الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنهج الثاني في تعريف البدعة:
وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن البدعة مخالفة للسنة ومذمومة شرعاً لأنها محدثة لا أصل لها في الشرع وعلى هذا الإمام مالك والبيهقي والطرطوشي وشيخ الإسلام ابن تيمية والزركشي وابن رجب والشُّمَنِي الحنفي وغيرهم، واختاره جماعة من العلماء المعاصرين (1).
وأساس هذا المنهج هو تعريف البدعة بالمحدث المخالف للسنة الذي جعل ديناً قويماً وصراطاً مستقيماً وعلى هذا مشى الشاطبي في أحد تعريفيه للبدعة حيث قال: [فالبدعة إذا عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه. وهذا على رأي من لا يدخل العادات في معنى البدعة وإنما يخصها بالعبادات](2).
وقال الشاطبي: [فالطريقة والطريق والسبيل والسنن هي بمعنى واحد وهو ما رسم للسلوك عليه وإنما قيدت بالدين لأنها فيه تخترع وإليه يضيفها صاحبها وأيضاً فلو كانت طريقة مخترعة في الدنيا على الخصوص لم تسم بدعة كإحداث الصنائع والبلدان التي لا عهد بها فيما تقدم.
ولما كانت الطرائق في الدين تنقسم - فمنها ما له أصل في الشريعة ومنها ما ليس له أصل فيها - خص منها ما هو المقصود بالحد وهو القسم المخترع أي طريقة ابتدعت على غير مثال تقدمها من الشارع إذ البدعة إنما خاصتها أنها خارجة عما رسمه الشارع وبهذا القيد انفصلت عن كل ما ظهر لبادي الرأي أنه مخترع مما هو متعلق
(1) الفروق 4/ 202، تهذيب الفروق 4/ 229، الحوادث والبدع ص 21، اقتضاء الصراط المستقيم ص 270 - 271، جامع العلوم والحكم ص 335، البدع والمصالح المرسلة ص 103 - 107.
(2)
الاعتصام 1/ 37.
بالدين كعلم النحو والتصريف ومفردات اللغة وأصول الفقه وأصول الدين وسائر العلوم الخادمة للشريعة. فإنها وإن لم توجد في الزمان الأول فأصولها موجودة في الشرع] (1).
وقوله [تضاهي الشرعية] أي تشابه الطريقة الشرعية من غير أن تكون في الحقيقة كذلك بل هي مضادة لها من أوجه متعددة:
منها وضع الحدود كالناذر للصيام قائماً لا يقعد ضاحياً لا يستظل والاختصاص في الانقطاع للعبادة
…
ومنها التزام الكيفيات والهيئات المعينة كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً.
ومنها التزام العبادات المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة كالتزام صيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته.
وقوله: [يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى] هو تمام معنى البدعة إذ هو المقصود بتشريعها.
وذلك أن أصل الدخول فيها يحث على الانقطاع إلى العبادة والترغيب في ذلك لأن الله تعالى يقول: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ والإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) فكأن المبتدع رأى أن المقصود هذا المعنى ولم يتبين له أن ما وضعه الشارع فيه من القوانين والحدود كاف
…
وقد تبين بهذا القيد أن البدع لا تدخل في العادات فكل ما اخترع من الطرق في الدين مما يضاهي المشروع ولم يقصد به التعبد فقد خرج عن هذه التسمية] (2).
(1) المصدر السابق 1/ 37.
(2)
المصدر السابق 1/ 37 - 41.