الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة: قراءة الختمة للأموات:
من البدع المنتشرة في أيامنا هذه ما يفعله عامة الناس بعد دفن ميتهم إذ يجلسون بعد صلاة العصر في يوم الوفاة ويومين بعده فيقرؤون السور الأخيرة من القرآن الكريم ابتداءً من سورة الضحى إلى سورة الناس ثم يقرؤون سورة الفاتحة وفواتح سورة البقرة وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة وبعض الآيات الأخرى ثم يأتون ببعض الأذكار ويهللون مئة مرة ونحو ذلك.
وهنالك بعض المشايخ المتخصصين في القراءة على الأموات الذين يحترفون هذا العمل فيحضرونهم ومعهم مكبرات الصوت فيقرؤون الختمة بأجر متفق عليه وبعد الانتهاء يأكلون ما أعد لهم من طعام أو حلويات ويشربون القهوة والشاي وغيرها، ويفعلون هذه البدعة ثلاثة أيام اعتباراً من يوم الدفن، ثم يفعلونها ثلاثة أيام خميس تالية ثم في الأربعين وبعضهم يفعلها في ذكرى مرور سنة على وفاة الميت وبعضهم يزيد على ذلك.
وهذه كلها من البدع المخالفة لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم وبيان ذلك فيما يلي:
أولاً: لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضوان الله عليهم فعل مثل ذلك فهذه الختمة طريقة مبتدعة في قراءة القرآن وفي الذكر.
ثم إن تخصيص هذه الأوقات وهي ثلاثة أيام من يوم الدفن وثلاثة أيام خميس ويوم الأربعين، بهذه الختمة وهذه الأذكار لم يقم عليه دليل من الشرع ولا يصح عند العلماء تخصيص زمان معين بعبادة معينة إلا بدليل شرعي ولا دليل على ذلك.
ثانياً: إن أهل العلم متفقون على أنه لا يجوز التكسب بالقرآن الكريم وهذا التكسب واضح في الأجور التي تدفع لجماعة المقرئين والذين يحددون الأسعار بناء على حالة
الميت وأهله من حيث الغنى والفقر فهذه الأموال التي يأخذها هؤلاء الذين يتكسبون بالقرآن محرمة عليهم ويدل على ذلك ما يلي:
1.
ما جاء في الحديث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (علمت ناساً من أهل الصفة القرآن والكتاب فأهدى إليَّ رجل منهم قوساً فقلت: ليست بمال وأرمي بها في سبيل الله، لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه فأتيته، فقلت: يا رسول الله رجل أهدى إليَّ قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله تعالى قال: إن كنت تحب أن تطوق طوقاً من نار فاقبلها) رواه أبو داود وابن ماجة والبيهقي وصححه الشيخ الألباني (1).
وجاء في رواية أخرى عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها)(2).
2.
وعن عمران بن حصين أنه مرَّ على قارئ يقرأ ثم سأل، فاسترجع ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيجيء أقوام يقرؤون القرآن يسألون به الناس) رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وحسنه الشيخ الألباني (3).
3.
وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ونحن نقترئ فقال: الحمد لله كتاب الله واحد وفيكم الأحمر وفيكم الأبيض وفيكم الأسود
(1) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 9/ 203، سنن ابن ماجة 2/ 730، سنن البيهقي 6/ 125، صحيح سنن أبي داود 2/ 655.
(2)
سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 9/ 205.
(3)
سنن الترمذي مع شرحه التحفة 8/ 189، صحيح سنن الترمذي 3/ 10.
اقرؤه قبل أن يقرأه أقوام يقيمونه كما يقوَّم السهم يتعجل أجره ولا يتأجله) رواه أبو داود ولأحمد نحوه، وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح (1).
وقوله يقيمونه كما يقوم السهم أي يبالغون في القراءة كمال المبالغة لأجل الرياء والسمعة والمباهاة والشهرة (2).
وهذه الأحاديث تدل على أنه لا يجوز أخذ الأجرة على مجرد قراءة القرآن وقد نص أهل العلم على ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وأما الاستئجار لنفس القراءة والإهداء فلا يصح ذلك
…
فلا يجوز إيقاعها إلا على وجه التقرب إلى الله تعالى وإذا فعلت بعروض لم يكن فيها أجر بالاتفاق لأن الله تعالى إنما يقبل من العمل ما أريد به وجهه لا ما فعل لأجل عروض الدنيا
…
وأما إذا كان لا يقرأ إلا لأجل العروض فلا ثواب لهم على ذلك وإذا لم يكن في ذلك ثواب فلا يصل إلى الميت
…
] (3).
ونقل ابن عابدين عن الفتاوى التاترخانية أن دفع الأجرة للقارئ باطل (4).
وذكر ابن عابدين أيضاً عن بعض الحنفية قوله: [يمنع القارئ للدنيا والآخذ والمعطي آثمان](5).
ونقل أيضاً عن بعض الحنفية: [وبالجملة الممنوع بيع الثواب ونية القراءة لأجل المال غير صحيحة بل هو رياء لقصده أخذ العوض في الدنيا.
(1) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 3/ 42، الفتح الرباني 15/ 126، صحيح سنن أبي داود 1/ 157.
(2)
عون المعبود 3/ 42.
(3)
مجموع الفتاوى 24/ 315 - 316.
(4)
رسالة شفاء العليل ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين 1/ 168.
(5)
المصدر السابق 1/ 175.
ثم قال: والحاصل أن ما شاع في زماننا من قراءة الأجزاء بالأجرة لا يجوز لأن فيه الأمر بالقراءة وإعطاء الثواب للآمر والقراءة لأجل المال فإذا لم يكن للقارئ ثواب لعدم النية الصحيحة فأنى يصل الثواب إلى المستأجر ولولا الأجرة ما قرأ أحدٌ لأحدٍ في هذا الزمان بل جعلوا القرآن العظيم مكسباً ووسيلةً إلى جمع الدنيا إنا لله وإنا إليه راجعون
…
] (1).
(1) المصدر السابق 1/ 180.