الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يخفى عَلَيْك أَن مَا تقدم لَا يُفِيد إِلَّا أصل الْوُجُوب، لَا كَونه مُتَّفقا عَلَيْهِ (وَالنَّظَر يقتضى) أَن يُقَال (إِذا توقف وجوب الْعَمَل على الْبَحْث توقف اعْتِقَاده) أَي الْعُمُوم على الْبَحْث، لِأَنَّهُ كَمَا لَا يُطَالب بِالْعَمَلِ بِمَا لَيْسَ بِمَعْلُوم، كَذَلِك لَا يُطَالب بالاعتقاد لما لَيْسَ بِمَعْلُوم، إِذْ كل مِنْهُمَا تَكْلِيف بِمَا لَيْسَ فِي الوسع، وَزعم الشَّارِح أَن ظَاهر كَلَام مَشَايِخنَا يُوَافق مَا حمل عَلَيْهِ كَلَام الصَّيْرَفِي، وَالْوَجْه مَا ذكر المُصَنّف فَيجب حمل كَلَامهم عَلَيْهِ (وَقَول مُحَمَّد) رحمه الله فِي الزِّيَادَات (فِيمَن أوصى بِخَاتم لإِنْسَان ثمَّ) أوصى مَفْصُولًا (بفصه لآخران الفص بَينهمَا) وَالْحَلقَة للْأولِ خَاصَّة (من بَاب الْخَاص لَا الْعَام) لِأَن الْمُعْتَبر إِمَّا لخاتمي أَو هَذَا الْخَاتم أَو تَجْوِيز الفص مِنْهُ كجزء من الْإِنْسَان، فَلَا شكّ أَن الْإِنْسَان لَا يكون عَاما بِاعْتِبَار أَجْزَائِهِ، فَكَذَا الْخَاتم (غير أَنه) أَي الْخَاتم (نَظِير) للعام فِي أَنه يَشْمَل الفص كشمول الْعَام مَا يتَنَاوَلهُ فَأطلق عَلَيْهِ توسعا (وَخَالفهُ) أَي مُحَمَّدًا (أَبُو يُوسُف) رحمهمَا الله (فَجعله) أَي الفص (للثَّانِي) كَمَا فِي الْهِدَايَة والإيضاح والمنظومة وغالب شُرُوح الزِّيَادَات وَظَاهر التَّقْوِيم وأصول فَخر الْإِسْلَام: أَن قَول مُحَمَّد قَول الْكل فَيحمل على أَن لأبي يُوسُف فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا خلاف فِي أَن الْحلقَة للْأولِ والفص للثَّانِي إِذا كَانَ مَوْصُولا، وَجه مَا عَن أبي يُوسُف أَن الْوَصِيّ لَا يلْزمه شَيْء فِي الْحَيَاة، وَالْكَلَام الثَّانِي بَيَان المُرَاد من الأول، فالموصول والمفصول فِيهِ سَوَاء كَمَا فِي الْوَصِيَّة بِالرَّقَبَةِ لإِنْسَان والخدمة أَو الْغلَّة لآخر، وَوجه الظَّاهِر أَن اسْم الْخَاتم يتناولهما مَعًا لِأَنَّهُ مركب مِنْهُمَا، فَالْكَلَام الثَّانِي تَخْصِيص: وَهُوَ إِنَّمَا يَصح مَوْصُولا، وَإِذا كَانَ مَفْصُولًا لَا يُعَارض الأول، وهما سيان فِي إِيجَاب الحكم فثبتت الْمُسَاوَاة بَينهمَا، وَلَيْسَ الثَّانِي رُجُوعا عَن الأول، لِأَن اللَّفْظ لَا يُنبئ عَنهُ فَصَارَ كَمَا لَو أوصى بِمعين لإِنْسَان، ثمَّ أوصى بِهِ لآخر
الْبَحْث الْخَامِس
(يرد على الْعَام التَّخْصِيص، فَأكْثر الْحَنَفِيَّة) عِنْدهم التَّخْصِيص (بَيَان أَنه) أَي الْعَام (أُرِيد بعضه بمستقل) وَهُوَ مَا كَانَ مُبْتَدأ بِنَفسِهِ غير مُتَعَلق بصدر الْكَلَام، احْتَرز بِهِ عَن نَحْو الِاسْتِثْنَاء وَالصّفة (مُقَارن: أَي مَوْصُول) بِالْعَام: أَي مَذْكُور عقبه، فسره بِهِ لِئَلَّا يتَوَهَّم إِرَادَة الْمَعِيَّة من الْمُقَارنَة فَإِن قلت هَذَا غير مُتَصَوّر قُلْنَا يتَصَوَّر فِي فعله صلى الله عليه وسلم مَعَ قَوْله، وَإِنَّمَا اشْترط الْمُقَارنَة (فِي) الْمُخَصّص (الأول، فَإِن تراخي) الْبَيَان الْمَذْكُور عَن الْعَام (فناسخ لَا) فِي الْمُخَصّص (الثَّانِي) وَمَا بعده (وَالْوَجْه أَن الثَّانِي) إِذا ترَاخى فَهُوَ (نَاسخ
أَيْضا) فالمقارنة شَرط فِيهِ أَيْضا (إِلَّا الْقيَاس) اسْتثِْنَاء من قَوْله: فَإِن تراخي فناسخ فَإِنَّهُ بَيَان لَا يتَصَوَّر ناسخيته وَإِن تراخي بِحَسب الظَّاهِر (إِذْ لَا يتَصَوَّر تراخيه) بِحَسب الْحَقِيقَة وَبِاعْتِبَار وضع الشَّارِع لعُمُوم علته الْمَوْجُودَة فِي الْمَنْصُوص عَلَيْهِ للمقيس الْمُوجبَة لمشاركته الْمَقِيس عَلَيْهِ فِي الحكم وَإِن خَفِي ذَلِك قبل الِاجْتِهَاد، فعلى مَا ذكر يجوز التَّخْصِيص بالمخصص الثَّانِي الْمُتَأَخر وَلَا نسخ، وعَلى مَا ذكر المُصَنّف بحثا لَا يجوز لِأَنَّهُ نَاسخ (وَصرح الْمُحَقِّقُونَ بِأَن تفرع عدم جَوَاز ذكر بعض) من المخصصات (دون بعض على منع تَأْخِير تَخْصِيص الْمُخَصّص ضَرُورِيّ) فَإِن عِلّة منع تَأَخره لُزُوم النّسخ، فَتبين مِنْهُ إِذا كَانَ للعام عدَّة مخصصات وَجب ذكر الْكل وَلم يجز ذكر بَعْضهَا دون بعض فَإِنَّهُ لَا بُد أَن يذكر الْمَتْرُوك ثَانِيًا مَفْصُولًا فَيلْزم النّسخ، وَهَذَا يدل على مَا ذكره المُصَنّف من أَن تراخي الْمُخَصّص الثَّانِي أَيْضا يُوجب النّسخ كَمَا لَا يخفى (أَو جهل) تراخيه كَمَا جهل مقارنته مَعْطُوف على قَوْله تراخي (فَحكم التَّعَارُض) يجْرِي بَين الْعَام وَمَا جهل تراخيه فِي الْقدر الَّذِي اخْتلف فِيهِ الحكم (كترجيح الْمَانِع) مِنْهُمَا: أَي الْمحرم على الْمُبِيح (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يتأت التَّرْجِيح فَالْحكم (الْوَقْف) كَمَا فِي البديع، أَو التساقط كَمَا فِي أصُول ابْن الْحَاجِب، وحاصلهما وَاحِد (وَوَجَب نسخ الْخَاص بِالْعَام الْمُتَأَخر عَنهُ) كقلبه، وَبِه قَالَ القَاضِي وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَفِي البديع جعل هَذَا قَول الْعِرَاقِيّين من الْحَنَفِيَّة، ثمَّ قَالَ وَالشَّافِعِيّ وَالْقَاضِي أَبُو زيد وَجمع من مَشَايِخنَا الْخَاص مُبين مُطلقًا: يَعْنِي سَوَاء كَانَ الْخَاص مُتَقَدما أَو مُتَأَخِّرًا، أَو مَجْهُولا، أَو وردا مَعًا (وَالشَّافِعِيَّة) قَالَ الشَّارِح: أَي أَكْثَرهم (وَبَعض الْحَنَفِيَّة) قَالُوا: التَّخْصِيص (قصر الْعَام على بعض مُسَمَّاهُ، وَقيل) على بعض (مسمياته) كَمَا فِي أصُول ابْن الْحَاجِب والبديع بِنَاء (على إِرَادَة أَجزَاء مُسَمَّاهُ) تَنْزِيلا لأجزائه منزلَة مسميات لَهُ، إِذْ لَا مسميات للفظ الْوَاحِد غير أَن مَا يتَنَاوَلهُ الْعَام الْمُسْتَغْرق لما يصلح لَهُ أَجزَاء لَهُ (وَهُوَ) أَي كَون المُرَاد هَذَا (يُحَقّق مَا أسلفناه) فِي الْكَلَام على تَعْرِيف الْعَام من (أَن دلَالَته) أَي الْعَام (على الْأَفْرَاد تضمنية أَو) على إِرَادَة (الْآحَاد الْمُشْتَركَة فِي الْمُشْتَرك) بِكَسْر الرَّاء فِي الأول وَفتحهَا فِي الثَّانِي، وَهُوَ الْمَعْنى الْكُلِّي الَّذِي يصدق على الآخر كل وَاحِد من تِلْكَ الْآحَاد، وَهِي جزئيات لَهُ كَمَا مَشى عَلَيْهِ الْفَاضِل الْأَبْهَرِيّ (وَإِضَافَة المسميات إِلَيْهِ) أَي الْعَام (حِينَئِذٍ) أَي حِين يكون المُرَاد هَذَا (بِعُمُوم نسبته) لِأَن الْمُتَبَادر من الْإِضَافَة الْمَذْكُورَة أَن تكون مسميات اللَّفْظ الْعَام، وَلَا يَصح ذَلِك لِأَن أَفْرَاد الْكُلِّي لَا يكون مسميات اللَّفْظ الْمَوْضُوع لَهُ فَلَا بُد من صرفهَا عَن تِلْكَ النِّسْبَة الْخَاصَّة إِلَى نِسْبَة عَامَّة، وَهِي مُلَاحظَة كَونهَا مسميات فِي الْجُمْلَة لَا بِالنّظرِ إِلَى لفظ الْعَام، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَإِنَّهَا) أَي تِلْكَ الْآحَاد (مسميات فِي نفس الْأَمر) لأساميها
(لَا بِهِ) أَي لَيْسَ بمسميات بِلَفْظ الْعَام، وَهَذَا التَّعْرِيف يصدق على الْقصر الْكَائِن فِي الْعَام المُرَاد بِهِ الْخُصُوص ابْتِدَاء: وَهُوَ لَيْسَ بِمُرَاد عُمُومه لَا حكما وَلَا تناولا، والمخصوص من عُمُومه مُرَاد تناولا حكما (وَيكون) التَّخْصِيص (بمستقل كالعقل والسمعي الْمُنْفَصِل، ومتصل) مَعْطُوف على مُسْتَقل (وَالْعَام فِيهِ) أَي فِي تَعْرِيف التَّخْصِيص (حَقِيقَة لِأَنَّهُ) أَي التَّخْصِيص (حكم على الْمُسْتَغْرق) بِأَنَّهُ أُرِيد مِنْهُ الْبَعْض، تَعْرِيض بِنَفْي مَا ذكره الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ أَن المُرَاد بِهِ مَا هُوَ عَام على تَقْدِير عدم الْمُخَصّص فَإِن قلت أَنكُمْ اعتبرتم الْمُقَارنَة فِي الْمُخَصّص، فَلَا يُمكن إِرَادَة الِاسْتِغْرَاق لما يصلح لَهُ مَعَ وجود مَا يدل على خُرُوج الْبَعْض قلت عَام بِحَسب التَّنَاوُل وَمُقْتَضى الْوَضع فَقبل بَيَان إِرَادَة الْبَعْض يفهم مِنْهُ إِرَادَة الْكل، وَقد عرفت أَن المُرَاد من الْمُقَارنَة أَن يكون مَوْصُولا بِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ اسْتعْمل فِي الْعُمُوم من غير أَن يحكم عَلَيْهِ من حَيْثُ الْعُمُوم كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاء، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله حكم على الْمُسْتَغْرق فَتدبر (فمخرج الْبَعْض مُطلقًا) سَوَاء كَانَ مُتَّصِلا أَو لَا، من عقل أَو حس، أَو لفظ، أَو عَادَة (مُخَصص) على هَذَا الِاصْطِلَاح (وَيُقَال) التَّخْصِيص (لقصر اللَّفْظ مُطلقًا) أَي عَاما كَانَ أَو غَيره (على بعض مُسَمَّاهُ) فتحقق فِي خَاص مُسْتَعْمل فِي بعض أَجزَاء مُسَمَّاهُ (وَلَا يخفى مَا فِي) لفظ (قصر) من الْقُصُور فِي أَدَاء الْمَقْصُود (إِذْ لَا ينفى النّسخ) فِيمَا إِذا نسخ بعض مَا يتَنَاوَلهُ الْعَام، وَالْمرَاد بِعَدَمِ نَفْيه إِيَّاه عدم إِخْرَاجه عَن التَّعْرِيف وَأجَاب الْأَبْهَرِيّ بِمَنْع وُرُوده لِأَن الْعَام إِذا ورد عَلَيْهِ النّسخ فِي الْبَعْض لم يكن مَقْصُورا على بعض مسمياته حِين أطلق، بل أُرِيد بِهِ الْكل أَولا، ثمَّ رفع الْبَعْض أَو انْتهى حكمه، بِخِلَاف التَّخْصِيص، فَإِنَّهُ لم يرد بِالْعَام حِين أطلق إِلَّا الْبَعْض، أما بِحَسب الحكم كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاء، وَأما بِحَسب الذَّات كَمَا فِي غَيره انْتهى، وَأَنت خَبِير بِأَن قَوْله أُرِيد بِهِ الْكل أَولا، ثمَّ رفع اعْتِرَاف بورود النَّقْض بِاعْتِبَار الْحَالة الثَّانِيَة فَإِنَّهُ بعد نسخ لفظ مَقْصُور على بعض أَفْرَاد مُسَمَّاهُ، لِأَنَّهُ بعد ذَلِك لم يبْق ذَلِك الْبَعْض مرَادا من الْعَام فَتَأمل (وَمنعه) أَي التَّخْصِيص (شذوذ بِالْعقلِ لِأَنَّهُ) أَي التَّخْصِيص بِالْعقلِ (لَو صَحَّ صحت إِرَادَته) أَي إِرَادَة مَا قضى الْعقل بِإِخْرَاجِهِ من الْعَام، وَاللَّازِم مُنْتَفٍ، أما الْمُلَازمَة فَلِأَن الْخَارِج بِالْعقلِ من مسمياته، وَأما الانتفاء فَلِأَنَّهُ لَا يَصح لعاقل إِرَادَة مَا يُخَالف الْعقل (ولكان) التَّخْصِيص بِالْعقلِ (مُتَأَخِّرًا) عَن الْعَام ضَرُورَة تَأْخِير الْبَيَان عَن الْمُبين (وَالْعقل مُتَقَدم) والتخصيص بِهِ فِي رتبته (ولصح نسخه) أَي كَون الْعقل نَاسِخا، لِأَنَّهُ بَيَان والنسخ قسم من الْبَيَان (أُجِيب بِمَنْع الْمُلَازمَة) فِي الأول (بل اللَّازِم) فِي الأول (دلَالَته) أَي لَا نسلم أَنه لَو صَحَّ التَّخْصِيص بِالْعقلِ صَحَّ أَن يُرَاد
مَا أخرجه الْعقل، فَإِن التَّخْصِيص فرع الْعُمُوم، والعموم دلَالَة اللَّفْظ على الِاسْتِغْرَاق، لَا فرع صِحَة إِرَادَة الِاسْتِغْرَاق (وَهِي) أَي الدّلَالَة الْمَذْكُورَة (ثَابِتَة بعد الْإِخْرَاج) فضلا عَمَّا قبله فَإِن الدّلَالَة على مَا وضع لَهُ اللَّفْظ من لَوَازِم الْوَضع، والإخراج لَا ينفى الْوَضع (و) فِي الثَّانِي اللَّازِم (تَأَخّر بَيَانه) أَي بَيَان الْعقل (لَا ذَاته) أَي لَا تَأَخّر الْعقل نَفسه، وَبَيَانه مُتَأَخّر عَن الْعَام (و) فِي الثَّالِث عدم لُزُوم صِحَة النّسخ من صِحَة التَّخْصِيص (لعجز الْعقل عَن دَرك الْمدَّة الْمقدرَة للْحكم) فالعقل يصلح مُخَصّصا لعدم عَجزه عَن معرفَة عدم صَلَاحِية مَا يُخرجهُ الحكم الْمَنْسُوب إِلَى الْعَام، وَلَا يصلح نَاسِخا لعَجزه عَمَّا ذكره والنسخ لَا يتَحَقَّق بِدُونِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ لَا تلازم بَين الصلاحيتين، وَمَا ذكره سَنَد لمنع الْمُلَازمَة (وَأجِيب عَن الأول أَيْضا بِأَن التَّخْصِيص للمفرد، وَهُوَ كل شَيْء) مثلا فِي قَوْله تَعَالَى - {خَالق كل شَيْء} -، (وَيصِح إِرَادَة الْجَمِيع) أَي جَمِيع مَا يُطلق عَلَيْهِ لفظ شَيْء (بِهِ) أَي بِكُل شَيْء، وَلَا مَحْذُور إِذا قطع النّظر عَن نِسْبَة الْخلق إِلَيْهِ (إِلَّا أَنه إِذا وَقع) كل شَيْء (فِي التَّرْكِيب، وَنسب إِلَيْهِ مَا يمْتَنع) نسبته (إِلَى الْكل) أَي إِلَى كل أَفْرَاده (منعهَا) أَي منع الْعقل إِرَادَته (وَهُوَ معنى تَخْصِيص الْعقل، وَدفع) الأول (أَيْضا) كَمَا فِي الشَّرْح العضدي (بِأَن التَّحْقِيق صِحَّتهَا) أَي إِرَادَة الْكل (فِي التَّرْكِيب أَيْضا لُغَة غير أَنه يكذب) أَي يصير التَّرْكِيب كَاذِبًا حِينَئِذٍ لعدم مطابقته الْوَاقِع (وَهُوَ) أَي وَكذبه (غَيرهَا) أَي غير صِحَة الْإِرَادَة لُغَة (وَلَا يخفى أَن المُرَاد) من تَخْصِيص الْعقل (حكم الْعقل بِإِرَادَة الْبَعْض لامتناعه) أَي الحكم (فِي الْكل فِي نفس الْأَمر مِمَّن يمْتَنع عَلَيْهِ الْكَذِب) فَلم يَصح إِرَادَة الْكل فِي التَّرْكِيب لُغَة أَيْضا لِامْتِنَاع الحكم، لِأَن أصل اللُّغَة أَيْضا من حَيْثُ أَنه عَاقل مُمْتَنع أَن يقْصد مَا يحيله الْعقل، وَلقَائِل أَن يَقُول مَقْصُود الْمُحَقق صِحَّتهَا فِي التَّرْكِيب لُغَة فِي الْجُمْلَة بِالنّظرِ إِلَى نفس الْكَلَام من غير مُلَاحظَة حَال الْمُتَكَلّم وَغَيره فِيمَا إِذا لم يكن اسْتِحَالَة النِّسْبَة إِلَى الْكل بديهيا كَمَا إِذا قيل كل مفهومين يَجْتَمِعَانِ حَتَّى النقيضين، ويكفيه هَذَا الْمِقْدَار، لِأَن الْمُسْتَدلّ يدعى السَّلب الْكُلِّي، فالإيجاب الجزئي يصلح سندا لمنع بطلَان الثَّانِي، وَهُوَ انْتِفَاء صِحَة إِرَادَة مَا قضى الْعقل بِإِخْرَاجِهِ مُطلقًا فَتدبر. (قَالُوا) أَي المانعون من التَّخْصِيص بِالْعقلِ (تَعَارضا) أَي الْعَام، وَالْعقل (فتساقطا) احْتِرَازًا عَن التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح (أَو يقدم الْعَام، لِأَن أَدِلَّة الْأَحْكَام النَّقْل لَا الْعقل قُلْنَا فِي إِبْطَاله) أَي الْعقل (إِبْطَاله) أَي النَّقْل (لِأَن دلَالَته) أَي النَّقْل (فرع حكمه) أَي الْعقل (بهَا) أَي بدلالته (فَإِذا حكم) الْعقل (بِأَنَّهَا) أَي دلَالَته (على وَجه كَذَا) كالخصوص هُنَا (لزم) حكمه وَهُوَ الْمَطْلُوب (وَأَيْضًا يجب تَأْوِيل
الْمُحْتَمل) إِذا عَارضه مَا لَا يحْتَمل التَّأْوِيل (وَهُوَ) أَي الْمُحْتَمل هُنَا (النَّقْل) لِأَنَّهُ يحْتَمل غير ظَاهره، وَهُوَ الْخُصُوص، بِخِلَاف الْعقل فَإِنَّهُ قَاطع فَتعين تَأْوِيل النَّقْل بالتخصيص، وَذكر السُّبْكِيّ أَنه لَا نزاع فِي أَن مَا يُسمى مُخْتَصًّا بِالْعقلِ خَارج، وَإِنَّمَا النزاع فِي أَن اللَّفْظ هَل يَشْمَلهُ، فَمن قَالَ يَشْمَلهُ سَمَّاهُ تَخْصِيصًا، وَمن قَالَ لَا كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رحمه الله لَا يُسَمِّيه تَخْصِيصًا وَدَعوى الْغَزالِيّ الْإِجْمَاع على أَن الْعقل مُخَصص مَحْمُول على أَن مَا يُسمى مُخَصّصا خَارج (و) منع التَّخْصِيص قوم (آخَرُونَ مُطلقًا) أَي سَوَاء كَانَ بِالْعقلِ أَو غَيره (لِأَنَّهُ) أَي التَّخْصِيص (كذب) إِشَارَة إِلَى مَا ذكرنَا فِي نفي الْمجَاز فِي الْكتاب وَالسّنة من أَنه كذب، لِأَنَّهُ يصدق نفي رُؤْيَة حَقِيقَة الْحَيَوَان المفترس فِي قَوْلك: رَأَيْت أسدا، فَيكون إِثْبَاتهَا كذبا، وَكَذَلِكَ هَهُنَا يصدق نفي رُؤْيَة حَقِيقَة التَّخْصِيص نظرا إِلَى مَا أَفَادَهُ الْعَام: أَي الِاسْتِغْرَاق، ثمَّ أَشَارَ إِلَى مَا ذكر فِي الْجَواب ثمَّة من أَن الْكَذِب إِنَّمَا يلْزم إِذا أُرِيد رُؤْيَة حَقِيقَة لفظ الْأسد، لَا الرجل الشجاع بقوله (قُلْنَا يصدق) التَّخْصِيص إِذا كَانَ الْعَام (مجَازًا) وَمعنى قَوْله كذب أَنه مُسْتَلْزم للكذب الْعَام الْمُفِيد للاستغراق (قيل) الْقَائِل الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ (يُزَاد) فِي الدَّلِيل بعد قَوْله كذب (أَو بداء) بِالدَّال الْمُهْملَة وَالْمدّ، وَهُوَ ظُهُور الْمصلحَة بعد خفائها ليشْمل الْإِنْشَاء (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يرد (خص) الِامْتِنَاع (الْخَبَر) لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَذِب (وَلَيْسَ) الْأَمر كَذَلِك (لَكِن صرح بِأَن الْخلاف لَيْسَ إِلَّا فِي الْخَبَر) والمصرح الْآمِدِيّ وَغَيره (وَاعْترض أَبُو إِسْحَاق). قَالَ الشَّارِح: وَالظَّاهِر أَنه الشِّيرَازِيّ الشَّافِعِي الْمَشْهُور، والاعتراض الْمَنْع، وَالْأَصْل فِيهِ أَن الطَّرِيق إِذا اعْترض فِيهِ بِنَاء أَو غَيره منع السابلة من سلوكه كَذَا فِي الْقَامُوس، وَلذَا تعدى إِلَى (من أوهم كَلَامه أَنه) أَي الْخلاف (فِي الْأَمر أَيْضا) وَإِذا لم يكن الْخلاف إِلَّا فِي الْخَبَر، فَذكر الْكَذِب كَاف فِي الِاسْتِدْلَال (والقاطع فِيهَا) أَي فِي هَذِه المسئلة (الله خَالق كل شَيْء، وَهُوَ على كل شَيْء قدير) للْقطع بِأَن ذَاته تَعَالَى، وتقدس منزه عَن المخلوقية والمقدورية، وَكَذَلِكَ الممتنعات كاجتماع النقيضين، فالتخصيص مَقْطُوع بِهِ، وَقد مر أَن الْمُتَكَلّم يدْخل فِي عُمُوم خطابه إِذا كَانَ من أَفْرَاد الْعَام (وَلنَا فِي) منع (التَّرَاخِي أَن إِطْلَاقه) أَي الْعَام (بِلَا مخرج إِفَادَة إِرَادَة الْكل) أَي مُفِيد إِرَادَته على الْإِسْنَاد الْمجَازِي، أَو الْمجَاز فِي الظّرْف (فَمَعَ عدمهَا) أَي عدم إِرَادَة الْكل فِي نفس الْأَمر (يلْزم أَخْبَار الشَّارِع) فِي الْخَبَر (وإفادته) الْإِنْشَاء لثُبُوت (مَا لَيْسَ بِثَابِت) صلَة الإفادة، وصلَة الْأَخْبَار مَحْذُوف يفسره الْمَذْكُور (وَذَلِكَ كذب) فِي الْخَبَر (وَطلب للْجَهْل الْمركب من
الْمُكَلّفين) فِي الْإِنْشَاء: أما الْكَذِب فِي الاخبار فَظَاهر، وَأما طلب الْجَهْل الْمركب فِي الْإِنْشَاء فَلِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِم أَن يعتقدوا عُمُوم ذَلِك الْمُكَلف بِهِ من حَيْثُ أَنه يتَعَلَّق بِهِ حكم الله، وَهُوَ غير وَاقع فِي نفس الْأَمر، فالجهل بِاعْتِبَار عدم علمهمْ لما هُوَ مَطْلُوب فِي نفس الْأَمر، وَهُوَ الْمَخْصُوص وَأما التَّرْكِيب فالاعتقاد مَا هُوَ خلاف نفس الْأَمر (وَهَذَا) الدَّلِيل بِعَيْنِه (يجْرِي فِي الْمُخَصّص الثَّانِي) وهلم جرا (كَالْأولِ، وَمُقْتَضى هَذَا) الدَّلِيل (وجوب وصل أحد الْأَمريْنِ) بِالْعَام (من) الْبَيَان (الإجمالي كَقَوْل أبي الْحُسَيْن، أَو التفصيلي، ثمَّ يتَأَخَّر) الْبَيَان التفصيلي (فِي) الْمُخَصّص (الأول) أَي الإجمالي إِذا وَقع (إِلَى) وَقت (الْحَاجة) إِلَيْهِ لتمكن الْإِمْسَاك (بعده) أَي الْبَيَان الإجمالي (لِأَنَّهُ) أَي الْبَيَان التفصيلي (حِينَئِذٍ) أَي حِين الإجمالي مَوْصُولا بِالْعَام (بَيَان الْمُجْمل) وَهُوَ جَائِز التَّأَخُّر إِلَى وَقت الْحَاجة إِلَى الْفِعْل كَمَا هُوَ الْمُخْتَار (وَلَا يبعد إرادتهموه) بإشباع ضم الْمِيم لإلحاق الضَّمِير الْمَنْصُوب الْمُتَّصِل: أَي إِرَادَة الْحَنَفِيَّة وجوب وصل أحد الْأَمريْنِ من الْبَيَان الإجمالي، والتفصيلي بِالْعَام باشتراطهم مُقَارنَة الْمُخَصّص الأول للعام (كَهَذا الْعَام مرَادا بعضه) تَصْوِير للمخصص الإجمالي (وَبِه) أَي بِلُزُوم وصل أحد الْأَمريْنِ (تَنْتفِي اللوازم الْبَاطِلَة) من الْكَذِب وَطلب الْجَهْل الْمركب على تَقْدِير تراخي الْمُخَصّص مُطلقًا (وإلزام الْآمِدِيّ) وَغَيره الْحَنَفِيَّة بِنَاء على امْتنَاع تَأَخّر الْمُخَصّص (امْتنَاع تَأْخِير النّسخ بِجَامِع الْجَهْل بالمراد) من الْعَام قبل الْعلم بالمخصص وبدء الْمَنْسُوخ قبل الْعلم بالناسخ، وَلَا يمْتَنع تَأَخّر النّسخ اتِّفَاقًا (لَيْسَ) أَي إِلْزَامه (لَازِما، لِأَن) الْجَهْل (الْبَسِيط غير مَذْمُوم على) الْإِطْلَاق (وَلذَا طلب) الْبَسِيط (عندنَا فِي الْمُتَشَابه) فَقُلْنَا يجب اعْتِقَاد حَقِيقَته إِجْمَالا، وَترك طلب تَأْوِيله كَمَا قرر فِي مَوْضِعه (بِخِلَاف) الْجَهْل (الْمركب) فَإِنَّهُ مَذْمُوم مُطلقًا، وَاللَّازِم فِي تَأْخِير بَيَان التَّخْصِيص طلب الْجَهْل الْمركب فَافْتَرقَا (وللتمكن من الْعَمَل المطابق) لما فِي نفس الْأَمر بالمنسوخ فِي تَأْخِير النّسخ (إِلَى سَماع النَّاسِخ) بِخِلَاف تَأْخِير الْمُخَصّص فَإِنَّهُ لَا يتَمَكَّن أَن يعْمل بِالْعَام من غير الْعلم المُرَاد مِنْهُ (وَقَوْلهمْ) أَي المجوزون للتراخي كالشافعية لَا يلْزم من إِطْلَاق الْعَام بِلَا مخرج إِفَادَة إِرَادَة وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ على مَا مر (بل) إِنَّمَا يُطلق (لتفهيم إِرَادَة الْعُمُوم) حَالَة كَونه مُشْتَمِلًا (على احْتِمَال الْخُصُوص أَن أُرِيد الْمَجْمُوع) من فهم إِرَادَة الْعُمُوم مَعَ تَجْوِيز التَّخْصِيص (معنى الصِّيغَة) أَي صِيغَة الْعَام، الْقَائِم مقَام فَاعل أُرِيد الْجُمْلَة بِاعْتِبَار مضمونها أَو لفظ الْمَجْمُوع، وَمعنى الصِّيغَة حَال عَنهُ (فَبَاطِل) لِأَن الصِّيغَة لم تُوضَع للمجموع قطعا (أَو) أُرِيد (هُوَ) أَي معنى الصِّيغَة (الأول) أَي كالعموم (وَالِاحْتِمَال ب) ثَابت (خَارج) أَي بِقَرِينَة خارجية، نَحْو كَثْرَة تَخْصِيص العمومات
(لزم) ذَلِك الْخَارِج وجود الْعَام فِي الْخَارِج (وَإِن لم يلْزم تعقله) أَي الْعَام (لَا يُفِيد. وَفِي نُسْخَة الشَّارِح لزم أَن تعينه: أَي هَذَا الِاحْتِمَال قرينَة لَازِمَة وَإِن لم يلْزم تعقله، وَقَوله لزم إِلَى آخِره جَزَاء الشَّرْط على ثَانِي شقي الترديد (ولزومها) فِي ذَلِك الْخَارِج (مَمْنُوع) لَا دَلِيل عَلَيْهِ (إِلَّا إِن كَانَ) أَي تحقق وَثَبت وَالْأَظْهَر أَن الْمَعْنى إِلَّا إِذا كَانَ ذَلِك الْخَارِج (مَا تقدم من غَلَبَة التَّخْصِيص) ومجاوزة الْحَد (فِي بحث القطعية) أَي قَطْعِيَّة دلَالَة الْعَام فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يحصل لَهُ دَلِيل (وعملت) مِمَّا تقدم (أَنَّهَا إِنَّمَا تفِيد) عدم الْقطع بِسَبَبِهِ احْتِمَال التَّخْصِيص (فِي الْعَام فِي الْجُمْلَة) وَقد سبق أَن قَوْلهم أَن الْعَام يحْتَمل الْمجَاز مَعْنَاهُ أَن الْعَام من حَيْثُ هُوَ عَام من قطع النّظر عَن عدم الْقَرِينَة يحْتَملهُ، وَأما إِذا علم عدمهَا فِي الْعَام الْمعِين فَلَا يحْتَملهُ التَّخْصِيص مجَازًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لَا فِي خُصُوص) الْعَام (الْمُسْتَعْمل) فَإِنَّهُ إِذا كَانَ مَقْرُونا بِالْقَرِينَةِ الصارفة عَن الْحَقِيقَة تعين الْمجَاز وَإِن لم يكن هُنَاكَ قرينَة، كَذَا تعين الْحَقِيقَة فَلَا يحْتَمل التَّخْصِيص وَلَا الْمجَاز (قَالُوا) أَي المجيزون للتراخي (وَقع) التَّرَاخِي (فَإِن وَأولَات الْأَحْمَال) أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ (خص بِهِ) عُمُوم قَوْله تَعَالَى - {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} -، فَإِنَّهُ يعم أولات الْأَحْمَال وَغَيره، فأولات الْأَحْمَال مَعَ كَونه مُتَأَخِّرًا خصصه، وَبَين أَن المُرَاد بِهِ غير أولات الْأَحْمَال (قُلْنَا الأولى) وَهِي أولات الْأَحْمَال (مُتَأَخِّرَة) فِي النُّزُول عَن الثَّانِيَة (لقَوْل ابْن مَسْعُود من شَاءَ باهلته أَن سُورَة النِّسَاء) يُرِيد سُورَة الطَّلَاق (الْقصرى) نزلت (بعدالتي فِي سُورَة الْبَقَرَة) ذكره مُحَمَّد فِي الأَصْل، وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من شَاءَ لَاعَنته لأنزلت سُورَة النِّسَاء الْقصرى بعد أَرْبَعَة أشهر وَعشرا، وَفِي البُخَارِيّ مَا يُفِيد هَذَا (فَيكون) مَا فِي الْقصرى (نسخا) لما فِي الْبَقَرَة لَا تَخْصِيصًا، وَفِي البُخَارِيّ عَن عُثْمَان رضي الله عنه مَا يُقرر النّسخ الْمَذْكُور (وَكَذَا وَالْمُحصنَات من الَّذين) أُوتُوا الْكتاب (بعد وَلَا تنْكِحُوا المشركات) كَمَا ذكره جمَاعَة من الْمُفَسّرين فإخراج الكتابيات نسخ، وَهَذَا يدل على كَون أهل الْكتاب من الْمُشْركين، وتأويله أَن يُقَال أَن مِنْهُم من قَالَ ثَالِث ثَلَاثَة، وَنَحْو هَذَا، أَو يُقَال المُرَاد من الْمُشرك الْكَافِر، وَفِيه مَا فِيهِ (وَكَذَا جعل السَّلب للْقَاتِل مُطلقًا) أَي سَوَاء نفله الإِمَام أم لَا إِذا كَانَ الْقَاتِل من أهل السهْم كَمَا هُوَ قَول الشَّافِعِي وَأحمد (أَو بِرَأْي الإِمَام) كَمَا هُوَ قَول أَصْحَابنَا وَمَالك، وسلب الْمَقْتُول ثِيَابه وسلاحه، ومركبه بِمَا عَلَيْهِ من الْآلَة وَمَا مَعَه من مَال (بعد) قَوْله تَعَالَى - {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء (فَأن لله خمسه} } - الْآيَة، فَيكون اخْتِصَاص الْقَاتِل بالسلب نسخا (وكل متراخ) مخرج لبَعض الْعَام السَّابِق يكون نَاسِخا لذَلِك الْبَعْض لَا مُخْتَصًّا (قَالُوا) أَيْضا، قَالَ تَعَالَى لنوح - {فاسلك فِيهَا من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} - (وَأهْلك
وتراخى إِخْرَاج ابْنه) كنعان بقوله - {يَا نوح إِنَّه لَيْسَ من أهلك} (قُلْنَا هُوَ) أَي تراخي إِخْرَاج ابْنه تراخي (بَيَان الْمُجْمل) لَا تراخي مُخَصص الْعَام (لِأَنَّهُ) أَي لفظ الْأَهْل (شاع فِي النّسَب وَغَيره كَالزَّوْجَةِ، والأتباع الموافقين) قَالَ تَعَالَى - {فَلَمَّا قضى مُوسَى الْأَجَل وَسَار بأَهْله} - الْآيَة (وَبَين تَعَالَى بقوله - {لَيْسَ من أهلك} - إِرَادَته أحد المفهومين: وَهُوَ المتبعون، أَو هُوَ) أَي هَذَا الْبَيَان الْمُتَأَخر (لاستثناء مَجْهُول مِنْهُ) أَي من عُمُوم أهلك، وَهُوَ (إِلَّا من سبق عَلَيْهِ) القَوْل مِنْهُم، فَهُوَ بَيَان مُجمل، وعَلى اصْطِلَاح أَكثر الشَّافِعِيَّة وَبَعض الْحَنَفِيَّة من بَيَان بعض المُرَاد بالتخصيص الإجمالي للْعُمُوم (وَقَوله) أَي قَول نوح عليه السلام (إِن ابْني من أَهلِي لظن إيمَانه عِنْد مُشَاهدَة الْآيَة) أَي طغيان المَاء وغزارة فيضة من السَّمَاء وَالْأَرْض، أَو ظن إيمَانه مُطلقًا، لِأَنَّهُ لم يعلم كفره، لِأَنَّهُ كَانَ من الْمُنَافِقين على مَا قيل، ويناسبه - {فَلَا تسألن مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} - وَهَذَا على تَقْدِير فهم إِرَادَة المتبعين من الْأَهْل (أَو ظن إِرَادَة النّسَب) بالأهل (وَأما - {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله حصب جَهَنَّم} - (فعمومه فِي معبود المخاطبين بِهِ) وهم قُرَيْش وَهُوَ الْأَصْنَام كَمَا ذكره السُّهيْلي (فَلم يتَنَاوَل عِيسَى وَالْمَلَائِكَة) حَتَّى يُقَال أَنهم أخرجُوا متراخيا بقوله تَعَالَى - {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} - فَيكون فِيهِ حجَّة لجَوَاز تراخي الْمُخَصّص (وَاعْتِرَاض ابْن الزبعري) بِكَسْر الزاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْمُوَحدَة وَسُكُون الْمُهْملَة، وَعَن أبي عُبَيْدَة فتح الزاء، وأصل الزبعري الْكثير الشّعْر فِي الرَّأْس والأذنين، وَقَالَ الْفراء: السَّيئ الْخلق، واسْمه عبد الله كَانَ من أَعْيَان قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة وفحول الشُّعَرَاء، وَكَانَ يهاجي للْمُسلمين ثمَّ أسلم عَام الْفَتْح وَحسن إِسْلَامه، وَله أشعار يعْتَذر فِيهَا مَا سبق مَذْكُورَة فِي السِّيرَة لِابْنِ إِسْحَاق (جدل متعنت): روى عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَنه جَاءَ عبد الله بن الزبعري إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا مُحَمَّد تزْعم أَن الله أنزل عَلَيْك - {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون حصب جَهَنَّم أَنْتُم لَهَا وَارِدُونَ} - قَالَ نعم، قَالَ فقد عبدت الشَّمْس وَالْقَمَر وَالْمَلَائِكَة وَعِيسَى وعزير، فَكل هَؤُلَاءِ فِي النَّار مَعَ آلِهَتنَا، فَنزلت - {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون، وَلما ضرب ابْن مَرْيَم مثلا} - إِلَى قَوْله - {خصمون} - وَهَذَا حَدِيث حسن، وَمَا قيل من أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَا أجهلك بلغته، مَا لما لَا يعقل فشيء لَا يعرف وَلَا أصل لَهُ " كَذَا ذكره الْحفاظ: كالسبكي وَغَيره، وَهَهُنَا رِوَايَات أخر طويناها وَمَا ذكرنَا أصح (قَالُوا فِيهِ) أَي
فِي نسخ مَا ذكر بِمَا ذكر (إبِْطَال الْقَاطِع بالمحتمل) وَهُوَ مُمْتَنع فَتعين تَخْصِيص الْعَام بِهِ فَإِن قلت كَيفَ حكم بقطعية الأول وَاحْتِمَال الثَّانِي مَعَ اشتراكهما فِي الْعُمُوم وَاحْتِمَال التَّخْصِيص قلت الأول لَا صَارف لَهُ عَن ظَاهره، وَالثَّانِي لَهُ صَارف وَهُوَ الأول (قُلْنَا) هَذَا: أَعنِي كَونه مُحْتملا (مَبْنِيّ على ظنية دلَالَة الْعَام، وَهُوَ) أَي كَونه ظَنِّي الدّلَالَة (مَمْنُوع)، بل هُوَ قَطْعِيّ الدّلَالَة أَيْضا كَمَا هُوَ فَهُوَ إبِْطَال الْقَاطِع بالقاطع، وَلَا خلاف فِي جَوَازه (وَلَو سلم) أَن الْعَام ظَنِّي الدّلَالَة (فَلَا مُخَصص فِي الشَّرْع بخاص) من كل وَجه (بل) التَّخْصِيص (بالاستقراء) لَا يكون إِلَّا (بعام خصوصه بِالنِّسْبَةِ) إِلَى مَا هُوَ مُخْتَصّ بِهِ: يَعْنِي خُصُوصِيَّة الْمُخَصّص لكَونه جزئيا إضافيا لما خصص بِهِ لَا بِاعْتِبَار أَنه خَاص اصْطِلَاحا، فَيلْزم عَلَيْكُم إبِْطَال الْقَاطِع بالمحتمل فِي الْقدر الَّذِي أخرج من الأول (كلا تقتلُوا النِّسَاء) أَي كَمَا لَو قَالَ الشَّارِع هَذَا مَعَ قَوْله: - {اقْتُلُوا الْمُشْركين} - فَإِن ذَلِك عَام فِي نَفسه خَاص بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآيَة، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه صلى الله عليه وسلم نهى عَن قتل النِّسَاء (وَمَا استدلوا بِهِ من وَأولَات الْأَحْمَال، وَالْمُحصنَات) على تَخْصِيص الْعَام بالمخصص المتراخي على مَا سبق ذكره مَعْطُوف على قَوْله لَا تقتلُوا فَإِن كلا مِنْهُمَا خَاص بِالنِّسْبَةِ (فاللازم) على تَقْدِير التَّسْلِيم 0 إبِْطَال ظَنِّي بظني) لكَون كل من الْمُتَقَدّم والمتأخر عَاما، لَا إبِْطَال قَطْعِيّ بقطعي كَمَا زعمتم (وَأما اشْتِرَاط الِاسْتِقْلَال) فِي الْمُخَصّص (فلتغير دلَالَته) أَي لتغيير دلَالَة الْعَام من الْقطع (إِلَى الظَّن) فَإِنَّهُ لَو لم يكن مُسْتقِلّا كالاستثناء وَبدل الْبَعْض لَا يتَغَيَّر، بل يتقى على قطعيته، فَدلَّ الْكَلَام على أَن المستقل بِغَيْر إِلَى الظَّن، وَغير المستقل غير مغير وَمنع كل مِنْهُمَا، وَقيل الْمخْرج لبَعض مِنْهُ معِين قَابل للتَّعْلِيل إِذا كَانَ مقترنا يُغَيِّرهُ إِلَى الظَّن مُسْتقِلّا كَانَ أَولا، وَأما المتراخي فَغير المستقل مِنْهُ لَا يُغير، والمستقل نَاسخ، وَيلْزمهُ عدم التَّغْيِير إِلَى الظَّن (لَا يَحْتَاجهُ) أَي لَا يحْتَاج إِلَى الشَّرْط الْمَذْكُور (الْقَائِل بظنيته من الْحَنَفِيَّة) كَأبي مَنْصُور وَمن مَعَه، لِأَن ظنية دلَالَة الْعَام مَوْجُودَة بِلَا مغير (وَلَا خلاف فِي عدم تغيره) أَي الْعَام (بِالْعقلِ) أَي بالمخصص الْعقلِيّ من الْقطع (إِلَى الظَّن كخروج الصَّبِي وَالْمَجْنُون من خطاب الشَّرْع إِلَّا أَن يخرج الْعقل (مَجْهُولا) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ تبطل حجيته فِي الْبَاقِي لعدم تعينه بِنَاء على مجهولية الْمخْرج فضلا عَن الْقطع إِلَى الظَّن (تَفْصِيل) الْمخْرج لبَعض أَفْرَاد الْعَام (الْمُتَّصِل) بِهِ أَقسَام يرتقى عَددهَا (إِلَى خَمْسَة: الأول الشَّرْط) وَهُوَ (مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْوُجُود) أَي وجود الشَّيْء بِأَن لَا يُوجد بِدُونِ وجوده (وَلَا دخل لَهُ فِي التَّأْثِير والإفضاء، فَخرج جُزْء السَّبَب) لِأَنَّهُ وَإِن توقف عَلَيْهِ السَّبَب لَكِن لَا دخل لَهُ فِي الْإِفْضَاء إِلَيْهِ، وَقد علم بذلك خُرُوج سَبَب الشَّيْء بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ بِالطَّرِيقِ الأولى (و) خرج (الْعلَّة) لِأَنَّهَا وَإِن توقف عَلَيْهَا الْوُجُود: لَكِنَّهَا مُؤثرَة (وَقَول الْغَزالِيّ) فِي تَعْرِيف
الشَّرْط (مَا لَا يُوجد الْمَشْرُوط دونه، وَلَا يلْزم أَن يُوجد الْمَشْرُوط عِنْده) أَي الشَّرْط أورد عَلَيْهِ أَنه دوري لتعقل تعقل الْمَشْرُوط على الشَّرْط: لَا أَنه مُشْتَقّ مِنْهُ (دفع دوره بِإِرَادَة مَا صدق عَلَيْهِ الْمَشْرُوط) بِلَفْظِهِ (أَي الشَّيْء) الَّذِي يُضَاف إِلَيْهِ الشَّرْط، وَيُقَال شَرط الشَّيْء كَذَا: وَهُوَ لَا يتَوَقَّف فِي تعقله على تعقل الشَّرْط، وَإِنَّمَا الْمَوْقُوف على تعقله مَفْهُوم الشَّرْط (وَيرد عَلَيْهِ) أَي على طرده (جُزْء السَّبَب المتحد) لِأَن الْمُسَبّب لَا يُوجد بِدُونِهِ وَلَا يلْزم أَن يُوجد عِنْده، وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْط، (وَقيل مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ تَأْثِير الْمُؤثر كَالْوضُوءِ يتَوَقَّف عَلَيْهِ تَأْثِير الْمُؤثر فِي الصَّلَاة). قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: إِذا كَانَ الْوضُوء شرطا فِي الصَّلَاة لم يزدْ أَنه يتَوَقَّف عَلَيْهِ تَأْثِير الصَّلَاة فِي الشَّيْء، بل تَأْثِير الْمُؤثر فِي الصَّلَاة. وَقَالَ الْأَبْهَرِيّ: يحْتَمل أَن يُقَال أَنه شَرط لتأثير الصَّلَاة فِي الحكم وَهُوَ الصِّحَّة (وَيرد عَلَيْهِ) أَي على الْعَكْس عَكسه (الْحَيَاة للْعلم الْقَدِيم) فَإِنَّهَا شَرط لتحققه لَا لتأثيره، لِأَنَّهُ لَيْسَ للْعلم تَأْثِير، إِذْ لَيْسَ هُوَ صفة مُؤثرَة: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال المُرَاد تَعْرِيف شَرط الْمُؤثر، لَا الشَّرْط مُطلقًا (وَهُوَ) أَي الشَّرْط (عَقْلِي: كالحياة للْعلم) إِذْ الْعقل يحكم بِأَن الْعلم لَا يُوجد بِدُونِ الْحَيَاة (وشرعي: كالطهارة) للصَّلَاة، فَإِن الشَّرْع هُوَ الْحَاكِم بذلك (وَأما اللّغَوِيّ) وَهُوَ مثل قَوْلنَا: إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق، فَإِن أهل اللُّغَة وضعُوا هَذَا التَّرْكِيب ليدل على أَن مَا دخلت عَلَيْهِ إِن شَرط، وَالْمُعَلّق بِهِ جَزَاء (فَإِنَّمَا هُوَ الْعَلامَة) بِكَوْنِهِ دَلِيلا على ظُهُور الحكم عِنْد ظُهُوره، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَتَسْمِيَة نَحْو: إِن جَاءَ فَأكْرمه، وَإِن دخلت فطالق بِهِ) أَي بِالشّرطِ (مَعَ أَنه سَبَب جعلي) للثَّانِي (لصيرورته عَلامَة على الثَّانِي) أَي الْجَزَاء (وَإِنَّمَا يسْتَعْمل) هَذَا الشَّرْط (فِيمَا لَا يتَوَقَّف الْمُسَبّب بعده على غَيره). وَفِي الشَّرْح العضدي وَيسْتَعْمل فِي شَرط يشبه بِالسَّبَبِ من حَيْثُ أَنه يستتبع الْوُجُود: وَهُوَ الشَّرْط الَّذِي لم يبْق للمسبب أَمر يتَوَقَّف عَلَيْهِ، فَإِذا وجد ذَلِك الشَّرْط فقد وجدت الْأَسْبَاب والشروط كلهَا فيوجد الْمَشْرُوط، فَإِذا قيل: إِن طلعت الشَّمْس فالبيت مضيء: فهم مِنْهُ أَنه لَا يتَوَقَّف إضاءته إِلَّا على طُلُوعهَا (وَقد يتحد) أَي يكون الشَّرْط أمرا وَاحِدًا (وَقد يَتَعَدَّد) الشَّرْط (معنى) أَي تعددا بِحَسب الْمَعْنى لَا بِحَسب اللَّفْظ (جمعا) أَي حَال كَونه ذَلِك المتعدد الْمَعْنَوِيّ يتَوَقَّف الْمَشْرُوط على اجْتِمَاع آحاده فِي التحقق (وبدلا) بِأَن يتَوَقَّف على وَاحِد من ذَلِك المتعدد على سَبِيل الْبَدَلِيَّة، فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقسَام (وَكَذَا الْجَزَاء) يتحد ويتعدد جمعا وبدلا، فَهَذِهِ ثَلَاثَة أُخْرَى (فَهِيَ) أَي جَمِيع الْأَقْسَام الْحَاصِلَة من ضرب ثَلَاثَة فِي ثَلَاثَة (تِسْعَة بِلَا توقف) أَي تَتَعَدَّد بِغَيْر توقف فِي تعدده الْمَعْنَوِيّ (على) تكْرَار (أَدَاة) أَي أَدَاة الشَّرْط لفظا (بل) يَكْفِي تعددها (معنى، وَلذَا) أَي وَلعدم توقف التَّعَدُّد على الْمَعْنَوِيّ تكَرر الْأَدَاء (اخْتلف) الْجَواب (لَو دخلت إِحْدَاهمَا فِي قَوْله: إِن دخلتما)
الدَّار (فطالقان) أَي فأنتما طالقان، ثمَّ صور الِاخْتِلَاف الْمَذْكُور بقوله (أتطلق) الدَّاخِلَة (للاتحاد عرفا) أَي لِأَن الْمَفْهُوم فِي الْعرف من التَّعْلِيق الْمَذْكُور كَون شَرط طَلَاق كل مِنْهُمَا متحدا وَهُوَ دخولهما فِي الدَّار من غير أَن يشْتَرط فِي طلاقهما اجْتِمَاع دُخُولهَا مَعَ دُخُول الْأُخْرَى فَكَأَنَّهُ قَالَ لكل مِنْهُمَا: إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق (أَولا) تطلق وَاحِدَة مِنْهُمَا (حَتَّى يدخلا، لِأَن الشَّرْط دخولهما) جَمِيعًا كَمَا هُوَ ظَاهر اللَّفْظ (أَو يطلقان) جَمِيعًا وَإِن لم تدخل الْأُخْرَى (لِأَنَّهُ أَي دخولهما الَّذِي هُوَ (الشَّرْط) مُتَعَدد (بَدَلا) فتحقق كل من الدخولين كَاف فِي تحقق الْجَزَاء الَّذِي هُوَ طالقان، وَهَذَا ثَالِث الْأَقْوَال (وَنَحْو) أَنْت (طَالِق إِن دخلت الدَّار) إِن دخلت (شَرط للمتقدم) أَي أَنْت طَالِق (معنى للْقطع بتقييده) أَي لأَنا نعلم قطعا أَن قَوْله طَالِق الْمُتَقَدّم يتَقَيَّد (بِهِ) أَي بِأَن دخلت: وَلَا يَعْنِي بِالشّرطِ إِلَّا مَا يتَقَيَّد بِهِ الحكم (وَعند النُّحَاة) إِن دخلت فِي هَذَا التَّعْلِيق شَرط (لمَحْذُوف مَدْلُول على لَفظه) بالمتقدم (فَلم يجْزم) الْمُتَقَدّم (بِهِ) أَي بِالشّرطِ أَشَارَ إِلَى أَنه دعاهم إِلَى ذَلِك أَمر لَفْظِي، وَهُوَ الْعَمَل (على تَقْيِيده) أَي مَعَ تَقْيِيد الْمُتَقَدّم بِالشّرطِ، فَلَا خلاف بَين النَّحْوِيين والأصوليين بِحَسب الْمَعْنى (وَإِن أطلق) الْمُتَقَدّم (لفظا) أَولا، فَإِن التَّقْيِيد يلْحقهُ ثَانِيًا لتقدم جَوَاب من حَيْثُ الْمَعْنى هَذَا بِنَاء على مَا ذكره ابْن الْحَاجِب وَمن وَافقه بِنَاء على مَذْهَب الْبَصرِيين وَأما عِنْد الْكُوفِيّين فَهُوَ جَوَاب فِي اللَّفْظ أَيْضا لم يجْزم وَلم يصدر بِالْفَاءِ لتقدمه وَعند البصرية لَا يقدر مَعَ هَذَا الْمُقدم جَوَاب آخر للشّرط وَإِن لم يكن جَوَابا لَهُ، فَإِنَّهُ يغنى عَنهُ مثل استجارك الَّذِي هُوَ كالعوض من الْمُقدر (وَإِذا تعقب) الشَّرْط (جملا) متعاطفة، كلا آكل، وَلَا أشْرب إِن فعلت كَذَا (قيدها) جَمِيعًا (عِنْد الْحَنَفِيَّة بِخِلَاف الِاسْتِثْنَاء) فَإِنَّهُ يخْتَص بالأخيرة (عِنْدهم) إِلَّا بِدَلِيل فِيمَا قبلهَا، وَجه الْفرق بِنَاء على أَن الْجَزَاء هُوَ الْجُمْلَة الأولى أَن الشَّرْط مقدم عَلَيْهَا معنى، وَالْبَاقِي مَعْطُوف على الْجَزَاء بِخِلَاف الِاسْتِثْنَاء، فَإِنَّهُ مُتَأَخّر لفظا وَمعنى فَهُوَ قيد لما يتَّصل بِهِ، وتفصيله مَذْكُور فِي مَحَله
(الثَّانِي) من الْأَقْسَام الْخَمْسَة من الْبَيَان الْمُتَّصِل (الْغَايَة) ولفظها: إِلَى، وَحَتَّى، نَحْو (أكْرم بني تَمِيم إِلَى أَن يدخلُوا وَلَا يخفى عدم صدق تَعْرِيف التَّخْصِيص) وَهُوَ مَا سبق قصر اللَّفْظ مُطلقًا على بعض مُسَمَّاهُ (على إِخْرَاج الشَّرْط والغاية) لعدم إِخْرَاج شَيْء مِنْهُمَا بعض الْمُسَمّى، فَإِن مفادهما عدم ثُبُوت حكم الْعَام لَهُ على بعض التقادير على مَا سيشير إِلَيْهِ (لِأَنَّهُ) أَي الْإِكْرَام مثلا (لكل بني تَمِيم على تَقْدِير و) هُوَ تَقْدِير عدم دُخُولهمْ (لَا قصر) أَي لَا قصر الْإِكْرَام (على بَعضهم دَائِما) بِأَن يَنْفِي الْبَعْض الآخر عَنْهُم دَائِما (وَحَقِيقَته) أَي حَقِيقَة إِخْرَاج الشَّرْط والغاية (تَخْصِيص عُمُوم التقادير عَن أَن يثبت مَعهَا) أَي مَعَ التقادير كلهَا (الحكم) وَكلمَة عَن مُتَعَلقَة بالتخصيص بِاعْتِبَار
تضمنه معنى التجاوز، فَإِنَّهُ إِذا خصص الْعُمُوم تجَاوز التقادير عَن أَن يثبت مَعهَا الحكم عُمُوما (وَقد يتَّفق) عُمُوم التقادير (تَخْصِيص الآخر) وَهُوَ تَخْصِيص عُمُوم الْأَفْرَاد: أَي تصاريفه مُوَافقَة، وَيجوز أَن يكون تَخْصِيص الآخر يتَّفق، وَيقدر مَعَ تَخْصِيص عُمُوم التقادير كَقَوْلِك: أكْرم بني تَمِيم إِن دخلُوا، أَو إِلَى أَن يدخلُوا، وَأَرَدْت بِهِ الْمُسلمين مِنْهُم (وَقد لَا) يتَّفق تَخْصِيص الْعُمُوم الآخر: كأكرم بني تَمِيم إِذا دخلُوا (وَقد يتضادان) أَي الشَّرْط والغاية (تَخْصِيصًا) بِأَن يخرج الشَّرْط بعض التقادير عَن الحكم، وتقتضي الْغَايَة دُخُول ذَلِك الْبَعْض فِيهِ، هَذَا هُوَ الظَّاهِر من هَذِه الْعبارَة، وَكَيف يتَصَوَّر وُقُوع مثل هَذَا فِي كَلَام الْعَاقِل: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون هَذَا الِاقْتِضَاء بِحَسب اللوازم الْخفية فَتَأمل، وَيحْتَمل كَون ضمير ويتضادان للعمومين، وَوَجهه أَيْضا غير ظَاهر (وتجري أَقسَام الشَّرْط) التِّسْعَة الْمَذْكُورَة: أَي أَمْثَالهَا (فِي الْغَايَة) فقد يكون متحدا ومتعددا جمعا وبدلا فتأتي الْأَقْسَام التِّسْعَة: وَهِي كالاستثناء فِي الْعود إِلَى الْجَمِيع أَو إِلَى الْأَخِيرَة، والمذاهب الْمذَاهب، وَالْمُخْتَار الْمُخْتَار: كَذَا فِي الشَّرْح العضدي
(الثَّالِث) من الْأَقْسَام الْخَمْسَة (الصّفة) نَحْو (أكْرم الرِّجَال الْعلمَاء) قصر الْعلمَاء الرِّجَال على بعض أَفْرَاده فَخرج غَيرهم، وَيجب فِيهِ الِاتِّصَال بالموصوف، كالغاية بِمَا هِيَ غَايَة لَهُ (وَفِي تعقبه) أَي الْوَصْف (مُتَعَددًا كتميم وقريش الطوَال) فعلوا كَذَا خلاف فِي تَقْيِيده الْأَخير أَو الْمَجْمُوع (كالاستثناء، وَالْأَوْجه الِاقْتِصَار) على الْأَخير كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاء (وَلَا يخفى أَن الْإِخْرَاج بِالصّفةِ وَالشّرط والغاية، وَالْبدل) واللقب (يُسمى تَخْصِيصًا) كَمَا تَقول الشَّافِعِيَّة وَمن وافقهم (أَولا) يُسمى تَخْصِيصًا (لَا يتَصَوَّر من الْحَنَفِيَّة لنفي الْمَفْهُوم) الْمُخَالف عِنْدهم (وَلَيْسَ) الْإِخْرَاج بأحدها (تَخْصِيصًا إِلَّا بِهِ) أَي بِاعْتِبَار الْمَفْهُوم.
(الرَّابِع بدل الْبَعْض) من الْكل، نَحْو: أكْرم بني تَمِيم (الْعلمَاء مِنْهُم): ذكره ابْن الْحَاجِب. وَقَالَ السُّبْكِيّ: وَلم يذكرهُ الْأَكْثَرُونَ، لِأَن الْمُبدل مِنْهُ فِي نِيَّة الطرح، فَلَا يتَحَقَّق فِيهِ لمحل يخرج مِنْهُ فَلَا تَخْصِيص بِهِ، وَفِيه نظر، لِأَن الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ: كالزمخشري أَن الْمُبدل مِنْهُ فِي غير بدل الْغَلَط لَيْسَ فِي حكم المهدر، بل هُوَ للتمهيد والتوطئة، وليفاد بمجموعها فضل تَأْكِيد وتبيين لَا يكون فِي الْإِفْرَاد.
(الْخَامِس: الِاسْتِثْنَاء الْمُتَّصِل، وَالْمرَاد) بِهِ هَهُنَا (أدوات الْإِخْرَاج لَا الْإِخْرَاج الْخَاص وَإِن كَانَ) الْإِخْرَاج الْخَاص قد (يُرَاد بِهِ) أَي بِلَفْظ الِاسْتِثْنَاء (كالمستثنى) أَي كَمَا يُرَاد بِهِ الْمُسْتَثْنى، وَهُوَ الْمخْرج، وَمِنْه تَفْسِيره بالمذكور بعد إِلَّا (إِذْ الْكَلَام فِي تَفْصِيل مَا هُوَ) أَي الْإِخْرَاج الْخَاص يتَحَقَّق (بِهِ، لَا) فِي نفس (التَّخْصِيص الْخَاص) الَّذِي هُوَ الْإِخْرَاج الْخَاص (وَهُوَ) أَي مَا بِهِ الْإِخْرَاج (إِلَّا غير
الصّفة وَأَخَوَاتهَا) وَهِي: غير، وَسوى، وَعدا، وخلا، وحاشا، وَلَيْسَ، وَلَا يكون، وَإِلَّا، وسيما، وبيد، وبله، وَلما. وَفِي بَعْضهَا خلاف بَين أهل الْعَرَبيَّة، قيد إِلَّا بِغَيْر الصّفة، لِأَنَّهَا صفة تدخل فِي الْمُخَصّص الوضعي (وَأَنَّهَا) أَي إِلَّا وَأَخَوَاتهَا (تسْتَعْمل فِي إِخْرَاج مَا بعْدهَا) حَال كَونه (كَائِنا بعض مَا قبلهَا عَن حكمه) أَي حكم مَا قبلهَا (وَهَذَا الْإِخْرَاج يُسمى اسْتثِْنَاء مُتَّصِلا) وَيسْتَعْمل (فِي إِخْرَاجه) أَي مَا بعْدهَا حَال كَونه (كَائِنا خِلَافه) أَي خلاف مَا ذكر بِأَن لَا يكون بعض مَا قبلهَا (عَن حكمه) أَي حكم مَا قبلهَا (وَيُسمى) هَذَا الْإِخْرَاج اسْتثِْنَاء (مُنْقَطِعًا)، وَلَا يسْتَعْمل فِي الْمُنْقَطع سوى: إِلَّا، وَغير، وَسوى، وبيد (وَشَرطه) أَي الْمُنْقَطع (كَونه) أَي الْمُسْتَثْنى (مِمَّا يقارنه) أَي الْمُسْتَثْنى مِنْهُ (كثيرا) ليَكُون من توابعه حَتَّى يستحضره بِذكرِهِ (كجاءوا) أَي الْقَوْم (إِلَّا حمارا، وَمِنْه) أَي الْمُنْقَطع قَول الشَّاعِر:
(وبلدة لَيْسَ بهَا أنيس
(إِلَّا اليعافير وَإِلَّا العيس)
لِأَنَّهُ حصر الأنيس) فيهمَا وهما ليسَا فِيهِ، والحصر فيهمَا بعد نفي مَا عداهما يشْعر بِأَنَّهُمَا قد خلفتا أهل الْبَلَد وصارتا بِمَنْزِلَة أَهلهَا، واليعافير جمع يَعْفُور: وَهُوَ الْحمار الوحشي، وَقيل تَيْس من تيوس الظباء، والعيس بِالْكَسْرِ: الْإِبِل الْبيض يخالط بياضها شقرة، وَقيل الْجَرَاد (بِخِلَاف إِلَّا الْأكل) فَلَا يُقَال: جَاءُوا إِلَّا الْأكل (أَو) كَون الْمُسْتَثْنى بِحَيْثُ (يَشْمَلهُ حكمه) أَي الْمُسْتَثْنى مِنْهُ (كصونت الْخَيل إِلَّا الْحمير) أَو الْبَعِير، لِأَن التصويت يَشْمَل الْحَيَوَانَات (بِخِلَاف الصهيل أَو) كَون الْمُسْتَثْنى بِحَيْثُ (ذكر) قبله (حكم) مَعْنَاهُ (يضاده) أَي الْمُسْتَثْنى (كَمَا نفع إِلَّا مَا ضرّ، وَمَا زَاد إِلَّا مَا نقض). قَالَ سِيبَوَيْهٍ: مَا الأولى نَافِيَة، وَالثَّانيَِة مَصْدَرِيَّة، وفاعل زَاد ونفع مُضْمر، وَالتَّقْدِير: مَا زَاد فلَان شَيْئا إِلَّا نُقْصَانا، وَمَا نفع إِلَّا مضرَّة، فالمستثنى، وَهُوَ النُّقْصَان والمضرة حكم مُخَالف للمستثنى مِنْهُ، وَهُوَ الزِّيَادَة والنفع، فالاستثناء مُنْقَطع انْتهى، وَفِيه أَيْضا الْمُقَارنَة بَين الْمُسْتَثْنى والمستثنى مِنْهُ بِاعْتِبَار أَنه يفهم أحد الضدين عِنْد ذكر الآخر. وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي الْمِثَال الثَّانِي: لَكِن النُّقْصَان فعل، أَو لَكِن النُّقْصَان أمره وشأنه، وَلَيْسَ الْمَعْنى: مَا زَاد شَيْئا غير النُّقْصَان ليَكُون مُتَّصِلا عرفا أهـ. فَبين الْكَلَامَيْنِ تدافع، لِأَن سِيبَوَيْهٍ فسره بِهَذَا الْمَعْنى وَحكم بالانقطاع، وَلَك أَن تَقول: يحْتَمل أَن يكون مُرَاد سِيبَوَيْهٍ: مَا زَاد شَيْئا غير النُّقْصَان مِمَّا يقْصد، أَو زِيَادَة كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر، فَلَا شكّ فِي انْقِطَاعه حِينَئِذٍ: غير أَنه يحْتَمل الِاتِّصَال كَمَا أَفَادَهُ المُصَنّف رحمه الله بقوله (أما مَا زَاد إِلَّا مَا نقص فَيحْتَمل الِاتِّصَال، لِأَنَّهُ) أَي النُّقْصَان (زِيَادَة حَال بعد التَّمام) وَيقرب مِنْهُ مَا عَن
ابْن مَالك: إِذا قلت مَا زَاد فكأنك قلت مَا عرض لَهُ عَارض ثمَّ استثنيت من الْعَارِض النَّقْص: هَذَا، وَالْمرَاد من التَّمام تِلْكَ الْحَالة الَّتِي كَانَت لَهُ قبل النَّقْص وَلَا يخفى عَلَيْك أَن مثل هَذَا الِاعْتِبَار فِي الْمِثَال الأول رَكِيك، لِأَنَّهُ يُرَاد بِمَا زَاد أَنه على حَاله عرفا، وَلَا يُرَاد بِمَا نفع كَونه على حَاله فَقَوْل الشَّارِح: إنَّهُمَا شَيْئَانِ لَيْسَ بِشَيْء (وَالْمرَاد من الْإِخْرَاج إفادته) أَي الْمخْرج (عدم الدُّخُول) أَي دُخُول الْمُسْتَثْنى (فِي الحكم اشْتهر) لفظ الْإِخْرَاج (فِيهِ) أَي فِي عدم الدُّخُول (اصْطِلَاحا) فَلَا ضير فِي ذكره فِي التَّعْرِيف، وَإِنَّمَا احْتِيجَ لبَيَان المُرَاد (إِذْ حَقِيقَته) أَي حَقِيقَة الْإِخْرَاج إِنَّمَا تتَحَقَّق (بعد الدُّخُول، وَهُوَ) أَي الْإِخْرَاج حَقِيقَة (من الْإِرَادَة) صلَة الْإِخْرَاج: أَي إِخْرَاج الْمُسْتَثْنى من المُرَاد (بِحكم الصَّدْر) مُتَعَلق بالإرادة (مُنْتَفٍ) إِذْ لَا يُمكن أَن يُرَاد تنَاول الحكم الْوَاقِع فِي صدر الْكَلَام الْمُسْتَثْنى، ثمَّ يخرج مِنْهُ للُزُوم التَّنَاقُض (و) الْإِخْرَاج (من التَّنَاوُل) أَي تنَاول اللَّفْظ، وَالدّلَالَة عَلَيْهِ (لَا يُمكن) لِأَن التَّنَاوُل بَاقٍ بعد الاسثتناء أَيْضا، لِأَنَّهُ بعلة الْوَضع، فَلَا يَنْقَطِع عَن الْمَوْضُوع (فَقيل) لفظ الِاسْتِثْنَاء (مُشْتَرك فيهمَا) أَي الْمُتَّصِل والمنقطع (لَفْظِي) لَا طَلَاقه على كل مِنْهَا حَقِيقَة من غير أَن يشْتَرك بَينهمَا معنى، وَعدم تَرْجِيح أَحدهمَا على الآخر ليَكُون حَقِيقَة ومجازا (وَقيل متواطئ) أَي مَوْضُوع للقدر الْمُشْتَرك بَينهمَا كَمَا سَيَجِيءُ، والتواطؤ خير من الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ، وَالْمجَاز (وَالْمُخْتَار) أَنه فِي الْمُتَّصِل حَقِيقَة، و (فِي الْمُنْقَطع مجَاز) وَنَقله الْآمِدِيّ عَن الْأَكْثَرين (قَالُوا) وَمِنْهُم ابْن الْحَاجِب (فعلى التواطؤ أمكن حَده) أَي الْمُنْقَطع (مَعَ الْمُتَّصِل بِحَدّ وَاحِد بِاعْتِبَار) الْمَعْنى (الْمُشْتَرك بَينهمَا) أَي الْمُتَّصِل والمنقطع (مُجَرّد الْمُخَالفَة) بِالْجَرِّ عطف بَيَان للمشترك (الْأَعَمّ من الْإِخْرَاج وَعَدَمه) قيل الْأَعَمّ أفعل التَّفْضِيل، وَهُوَ معرف بِاللَّامِ، وَقد أجْرى على الْمُخَالفَة فَيجب تأنيثه، وَيمْتَنع فِيهِ من أُجِيب بِأَنَّهُ صفة لمُجَرّد، وَمن لبَيَان الْمُخَالفَة، لَا صلَة الْأَعَمّ. وَقَالَ الشَّارِح فِيهِ تَأمل (فَيُقَال مَا دلّ على الْمُخَالفَة بإلا غير الصّفة إِلَى آخِره) أَي وَأَخَوَاتهَا، وَقَوله بإلا غير الصّفة إِخْرَاج سَائِر أَنْوَاع التَّخْصِيص (وعَلى أَنه) أَي لفظ الِاسْتِثْنَاء (مُشْتَرك) لَفْظِي بَينهمَا (أَو مجَاز فِي الْمُنْقَطع لَا يُمكن) حد الْمُنْقَطع مَعَ الْمُتَّصِل بِحَدّ وَاحِد (لِأَن مفهومية) أَي الِاسْتِثْنَاء (حِينَئِذٍ حقيقتان مُخْتَلِفَتَانِ، فَيحد كل) من الْمُتَّصِل والمنفصل (بِخُصُوصِهِ، فيزاد) على الْحَد الْوَاحِد السَّابِق (فِي) حد (الْمُنْقَطع) قيد (من غير إِخْرَاج لإِخْرَاج الْمُتَّصِل وَلَا شكّ أَن هَذَا) أَي امْتنَاع الْجمع بَين الشَّيْئَيْنِ فِي تَعْرِيف وَاحِد (إِنَّمَا هُوَ فِي تَعْرِيف ماهيتين مختلفتين كَمَا لَو كَانَ التَّعْرِيف للاستثناء بِمَعْنى الاخراجين المسميين بالمتصل والمنقطع) فَإِن الْإِخْرَاج فِي الْمُتَّصِل إِخْرَاج بعض مَا تنَاوله صدر الْكَلَام من حكمه.
وَفِي الْمُنْقَطع إِخْرَاج مَا لَا يتَنَاوَلهُ الصَّدْر من حكمه وَلَا شكّ أَنَّهُمَا حقيقتان بِمَعْنى ماهيتان مُخْتَلِفَتَانِ مُمْتَنع اجْتِمَاعهمَا فِي حد وَاحِد فَإِن قلت قد يجمع بَين الماهيات الْمُخْتَلفَة فِي تَعْرِيف وَاحِد كتعريف الْحَيَوَان المندرج تَحْتَهُ الْحَيَوَان: الْإِنْسَان، وَالْفرس وَغَيرهمَا بالجسم النامي الحساس إِلَى آخِره قلت المُرَاد: تَعْرِيف الماهيتين بِحَيْثُ يتَمَيَّز كل مِنْهُمَا على جَمِيع مَا عداهُ لَا يُقَال يجوز أَن يذكر كل مِنْهُمَا بِجَمِيعِ قيوده بِأَو الترديدية، لِأَنَّهُ لَا يتَعَيَّن حِينَئِذٍ اخْتِصَاص شَيْء من الترديد بِشَيْء مِنْهُمَا بِعَيْنِه من نفس التَّعْرِيف وَالْحق أَن الْكَلَام فِي الْحَد الأسمى فَلَا يتَصَوَّر وحدته إِلَّا بِأَن يُوجد مُسَمّى وَاحِد، وضع الِاسْم بإزائه، والمفروض فِيمَا نَحن فِيهِ خِلَافه فَافْهَم (وَبِأَن وضع لفظ مرَّتَيْنِ لشيئين) حَتَّى كَانَ مُشْتَركا لفظيا بَينهمَا (أَو) وضع لفظ (مرّة لمشترك بَينهمَا) أَي بَين شَيْئَيْنِ حَتَّى كَانَ متواطئا (أَو) وضع (لأَحَدهمَا ويتجوز بِهِ فِي الآخر لَا يتَعَذَّر تَعْرِيفه على تَقْدِير تَقْدِير) بِأَن يُقَال فِيمَا نَحن فِيهِ الِاسْتِثْنَاء على تَقْدِير وَضعه للمتصل مَعْنَاهُ، وَكَذَا قَوْله على تَقْدِير مكررا، مثل قَوْلهم: رتبته بَابا بَابا، وَجَاءُوا وَاحِدًا وَاحِدًا: فَهُوَ حَال عَن تَعْرِيفه: يَعْنِي مفصلا على هَذَا الْوَجْه. قَالَ الرضي وصابطه أَن يَتَأَتَّى للتفصيل بعده كَمَا ذكر الْمَجْمُوع بجزئه مكررا (وَالْكَلَام) هَهُنَا (إِنَّمَا هُوَ فِي الِاسْتِثْنَاء بِمَعْنى الأداة) يَعْنِي أَن لفظ الِاسْتِثْنَاء يُطلق على الْإِخْرَاج الْمَذْكُور وعَلى اللَّفْظ الدَّال عَلَيْهِ، وَكَلَام الْأُصُولِيِّينَ فِي هَذَا الْمقَام إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَخِيرَة، فالأداة إِمَّا مُشْتَرك وَإِمَّا متواطئ إِلَى آخِره، وَيجوز تَعْرِيفهَا على كل تَقْدِير تَقْدِير (فَيُقَال مَا دلّ على عدم إِرَادَة مَا بعده) حَال كَون مَا بعده (كَائِنا بعض مَا قبله، أَو) كَائِنا (خِلَافه) أَي خلاف مَا ذكر بِأَن لَا يكون بعض مَا قبله (بِحكمِهِ) مُتَعَلق الْإِرَادَة: أَي لم يقْصد بِحكمِهِ أَن يَشْمَل مَا بعده ناشئة دلَالَته على الْمَعْنيين (عَن وضعين) وضع مرّة لِأَن يدل على عدم إِرَادَة مَا بعده كَائِنا إِلَى آخِره، وَمرَّة لمقابله (على الِاشْتِرَاك، وَيتْرك لفظ الْوَضع) الْمَذْكُور فِي التَّعْرِيف الْمَذْكُور بِصِيغَة التَّثْنِيَة (على) تَقْدِير (التواطؤ) وَالْبَاقِي على حَاله، فَيُقَال مَا دلّ على عدم إِرَادَة مَا بعده كَائِنا بعض مَا قبله أَو خِلَافه (و) يُقَال على أَنه حَقِيقَة فِي الْمُتَّصِل مجَاز فِي الْمُنْقَطع مَا دلّ على عدم إِرَادَة مَا بعده (كَائِنا بعضه) أَي بعض مَا قبله (بِحكمِهِ بِوَضْعِهِ) أَي بِسَبَب وضع مَا دلّ على هَذَا الْمَعْنى (لَهُ) أَي لهَذَا الْمَعْنى (فَقَط، وخلافه بِالْقَرِينَةِ) أَي وَدلّ على عدم إِرَادَة مَا بعده كَائِنا خِلَافه مَا قبله بِأَن لَا يكون بعضه بِحكمِهِ بِالْقَرِينَةِ: أَي دلَالَته على هَذَا الْمَعْنى بِالْقَرِينَةِ لَا بِالْوَضْعِ (ثمَّ لَا يخفى صدق تعريفنا) وَهُوَ قَوْلنَا مَا دلّ الخ بِبَعْض تصرف (عَلَيْهَا) أَي على الأداة (على التقادير) الثَّلَاثَة (بِلَا حَاجَة إِلَى خِلَافه) من التعاريف على
مَا تكلفوا فِي هَذَا الْمقَام (وَقَوله) أَي الَّذِي جوز حَده على التواطؤ، فَقَالَ مَا دلّ على الْمُخَالفَة (بإلا) غير الصّفة (إِلَى آخِره يُفِيد أَن إِلَّا وَأَخَوَاتهَا مَعَ مَا دلّ غيران) أَي متغايران، لِأَن الدَّال بِوَاسِطَة شَيْء غير ذَلِك الشي (وَلَيْسَ) كَذَلِك لِأَن الدَّال إِنَّمَا هُوَ إِلَّا وَأَخَوَاتهَا غير أَن الْحُرُوف لَا تستقل بِالدّلَالَةِ بِدُونِ متعلقها (وَقَوله فِي الْمُنْقَطع من غير إِخْرَاج أَن) أَرَادَ بِهِ نفي الْإِخْرَاج (مُطلقًا) من حَيْثُ تنَاول الصَّدْر، وَمن حَيْثُ تنَاول الحكم (لم يصدق) التَّعْرِيف (على شَيْء من أَفْرَاد الْمَحْدُود لِأَنَّهَا) أَي أَفْرَاده (مخرجة من الحكم) فَإِن قلت الْإِخْرَاج مِنْهُ فِي الْمُتَّصِل بِاعْتِبَار شُمُول صدر الْكَلَام الْمُسْتَثْنى، فَإِنَّهُ بِحَسب الظَّاهِر يُفِيد دُخُوله فِي الحكم، وَإِن كَانَ بِحَسب الْحَقِيقَة لَا حكم قبل الِاسْتِثْنَاء على مَا بَين فِي مَحَله دفعا للتناقض، فَمَا معنى الْإِخْرَاج مِنْهُ فِي الْمُنْقَطع قلت قد مر أَن المُرَاد من الْإِخْرَاج إِفَادَة عدم الدُّخُول فِي الحكم (والإخراج فِي الِاسْتِثْنَاء بقسميه) الْمُتَّصِل والمنقطع (لَيْسَ إِلَّا مِنْهُ) أَي من الحكم (وَحمله) أَي الْإِخْرَاج (على أَنه من الْجِنْس فَقَط، وَأَنه) أَي كَون الْإِخْرَاج هَذَا (الِاصْطِلَاح) أَي مُوجب الِاصْطِلَاح (بَاطِل للْقطع بِأَن زيدا لم يخرج من الْقَوْم، وَلَا يصطلح على بَاطِل، وَإِن أُرِيد التَّجَوُّز بِالْجِنْسِ عَن حكمه) ليَكُون الْمجَاز لغويا، (أَو أضمر) الحكم ليَكُون من مجَاز الْحَذف (صَار الْمَعْنى من غير إِخْرَاج من حكم الْجِنْس، وَعَاد الأول، وَهُوَ أَن الْوَاقِع إِخْرَاج مَا بعد إِلَّا مُطلقًا) أَي مُتَّصِلا كَانَ أَو مُنْقَطِعًا (من حكم مَا قبلهَا، وَعَدَمه) أَي الْإِخْرَاج (من نفس الْجِنْس) أما فِي الْمُتَّصِل فَلِأَن التَّنَاوُل بَاقٍ، وَأما فِي الْمُنْقَطع فلعدم الدُّخُول الَّذِي الْإِخْرَاج فَرعه فَإِن قلت قد مر أَن المُرَاد من الْإِخْرَاج إِفَادَة عدم الدُّخُول قلت إِفَادَة الدُّخُول بِاعْتِبَار الحكم لَهُ وَجه إِذْ يتَوَهَّم ذَلِك، وَلَا وَجه لإِفَادَة عدم دُخُوله خلاف الْجِنْس فِي الْجِنْس، فَإِنَّهُ لَا يتَوَهَّم بِجِنْس (وَوجه الْمُخْتَار) وَهُوَ كَون أَدَاة الِاسْتِثْنَاء حَقِيقَة فِي الْمُتَّصِل مجَاز فِي المقطع (بِأَن عُلَمَاء الْأَمْصَار ردُّوهُ) أَي الْمَذْكُور: يَعْنِي أَدَاة الِاسْتِثْنَاء (إِلَى الْمُتَّصِل، وَإِن) كَانَ الْمُتَّصِل (خلاف الظَّاهِر، فحملوا لَهُ: ألف إِلَّا كرا) من الْبر عَليّ (على قِيمَته) صلَة لحملوا، وَلَوْلَا أَنهم قصدُوا حمل إِلَّا على حَقِيقَته مَا صرفُوا اللَّفْظ عَن ظَاهره، فَإِن ذكر الْكر وَإِرَادَة قِيمَته خلاف الظَّاهِر فَإِن قلت اخْتَارُوا التَّجَوُّز فِي الْكر على التَّجَوُّز فِي إِلَّا، وَلم يعكسوا ليَكُون الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطِعًا قلت الطَّرِيق الجادة فِي إِخْرَاج شَيْء من حكم صدر الْكَلَام مَسْلَك الِاسْتِثْنَاء الْمُتَّصِل لَا الْمُنْقَطع فِيمَا أمكن حمل الْكَلَام على الِاتِّصَال لَا يعدل عَنهُ إِلَى الِانْقِطَاع، وَإِلَيْهِ يُشِير قَوْله (وَلِأَنَّهُ يتَبَادَر من، نَحْو: جَاءَ الْقَوْم إِلَّا قبل ذكر زيد، أَو حمَار أَنه يُرِيد أَن يخرج بعض الْقَوْم عَن حكمهم، فيشرأب) أَي فَيطلع، فِي الْقَامُوس اشرأب إِلَيْهِ مد عُنُقه
لينْظر، أَو ارْتَفع، وَالِاسْم الشرأبية كالطمأنية (إِلَى أَنه أَيهمْ، وَلَو كَانَت) إِلَّا (حَقِيقَة فِي إِخْرَاج الْأَعَمّ مِنْهُ) مِمَّا تنَاوله الصَّدْر (من حكمه) أَي من حكم الصَّدْر (لم يتَبَادَر معِين) وَهُوَ مَا تنَاوله صدر الْكَلَام (لَا يُقَال جَازَ) تبادر الْمعِين (لعروض شهرة أوجبت الِانْتِقَال إِلَيْهِ) أَي الْمعِين، فالتبادر لأمر عَارض لأصل الْوَضع، وَمثله لَا يكون عَلامَة الْحَقِيقَة (لِأَنَّهُ) أَي عرُوض الشُّهْرَة فِي أحد الْمَعْنيين الحقيقيين (نَادِر لَا يعْتَبر بِهِ) بِمُجَرَّد الْإِمْكَان (قبل فعليته) أَي تحَققه بِالْفِعْلِ (وَإِلَّا) لَو اعْتبر جَوَاز عرُوض الشُّهْرَة مُوجبا للتبادر (بَطل الْحمل على الْحَقِيقَة عِنْد إمكانهما) أَي الْحَقِيقَة وَالْمجَاز، لِأَن الْحَقِيقَة لَا تعرف إِلَّا بالتبادر عِنْد الْإِطْلَاق، وَإِذا جوز كَون التبادر لعروض عَن الشُّهْرَة على سَبِيل الِاحْتِمَال انسد بَاب إِثْبَات الْحَقِيقَة (وَغير ذَلِك) من الْحمل على الِاشْتِرَاك إِذا ثَبت تبادر المفاهيم على السوَاء بتجويز كَون تبادر أَحدهمَا لعروض الشُّهْرَة. (وَقَالَ الْغَزالِيّ) وَالْقَاضِي (فِي) تَعْرِيف الِاسْتِثْنَاء (الْمُتَّصِل قَول ذُو صِيغ مَخْصُوصَة دَال على أَن الْمَذْكُور) الْمُتَّصِل (بِهِ لم يرد بالْقَوْل الأول أَفَادَ جنسه) وَهُوَ قَول (أَنه) أَي التَّعْرِيف (لغير الْمَعْنى المصدري) الَّذِي هُوَ الْإِخْرَاج، بل للأداة (ومخصوصة أَي معهودة، وَهِي إِلَّا وَأَخَوَاتهَا، فالأنسب أَن يُقَال يرد على طرده) أَي على مانعية التَّعْرِيف (الشَّرْط) نَحْو: أكْرم النَّاس أَن علمُوا، لِأَنَّهُ يصدق عَلَيْهِ قَول إِلَى آخِره، لِأَن لَهُ صيغا هِيَ أدوات الشَّرْط، وَسَيذكر الْقَيْد الآخر (لَا) أَن يُقَال يرد على طرده (التَّخْصِيص بِهِ) أَي بِالشّرطِ كَمَا قَالَ ابْن الْحَاجِب: إِذْ لَا يصدق عَلَيْهِ قَول، وَإِنَّمَا قَالَ الْأَنْسَب لِأَنَّهُ يُمكن تَأْوِيل مَا قَالَ (و) يرد عَلَيْهِ (الْمَوْصُول) حَال كَونه (وَصفا) مُخَصّصا، نَحْو: أكْرم النَّاس الَّذين علمُوا (والمستقل) نَحْو: لَا تكرم زيدا بعد أكْرم الْقَوْم (وَدفع الْأَوَّلَانِ) أَي الايردان بِالشّرطِ والموصول، والدافع ابْن الْحَاجِب (بِأَنَّهُمَا) أَي الشَّرْط والموصول (لَا يخرجَانِ الْمَذْكُور) وَهُوَ الْعلمَاء فِي المثالين (بل) يخرجَانِ (غَيره) أَي غير الْمَذْكُور، وَهُوَ من عداهم (وَتقدم التَّحْقِيق فِيهِ) من أَن الشَّرْط مخرج بعض التقادير، وَكَذَلِكَ الْوَصْف (والمستقل لم يوضع لإِفَادَة الْمُخَالفَة، وَإِنَّمَا تفهم) الْمُخَالفَة (بملاحظتهما) أَي المستقل، وَمَا خص بِهِ وَالْمرَاد من الدّلَالَة فِي التَّعْرِيف مَا بِالْوَضْعِ (و) أورد (على عَكسه) أَي على جامعية التَّعْرِيف (شخص جَاءُوا إِلَّا زيدا، وسائرها) أَي خُصُوص إِلَّا، وكل من أدوات الِاسْتِثْنَاء، لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْء مِنْهَا ذَا صِيغ، فَلَا يصدق الْحَد على شَيْء مِنْهَا (ورد) هَذَا الْإِيرَاد (بِظُهُور أَن المُرَاد) بالْقَوْل الْمَذْكُور فِي التَّعْرِيف (جنس الِاسْتِثْنَاء الْمُتَّصِل) فَإِنَّهُ ذُو صِيغ، وكل فَرد مِنْهُ ذُو صِيغَة وَلَا يخفى مَا فِيهِ من أَن التَّعْرِيف لَا يكون إِلَّا للْجِنْس، وَمَعَ هَذَا لَا بُد من صدق التَّعْرِيف على
كل فَرد (وَلَا يخفى مَا فِيهِ، وَعدم وُرُوده) أَي هَذَا الْإِيرَاد (على) تَقْدِير (كَونه) أَي كَون التَّعْرِيف (تعريفا للأدوات يُفِيد الْعُمُوم) بِأَن يكون الْمُعَرّف جنس الأدوات لَا من حَيْثُ هُوَ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارف فِي التعريفات، بل من حَيْثُ تحققها فِي ضمن كل من الْأَفْرَاد، فَكل خُصُوصِيَّة من خصوصيات الأدوات لَيست من أَفْرَاد الْمُعَرّف، فَلَا ينْتَقض بهَا التَّعْرِيف جمعا (وعَلى) تَقْدِير (كَونه) أَي التَّعْرِيف تعريفا (لما يصدق عَلَيْهِ أَدَاة الِاسْتِثْنَاء) بِأَن يكون الْمُعَرّف الْفَرد الْمُنْتَشِر لجنس أَدَاة الِاسْتِثْنَاء (ليَكُون الْمِثَال) الْمَذْكُور، وَهُوَ قَوْله: إِلَّا زيد الَّذِي هُوَ شخص من ذَلِك الْجِنْس (من أَفْرَاد الْمُعَرّف بِخِلَاف الأول) وَهُوَ فرض كَون التَّعْرِيف للأدوات يُفِيد الْعُمُوم، فَإِن الْمِثَال الْمَذْكُور لَيْسَ من أَفْرَاد الْمُعَرّف: أَي بِنَاء عَلَيْهِ (صَادِق عَلَيْهِ) خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره والتعريف صَادِق على الْمِثَال الْمَذْكُور بِنَاء على كَونه لما يصدق عَلَيْهِ إِلَى آخِره (إِذْ الْجِنْس) أَي جنس الْفَرد الْمُنْتَشِر (قَول كلي لَا يتَحَقَّق خَارِجا إِلَّا فِي ضمن أَدَاة) فَهُوَ بِاعْتِبَار كل تحقق ذُو صِيغَة وَاحِدَة، وَلَكِن بِاعْتِبَار تحققاته ذُو صِيغ كَثِيرَة (وَهُوَ) أَي الْجِنْس (نَفسه ذُو الصِّيَغ) وَإِن كَانَ شخصه ذَا صِيغَة وَاحِدَة (وَيصدق على الْكُلِّي الْكَائِن فِي ضمن إِلَّا فِي الْمِثَال) الْمَذْكُور (ذَلِك) أَي قَول ذُو صِيغ إِلَى آخِره وَالْحَاصِل أَن الْفَرد الْمُنْتَشِر وَإِن لم يصدق عَلَيْهِ بِاعْتِبَار تحَققه فِي ضمن هَذَا الْخَاص أَنه قَول ذُو صِيغ إِلَى آخِره، لَكِن يصدق عَلَيْهِ بِاعْتِبَار تحققاته فِي ضمن الخصوصيات أَنه قَول ذُو صِيغ (وَقيل) فِي التَّعْرِيف (لفظ مُتَّصِل بجملة لَا يسْتَقلّ) صفة لفظ، وَكَذَا قَوْله (دَال على أَن مَدْلُوله) الضَّمِير رَاجع إِلَى لفظ (غير مُرَاد بِمَا اتَّصل) اللَّفْظ الْمَذْكُور (بِهِ) وَهُوَ الْجُمْلَة (لَيْسَ) ذَلِك اللَّفْظ (بِشَرْط وَلَا صفة وَلَا غَايَة) احْتِرَاز بِلَفْظ من المخصصات الحسية أَو الْعَقْلِيَّة، وبمتصل عَن الْمُنْفَصِلَة، وَبلا يسْتَقلّ عَن مثل قَامَ الْقَوْم وَلم يقم زيد، وبعدم إِرَادَة مَدْلُوله عَن الْأَسْمَاء الْمُؤَكّدَة مثل: جَاءَ الْقَوْم كلهم، وَالْبَاقِي ظَاهر (و) يرد (على طرده قَامُوا لَا زيد) لصدق الْحَد عَلَيْهِ، وَلَيْسَ باستثناء (وَدفع بِمَا ذكرنَا) من أَنه لم يوضع لإِفَادَة عدم الْإِرَادَة، وَإِنَّمَا لَزِمت من ملاحظته مَعَ مَا قبله لُزُوما عقليا لَا وضعيا بِدَلِيل جَاءَ زيد لَا عَمْرو، لِامْتِنَاع إِرَادَة عَمْرو من زيد (و) يرد (على عَكسه) الِاسْتِثْنَاء (المفرغ للْفَاعِل) نَحْو: مَا جَاءَ إِلَّا زيد، إِذْ لَا يصدق عَلَيْهِ الْحَد لعدم اتِّصَاله بِالْجُمْلَةِ لِأَنَّهُ هُوَ الْفَاعِل، وَالْفِعْل وَحده مُفْرد (وَدفع بِأَن مَا قبله) أَي مَا قبل إِلَّا زيد (فِي تقديرها) أَي الْجُمْلَة، فَالْمُرَاد بِالْجُمْلَةِ مَا يعم الْجُمْلَة تَقْديرا (وعَلى هَذَا) مَشى (من يقدر فَاعِلا عَاما) وَيجْعَل مَا بعد إِلَّا بَدَلا مِنْهُ فَنَقُول التَّقْدِير: مَا جَاءَ أحد إِلَّا زيد (وَلَعَلَّ الْمُعَرّف) الَّذِي عرف بالتعريف الْمَذْكُور (يرَاهُ) أَي التَّقْدِير على الْوَجْه الْمَذْكُور (ثمَّ يفْسد) عَكسه أَيْضا (بِأَن كل مُسْتَثْنى مُتَّصِل مُرَاد بِالْأولِ) بِحَسب