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، كذا ذكر الشارح والمصنف رحمه الله ذكر الخلاف في شرح الهداية على الوجه الذي ذكره هنا ولا شك أن قوله عدول عن الظاهر بلا موجب يجليء إليه (وأما) حمل (لا صيام) إلى آخره على ما ذكر (فلمعارض صح في النقل) وهو ما في صحيح مسلم وغيره عن عائشة رضي الله
عنها قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم " يا عائشة هل عندكم شيء؟ فقلت يا رسول الله ما عندنا شئ، قال فإني صائم، وقدم هذا لرجحانه لصحته مع أنه مثبت، وذاك ناف كذا قيل (وفي رمضان) أي ولمعارض صح عنه صلى الله عليه وسلم دالا على جواز النية نهارا في رمضان (بعد الشهادة بالرؤية) في يوم عاشوراء حين كان صومه واجبا، الظرف متعلق بقوله (قال) صلى الله عليه وسلم (ومن لم يكن أكل فليصم) في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من أسلم أن أذن في الناس من كان أكل فليصم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم، فعلم أن من تعين عليه صوم يوم ولم ينوه ليلا فإنه تجزئه نيته نهارا (وهو) أي قوله فليصم (بعد تعين) الصوم (الشرعي) لأن يراد منه لأنه مسماه شرعا ولا صارف عنه (مقرون) خبر هو ومتعلق الظرف وقوله (بدلالة) من السياق والفحوي (عليه) أي على الصوم الشراعي لـ (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال: من أكل فلا يأكل بقية يومه) لعله في حديث آخر غير ما سبق، أو نقل بالمعنى، وفيه ما فيه (ومن لم يكن أكل فليصم، فلو اتحد حكم الأكل وغيره فيه) أي غير الأكل في كون كل منهما ليس بصوم شرعي لفوات شرطه وهو النية من الليل في صورة عدم الأكل (لقال لا يأكل أحد) من غير تفصيل، ولا يخفى ما في هذه الاستنباط من غاية الحسن (ثم هو) أي الصوم المأمور به في الحديث المذكور (واجب معين) لما عرفت من ان الصوم يوم عاشوراء كان واجبا، ولا فرق بين الواجبات المعينة، فكذا الحكم في صوم رمضان (فلم يبق) من عموم قوله لا صيام في الحديث المذكور (إلا غير المعين فعملوا) أي الحنفية (به) أي بموجب حديث لا صيام (فيه) أي في غير المعين من الصوم الواجب الذي بينه بقوله (من القضتء والنذر المطلق وهو) أي العمل بموجب لا صيام في غير المعين دون الكل رعاية لموجب الأدلة (أولى من إهدار بعض الأدلة بالكلية) وهو ما ورد في صوم عاشوراء على ما عرفت (وأما النكاح) أي وأما جواز نكاح المرأة العاقلة البالغة نفسها من غير إذن الولي مخالفا لظاهر حديث أي امرأة الحديث (فلضعف الحديث) المذكور، لكن يرد حينئذ أنه لا حاجة إذن إلى ارتكاب التأويل البعيد، بل يكفي عدم صلاحية الحديث للاحتاج مع اقتضاء صحة النكاح المذكور: اللهم إلا أن يراد تزييف دليل الخصم من وجهين: عدم الصحة، وعدم قطعية الدلالة لاحتمال التخصيص، ثم بين وجه الضعف بقوله (بما صح من إنكار الزهري روايته) أي الحديث المذكور (وقول ابن جريج) معطوف على إنكار الزهري وبيان له، وهذا القول ذكر (في رواية ابن عدى) روى ابن عدى عن ابن جريج أنه قال لقيت الزهرى فسألته عن هذا الحديث (فلم يعرفه) أي
الحَدِيث (فَقلت لَهُ أَن سُلَيْمَان بن مُوسَى حَدثنَا بِهِ عَنْك، فَقَالَ أخْشَى أَن يكون وهم عَليّ، وَأثْنى على سُلَيْمَان) خيرا (فصمم) الزُّهْرِيّ على الْإِنْكَار (وَمثله) أَي مثل هَذَا الْكَلَام مِمَّن روى عَنهُ خبر إِنْكَار (فِي عرف الْمُتَكَلِّمين) من أَرْبَاب اللِّسَان، أَو من أهل الْعلم سِيمَا الْمُحدثين الموثقين بِالْحِفْظِ والإتقان (لَا شكّ) مَرْفُوع عطفا على إِنْكَار، أَو مَبْنِيّ على الْفَتْح على أَن لَا لنفي الْجِنْس، وَالْخَبَر مَحْذُوف، أَي لَا شكّ فِيهِ فَإِن قلت قَوْله أخْشَى مشْعر بِعَدَمِ جزمه بِكَوْنِهِ وهما قلت عدم الْجَزْم لَيْسَ بتجويز أَنه رَوَاهُ ثمَّ نسى، بل لاحْتِمَال أَن يكون الْوَهم من ابْن جريج لَا من سُلَيْمَان، على أَن الْعدْل لَا يقطع بِعَدَمِ تَعَمّده الْكَذِب، بل يظنّ بِهِ ثمَّ اعْلَم أَن ابْن جريج أحد الْأَعْلَام الثِّقَات بِاتِّفَاق الْمُحدثين، وَكَذَا ابْن عدي (أَو لمعارضة مَا هُوَ أصح) من الحَدِيث الْمَذْكُور إِيَّاه عطف على قَوْله لضعف الحَدِيث، فعلى هَذَا لَا يكون التَّأْوِيل بَعيدا لوُجُود مَا يدل عَلَيْهِ وَهُوَ (رِوَايَة مُسلم) وَهُوَ بدل من الْمَوْصُول: أَي مرويه، وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم (الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا، وَهِي) أَي الأيم (من لَا زوج لَهَا بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا، وَلَيْسَ للْوَلِيّ حق فِي نَفسهَا) أَي الأيم (سوى التَّزْوِيج) فَلَا يُقَال لم لَا يجوز أَن يكون أحقيتها بِاعْتِبَار حق آخر؟ (فَجَعلهَا) النَّبِي صلى الله عليه وسلم (أَحَق بِهِ) أَي بِالتَّزْوِيجِ (مِنْهُ) أَي من الْوَلِيّ (فَهُوَ) أَي حَدِيث " أَيّمَا امْرَأَة " إِلَى آخِره دائر (بَين أَن يحمل) فِيهِ من كلمة بَاطِل (على أول الْبطلَان) أَي على أَنه يَئُول إِلَى الْبطلَان كَمَا مر (أَو يتْرك) الْعَمَل بِهِ (للمعارض الرَّاجِح) وَمن لطف طبع المُصَنّف رحمه الله أَنه لم يرض فِي جَوَاب حَدِيث " أَيّمَا امْرَأَة " بحملها على الصَّغِيرَة، وَمَا ذكر مَعهَا لما فِيهِ من تَخْصِيص الْعَام بِحَيْثُ يخرج من دَائِرَة عُمُومه أَكثر الْأَفْرَاد، وَيبقى الْأَقَل الَّذِي لَا يتَبَادَر إِلَى الذِّهْن، وَلَا بإهمال هَذَا التَّأْوِيل بِالْكُلِّيَّةِ، بل اسْتِعْمَاله فِي الحَدِيث الْآتِي لملاءمته بِهِ كَمَا سَيظْهر، غير أَنه بَقِي شَيْء، وَهُوَ أحقية الأيم بِنَفسِهَا لَا يَقْتَضِي أَن لَا يكون للْوَلِيّ حق فِيهَا، لجَوَاز أَن يكون التَّزْوِيج حَقّهمَا مَعًا، وَتَكون هِيَ أَحَق كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله: من وَليهَا. وَقد أَشَارَ المُصَنّف رحمه الله فِي شرح الْهِدَايَة إِلَى مَا يصلح جَوَابا عَنهُ، وَهُوَ قَوْله: أثبت لكل مِنْهَا وَمن الْوَلِيّ حَقًا فِي ضمن قَوْله أَحَق، وَمَعْلُوم أَنه لَيْسَ للْوَلِيّ سوى مُبَاشرَة العقد إِذا رضيت، وَقد جعلهَا أَحَق مِنْهُ بِهِ أَقُول للمناقشة مجَال، فللخصم أَن يَقُول أحقيتها من الْوَلِيّ بِالتَّزْوِيجِ لَا يسْتَلْزم أحقيتها مِنْهُ بِالْمُبَاشرَةِ، لِأَن التَّزْوِيج لَيْسَ مُجَرّد الْمُبَاشرَة، بل هُوَ إتْمَام أحد ركني العقد، وَهُوَ كَمَا يحْتَاج إِلَى الْمُبَاشرَة يحْتَاج إِلَى تحقق الرِّضَا بالتمليك، فَلْيَكُن الرِّضَا حَقّهَا، والمباشرة حَقه، وَلَا شكّ أَن الأَصْل هُوَ الرِّضَا، وَإِذا كَانَ مُعظم أَمر التَّزْوِيج حَقّهَا تكون هِيَ أَحَق بِنَفسِهَا فِي التَّزْوِيج
وَالله أعلم (وَأما الْحمل على الْأمة وَمَا ذكر) مَعهَا من الصَّغِيرَة وَالْمُكَاتبَة (فَإِنَّمَا هُوَ فِي لَا نِكَاح إِلَّا بولِي أَي من لَهُ ولَايَة) ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، غير الْمَنْكُوحَة أَو نَفسهَا كَمَا إِذا كَانَت حرَّة عَاقِلَة بَالِغَة (فَيخرج) من النِّكَاح الْمُعْتَبر شرعا (نِكَاح العَبْد) لنَفسِهِ امْرَأَة (و) نِكَاح (الْأمة) نَفسهَا بِغَيْر إِذن الْمولى، (و) نِكَاح (مَا ذكر) من الصَّغِيرَة وَالْمُكَاتبَة، وَكَذَا الصَّغِير وَالْمَجْنُون كَمَا سيشير إِلَيْهِ: وَذَلِكَ لعدم وَلَا يتهم، وَقد انحصر النِّكَاح فِيمَا صدر عَن ولَايَة (وَإِذ دلّ) الحَدِيث (الصَّحِيح) وَهُوَ مَا فِي مُسلم " الأيم أَحَق بِنَفسِهَا "(على صِحَة مباشرتها) عقد النِّكَاح كَمَا مر من تَقْرِيره من أَن الْوَلِيّ تصح مُبَاشَرَته وَهِي أَحَق بِهِ مِنْهُ، وَصِحَّة الْمُبَاشرَة دَلِيل الْولَايَة فاشتراط الْوَلِيّ فِي النِّكَاح لَيْسَ بمخرج نِكَاحهَا نَفسهَا فَحِينَئِذٍ (لزم كَونه) أَي كَون شَرط الْوَلِيّ (لإِخْرَاج) نِكَاح (الْأمة وَالْعَبْد والمراهقة) وَهِي من قُلُوب الْبلُوغ، فَلَزِمَ إِخْرَاج من لم يُقَارِبه بِالطَّرِيقِ الأولى (والمعتوهة) وَهِي من يخْتَلط كَلَامه وَأمره، وَكَذَا نِكَاح الْمُرَاهق وَالْمَجْنُون وَلم يذكر الْمكَاتب لِأَنَّهُ عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم فَإِن قلت إِذا خرج نِكَاح هَؤُلَاءِ عَن النِّكَاح الشَّرْعِيّ، فَمَا معنى الْحمل على الأية وَمَا ذكر فِي " لَا نِكَاح إِلَّا بولِي " وَفَائِدَة حمل النكرَة المنفية على بعض أفرادها وُرُود النَّفْي على ذَلِك الْبَعْض خَاصَّة لعدم صِحَة نَفيهَا مُطلقًا، وَهَذَا إِذا لم يكن فِي الْكَلَام مَا يبين مورد النَّفْي وَالْإِثْبَات، وَقد تبين هَهُنَا بِالنَّفْيِ وَالِاسْتِثْنَاء قلت لم يرد حمل النِّكَاح الْمَذْكُور فِي لَا نِكَاح على مَا ذكر ليرد مَا قلت، بل أَرَادَ حمل النِّكَاح الصَّادِر لَا عَن ولَايَة شَرْعِيَّة الْمَفْهُوم ضمنا لاندراجه تَحت النَّفْي مَعَ عدم اندراجه فِي الِاسْتِثْنَاء، فَهَذَا الْحمل تَفْسِير للمجمل، لَا تَخْصِيص للعام، على أَنه لَو كَانَ من تَخْصِيص الْعلم بِدَلِيل نقيضه فِي حَدِيث أَيّمَا امْرَأَة لم يكن فِيهِ بعد كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَتَخْصِيص الْعَام لَيْسَ من الِاحْتِمَالَات الْبَعِيدَة) كَيفَ وَمَا من عَام إِلَّا وَقد خصص مِنْهُ الْبَعْض (و) لَا سِيمَا (قد ألجأ إِلَيْهِ) أَي إِلَى التَّخْصِيص (الدَّلِيل) وَهُوَ حَدِيث مُسلم الْمَذْكُور وَعَن المُصَنّف رحمه الله أَنه يخص حَدِيث أَيّمَا امْرَأَة بِمن نكحت غير الْكُفْء على قَول من لم يصحح مَا باشرته من غير كُفْء، وَالْمرَاد بِالْبَاطِلِ حَقِيقَته أَو حكمه على قَول من يُصَحِّحهُ وَيثبت للْوَلِيّ حق الْفَسْخ، كل ذَلِك شَائِع فِي اطلاقات النُّصُوص، فَيثبت مَعَ الْمَنْقُول، وَالْوَجْه الْمَعْنَوِيّ وَهُوَ أَنَّهَا تصرفت فِي خَالص حَقّهَا: وَهِي من أَهله كَالْمَالِ فَيجب تَصْحِيحه مَعَ كَونه خلاف الأولى (وَأما الزَّكَاة) أَي وَأما الدَّاعِي إِلَى اعْتِبَار الْمَالِيَّة فِي الزَّكَاة (فَمَعَ الْمَعْنى النَّص) أَي النَّص مَعَ الْمَعْنى، وكل مِنْهُمَا مُسْتَقل فِي الْمَقْصُود وَقدم الْعقلِيّ لِأَنَّهُ منَاط النقلي (أما الأول فللعلم) أَي اعْتِبَار الْقيمَة للْعلم (بِأَن الْأَمر بِالدفع) أَي بِدفع الزَّكَاة (إِلَى الْفَقِير) فِي النُّصُوص (إِيصَال لرزقهم الْمَوْعُود مِنْهُ سُبْحَانَهُ) فَإِن الْمولى إِذا وعد
عَبده يُعْطِيهِ، ثمَّ أَمر من لَهُ حق عَلَيْهِ بِإِعْطَاء مَا يصلح لِأَن يكون أَدَاء للموعود، فَلَا شكّ فِي أَنه يحمل أمره على إنجاز وعده السَّابِق، لِأَن الْمَوْعُود كالواجب فَلَا يقدم مَا لم يجب عَلَيْهِ، وَإسْنَاد الإيصال إِلَى الْآمِر مجازى قصد بِهِ الْمُبَالغَة فِي استلزام أمره إِيَّاه كَمَا يُشِير إِلَيْهِ قَوْله - {إِنَّمَا قَوْلنَا لشَيْء إِذا أردناه أَن نقُول لَهُ كن فَيكون} - (وَهُوَ) أَي رزقهم الْمَوْعُود (مُتَعَدد من طَعَام وشراب وَكِسْوَة) وَغَيرهَا من مسكن ومنكح، وَغير الرزق وَمَا يَسُوقهُ الله إِلَى الْحَيَوَان فينتفع بِهِ (فقد وعدهم الله أصنافا) لِأَنَّهُ وعدهم الرزق: وَهُوَ أَصْنَاف (وَأمر من عِنْده من مَاله) أَي وَأمر غَنِيا عِنْده من مَال الله عز وجل (صنف وَاحِد) كالغنم وَالْإِبِل أَو غَيرهَا (أَن يُؤَدِّي مواعيده) الَّتِي هِيَ أَصْنَاف، لِأَن الْأَمر بِالدفع إنجاز الْوَعْد السَّابِق المندرج تَحْتَهُ الْأَصْنَاف أَمر بأَدَاء المواعيد (فَكَانَ) أَمر الله من عِنْده صنف من مَاله بِدفع جُزْء من ذَلِك المَال أَدَاء للمواعيد، فَكَانَ أَمر الله من عِنْده (إِذْنا بِإِعْطَاء الْقيم) نظرا إِلَى حِكْمَة الْآمِر (كَمَا فِي مثله من الشَّاهِد) تأييد للمعنى الْمَذْكُور بِقِيَاس الْغَائِب على الشَّاهِد، وَهُوَ أَن السَّيِّد إِذا أَمر عَبده أَن يُؤَدِّي أَصْنَاف مواعيده، مِمَّا عِنْد العَبْد، وَهُوَ صنف وَاحِد، وَعين مِقْدَار مَا أَمر بإعطائه كَانَ ذَلِك إِذْنا بأَدَاء الْقيمَة معنى (وَحِينَئِذٍ) أَي وَحين كَانَ الْمَأْمُور بِهِ فِي الزَّكَاة إِعْطَاء الْقيم، وَهِي عبارَة عَن مَالِيَّة المنصوصات، ومالية الشَّيْء تصدق على عين ذَلِك الشَّيْء كَمَا يصدق على مَا يماثله (لم تبطل الشَّاة) مثلا بِأَن لَا يتَأَدَّى بهَا الْوَاجِب كَمَا زعم الْخصم (بل) يبطل (تَعْيِينهَا) بِحَيْثُ لَا يسوغ غَيرهَا (وَحَقِيقَته) أَي حَقِيقَة بطلَان تَعْيِينهَا (بطلَان عدم إِجْزَاء غَيرهَا) مِمَّا يساويها فِي الْقيمَة (وَصَارَت) الشَّاة (محلا هِيَ وَغَيرهَا) مِمَّا يساويها فِي الْقيمَة، والصيرورة بِاعْتِبَار مُشَاركَة الْغَيْر إِيَّاه فِي الْمَحَلِّيَّة، لَا بِاعْتِبَار محليتها فِي نَفسهَا، فَإِن ذَلِك ثَابت من الأَصْل (فالتعليل) الْمَذْكُور (وسع الْمحل) أَي مَحل الْوُجُوب وَمَا يتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِب (وَلَيْسَ التَّعْلِيل) حَيْثُ كَانَ (إِلَّا لتوسعته) أَي الْمحل لِأَنَّهُ لإلحاق غير الْمَنْصُوص بالمنصوص فِي الحكم لمشاركتهما فِي الْعلَّة الَّتِي هِيَ منَاط الحكم (وَأما النَّص) الدَّال على اعْتِبَار الْقيمَة فِي الزَّكَاة (فَمَا علقه البُخَارِيّ) فِي صَحِيحه، وَالتَّعْلِيق أَن يحذف من مبدأ الْإِسْنَاد وَاحِد فَأكْثر كَقَوْل الشَّافِعِي رحمه الله: قَالَ نَافِع، وَقَول مَالك: قَالَ ابْن عمر، أَو قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم (وتعليقاته صَحِيحَة) قَالَ الشَّارِح وَوَصله يحيى بن آدم فِي كتاب الْخراج (من قَول معَاذ) بَيَان للموصول توَسط بَينهمَا المعترضة (ائْتُونِي بخميس) بِالسِّين الْمُهْملَة كَمَا هُوَ الصَّوَاب، لَا الصَّاد. قَالَ الْخَلِيل هُوَ ثوب طوله خَمْسَة أَذْرع، وَقَالَ الدَّاودِيّ كسَاء قيسه ذَا، وَقيل سمي بِملك من مُلُوك الْيمن أول من أَمر بِعِلْمِهِ (أَو لبيس) هُوَ مَا يلبس من الثِّيَاب والملبوس الْخلق (مَكَان الشّعير والذرة أَهْون عَلَيْكُم) أما بِاعْتِبَار