المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أَنه كَانَ يُوجد عِنْدهم مِنْهُمَا مَا لم يَكُونُوا مُحْتَاجين إِلَيْهِ، - تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه - جـ ١

[أمير باد شاه]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي انقسام الْمُفْرد بِاعْتِبَار ذَاته من حَيْثُ أَنه مُشْتَقّ أَولا

- ‌مَسْأَلَة

- ‌ مَسْأَلَة

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌التَّقْسِيم الثَّانِي

- ‌التَّقْسِيم الثَّالِث

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌التَّقْسِيم الثَّالِث

- ‌التَّقْسِيم الثَّانِي

- ‌الْبَحْث الثَّانِي

- ‌الْبَحْث الثَّالِث

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌ مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مسئلة

- ‌‌‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌الْبَحْث الرَّابِع

- ‌الْبَحْث الْخَامِس

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مسئلة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌ مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مَبْحَث الْأَمر

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌(صِيغَة الْأَمر لَا تحْتَمل التَّعَدُّد الْمَحْض)

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مسئلة

- ‌مسئلة

الفصل: أَنه كَانَ يُوجد عِنْدهم مِنْهُمَا مَا لم يَكُونُوا مُحْتَاجين إِلَيْهِ،

أَنه كَانَ يُوجد عِنْدهم مِنْهُمَا مَا لم يَكُونُوا مُحْتَاجين إِلَيْهِ، أَو بِاعْتِبَار أَن حَاجَة الْإِنْسَان إِلَى الْمَأْكُول أَشد مِنْهَا إِلَى الملبوس أَو غير ذَلِك (وَخير لأَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ) لكَون حَاجتهم إِلَيْهَا أَشد، أَو لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدهم الكفاف من الْمَأْكُول، أَو لقلَّة أكلهم وَقُوَّة توكلهم بِحَيْثُ لم يَكُونُوا يدخرون الطَّعَام وَشدَّة الْبرد بِالْمَدِينَةِ كَمَا يشْعر بِهِ التَّقْيِيد، وَذكر الشَّارِح نصا آخر وَهُوَ مَا فِي كتاب الصّديق لأنس مَرْفُوعا إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ " من بلغت عِنْده من الْإِبِل صَدَقَة الْجَذعَة، وَلَيْسَ عِنْد جَذَعَة وَعِنْده حَقه، فَإِنَّهُ يُؤْخَذ مِنْهُ الحقة وَيجْعَل مَعهَا شَاتين أَو عشْرين درهما " الحَدِيث (فَظهر أَن ذكر الشَّاة والجذعة) وَغَيرهمَا (كَانَ لتقدير الْمَالِيَّة، وَلِأَنَّهُ) أَي إِعْطَاء الشَّاة والجذعة (أخف على أَرْبَاب الْمَوَاشِي) لوجودها عِنْدهم (لَا لتعيينها) بِحَيْثُ لَا يُجزئ عَنْهَا الْبَدَل (وَقَوْلهمْ) أَي الْحَنَفِيَّة (فِي الْكَفَّارَة) فِي إطْعَام سِتِّينَ مِسْكينا طَعَام سِتِّينَ على مَا مر (مثله) أَي مثل قَوْلهم (فِي الْأَوَّلين) وهما مسألتا، إِسْلَام الرجل على أَكثر من أَربع، وعَلى أُخْتَيْنِ فِي أَنه خلاف الْأَوْجه، وَإِنَّمَا الْأَوْجه قَول الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة: إِنَّه إِذا أطْعم مِسْكينا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا لَا يُجزئهُ، وَذَلِكَ لما مر من إِمْكَان قصد فضل الْجَمَاعَة وتضافر قُلُوبهم إِلَى آخِره مَعَ ارْتِكَاب الْمجَاز من غير ضَرُورَة، وَهُوَ جعل السِّتين أَعم من الْحَقِيقِيّ والحكمي (وَالله أعلم).

‌التَّقْسِيم الثَّالِث

من التقسيمات الثَّلَاثَة للفظ بِاعْتِبَار ظُهُور دلَالَته وخفائه (مُقَابل) التَّقْسِيم (الثَّانِي) وَهُوَ تَقْسِيم اللَّفْظ بِاعْتِبَار ظُهُور دلَالَته، فَلَزِمَ كَون هَذَا (بِاعْتِبَار الخفاء) أَي خَفَاء دلَالَة اللَّفْظ على الْمَعْنى المُرَاد (فَمَا) أَي اللَّفْظ الَّذِي (كَانَ خفاؤه بِعَارِض) من الْأُمُور الخارجية من نفس اللَّفْظ من الْأَحْوَال الطارئة عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (غير الصِّيغَة فالخفي) أَي فَهُوَ الْخَفي، سمي بِهِ مَعَ كَونه أقل خَفَاء من الْأَقْسَام الْبَاقِيَة، لكَونه مُقَابلا للظَّاهِر الَّذِي هُوَ أقل ظهورا من تِلْكَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَهُوَ) أَي الْخَفي (أقلهَا) أَي أقل أَقسَام هَذَا التَّقْسِيم (فِي الخفاء كَالظَّاهِرِ) فَإِنَّهُ أقل أَقسَام ذَلِك التَّقْسِيم (فِي الظُّهُور) فَإِن قيل يَنْبَغِي أَن يكون الْخَفي مَا خَفِي المُرَاد مِنْهُ بِنَفس اللَّفْظ، لِأَنَّهُ فِي مُقَابلَة الظَّاهِر، وَهُوَ مَا ظهر المُرَاد مِنْهُ بِنَفس اللَّفْظ وَأجِيب بِأَن الخفاء بِنَفس اللَّفْظ فَوق الخفاء بِعَارِض، فَلَو كَانَ الْخَفي مَا ذكرت لزم أَن لَا يكون فِي أول مَرَاتِب الخفاء، فَلَا يكون إِذن مُقَابلا للظَّاهِر (وَحَقِيقَته) أَي حَده الكاشف عَن حَقِيقَته فَوق كشف

ص: 156

مَا ذكر من تَعْرِيفه (لفظ) وضع (لمَفْهُوم عرض) وصف بِحَال مُتَعَلّقه (فِيمَا هُوَ ببادئ الرَّأْي) بادئ الرَّأْي ظَاهره، والرأي الِاعْتِقَاد، وَالْبَاء بِمَعْنى فِي، وَالْمعْنَى فِي أول الملاحظة (من أَفْرَاده) أَي من أَفْرَاد ذَلِك الْمَفْهُوم خبر هُوَ، قدم عَلَيْهِ مَا هُوَ ظرف نسبته إِلَى الْمُبْتَدَأ، أَو (مَا يخفى) فَاعل عرض أَو عَارض يخفي (بِهِ) أَي بِسَبَب ذَلِك الْعَارِض (كَونه) فَاعل يخفى، وَالضَّمِير للموصول الأول، (مِنْهَا) أَي من أَفْرَاد ذَلِك الْمَفْهُوم فَالْحَاصِل أَن عرُوض هَذَا الْعَارِض فِي ذَلِك الْمحل أورث فِي كَونه فَردا لذَلِك الْمَفْهُوم خَفَاء بعد مَا كَانَ يحكم الْعقل فِي بادئ النّظر بفرديتها (إِلَى قَلِيل تَأمل) غَايَة الخفاء فيرتفع بتأمل قَلِيل (ويجتمعان) أَي الْخَفي وَمَا يُقَابله وَهُوَ الظَّاهِر (فِي لفظ) وَاحِد (بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَفْهُومه) وَهُوَ مَا ببادئ الرَّأْي من أَفْرَاده وَعرض مَا يخفي فِيهِ كَونه مِنْهَا (كالسارق ظَاهر فِي مَفْهُومه الشَّرْعِيّ) وَهُوَ الْعَاقِل الْبَالِغ الْآخِذ مَا يوازي عشرَة دَرَاهِم خُفْيَة من المَال المتناول مِمَّا لَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد من حرز بِلَا شُبْهَة مِمَّن هُوَ بصدد الْحِفْظ (خَفِي فِي النباش) آخذ كفن الْمَيِّت من الْغَيْر خُفْيَة بنبشه، وَهُوَ إبراز المستور وكشف الشَّيْء (والطرار) آخذ المَال الْمَذْكُور من الْيَقظَان من غَفلَة مِنْهُ بطر أَو غَيره، والطر هُوَ الْقطع، وَأَشَارَ إِلَى الْعَارِض الْمُورث للخفاء الْمَذْكُور بقوله (للاختصاص) مُتَعَلق بخفي (باسم) مُتَعَلق بالاختصاص، وَذَلِكَ لِأَن الِاخْتِصَاص الْمَعْنى باسم بِحَيْثُ لَا يُطلق عَلَيْهِ غَيره مِمَّا ينْدَرج تَحت مَفْهُوم يظنّ كَون ذَلِك الْمَعْنى من أَفْرَاده فِي بادئ الرَّأْي يُورث خَفَاء فِي كَونه مِنْهَا ويرجح عَدمه، لِأَن الظَّاهِر عدم اخْتِصَاص بعض أَفْرَاد مَفْهُوم باسم عَن سَائِر أَفْرَاده، ثمَّ غيا الخفاء فِي النباش والطرار بغاية يدل عَلَيْهَا قَوْله (إِلَى ظُهُور أَنه) أَي بِأَن يظْهر بعد قَلِيل تَأمل أَن الِاخْتِصَاص (فِي الطرار لزِيَادَة) أَي لزِيَادَة مُسَمَّاهُ فِي الْمَعْنى الَّذِي هُوَ منَاط حكم السّرقَة: وَهِي الحذاقة فِي فعل السّرقَة وَفضل فِي جِنَايَته، لِأَنَّهُ يسارق الْأَعْين المستيقظة لغفلة، وَعند ظُهُور هَذِه المزية يَزُول الخفاء وَيعلم كَونه من أَفْرَاد السَّارِق (فَفِيهِ) أَي فَيجب فِي الطرار (حَده) أَي السَّارِق (دلَالَة) أَي بِدلَالَة النَّص الْوَارِد فِي إِيجَاب هَذِه، لكَونه أولى بِثُبُوت الحكم لَهُ لوُجُود المناط فِيهِ على الْوَجْه الأتم فَإِن قلت ظُهُور كَونه من أَفْرَاد السَّارِق بعد التَّأَمُّل يُنَافِي ثُبُوت حكمه بِدلَالَة النَّص قلت كَأَنَّهُ أَرَادَ ثُبُوت دلَالَة قبل الظُّهُور فَتَأمل (لَا قِيَاسا) عَلَيْهِ حَتَّى يرد أَن الْحُدُود لَا تثبت بِالْقِيَاسِ لِأَنَّهُ لَا يعرى عَن شُبْهَة الْحُدُود تدرأ بهَا، غير أَن الْإِطْلَاق إِنَّمَا يَتَأَتَّى على قَول أبي يُوسُف وَالْأَئِمَّة الثَّلَاثَة، وَإِلَّا فَظَاهر الْمَذْهَب فِيهِ تَفْصِيل. قَالَ المُصَنّف رحمه الله فِي شرح الْهِدَايَة قَوْله وَمن شقّ: أَي شقّ صرة والصرة الْهِمْيَان، وَالْمرَاد من الصرة هُنَا الْموضع المشدود فِيهِ الدَّرَاهِم لم يقطع وَإِن أَدخل يَده فِي الْكمّ قطع، لِأَن فِي الْوَجْه الأول يتَحَقَّق الْأَخْذ من خَارج

ص: 157

فَلَا يُوجد هتك الْحِرْز، وَفِي الثَّانِي الرِّبَاط من دَاخل يتَحَقَّق الْأَخْذ من الْحِرْز وَهُوَ الْكمّ، وَلَو كَانَ مَكَان الطر حل الرِّبَاط ثمَّ الْأَخْذ فِي الْوَجْهَيْنِ ينعكس الْجَواب (والنباش) مَعْطُوف على الطرار أَي وَإِن الِاخْتِصَاص فِي النباش (لنَقص) فِي منَاط الحكم لعدم الْحِرْز، وَعدم الْحَافِظ، وقصور الْمَالِيَّة لِأَن المَال مَا يرغب فِيهِ، والكفن ينفر عَنهُ، وَعدم المملوكية لأحد، لِأَن الْمَيِّت لَيْسَ بِأَهْل للْملك وَالْوَارِث لَا يملك من التَّرِكَة إِلَّا مَا يفضل عَن حَاجَة الْمَيِّت (فَلَا) يجب فِيهِ حد السّرقَة، وَلِأَن شرع الْحَد للانزجار، وَالْحَاجة إِلَيْهِ عِنْد كَثْرَة وجوده، والنبش نَادِر، والانزجار حَاصِل طبعا، وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى، خلافًا لأبي يُوسُف، وَالْأَئِمَّة الثَّلَاثَة، وَقَول أبي حنيفَة، قَول ابْن عَبَّاس وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَكْحُول وَالزهْرِيّ، وَقَوْلهمْ مَذْهَب عمر وَابْن مَسْعُود وَعَائِشَة وَالْحسن وَأبي ثَوْر ثمَّ الْكَفَن للْوَارِث عِنْدهم، فَهُوَ الْخصم فِي الْقطع وَإِن كَفنه أَجْنَبِي فَهُوَ الْخصم (وَمَا) أَي اللَّفْظ الَّذِي كَانَ خفاؤه (لتَعَدد الْمعَانِي الاستعمالية) أَي الَّتِي تسْتَعْمل فِي كل مِنْهَا (مَعَ الْعلم بالاشتراك) أَي بِكَوْن اللَّفْظ مَوْضُوعا لكل مِنْهَا بِوَضْع على حِدة (وَلَا معِين) أَي وَلم يكن هُنَاكَ قرينَة مُعينَة للمراد (أَو تجويزها مجازية) مَعْطُوف على الْعلم، وَلَا شكّ أَن تَجْوِيز كَون كل من الْمعَانِي الاستعمالية مرَادا من اللَّفْظ مجَازًا إِنَّمَا يتَحَقَّق إِذا صرف صَارف عَن إِرَادَة مَا وضع لَهُ، وَكَانَ الْمقَام صَالحا لإِرَادَة كل مِنْهَا، وَلم يكن مَا يعين وَاحِدًا مِنْهَا، وَقَوله مجازية مَنْصُوب على أَنه مفعول ثَان للتجويز لتَضَمّنه معِين التصيير (أَو بَعْضهَا) مَعْطُوف على الضَّمِير الْمَجْرُور، وَذَلِكَ بِأَن يزدحم معَان استعمالية بَعْضهَا حَقِيقِيَّة وَبَعضهَا مجازية بِحَسب التجويز، وَهُوَ إِنَّمَا يتَصَوَّر إِذا كَانَ الْمقَام صَالحا لإِرَادَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ، والمجازي بِأَن لم يكن الصَّارِف عَن الْحَقِيقِيّ قَاطعا فِي الصّرْف وَإِلَّا يتَعَيَّن الْمجَازِي (إِلَى تَأمل) غَايَة للخفاء فِي هَذَا الْقسم، وَقد مر أَن الْعقل يدْرك المُرَاد فِيهِ بعد التَّأَمُّل، وَإِنَّمَا قيد تعدد الْمعَانِي الْمُوجب للخفاء بِالْعلمِ بالاشتراك أَو التجويز الْمَذْكُور، لِأَن تعدد الْمعَانِي لاستعماله من غير أَن يعلم السَّامع اشتراكها أَو تجوزها مجازية أَو بَعْضهَا لَا يتَصَوَّر، لِأَن شَرط الِاسْتِعْمَال فِي الْمَعْنى أَن يكون مَوْضُوعا لَهُ، أَو يكون بَينه وَبَين الْمَوْضُوع لَهُ علاقَة من أَنْوَاع العلاقات الْمُعْتَبرَة فِي المجازات، وَقد علمت أَن مُجَرّد التَّعَدُّد لَا يَكْفِي، بل لَا بُد أَن يكون الْمقَام بِحَيْثُ يحْتَمل كلا مِنْهَا (مُشكل) خبر الْمَوْصُول، من أشكل عَلَيْهِ الْأَمر إِذا دخل فِي أشكاله وَأَمْثَاله، بِحَيْثُ لَا يعرف إِلَّا بِدَلِيل يتَمَيَّز بِهِ (وَلَا يُبَالِي بصدقه) أَي الْمُشكل (على الْمُشْتَرك) كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي أثْنَاء التَّعْرِيف (كَأَنِّي فِي) قَوْله تَعَالَى - {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ} - (أَنى شِئْتُم) قَالَه مُشكل لخفا مَعْنَاهُ لاشتراكه بَين معَان يسْتَعْمل فِي كل مِنْهَا، قَالَ الرضي:

ص: 158

أنى لها ثلاث معان استفهامية كانت أو شرطية: أحدها أين ولابد حينئذ أن تستعمل مع من، أما ظاهرة نحو من أين عشرون لنا من أنى، أو مقدرة نحو أني لك هذا: أي من أين لك، ولا يقال أني زيد، بمعنى أين زيد، وتجيء بمعنى كيف نحو - أي تؤفكون - وتجيء بمعنى متى، وقد أول قوله تعالى - أنى شئتم - على الأوجه الثلاثة، واقتصر المصنف رحمه الله على ذكر معنيين لحصول ما هو بصدده بهما، فقال (لاستعماله كأين وكيف) كقوله تعالى - أني يحيى هذه الله بعد موتها - (إلى أن تؤمل) في طلب المراد منه على صيغة المجهول، من باب التفعيل غاية للإشكال المحكوم به على أني (فظهر) أن المراد هو (الثاني) أي معنى كيف (بقرينة الحرث وتحريم الأذى)، فإن الأول يدل على أن المأتي إنما هو محل الحرث دون غيره، فلا سبيل إلى أن يراد جواز الاتيان من أي مكان شاء من الطريقين، على أن يكون المعنى من أين شئتم، والثاني وهو تحريم قربان المحيض بعلة الأذى والاستقذار المؤذي من يقرب نفرة منه موجود في الاتيان في الدبر على الأوجه الأتم، فتعين أن المراد بيان ما يفهم جواز الاتيان باعتبار الكيفية، ردا على اليهود، على ما روي أنهم كانوا يقولون: إن من جامع امرأته من دبرها في قبلها كان كان ولده أحول، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت (وما) أي اللفظ الذي خفاؤه بالتأمل (كمشترك) لفظي (تعذر ترجيحه) أي ترجيح بعض معانيه للإرادة (كوصية لمواليه) أي كلفظ الموالي المشترك بين المعتقين، والمعتقين في وصية من أوصى لمواليه، وهو معتق جمع، ومعتق جمع آخرين، فإنه حينئذ لا يعرف مراده بدون البيان، كما أشار إليه بقوله (حتى بطلت) الوصية (فيمن له الجهتان) أي في وصية من له جهة المعتقين والمعتقين، فإنه لا يرجى البيان بعد موت الموصى، وهذا ظاهر الرواية، وعن محمد إلا أن يصلطحا على أن يكون الموصى به بينهما، فإنه يجوز كذلك، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله جوازها، ويكون للفريقين (أو ابهام متكلم) عطف على المجرور في صلة الموصول، أي واللفظ: أي خفاؤه، لأنه أبهم متكلم على المخاطب مراده (بـ) ـسبب (وضعه) ذلك اللفظ (لغير ما عرف) من إرادته عند الإطلاق (كالأسماء الشرعية من الصلاة والزكاة والربا) الموضوعة لمعانيها الشرعية التي هي غير معانيها المعروفة قبل الوضع الشرعي، فإن الشارع لما استعملها ابتداء فيما وضعها بازائه أبهمها باعتبار ما أراد منها قبل علمهم بالوضع الثاني، وأحوجها إلى التفسير، فكأن فائدة الخطاب الإيمان بموجب ما أراد بها إجمالا، وطلب البيان، والاستفسار (مجمل) من أجمل الحساب رده إلى الجملة، أو الأمر أبهمه، وهو أخفى من المشكل لعدم امكان الوقوف عليه

ص: 159

بالاجتهاد وتوقفه على البيان، بخلاف المشكل، فهو مقابل المفسر (وما) أي اللفظ الذي خفي المراد منه بحيث (لم يرج معرفته في الدنيا متشابه) من التشابه، بمعنى الالتباس (كالصفات) أي صفات الله تعالى التي ورد فيها الكتاب والسنة (في نحو اليد والعين) مما يجب تنزيه الذات المقدسة عن معانيها الظاهرة كما قال الله تعالى - يد الله فوق أيهم - ولتصنع على عيني، (والأفعال) التي صدورها منه باعتبار ظواهر معانيها مستحيل (كالنزول) كما ورد في الصحيحين " ينزل ربك كل ليلة إلى سماء الدنيا " الحديث إلى غير ذلك مما دل عليه السمع القاطع بناء على ما عليه السلف من تفويض علمه إلى الله تعالى، والسكوت عن التأويل، واعتقاد عدم إرادة الظواهر المقتضية للحدوث والتشبيه (وكالحروف في أوائل السور) كالم وص وحم، وإطلاق الحروف عليها باعتبار مسمياتها، أو أريد بها الكلمات من قبيل إطلاق الخاص على العام، ذهب الأكثرون منهم أصحابنا والشعبي والزهري ومالك ووكيع والأوزاعي إلى أنها سر من أسرار الله تعالى استأثر الله بعلمه. قال البيضاوي: وقد روى عن الخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة ما يقرب منه، ولا يلزم منه الخطاب بما لا يفيد، إذ يجوز أن يكون فائدته طلب الإيمان بها كما يدل عليه الوقف على الجلالة في قوله - وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا -، وهو مذهب أكثر السلف والخلف والابتلاء لتبيين أهل الزيغ عن الراسخين، ثم لما كان هذا أشد خفاء مما قبله كان مقابله الحكم (وظهر) ما أشرنا إليه في أثناء تعريفات المسميات الثلاثة (أن الأسماء الثلاثة) المشكل، والمجمل، والمتشابه يدور ما يتضمن كل منها من الإشكال، والإجمال، والمتشابه المنبئ عن الخفاء (مع الاستعمال لا) يدور مع (الوضع كالمشترك) كما يدور اسم المشترك مع الوضع، لأن مدار الاشتراك على وضع اللفظ لأكثر من معنى واحد بوضع متعدد (والخفي) عطف على الأسماء: أي وظهر أن اسم الخفي دائر (مع عروض التسمية) أي مع عروض عارض عورض لبعض أفراد المسمى، فخفي شمول التسمية إياه كما عرفت (و) قالت (الشافعية ما) أي اللفظ الذي (خفي) المراد منه (مطلقا) سواء كان بنفس الصيغة أو يعارض عليها (مجمل، والإجمال) يكون (في) لفظ (مفرد للاشتراك) كالعين لتردده بين معانيه (أو الاعلال) هو تغيير حرف العلة للتخفيف، ويجمعه القلب والحذف والإمكان كمختار لتردده بين الفاعل والمفعول باعلال بقلب يائه المكسورة أو المفتوحة ألفا (أو جملة المركب) أكثر لتركبه أي مجموعه عطف على مفرد نحو قوله تعالى (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) العقد من النكاح ومن كل شيء أو وجوبه ولزومه، ويجوز أن تكون الإضافة بيانية، فمجموع

ص: 160

الْمَوْصُول مَعَ صلته مركب فِيهِ إِجْمَال لاحْتِمَال أَن يُرَاد بِهِ الزَّوْج، وَإِلَيْهِ ذهب أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لما روى الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ " ولي الْعقْدَة الزَّوْج وَالْوَلِيّ " كَمَا ذهب إِلَيْهِ مَالك، وَالْمعْنَى على الأول أَن الْوَاجِب على من طلق قبل الْمَسِيس بعد تَسْمِيَة الْمهْر النّصْف " إِلَّا أَن يعفون " أَي المطلقات فَلَا يَأْخُذن شَيْئا، وَالْوَاو حِينَئِذٍ لَام الْفِعْل، وَالنُّون ضمير، أَو يعْفُو الزَّوْج عَمَّا يعود إِلَيْهِ بالتشطير، فيسوق الْمهْر إِلَيْهَا كملا، وعَلى الثَّانِي أَو يعْفُو الَّذِي يَلِي عقده نِكَاحهنَّ، وَذَلِكَ إِذا كَانَت صَغِيرَة (ومرجع الضَّمِير) مَعْطُوف على مُفْرد، وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى ومرجع الضَّمِير مِنْهُ، وَذَلِكَ إِذا تقدم أَمْرَانِ يصلح لكل مِنْهُمَا كَمَا فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم " لَا يمْنَع أحد جَاره أَن يضع خَشَبَة فِي جِدَاره " يحْتَمل عوده إِلَى أحدكُم، وَإِلَيْهِ ذهب أَحْمد، وَإِلَى الْجَار كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة، وَذَلِكَ إِذا كَانَ لَا يضرّهُ، وَلَا يجد الْوَاضِع بدا مِنْهُ، وَلَا يخفى أَن الْأَلْيَق بالوضعية فِي حق الْجَار الأول، وَقد سُئِلَ عَن أبي بكر وَعلي رضي الله عنهما أَيهمَا أفضل؟ فَأُجِيب من بنته فِي بَيته (وَتَقْيِيد الْوَصْف وإطلاقه فِي نَحْو طَبِيب ماهر) وَفِي الشَّرْح العضدي: وَمِنْهَا مرجع الصّفة فِي نَحْو زيد طَبِيب ماهر لتردده بَين المهارة مُطلقًا، والمهارة فِي الطِّبّ انْتهى. أَرَادَ بمرجع مَا يَئُول إِلَيْهِ فَإِنَّهُ مُتَرَدّد بَين الْوَجْهَيْنِ وَحَاصِله أَن الْوَصْف وَهُوَ ماهر مثلا مردد بَين أَن يكون مُقَيّدا بِكَوْنِهِ فِي الطِّبّ، أَو مُطلقًا بِأَن تكون مهارته فِي الطِّبّ وَغَيره، فَقَوله وَتَقْيِيد الْوَصْف مَعْطُوف على مَا عطف عَلَيْهِ مرجع الضَّمِير أَو عَلَيْهِ (وَالظَّاهِر أَن الْكل) أَي إِجْمَال كل مَا تقدم من الْمثل ونظائرها (فِي مُفْرد بِشَرْط التَّرْكِيب) لِأَن الحكم بِكَوْن اللَّفْظ مُجملا إِذا لم يكن جُزْء الْكَلَام، وطرف نِسْبَة غَيرهَا ظَاهر، لِأَنَّهُ عبارَة عَن عدم تعين المُرَاد مِنْهُ عِنْد الِاسْتِعْمَال، واستعماله إِنَّمَا يتَحَقَّق فِي التراكيب، فَإِن إِطْلَاق لفظ مُفْرد، وَإِرَادَة معنى بِهِ من غير أَن يكون مَحْكُومًا عَلَيْهِ، أَو بِهِ، أَو مُتَعَلقا بِأَحَدِهِمَا، أَو طرفا لنسبة مَا يكَاد أَن لَا يصدر من الْعَاقِل، ثمَّ فِيمَا يظنّ كَونه إِجْمَالا فِي الْمركب كَقَوْلِه تَعَالَى - {الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} - يظْهر بعد التَّأَمُّل أَنه فِي الْمُفْرد، وَهُوَ الْمَوْصُول هَهُنَا غير أَنه لَا يتم بِدُونِ الصِّلَة، فَشرط التَّرْكِيب فَتدبر (وَعِنْدهم) أَي الشَّافِعِيَّة خبر الْمُبْتَدَأ، وَهُوَ (الْمُتَشَابه) أَي اسْم الْمُتَشَابه مَوْجُود فِي اصطلاحهم (لَكِن مُقْتَضى كَلَام الْمُحَقِّقين تساويهما) أَي الْمُجْمل والمتشابه (لتعريفهم) أَي الشَّافِعِيَّة، أَو تحقيقهم (الْمُجْمل بِمَا لم تتضح دلَالَته) قيل من قَول أَو فعل، فَإِن الْفِعْل لَهُ دلَالَة عقلية، وَخرج المهمل لعدم الدّلَالَة، والمبين لاتضاحها فِيهِ (وَبِمَا لم يفهم مِنْهُ معنى أَنه مُرَاد) أَي لم يفهم مِنْهُ الْمَعْنى من حَيْثُ أَنه مُرَاد، وَإِلَّا فَالْأَصْل الْفَهم على سَبِيل

ص: 161

الِاحْتِمَال غير منفي، فَقَوله أَنه مُرَاد بدل اشْتِمَال (وَعَلِيهِ) أَي على التَّعْرِيف الثَّانِي (اعتراضات) مثل أَنه غير مطرد لصدقه على المهمل وَلَا منعكس، لِأَنَّهُ يجوز أَن يفهم من الْمُجْمل أحد محامله لَا بِعَيْنِه وَهُوَ معِين، وَقد يكون الْمُجْمل فعلا، والمتبادر من الْمَوْصُول اللَّفْظ (لَيست بشي) لِأَن الْمُتَبَادر مِنْهُ أَن يكون لَهُ دلَالَة، وَلَا دلَالَة للمهمل، وَفهم أحد المحامل لَا بِعَيْنِه لَا يكون فهم المُرَاد، والموصول أَعم من القَوْل وَالْفِعْل (والمتشابه) أَي ولتعريفهم إِيَّاه (بِغَيْر المتضح الْمَعْنى) وَهُوَ التَّسَاوِي بَين التعريفات ظَاهر، بل الْكَلَام فِي الِاتِّحَاد (وَجعل الْبَيْضَاوِيّ إِيَّاه) أَي الْمُتَشَابه (مُشْتَركا بَين الْمُجْمل والمؤول) حَيْثُ قَالَ والمشترك بَين النَّص، وَالظَّاهِر الْمُحكم، وَبَين الْمُجْمل والمؤول الْمُتَشَابه (مُشكل) لَا يذهب عَلَيْك لطف هَذَا التَّعْبِير (لِأَن المؤول ظَهرت دلَالَته على الْمَرْجُوح) فَصَارَ متضح الْمَعْنى (بِالْمُوجبِ) أَي بِالدَّلِيلِ الْمُوجب حمله على الِاحْتِمَال الْمَرْجُوح حَتَّى صَار بِهِ راجحا (لَا يُقَال يُريدهُ) أَي يُرِيد الْبَيْضَاوِيّ كَون المؤول غير متضح الْمَعْنى (فِي نَفسه مَعَ قطع النّظر عَن الْمُوجب لِأَنَّهُ) أَي المؤول (حِينَئِذٍ) أَي حِين قطع النّظر عَن الْمُوجب (ظَاهر لَا يصدق عَلَيْهِ متشابه) إِذْ الِاحْتِمَال الرَّاجِح لَا يُعَارضهُ الْمَرْجُوح على ذَلِك التَّقْدِير فَتعين أَن يكون مرَادا بِحَسب الظَّاهِر، فَلَا يصدق عَلَيْهِ إِذن غير متضح المُرَاد فَلَا يصدق على المؤول تَعْرِيف الْمُتَشَابه، لَا بِالنّظرِ إِلَى نَفسه، وَلَا بِالنّظرِ إِلَى الْمُوجب، فَلَا وَجه لإدراجه فِي الْمُتَشَابه (وَأَيْضًا يَجِيء مثله فِي الْمُجْمل) جَوَاب آخر عَن قَوْله لَا يُقَال الخ تَقْرِيره أَنكُمْ حَيْثُ سميتم المؤول المقرون بِمَا يُوجب حمله على الْمَعْنى الْمَرْجُوح متشابها بِاعْتِبَار نَفسه مَعَ قطع النّظر عَن الْبَيَان احْتِرَازًا عَن التحكم (لَكِن مَا لحقه الْبَيَان خرج عَن الْإِجْمَال بالِاتِّفَاقِ) من الْفَرِيقَيْنِ (وَسمي مُبينًا عِنْدهم) أَي الشَّافِعِيَّة (وَالْحَنَفِيَّة) قَالُوا (إِن كَانَ) الْبَيَان (شافيا) رَافعا للإجمال رَأْسا (بقطعي فمفسر) أَي فَمَا لحقه الْبَيَان الْمَذْكُور يُسمى مُفَسرًا عِنْدهم كبيان الصَّلَاة وَالزَّكَاة (أَو) كَانَ الْبَيَان شافيا (بظني فمؤول) كبيان مِقْدَار الْمسْح بِحَدِيث الْمُغيرَة (أَو) كَانَ الْبَيَان (غير شاف خرج) الْمُجْمل (عَن الْإِجْمَال إِلَى الْإِشْكَال) كبيان الْعدَد بِالْحَدِيثِ الْوَارِد فِي الْأَشْيَاء السِّتَّة فِي الصَّحِيحَيْنِ فَإِنَّهُ يبْقى فِيهِ الْإِشْكَال بَعْدَمَا ارْتَفع الْإِجْمَال بِاعْتِبَار منَاط الحكم هَل هُوَ الْجِنْس وَالْقدر، أَو الطّعْم؟ على مَا عرف فِي مَوْضِعه (فَجَاز طلبه) أَي طلب بَيَانه حِينَئِذٍ (من غير الْمُتَكَلّم) لِأَن بَيَان الْمُشكل مِمَّا يَكْتَفِي فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ، بِخِلَاف الْإِجْمَال، فَظهر أَن الْمُجْمل الَّذِي لحقه الْبَيَان: قَطْعِيا كَانَ أَو ظنيا: شافيا كَانَ أَو غير شاف لَا يُوصف بالإجمال عِنْد الْحَنَفِيَّة أَيْضا (فَلِذَا) أَي لما ذكر من التَّفْصِيل (رد مَا ظن من أَن الْمُشْتَرك المقترن بِبَيَان مُجمل بِالنّظرِ إِلَى نَفسه مُبين بِالنّظرِ إِلَى الْمُقَارن) الظَّان الْأَصْفَهَانِي، والراد

ص: 162

المحقق التفتازاني حيث قال: وليس بشيء إذا لم يعرف اصطلاح على ذلك، بل كلام القوم صريح في خلافه، لكن الحق أنه يصدق على المشترك المبين من حيث أنه مبين أنه لا يمكن أن يعرف منه مراده، بل إنما عرف بالبيان (والحاص أن لزوم الأسمين) المجمل والمبين (باعتبار ما ثبت في نفس الأمر للفظ من البيان) فيما لحقه البيان ((أو الاستمرار على عدمه) أي عدم البيان فيما لم يلحقه، فالمجمل لا يخلو: إما لحقه البيان فلزمه اسم المبين، ولا يطلق عليه بعد ذلك املجمل ولو باعتبار ما كان، وإما لم يلحقه فلزمه اسم المجمل، وهذا ظاهر (فالمجمل أعم عند الشافعية) منه عند الحنفية، لأنه عند الشافعية ما خفي مطلقا، وهذا المعنى مقسم الأقسام الأربعة التي من جملتها المجمل (ويلزمه) أي كونه أعم عندهم (أن بعض أقسامه) أي المجمل (يدرك عن غير المتكلم) وهو فيما يدرك بالاجتهاد (وبعضه لا) يدرك بيانه (إلا منه) أي المتكلم (إذ لا ينكر جواز وجود إبهام كذلك) أي لا يدرك معرفته إلا ببيان المتكلم، وكأنه أراد الجواز المقارن للوقوع (وكذا المتشابه) في كونه منقسما إلى القسمين (إلا أنهم) أي الشافعية (والأكثر) اتفقوا (على إمكان دركه) أي المتشابه المتفق على أنه متشابه (خلافا للحنفية) حيث قالوا لا يمكن دركه في الدنيا كما ذهب إليه الصحابة والتابعون وعامة المتقدمين، غير أن فخر الإسلام وشمس الأئمة استثنيا النبي صلى الله عليه وسلم (وحقيقة الخلاف) بين الطائفتين (في وجود قسم) للفظ باعتبار خفاء دلالته (كذلك) أي على الوجه المذكور، وهو عدم إمكان دركه (ولا يخفى أنه) أي الخلاف المذكور (بحث عن) وجود (قسم شرعي استتبع) يعني هل يوجد في خطابات الشارع لفظ لا يمكن إدراكه المراد منه مطلوب اتباع المكلف إياه من حيث الإيمان به، ولا يجوز اتباعه للتأويل أولا، بل كان متشابه يمكن إدراكه، فيجوز اتباعه طلبا للتأويل (لا لغوى) أي ليس البحث عن وجود لفظ كذا غير متعلق لحكم شرعي (فجاز عندهم) أي الشافعية (اتباعه طلبا للتأويل) وأما الاتباع للإيمان به إجمالا والتوسل به إلى التقرب باعتبار قراءته فهو مطلوب بالإجماع (وامتنع عندنا) لما سيجيء (فلا يحل) اتباعه طلبا للتأويل (ولا نزاع في عدم امتناع الخطاب بما لا يفهم، ابتلاء للراسخين) بل وللزائغين أيضا فإنه فتنة بالنسبة اليهم، والراسخون في العلم الذين ثبتوا وتمكنوا فيه (بإيجاب اعتقاد الحقية) أي حقية ما أراد الله تعالى منه على الإجمال، والجار متعلق بالابتلاء (وترك الطلب) للوقوف عليه (تسليما عجزا) أي استسلاما لله، واعترافا بالقصور عن دركه (بل) النزاع (في وقوعه) أي الخطاب بما لا يفهم (فالحنفية نعم) هو واقع (لقوله تعالى - وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون) في العلم - إلى

ص: 163

قوله - كل من عند ربنا - (عطف جملة) اسمية المبتدأ منها الراسخون (خبره يقولون لأنه تعالى) تعليل لكونه عطف جملة، لا عطف مفرد حتى يلزم مشاركة الراسخين في علم التأويل (ذكر أن من الكتاب متشابها يتبغي تأويله قسم وصفهم بالزيغ) والعدول عن الحق (فلا اقتصر) على ذكر القسم المذكور (حكم) من حيث السياق والسباق (بمقابلهم) أي في مقابل الموصوفين بالزيغ (قسم بلا زيغ لا يبتغون) تأويله، ولا الفتنة (على وزان - فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه -) فإنه تعالى لما اقتصر على هذا (اقتضى مقابله) وهو، وأما الذين كفروا به ولم يعتصموا به فسيدخلهم في نار جهنم أو نحو ذلك (فتركه) أي المقابل إيجاز الدلالة قسيمه عليه (فكيف) لا يحكم بمقابلة القسم المذكور (وقد صرح به) أي بالقسم المقابل (أعني الراسخون، وصحت جملة التسليم) أي الجملة التي مضمونها التسليم، وهي - يقولون آمنا به كل من عند ربنا - (خبرا عنه) أي عن الراسخون، فلا يقال إنه إذا لم يعطف الراسخون على الجلالة يلزم كونه مبتدأ بلا خبر (فيجب اعتباره) أي اعتبار قوله - والراسخون - إلى آخره (كذلك) أي على الوجه المذكور في حل التركيب، (فإن قيل قسم الزيغ المتبعون ابتغاء) مجموع الأمرين (الفتنة والتأويل، فالقسم المحكوم بمقابلته) أي في مقابلة قسم الزيغ قسم حكم فيه (بنفي) مجموع (الأمرين) فيصدق على من انتفي عنه أحدهما دون الآخر (قلنا قسم الزيغ) يتقوم حقيقته (بابتغاء كل) من الفتنة والتأويل (لا) بانتفاء (المجموع) من حيث من هو مجموع ليلزم أن يكون المقابل من لم يبتغ المجموع، فلا يلزم حينئذ ذم من يبتغي التأويل فقط، أو يبتغي الفتنة فقط، وإن استلزمت الفتنة ابتغاء التأويل، وإنما اعتبر في الزيغ كل من البغيين مستقلا (إذ الأصل استقلال) كل واحد من (الأوصاف) المذكورة للأشعار بعلة الحكم فيما سيق لأجله (إذ الأصل استقلال) كل واحد من (الأوصاف) المذكورة للأشعار بعلة الحكم فيما سيق لأجله (ولأن جملة يقولون حينئذ) أي حين يعطف الراسخون على الله كما ذهب إليه الحضم (حال) عن الراسخين (ومعنى متعلقها) أي متعلق الحال وهو مقول القول (ينبو) أي يبعد ويقصر (عن موجب عطف المفرد) وهو الراسخون على المفرد، وهو الله (لأن مثله) أي مثل متعلق الحال، وهو قولهم - آما إلى آخره (في عادة الاستعمال يقال للعجز والتسليم) أي لافادتهما فصار معنى حرفيا للقول المذكور، وهذا لا يناسب موجب العطف، وهو مشاركة الراسخين علام الغيوب في علم التأويل على وجه الانحصار، لا يقال لم لا يجوز أن يكون من باب التواضع، لأنا نقول قوله تعالى - يقولون - يفيد استمرارهم على هذا القول، وإيثار الله إياهم بنعمة علم التأويل يقتضي أن يحدثوا بنعمة وبهم، وعند ذلك يستفاد ضد العجز فلا يتحقق الاستمرار، بل لا يليق بحال الغنى أن يظهر

ص: 164

نَفسه فِي لِبَاس الْفَقِير وَالله أعلم (وَغَايَة الْأَمر) أَي أَمر الْخصم وشأنه فِي المناقشة أَن يدعى (أَن مُقْتَضى الظَّاهِر) على تَقْدِير كَون الْجُمْلَة المعطوفة لبَيَان قسم مُقَابل لقسم الزيغ (أَن يُقَال: وَأما الراسخون) ليعادل قسيمه، وَلِأَن الشَّائِع فِي كلمة: أما فِي مثل هَذَا الْمقَام أَن يثنى ويكرر، ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْجَواب بقوله (فَإِذا ظهر الْمَعْنى) المُرَاد بإماراته، وَهُوَ هَهُنَا بَيَان حَال الْقسمَيْنِ على الْوَجْه الَّذِي ذكر (وَجب كَونه) أَي كَون الْكَلَام وَاقعا (على مُقْتَضى الْحَال) وَهُوَ الْأَمر الدَّاعِي لاعْتِبَار خُصُوصِيَّة مَا فِي الْكَلَام (الْمُخَالف لمقْتَضى الظَّاهِر) وَهُوَ إِيرَاد كلمة أما، وَالْحَال الَّتِي مُقْتَضى الْمُخَالف إبراز الْكَلَام فِي صُورَة توهم مُوجب عطف الْمُفْرد ليتمسك بِهِ أهل الزيغ فيستحكم فِيهِ، ويتميز عَنْهُم الراسخون بالثبات عَن الزلل كَقَوْلِه تَعَالَى - {وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس} - {يضل بِهِ كثيرا وَيهْدِي بِهِ كثيرا} - (مَعَ أَن الْحَال قيد لِلْعَامِلِ) وَهُوَ الْعلم هَهُنَا (وَلَيْسَ علمهمْ) أَي الراسخين بتأويله (مُقَيّدا بِحَال قَوْلهم - {آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا} -) بل هُوَ مَوْجُود فِي جَمِيع الْأَحْوَال (وأيد حملنَا) الْآيَة على الْمَعْنى الَّذِي ذكرنَا (قِرَاءَة ابْن مَسْعُود: وَأَن تَأْوِيله إِلَّا عِنْد الله) فَإِنَّهُ لَا يُمكن فِيهَا عطف والراسخون على الله لكَونه مجرورا، فموجبه حصر علم التَّأْوِيل فِي الله، والتوفيق بَين الْقرَاءَات مَطْلُوب، وَكَذَا قَرَأَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما وَيَقُول الراسخون فِي الْعلم آمنا بِهِ كَمَا أخرجه سعيد بن مَنْصُور عَنهُ بِإِسْنَاد صَحِيح، وعزيت إِلَى أبي أَيْضا (فَلَو لم تكن) قِرَاءَة ابْن مَسْعُود (حجَّة) لكَونهَا شَاذَّة (صلحت مؤيدا) لما قدمْنَاهُ (على وزان ضَعِيف الحَدِيث) الَّذِي ضعفه لَيْسَ بِسَبَب فسق رُوَاته (يصلح شَاهدا وَإِن لم يكن مثبتا) قَالَ المُصَنّف رحمه الله فِي مبَاحث السّنة حَدِيث الضعْف للفسق لَا يرتقي بِتَعَدُّد الطّرق إِلَى الحجية وَلغيره مَعَ الْعَدَالَة يرتقي، فمراده من شَهَادَته تَكْمِيل وجبر لنُقْصَان كَانَ فِي الدَّلِيل لموجبه الْمُورث لشُبْهَة فِيهِ، فَإِذا صلحت مؤيدا على تَقْدِير عدم حجيتها (فَكيف) لَا يصلح (وَالْوَجْه) أَي الدَّلِيل (منتهض) أَي قَائِم (على الحجية كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى) أَي على حجية الْقِرَاءَة الشاذة. قَالَ فِي مبَاحث الْكتاب: الشاذ حجَّة ظنية خلافًا للشَّافِعِيّ رحمه الله، لنا مَنْقُول عدل عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم انْتهى قلت بل وفيهَا زِيَادَة، وَهِي أَنه نِسْبَة إِلَى الله تَعَالَى، والجرأة على الله أصعب من الجرأة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم (وَجَرت عَادَة الشَّافِعِيَّة بِاتِّبَاع الْمُجْمل بِخِلَاف) صلَة الِاتِّبَاع (فِي جزئيات) مُتَعَلق بِالْخِلَافِ (أَنَّهَا) أَي تِلْكَ الجزئيات (مِنْهُ) أَي من الْمُجْمل، وَقَوله أَنَّهَا مِنْهُ: بدل من الجزئيات، لِأَن الْخلاف فِي أَنَّهَا أَي تِلْكَ الجزئيات هَل هِيَ من الْمُجْمل أم لَا (فِي مسَائِل) أَي حَال كَون تِلْكَ الجزئيات مَذْكُورَة فِي ضمن مسَائِل.

ص: 165

(الأولى) مُبْتَدأ خَبره (التَّحْرِيم الْمُضَاف إِلَى الْأَعْيَان) إِلَى آخِره {كحرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} - {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة} -، والتحليل الْمُضَاف إِلَيْهَا نَحْو - {أحلّت لكم الْأَنْعَام} -، وَالْمرَاد بِالْإِضَافَة النِّسْبَة، والأعيان مَا يُقَابل الْمعَانِي وَالْأَفْعَال (عَن الْكَرْخِي والبصري) أبي عبد الله نقل (إجماله) أَي إِجْمَال التَّحْرِيم الْمَذْكُور (وَالْحق) كَمَا قَالَ (ظُهُوره) أَنه ظَاهر (فِي) مُرَاده (معِين) بِحَسب كل مقَام كَمَا سيتبين (لنا) أَي الْحجَّة فِي الظُّهُور (الاستقراء) أَي مفَاد الاستقراء أَو المستقرأ (فِي مثله) من إِضَافَة الحكم إِلَى الذوات (إِرَادَة منع الْفِعْل الْمَقْصُود مِنْهَا) أَي من الْأَعْيَان، فَإِن مِمَّا يقْصد من النِّسَاء مثلا النِّكَاح ودواعيه، وَمن الْحَرِير اللّبْس، وَمن الْخمر الشّرْب، فالتحريم بِالْحَقِيقَةِ مُضَاف إِلَى هَذِه الْأَفْعَال (حَتَّى كَانَ) الْمَنْع الْمَذْكُور (متبادرا) أَي سَابِقًا إِلَى الْفَهم عرفا (من) نَحْو (حرمت الْحَرِير وَالْخمر والأمهات فَلَا إِجْمَال) إِذْ المُرَاد مُتَعَيّن (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ بالإجمال (لَا بُد من تَقْدِير فعل) إِذْ التَّحْرِيم والتحليل تَكْلِيف بِالْفِعْلِ الْمَقْدُور، والمعين غير مَقْدُور، وَلَا يَصح تَقْدِير جَمِيع الْأَفْعَال (وَلَا معِين) للْبَعْض، فَلَزِمَ الْإِجْمَال (قُلْنَا تعين) الْبَعْض، وَهُوَ الْمَقْصُود من الْعين (بِمَا ذكرنَا) من التبادر (وادعاء فَخر الْإِسْلَام وَغَيره من الْحَنَفِيَّة الْحَقِيقَة) فِي اللَّفْظ الْمركب الدَّال على تَحْرِيم الْعين، مَعَ أَن الْحُرْمَة وَغَيرهَا من الْأَحْكَام الْخَمْسَة إِنَّمَا يُوصف بهَا أَفعَال الْمُكَلّفين، وَمُقْتَضَاهُ أَن يكون من الْمجَاز الْعقلِيّ (لقصد إِخْرَاج الْمحل) الَّذِي هُوَ الْعين الْمُضَاف إِلَيْهَا التَّحْرِيم (عَن الْمَحَلِّيَّة) عَن أَن يكون محلا للْفِعْل، وَقَوله لقصد مُتَعَلق بالادعاء، يَعْنِي أَن الْمَقْصُود من تَحْرِيم الْعين خُرُوجهَا عَن الْمَحَلِّيَّة، وَالْخُرُوج عَن الْمَحَلِّيَّة وصف ثَابت للعين حَقِيقَة فإسناده إِلَيْهَا على سَبِيل الْحَقِيقَة، وَلَا يخفى أَن تَفْسِير التَّحْرِيم بِهَذَا الْمَعْنى يحْتَاج إِلَى تَأْوِيل تَصْحِيح، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (تَصْحِيحه) أَي الادعاء الْمَذْكُور، وَهُوَ خبر الْمُبْتَدَأ (بادعاء تعارف تركيب منع الْعين) كَحُرْمَةِ الْحَرِير وَالْخمر (لإخراجها) أَي الْعين (عَن محلية الْفِعْل) الْمَقْصُود مِنْهَا (الْمُتَبَادر) إِلَى الْفَهم (لَا) عَن محلية الْفِعْل (مُطلقًا) أَلا ترى أَن الْأُم خرجت عَن محليتها للنِّكَاح ودواعيه وَلم تخرج عَن محليتها لِأَن تقبل رَأسهَا إِكْرَاما، وَنَحْو ذَلِك (وَفِيه) أَي فِيمَا ذكرنَا من التَّصْحِيح (زِيَادَة بَيَان سَبَب الْعُدُول عَن التَّعْلِيق) أَي تَعْلِيق التَّحْرِيم (بِالْفِعْلِ إِلَى التَّعْلِيق بِالْعينِ) وَمِنْهُم من خصص ادِّعَاء الْحَقِيقَة بالحرام لعَينه، وَمِنْهُم من عمم فَأدْخل الْحَرَام لغيره أَيْضا فِيهِ وَهُوَ الْأَظْهر، وَقد نَص الْكرْمَانِي على تَسْلِيم كَونه مجَازًا فِي اللُّغَة حَقِيقَة فِي الْعرف، يَعْنِي عرف الشَّرْع.

المسئلة (الثَّانِيَة) مُبْتَدأ خَبره (لَا إِجْمَال فِي وأمسحوا برءوسكم) فَإِن قلت لَا بُد فِي المسئلة من

ص: 166

حكم كلي والحكم ههنا جزئي، قلت المراد لا إجمال في نحو هذا أي في كل محل داخل عليه بالآلة متعلقة بفعل يحتمل أن تستوعبه (خلافا لبعض الحنفية) القائلين بالإجمال فيه (لأنه لو لم يكن في مثله) أي هذا التركيب (عرف يصحح إرادة البعض كمالك) في الشرح العضدي في تعليل نفي الأعمال لها أنه لغة لمسح الرأس هو الكل، فإن لم يثبت في مثله عرف في إطلاقه على البعض اتضح دلالته في الكل للمقتضي السالم عن المعارض كما هو مذهب مالك والقاضي أبي بكر وابن جنى انتهى، يعنى أنهم ذهبوا إلى عدم ثبوته، واتضاح الدلالة في الكل لما ذكروا أنه المراد، وإليه أشار بقوله (أفاد) أي التركيب المذكور (مسح مسماه) أي مسح الرأس (وهو) أي مسماه (الكل أو كان) فيه عرف يصحح إرادة البعض منه (أفاد) التركيب حينئذ (ببعضا مطلقا) يتحقق في ضمن كل بعض، ويتبين أن المراد إنما هو الإطلاق وحصول المقصود ببعض ما: أي بعض كان (ويحصل) أي البعض المطلق (في ضمن الاستيعاب) واستيفاء الكل (وغيره) أي غير الاستيعاب (فلا إجمال) بوجه: أما على الأول فظاهر، وأما على الثاني فلأنه ظاهر في بعض مطلق (ثم ادعى مالك عدمه) أي عدم العرف المذكور (فلزم الاستيعاب) لما ذكر (والشافعية) أي وادعى الشافعية (ثبوته) أي ثبوت الطرف المصحح إرادة البعض (في نحو مسحت يدى بالمنديل) بكسر الميم فإنه يفهم منه عرفا مسحها ببعض المنديل، فإذا ذكر في موضع المنديل المحل: أي الرأس فهم التبعيض (أجيب بأنه) أي التبعيض (هو العرف فيما هو آلة لذلك) أي فيما كان مدخول الباء آلة الفعل، ومدخلها في الآية المحل، لا الآلة، ولا نسلم أنه إذا دخلت على المحل فهم التبعيض عرفا (والأوجه أنه) أي التبعيض فيما هو آلة لذلك (ليس للعرف) أي ليس مدلولا عرفيا (بل) يحكم به (للعلم بأنه) أي ما هو آلة يعتبر (للحاجة) وبقدرها (وهي) أي الحاجة مندفعة ببعضه أي ببعض ما هو آلة للفعل كالمنديل مثلا (فتعلم إرادته) أي إرادة البعض بهذه القرينة، لا لكون الكلام موضوعا عرفا للتبعيض في مثل ذلك التركيب (قالوا) أي الشافعية (الباء للتبعيض، أجيب بإنكاره) أي بإنكار كون الباء للتبعيض لغة (كابن جنى) بسكون الياء معرب كنى بكسر الكاف والجيم: أي لانكار ابن جني، وهو من كبار أئمة اللغة كون التبعيض من معاني الباء، (واعلم أن طائفة من المتأخرين) النحويين كالفارسي والقتيبي وابن مالك (ادعوه) أي كون الباء للتبعيض (في نحو).

(شربن بماء البحر ثم ترفعت) .... متى لجج خضر لهن نئيج

يقول شربت السحب من ماء، ثم ترفعت من لجج خضر، والحال أن لهن تصويتًا،

ص: 167

في القاموس في متى، وقد يكون بمعنى من نحو أخرجها متى مكة (وابن جنى يقول في سر الصناعة لا يعرفه) أي كون الباء للتبعيض (أصحابنا) لا يقال شهادة على النفي فلا يتعين، لأن عدم معرفة أئمة الاستقرار الصحيح لمعنى في اللغة دليل ظني على عدم وجوده فيها، (والحاصل أنه) أي كونها للتبعيض أو ادعاء الطائفة المذكورة (ضعيف للخلاف القوي) أي لقوة ما يخالفه لكونه مذهب الجمهور، وعدم ظهور شيوعه في الاستعمالات (ولأن الالصاق معناها المجمع عليه) في كونه (لها ممكن) خبر إن، ومعناها بدل من اسمها، والمجمع عليه صفته، يعني ممكن أن يراد منها، (فيلزم) كونه مرادا منها، لأن صحة إرادته مجمع عليه، بخلاف صحة إراد التبعيض فإنها مختلف فيه، والظاهر خلافه (ويثبت التبعيض اتفاقيا) لخصوصية المقام لا قياسيا بعرف ونحوه، ثم علل ثبوته الاتفاقي بقوله (لعدم استيعاب الملصق) الذي هو آلة المسح ههنا الملصق به وهو الرأس (لا) أن التبعيض يثبت (مدلولا) لها (وجه الاجمال أن الباء إذا دخلت في الآلة يتعدى الفعل) الذي دخل الباء على آلته (إلى المحل) أي إلى محله (فيستوعبه) أي الفعل محل (كمسحت يدي بالمنديل) فاليد كلها ممسوخة (وفي قلبه) هو ما إذا دخلت في محل (يتعدى إلى الالة فتستوعبها) أي الآلة (وخصوص المحل) وهو الرأس (هنا لا يساويها) أي الآلة (فلزم تبعيضه) أي تبعيض المحل ضرورة نقصانها في المقدار، ثم لما أثبت أن التبعيض لازم للضرورة أراد بيان أن المراد بعض معين لا مطلق، فقال (ثم مطلقه) أي مطلق البعض (ليس بمراد وإلا) أي وإن لم يكن كما قلنا، بل أريد المطلق (اجتريء) أي الكتفيء (بالحاصل) أي بمسح البعض الحاصل (في) ضمن (غسل الوجه عند من لا يشترط الترتيب، والكل) أي من شرط الترتيب ومن لم يشترط الترتيب متفقون (على نفيه) أي نفي الاجتزاء بذلك (فلزم كونه) أي البعض المراد (مقدرا) بمقدار معين عند الشارع هنا (ولا معين) لذلك المقدار عند المخاطبين (فكان مجملا في) حق (الكمية الخاصة، وقد يقال) أي من قبل الشافعية منعا للملازمة المذكورة في قوله والا اجتزيء إلى آخره (عدم الاجتزاء لحصوله) أي غسل البعض (تبعا لتحقق غسل الوجه) فإن المتوضي يقصد ان يتحقق أداء الفرض في غسل الوجه، وهذا التحقيق لا يحصل عادة بدون غسل شيء من أجزاء الرأس (لا يوجب نفي الإطلاق اللازم) للإلصاق في البعض المذكور لأن قوله بعدم الاجتزاء ليس لتعين المقدار، وعدم حصول ذلك المعين في ضمن غسل الوجه، بل لابد، الفرض في المسح يجب أن يتحقق أصالة بفعل مبتدأ مستقل لأداء المسح الواجب لانتفائه في ضمن أداء غسل الوجه (والحق أن التبعيض اللازم) اتفاقا (ما) أي بعض مقدر (بقدر الآلة لأنه)

ص: 168

أَي التَّبْعِيض (جَاءَ) وَثَبت (ضَرُورَة استيعابها) اسْتِيعَاب الْمسْح الْآلَة، فَإِن الْبَاء حِين دخلت فِي الْمحل تعدى الْفِعْل، وَهُوَ الْمسْح إِلَى الْآلَة تَقْديرا واستوعبها (وَهِي) أَي الْآلَة (غَالِبا كالربع) أَي كربع الرَّأْس فِي الْمِقْدَار، فَلَزِمَ الرّبع كَمَا هُوَ ظَاهر الْمَذْهَب، فَلَا إِجْمَال حِينَئِذٍ وَلَا إِطْلَاق (وَكَونه) أَي الرّبع الْمَمْسُوح (الناصية) وَهِي الْمُقدم من الرَّأْس (أفضل لفعله صلى الله عليه وسلم كَمَا سَيذكرُهُ المُصَنّف رحمه الله فِي مسئلة الْبَاء.

المسئلة (الثَّالِثَة لَا إِجْمَال فِي نَحْو " رفع عَن أمتِي الْخَطَأ ") مِمَّا يَنْفِي صفته، وَالْمرَاد لَازم من لوازمها (لِأَن الْعرف) أَي الْمَعْنى الْعرفِيّ (فِي مثله قبل) وُرُود (الشَّرْع رفع الْعقُوبَة) فَإِن السَّيِّد إِذا قَالَ لعَبْدِهِ رفعت عَنْك الْخَطَأ كَانَ الْمَفْهُوم مِنْهُ أَنِّي لَا أؤاخذك بِهِ وَلَا أعاقبك عَلَيْهِ، فَهُوَ وَاضح فِيهِ (وَالْإِجْمَاع) مُنْعَقد (على إِرَادَته) أَي رفع الْعقُوبَة من الحَدِيث الْمَذْكُور (شرعا) أَي إِرَادَة شَرْعِيَّة فَلَزِمَ مُوَافقَة عرف الشَّرْع بعرف اللُّغَة (وَلَيْسَ الضَّمَان عُقُوبَة) فَلَا يُرَاد أَن رفع الْعقُوبَة مُطلقًا فِي الْخَطَأ يسْتَلْزم سُقُوط الضَّمَان فِيمَا إِذا أتلف مَال الْغَيْر خطأ (بل) يجب (جبرا لحَال المغبون) الْمُتْلف عَلَيْهِ فَلَا يجب عُقُوبَة (قَالُوا) أَي الذاهبون إِلَى الْإِجْمَال فِيمَا ذكر المذكورون فِيمَا سبق بطرِيق الْإِشَارَة، لِأَن الْمسَائِل المعدودة مِمَّا اخْتلف الأصوليون فِيهَا بِاعْتِبَار الْإِجْمَال وَعَدَمه (الْإِضْمَار) وَالتَّقْدِير لمتعلق الرّفْع (مُتَعَيّن) لِأَن نفس الْخَطَأ غير مَرْفُوع لوُقُوعه أَكثر من أَن يُحْصى (وَلَا معِين) لخُصُوص المُرَاد فَلَزِمَ الْإِجْمَال (أُجِيب) عَن احتجاجهم بِأَنَّهُ (عينه) أَي الْبَعْض بِخُصُوصِهِ، وَهُوَ رفع الْعقُوبَة (الْعرف الْمَذْكُور) على مَا عرفت.

المسئلة (الرَّابِعَة لَا إِجْمَال فِيمَا يَنْفِي من الْأَفْعَال الشَّرْعِيَّة محذوفة الْخَبَر) أَي خبر لَا النافية الدَّاخِلَة على الْأَفْعَال الْمَذْكُورَة (كلا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب)، لَا صَلَاة (إِلَّا بِطهُور) فَهَذَا من قبيل زيد عَالم (خلافًا للْقَاضِي) أبي بكر الباقلاني (لنا أَن نثبت أَن الصِّحَّة جُزْء مَفْهُوم الِاسْم الشَّرْعِيّ) وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ (وَلَا عرف) للشارع (يصرف عَنهُ) أَي الْمَفْهُوم الشَّرْعِيّ (لزم تَقْدِير الْوُجُود) لِأَن الْمُتَبَادر إِلَى الْفَهم من نفي الْفِعْل الشَّرْعِيّ أحد الْأَمريْنِ: إِمَّا نفي الْوُجُود وَهُوَ الْأَظْهر، وَإِمَّا نفي الصِّحَّة، وَحَيْثُ فرض جزئية الصِّحَّة من مَفْهُوم الْكُلِّي كَانَ نفي الصِّحَّة مستلزما لنفي الْوُجُود، وَلَا شكّ أَن نفي الْوُجُود مُسْتَلْزم لنفي الصِّحَّة، لِأَنَّهُ لَا صِحَة بِدُونِ الْوُجُود فاذن بَينهمَا تلازم، وَقد عرفت أَن نفي الْوُجُود أظهر وَأقرب إِلَى الْفَهم فَتعين (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم تثبت جزئيتها لَهُ (فَإِن تعورف صرفه) أَي نفي الْفِعْل شرعا فِي مثل ذَلِك (إِلَى) نفي (الْكَمَال لزم) صرفه إِلَيْهِ كَمَا فِي لَا صَلَاة لِجَار الْمَسْجِد لَا فِي الْمَسْجِد أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَقَالَ ابْن خرم هُوَ صَحِيح من قَول عَليّ (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يتعارف صرفه إِلَى نفي الْكَمَال (لزم

ص: 169

تَقْدِير الصِّحَّة لِأَنَّهُ) أَي تقديرها (أقرب إِلَى نفي الذَّات) من تَقْدِير الْكَمَال يَعْنِي أَن الْحَقِيقَة المعتذرة هِيَ نفي الذَّات، وَعند تعذرها يتَعَيَّن الْأَقْرَب إِلَيْهَا فَإِن قلت قد سبق أَن نفي الْوُجُود أظهر وَهُوَ أقرب إِلَيْهِ قُلْنَا الْمَفْرُوض عدم الصِّحَّة جزئية من مَفْهُوم الِاسْم، وَعند ذَلِك يتَحَقَّق الْمَفْهُوم بِدُونِ الصِّحَّة، وكما أَن نفي الذَّات غير صَحِيح، لِأَنَّهُ خلاف الْوَاقِع كَذَلِك نفي الْوُجُود بِدُونِ الصِّحَّة غير صَادِق فَلَا تصح إِرَادَته فَتعين أَن يُرَاد نفي الصِّحَّة (وَهَذَا) أَي التَّعْلِيل بالأقربية على إِرَادَة نفي الصِّحَّة (تَرْجِيح لإِرَادَة بعض المجازات المحتملة) أَي بعض الْمعَانِي المجازية الَّتِي يحْتَملهُ اللَّفْظ بِحَسب الْمقَام على الْبَعْض (لَا إِثْبَات اللُّغَة بالترجيح) فَإِنَّهُ غير جَائِز على مَا ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور من عدم جَوَاز إِثْبَات اللُّغَة بِالْقِيَاسِ خلافًا للْقَاضِي وَابْن سُرَيج، وَبَعض الْفُقَهَاء، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي تَسْمِيَة مسكوت عَنهُ باسم إِلْحَاقًا لَهُ بِمَعْنى يُسمى بذلك الِاسْم لِمَعْنى تَدور التَّسْمِيَة بِهِ مَعَه كَمَا بَين فِي مَوْضِعه، وكما أَنه لَا يجوز بِالْقِيَاسِ كَذَلِك لَا يجوز بالترجيح لاشْتِرَاكهمَا فِي الْعلَّة، وَهِي عدم صِحَة الحكم بِوَضْع اللَّفْظ بالمحتمل (قَالُوا) أَي المجملون (الْعرف فِيهِ) أَي فِيمَا يَنْفِي من الْأَفْعَال الشَّرْعِيَّة (مُشْتَرك بَين الصِّحَّة والكمال) يَعْنِي كَمَا أَنه يُرَاد بِهِ نفي الصِّحَّة عرفا فِي بعض الْموَاد كَذَلِك يُرَاد بِهِ نفي الْكَمَال عرفا فِي بعض آخر، (ف) إِذا كَانَ اللَّفْظ مُشْتَركا عرفا بَين الْمَعْنيين (لزم الْإِجْمَال قُلْنَا) الِاشْتِرَاك بَينهمَا عرفا (مَمْنُوع بل) إِرَادَة نفي الْكَمَال فِي بعض الاستعمالات الشَّرْعِيَّة مجَازًا (لاقْتِضَاء الدَّلِيل) الدَّال على أَن المُرَاد نفي الْكَمَال (فِي خصوصيات الْمَوَارِد) فَهُوَ قرينَة مُعينَة للمعنى الْمجَازِي مُخْتَصَّة بموارد جزئية، وَعند انْتِفَاء تِلْكَ الْقَرِينَة يتَعَيَّن الْمجَازِي الْأَقْرَب إِلَى الْحَقِيقَة على مَا ذكر من غير مزاحمة مجازى آخر فَلَا إِجْمَال.

الْمَسْأَلَة (الْخَامِسَة لَا إِجْمَال فِي الْيَد وَالْقطع فَلَا إِجْمَال فِي فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا) يَعْنِي لَو كَانَ فِيهِ إِجْمَال لَكَانَ باعتبارهما، لِأَن غَيرهمَا من الْأَجْزَاء لَا يتَوَهَّم فِيهِ ذَلِك، وَإِذا لم يكن فِي شَيْء مِنْهُمَا لزم نفي الْإِجْمَال فِيهِ مُطلقًا (و) قَالَ (شرذمة) بِالْكَسْرِ: أَي قَلِيل من النَّاس (نعم) حرف إِيجَاب يُقرر مَا قبلهَا خبريا أَو إستفهاميا مثبتا أَو منفيا، يَعْنِي نعم فِيهَا إِجْمَال (فَنعم) أَي فَفِي فَاقْطَعُوا إِلَى آخِره إِجْمَال باعتبارهما، وَقد سبق أَن فِي أَمْثَاله الْإِجْمَال فِي الْمُفْرد بِشَرْط التَّرْكِيب، وَالْحجّة (لنا أَنَّهُمَا) أَي الْيَد وَالْقطع (لُغَة) موضوعان (لجملتها) أَي الْيَد من رُءُوس الْأَصَابِع (إِلَى الْمنْكب) وَهُوَ مجمع رَأس الْكَتف والعضد (والأبانة) وَهِي فصل الْمُتَّصِل (قَالُوا) أَي المجملون (يُقَال) الْيَد (للْكُلّ و) يُقَال للجزء مِنْهَا من رُءُوس الْأَصَابِع (إِلَى الْكُوع) وَهُوَ طرف الزند الَّذِي يَلِي الْإِبْهَام (و) يُقَال (الْقطع للإبانة وَالْجرْح) وَهُوَ شقّ الْعُضْو من غير إبانة لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ (وَالْأَصْل) فِي اسْتِعْمَال اللَّفْظ (الْحَقِيقَة) فَهُوَ حَقِيقَة فِي كل مِنْهُمَا وَلَا مُرَجّح

ص: 170

لوَاحِد من الْكل والجزء فِي الأول، والأبانة وَالْجرْح فِي الثَّانِي، فَكَانَا مجملين (وَالْجَوَاب) أَنا لَا نسلم اشتراكهما (بل) كل من الْيَد وَالْقطع (مجَاز فِي) الْمَعْنى (الثَّانِي) أَي الْجُزْء وَالْجرْح (للظهور) أَي لظُهُور الْيَد وَالْقطع (فِي الْأَوَّلين) الْكل والأبانة، وتبادر الْمَعْنى من اللَّفْظ دَلِيل الْحَقِيقَة، وَلَو كَانَا مشتركين لم يتَبَادَر أحد الْمَعْنيين (فَلَا إِجْمَال، وَاسْتدلَّ) بمزيف على نفي الْإِجْمَال وَهُوَ أَن كلا مِنْهُمَا (يحْتَمل الِاشْتِرَاك) اللَّفْظِيّ على الْوَجْه الْمَذْكُور (والتواطؤ) بِأَن تكون الْيَد مَوْضُوعَة للقدر الْمُشْتَرك بَين الْكل والجزء، وَالْقطع للقدر الْمُشْتَرك بَين الأبانة وَالْجرْح (وَالْمجَاز) بِأَن يكون كل مِنْهُمَا حَقِيقَة فِي أحد فِي الْمَعْنيين مجَازًا فِي الآخر (والإجمال) يتَحَقَّق (على أَحدهَا) أَي أحد الِاحْتِمَالَات الثَّلَاثَة (وَعَدَمه) أَي عدم الِاحْتِمَال يتَحَقَّق (على اثْنَيْنِ) من الثَّلَاثَة (فَهُوَ) أَي عدم الْإِجْمَال (أولى) بِالِاعْتِبَارِ، لِأَن وُقُوع وَاحِد لَا بِعَيْنِه من اثْنَيْنِ أقرب من وُقُوع وَاحِد بِعَيْنِه فيغلب على الظَّن الْأَقْرَب المستلزم عدم الْإِجْمَال (وَدفع) الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور (بِأَنَّهُ) أَي هَذَا الِاسْتِدْلَال (إِثْبَات اللُّغَة) وَوضع اللَّفْظ: أَي الْيَد وَالْقطع (بِتَعْيِين مَا وضع لَهُ الْيَد) وَالْقطع، الْبَاء للْبَيَان مُتَعَلق بالإثبات (بالترجيح) مُتَعَلق بِالتَّعْيِينِ (لعدم الْإِجْمَال) على الْإِجْمَال، فَاللَّام صلَة التَّرْجِيح، وَحَاصِله إِثْبَات أَن الْيَد وَالْقطع مَوْضُوع للْكُلّ والإبانة، بِدَلِيل تَرْجِيح عدم الْإِجْمَال عَلَيْهِ لكَونه أقرب مَوْضُوعا من وجوده لما ذكر، وَقد مر أَن إِثْبَات اللُّغَة بِمثلِهِ غير صَحِيح (على أَن نفي الْإِجْمَال) هُنَا أَعنِي (فِي الْآيَة على تَقْدِير التواطئ مَمْنُوع إِذْ الْحمل) أَي حمل كل وَاحِد من الْيَد وَالْقطع (على الْقدر الْمُشْتَرك لَا يتَصَوَّر، إِذْ لَا يتَصَوَّر إِضَافَة الْقطع) ونسبته (إِلَيْهِ) أَي إِلَى الْقدر الْمُشْتَرك (إِلَّا على إِرَادَة الْإِطْلَاق) بِأَن يُرَاد إِيقَاع الْقطع على أَفْرَاد مَا من أَفْرَاد الْمُشْتَرك: أَي فَرد كَانَ لِأَنَّهُ لَو لم يرد ذَلِك لامتنع إِضَافَة الْقطع إِلَيْهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إِمَّا أَن يُرَاد بِهِ الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ، وَهِي أَمر اعتباري لَا وجود لَهُ فِي الْخَارِج، وَإِمَّا أَن يُرَاد بِهِ كل فَرد مِنْهُ فَيلْزم قطع كل مَا يصدق عَلَيْهِ الْقدر الْمُشْتَرك، وَهُوَ ظَاهر الْبطلَان فَلم يبْق إِلَّا الْإِطْلَاق (وَهُوَ) أَي الْإِطْلَاق (مُنْتَفٍ إِجْمَاعًا) لِأَن مُقْتَضَاهُ حُصُول إِقَامَة حد السّرقَة بِقطع جُزْء من أَجزَاء الْيَد مُطلقًا وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع فَعلم أَنه على تَقْدِير التواطئ لَا يُرَاد الْقدر الْمُشْتَرك (فَكَانَ) المُرَاد (محلا معينا مِنْهَا) أَي من الْيَد (لَا معِين) فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى فَلَزِمَ الْإِجْمَال (وَالْحق أَنه لَا تواطؤ) أَي لَيْسَ بموضوع للقدر الْمُشْتَرك (وَإِلَّا نَاقض) تواطؤه (كَونه) مَوْضُوعا (للْكُلّ) وَوَضعه ثَابت للْكُلّ نقلا وَيدل عَلَيْهِ تبادره عِنْد الْإِطْلَاق من غير قرينَة صارفة عَنهُ (لَكِن يعلم إِرَادَة الْقطع فِي خُصُوص) أَي فِي جُزْء مَخْصُوص (مِنْهُ) أَي من الْكل لإِرَادَة قطع الْكل، وَهَذَا الْعلم بِمَا

ص: 171

قَامَ عِنْد المخاطبين من الْقَرَائِن الدَّالَّة على كَون المُرَاد محلا معينا من غير تعْيين ذَلِك الْمعِين، وَلذَا قَالَ (وَلَا معِين، فإجماله فِيهِ) أَي فَكَانَ الْقطع مُجملا فِي حق مَحَله الْمعِين (وَأما إِلْزَام أَن لَا مُجمل حِينَئِذٍ) جَوَاب سُؤال مُقَدّر على الِاسْتِدْلَال المزيف، تَقْرِيره يلْزم أَن لَا يكون مُجمل أبدا أَو مَا من الْجمل وَإِلَّا يجْرِي فِيهِ ذَلِك بِعَيْنِه، وَقَوله حِينَئِذٍ أَي حِين يتم هَذَا التَّوْجِيه (فَدفع) الْإِلْزَام الْمَذْكُور (بِأَن ذَلِك) أَي جَرَيَان الدَّلِيل فِيمَا (إِذا لم يتَعَيَّن) الْإِجْمَال بدليله (لَكِن تعينه) أَي الْإِجْمَال فِي موَاضعه (ثَابت بِالْعلمِ بالاشتراك والحقائق الشَّرْعِيَّة) إِشَارَة إِلَى مَا سبق من أَن الأجمال قد يكون لتَعَدد مَكَان لَا يعرف إِلَّا بِبَيَان كمشترك تعذر تَرْجِيحه، وَقد يكون لإبهام مُتَكَلم لوضعه لغير مَا عرف كالأسماء الشَّرْعِيَّة من الصَّلَاة وَالزَّكَاة والربا، وَقد مر بَيَانه، فَالْمُرَاد بقوله بِالْعلمِ الخ الْعلم بِهِ مَعَ تعذر التَّرْجِيح، وَقَوله والحقائق مَعْطُوف على الِاشْتِرَاك يَعْنِي الْإِجْمَال ثَابت بعلمنا بِأَن الصَّلَاة مثلا لَهَا حَقِيقَة شَرْعِيَّة مُعينَة غير اللُّغَوِيَّة مُرَادة للشارع عِنْد اسْتِعْمَالهَا وَلَا معِين لَهَا عِنْد التخاطب بهَا، فَلَزِمَ الْإِجْمَال.

الْمَسْأَلَة (السَّادِسَة لَا إِجْمَال فِيمَا) أَي لفظ (لَهُ مسميان لغَوِيّ وشرعي) كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم وضعا فِي اللُّغَة للدُّعَاء والإمساك، وَفِي الشَّرْع للمحققين الشرعيين (بل) ذَلِك اللَّفْظ إِذا صدر عَن الشَّارِع (ظَاهر فِي) الْمُسَمّى (الشَّرْعِيّ) فِي الْإِثْبَات وَالنَّهْي، وَهَذَا أحد الْأَقْوَال فِي هَذِه المسئلة: وَهُوَ الْمُخْتَار (وَثَانِيها للْقَاضِي أَنه مُجمل فيهمَا) و (ثَالِثهَا للغزالي) وَهُوَ أَن (فِي النَّهْي مُجمل) وَفِي الْإِثْبَات الشَّرْعِيّ (وَرَابِعهَا) لقوم مِنْهُم الْآمِدِيّ وَهُوَ أَنه (فِيهِ) أَي فِي النَّهْي (اللّغَوِيّ) وَفِي الْإِثْبَات الشَّرْعِيّ (لنا عرفه) أَي عرف الشَّرْع (يقْضِي) أَي يحكم (بظهوره) أَي اللَّفْظ (فِيهِ) أَي فِي الشَّرْع، لِأَنَّهُ صَار مَوْضُوعا فِي عرف الشَّرْع وَالظَّاهِر من الشَّارِع، بل وَمن أهل الشَّرْع أَيْضا أَن يُخَاطب بعرفه، كَيفَ وَلَو خَاطب بِغَيْرِهِ كَانَ مجَازًا إِلَّا إِذا كَانَ التخاطب بذلك الْغَيْر (الْإِجْمَال) أَي دَلِيل الْإِجْمَال فِي الْإِثْبَات وَالنَّهْي أَنه (يصلح لكل) من الْمُسَمّى اللّغَوِيّ والشرعي وَلم يَتَّضِح وَهُوَ معنى الْإِجْمَال، وَالْجَوَاب ظُهُوره فِي الشَّرْعِيّ. قَالَ (الْغَزالِيّ) مَا ذكرْتُمْ من الظُّهُور فِي الْإِثْبَات وَاضح، وَأما فِي النَّهْي فَلَا يُمكن حمله على الْمُسَمّى (الشَّرْعِيّ) إِذْ الشَّرْعِيّ (مَا وَافق أمره) أَي الشَّارِع (وَهُوَ) مَا وَافق أمره (الصَّحِيح) فالشرعي هُوَ الصَّحِيح (وَيمْتَنع) الْوِفَاق (فِي النَّهْي) لِأَن الْمنْهِي عَنهُ مُخَالف لِلْأَمْرِ، لِأَن النَّهْي يدل على فَسَاده (أُجِيب) عَنهُ بِأَنَّهُ (لَيْسَ الشَّرْعِيّ الصَّحِيح) أَي لَا يعْتَبر الصِّحَّة فِي الْمُسَمّى الشَّرْعِيّ لَا جَزَاء وَلَا شرطا (بل) الشَّرْعِيّ (الْهَيْئَة) بِالنّصب عطف على خبر لَيْسَ، وَلَا يضر انْتِقَاض النَّفْي ببل، لِأَن عَملهَا للفعلية: يَعْنِي لَيْسَ الْمُسَمّى الشَّرْعِيّ هُوَ الصَّحِيح، بل مَا يُسَمِّيه الشَّارِع

ص: 172

بذلك الِاسْم من الهيآت الْمَخْصُوصَة حَيْثُ يَقُول هَذِه صَلَاة صَحِيحَة، وَهَذِه صَلَاة فَاسِدَة (وَالرَّابِع) أَي وَالْقَوْل الرَّابِع (مثله) أَي مثل القَوْل الثَّالِث فِي الْإِثْبَات وَقد عرفت أَن الثَّالِث أَنه فِي الْإِثْبَات الشَّرْعِيّ (غير أَنه) فِي اللَّفْظ فِي هَذَا القَوْل (فِي النَّهْي) مُتَعَيّن (للغوي إِذْ لَا ثَالِث) للغوي والشرعي (وَقد تعذر الشَّرْعِيّ) لما عرفت فِي الثَّالِث، فَلَا إِجْمَال حَيْثُ تعين اللّغَوِيّ (وَجَوَابه مَا تقدم) من قَوْله أُجِيب لَيْسَ الشَّرْعِيّ الصَّحِيح إِلَى آخِره، وَأَنه يلْزم أَن يكون معنى قَوْله صلى الله عليه وسلم " لَا صَلَاة لِجَار الْمَسْجِد " الحَدِيث، ودعى الصَّلَاة للحائض وَنَحْوهمَا لَا دُعَاء ودعى الدُّعَاء إِلَى غير ذَلِك، وبطلانه ظَاهر، وَلَك أَن تَقول لم لَا يجوز أَن يكون مُرَاد هَذَا الْقَائِل كَون اللَّفْظ فِي النَّهْي للهيئة الْمُجَرَّدَة عَن اعْتِبَار الصِّحَّة من حَيْثُ أَنه فَرد من أَفْرَاد الْمَعْنى اللّغَوِيّ، فاللفظ مُسْتَعْمل فِي الْفَرد الْمُنْتَشِر، والخصوصية مَأْخُوذَة من الْقَرِينَة فَلَا مجَاز وَلَا إِجْمَال فَتَأمل ذَلِك، كَيفَ وَإِن لم يؤول كَلَامه بِمثلِهِ، لَكِن إِن ظَاهر الْبطلَان لَا يَقُول بِهِ عَاقل (فَأَما الْحَنَفِيَّة فاعتبروا وصف الصِّحَّة فِي الِاسْم الشَّرْعِيّ على مَا يعرف) فِي مَبْحَث النَّهْي، لَكِن لَهُم تَفْصِيل فِي تَفْسِيرهَا كَمَا أَفَادَ بقوله (فالصحة فِي) بَاب (الْمُعَامَلَة ترَتّب الْآثَار) واستتباع الْغَايَة الْمَطْلُوبَة مِنْهَا كَمَا فِي قَوْله (مَعَ عدم وجوب الْفَسْخ) أَي فسخ تِلْكَ الْمُعَامَلَة الَّتِي ترَتّب عَلَيْهَا الْآثَار، احْتِرَازًا عَن ترَتّب الْأَثر الَّذِي فِي الْفَاسِد، فَإِنَّهُ يجب فَسخهَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَالْفساد عِنْدهم) أَي عِنْد الْحَنَفِيَّة ترَتّب الْآثَار (مَعَه) أَي مَعَ وجوب الْفَسْخ (وَإِن كَانَ) الصَّحِيح (عبَادَة فالترتب) أَي فالصحة فِيهِ ترَتّب الْأَثر بِدُونِ قيد آخر، والأثر بَرَاءَة الذِّمَّة فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَاب فِي الْآخِرَة (فيراد) بِالِاسْمِ الشَّرْعِيّ (فِي النَّفْي) وَهُوَ يَشْمَل النَّهْي أَيْضا (الصُّورَة) وَهِي مُجَرّدَة ذَلِك الْمُسَمّى خَالِيَة عَن وصف الصِّحَّة (مَعَ النِّيَّة فِي الْعِبَادَة) أَي فِيمَا إِذا كَانَ الْمُسَمّى الشَّرْعِيّ الْمَنْفِيّ عبَادَة (وَيكون) الِاسْم الشَّرْعِيّ حِينَئِذٍ (مجَازًا شَرْعِيًّا) مرعيا فِيهِ الْعَلامَة بَين الْمَعْنى الْمجَازِي وَبَين مَا وضع لَهُ الِاسْم فِي عرف الشَّرْع مُسْتَعْملا (فِي جُزْء الْمَفْهُوم) الشَّرْعِيّ وَذَلِكَ لِأَن الْمنْهِي عَنهُ لَا ثَوَاب لَهُ فَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الْأَثر، والترتب عين الصِّحَّة فِي الْعِبَادَة بِخِلَاف الْمُعَامَلَة، فَإِنَّهُ جُزْء مفهومها فِيهَا وَهُوَ يتَحَقَّق فِي الْفَاسِد أَيْضا، فالفاسد فِي الْمُعَامَلَات غير صَحِيح يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الْأَثر كالملك فِي البيع الْفَاسِد إِذا اتَّصل بِهِ الْقَبْض بِخِلَاف الْبَاطِل، فَإِنَّهُ مُقَابل للصحيح وَالْفَاسِد.

الْمَسْأَلَة (السَّابِعَة إِذا حمل الشَّارِع لفظا شَرْعِيًّا على) لفظ شَرْعِي (آخر) حمل مواطأة وَكَانَ بَين مفيديهما تبَاين فِي الْوَاقِع، فَحمل من بَاب التَّشْبِيه البليغ كزيد أَسد (وَأمكن فِي وَجه الشّبَه محملان) محمل (شَرْعِي) ومحمل (ولغوي لزم الشَّرْعِيّ كالطواف صَلَاة) تَمَامه الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة إِلَّا أَن

ص: 173

الله تَعَالَى قد أحل لكم فِيهِ الْكَلَام، فَمن تكلم فَلَا يتَكَلَّم إِلَّا بِخَير، وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح الْإِسْنَاد حمل الشَّارِع لفظ الصَّلَاة الْمَوْضُوع شرعا للأركان الْمَخْصُوصَة على الطّواف الْمَوْضُوع شرعا للأشراط الْمَخْصُوصَة وَلَا اتِّحَاد بَينهمَا، فاحتيج إِلَى أَن يصرف عَن الظَّاهِر، وَحمل على أَنه كَالصَّلَاةِ فاحتجنا إِلَى بَيَان وَجه الشّبَه، وَله وَجْهَان، فَأَشَارَ إِلَيْهِمَا بقوله (تصح) فِي وَجه الشّبَه أَن يكون الْمَعْنى كَونهَا مثلهَا (ثَوابًا أَو لاشْتِرَاط الطَّهَارَة) عطف على ثَوابًا لكَونه معلولا لَهُ للشبيه الْمَفْهُوم من فحوى الْكَلَام: أَي شبه للثَّواب: أَي الْمُشَاركَة فِيهِ، أَو للمشاركة فِي اشْتِرَاط الطَّهَارَة، فَقَوله تصح إِلَى آخِره مستأنفة لبَيَان المحملين (وَهُوَ) أَن الْمحمل على أحد الْأَمريْنِ: الثَّوَاب أَو الِاشْتِرَاط هُوَ الْمحمل (الشَّرْعِيّ) لِأَن حَاصله يرجع إِلَى بَيَان حكم شَرْعِي، أَو لِأَن الملحوظ فيهمَا المعنيان الشرعيان (أَو لوُقُوع الدُّعَاء فِيهِ) أَي فِي الطّواف وَالدُّعَاء هُوَ معنى الصَّلَاة لُغَة فالمشبه حِينَئِذٍ بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيّ والمشبه بِهِ مَا صدق عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى اللّغَوِيّ، وَوجه الشّبَه اشْتِمَال كل مِنْهُمَا على الدُّعَاء وَإِن كَانَ فِي أَحدهمَا من قبيل اشْتِمَال الظّرْف على المظروف، وَفِي الآخر من قبيل الْفَرد على الطبيعة (وَهُوَ) أَي الْحمل على هَذَا الْمَعْنى هُوَ الْمحمل (اللّغَوِيّ) لبنائه على الْمَعْنى اللّغَوِيّ، أَو لِأَن فَائِدَة الْخطاب حِينَئِذٍ لَيست بَيَان حكم شَرْعِي، بل مُجَرّد اشتمالهما على الدُّعَاء وَهِي مِمَّا يفاد فِي المحاورات اللُّغَوِيَّة، وَلَا يخفى مَا فِيهِ (والاثنان جمَاعَة) معطوفة على قَوْله الطّواف صَلَاة: أَي الِاثْنَان كالجماعة، يَصح أَن يكون من حَيْثُ الثَّوَاب مثلهَا (فِي) مِقْدَار (ثَوَابهَا و) فِي (سنة تقدم الامام) إِضَافَة سنة بَيَانِيَّة، وإذافة تقدم إِضَافَة الْمصدر إِلَى الْفَاعِل (و) فِي (الْمِيرَاث) حَتَّى يحجب الِاثْنَان من الْأُخوة للْأُم من الثُّلُث إِلَى السُّدس كالثلاثة فَصَاعِدا، وَهَذَا هُوَ الشَّرْعِيّ (أَو يصدق) عَلَيْهِ مَفْهُوم الْجَمَاعَة (عَلَيْهِمَا) أَي الِاثْنَيْنِ (لُغَة) أَي بِاعْتِبَار الْمَعْنى اللّغَوِيّ، فَقَوله أَو يصدق مَعْطُوف على مجرور فِي، لِأَنَّهُ فِي تَأْوِيل الْمصدر، وَالْمعْنَى أَو فِي صدقه عَلَيْهِمَا صدقا بِحَسب اللُّغَة، وَالْحجّة (لنا) فِي نفي الْإِجْمَال مُطلقًا (عرفه) النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَمَا هُوَ الْمُعْتَاد مِنْهُ (تَعْرِيف الْأَحْكَام) الشَّرْعِيَّة وتبينها، فالمحمل الشَّرْعِيّ على طبقه دون الْمحمل اللّغَوِيّ فَيتَعَيَّن، فَلَا إِجْمَال (وَأَيْضًا لم يبْعَث) صلى الله عليه وسلم (لتعريف اللُّغَة) فَبعد حمل كَلَامه عَلَيْهِ ومرجع الْمحمل اللّغَوِيّ، وَهُوَ كَون الطّواف صَلَاة لوُقُوع الدُّعَاء فِيهِ، وَكَون الِاثْنَيْنِ جمَاعَة لصدقه عَلَيْهِمَا تَعْرِيف بِهِ، وَبَيَان اللُّغَة الصَّلَاة من حَيْثُ إِنَّهَا تصدق على الطّواف من حَيْثُ اشتماله على الدُّعَاء، وللغة الْجَمَاعَة من حَيْثُ إِنَّهَا تصدق على الِاثْنَيْنِ (قَالُوا) أَي المجملون (يصلح) اللَّفْظ (لَهما) أَي للمحمل الشَّرْعِيّ واللغوي لِأَنَّهُ هُوَ الْمَفْرُوض، وَلم يَتَّضِح دلَالَته على أَحدهمَا لعدم الدَّلِيل، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (وَلَا معرف) لأَحَدهمَا بِعَيْنِه (قُلْنَا

ص: 174