الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استدل العلماء القائلون بذم البدعة بما يلي:
أولاً: إن الله سبحانه وتعالى قد أكمل هذا الدين قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه وتعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ
دِينًا) (1). فلا يقبل من أي إنسان أن يزيد على الدين أو يخترع فيه شيئاً لأن هذه الزيادة والاختراع تعتبر استدراكاً على الله تبارك وتعالى وتوحي بأن الشريعة ناقصة وبأن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الرسالة تبليغاً كاملاً (2).
قال الإمام مالك بن أنس: [من أحدث في هذه الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خان الرسالة لأن الله يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً (3).
ولأن الزيادة على الشريعة فيها إظهار الاستظهار على الشارع وهو قلة أدب معه لأن شأن العظماء إذا حددوا شيئاً وقف عنده وعدَّ الخروج عنه قلة أدب (4).
ثانياً: قالوا إن الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في البدعة كلها على سبيل الذم، فمن ذلك ما تقدم في حديث جابر قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم. ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين، ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى ويقول: أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) رواه مسلم، وقد مضى.
(1) سورة المائدة الآية 3.
(2)
انظر البدعة والمصالح المرسلة ص 111.
(3)
الاعتصام 2/ 53.
(4)
تهذيب الفروق 4/ 218.
وفي رواية للنسائي: (وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار).
وكذلك ما جاء في حديث العرباض بن سارية وفيه: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر ثم وعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا. فقال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) رواه أبو داود والترمذي وهو حسن صحيح كما سبق.
قالوا إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة) كلية عامة شاملة مسورة بأقوى أدوات الشمول والعموم " كل " والذي نطق بهذه الكلية صلوات الله وسلامه عليه يعلم مدلول هذا اللفظ وهو أفصح الخلق وأنصح الخلق للخلق لا يتلفظ بشيء لا يقصد معناه (1).
قال عبد الله بن عمر: [كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة]
وقد مضى.
وقال الإمام أبو حنيفة: [عليك بالأثر وطريقة السلف وإياك وكل محدثة فإنها بدعة] ذكره ابن قدامة المقدسي في ذم التأويل (2).
(1) انظر الإبداع في كمال الشرع ص 12.
(2)
مجلة الحكمة عدد 11 ص159.
وقال الإمام أحمد: [أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم وترك البدع وكل بدعة فهي ضلالة] ذكره ابن قدامة المقدسي في ذم التأويل (1).
وقال ابن رجب الحنبلي: [قوله صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء وهو أصل عظيم من أصول الدين وهو شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ) فكل من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه](2).
وقال الحافظ ابن حجر بعد قوله صلى الله عليه وسلم: (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) قال: [هذا قاعدة شرعية كلية بمنطوقها ومفهومها، أما منطوقها فكأن يقال، حكم كذا بدعة وكل بدعة ضلالة فلا تكون من الشرع لأن الشرع كله هدى فإن ثبت أن الحكم المذكور بدعة صحت المقدمتان وأنتجتا المطلوب](3).
وأجاب الإمام الشاطبي عندما سئل: [هل كل بدعة حسنت أو قبحت ضلالة لعموم الحديث أم تنقسم على أقسام الشريعة؟ فأجاب: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة محمول عند العلماء على عمومه لا يستثنى منه شيء ألبتة وليس فيها ما هو حسن أصلاً إذ لا حسن إلا ما حسنه الشرع ولا قبيح إلا ما قبحه الشرع فالعقل لا يحسن ولا يقبح وإنما يقول بتحسين العقل وتقبيحه أهل الضلال](4).
(1) المصدر السابق.
(2)
جامع العلوم والحكم ص 336.
(3)
فتح الباري 17/ 11.
(4)
فتاوى الشاطبي ص 180 - 181 نقلاً عن مجلة الحكمة عدد 11 ص 160.
ثالثاً: واحتجوا بما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري ومسلم وقد سبق.
وفي رواية لمسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ) قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: [وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام كما أن حديث " الأعمال بالنيات " ميزان للأعمال في باطنها وهو ميزان للأعمال في ظاهرها فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى فليس لعامله فيه ثواب فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فليس من الدين في شيء](1).
وقال الإمام الشوكاني: (وهذا الحديث من قواعد الدين لأنه يندرج تحته من الأحكام ما لا يأتي عليه الحصر وما أصرحه وأدله على إبطال ما فعله الفقهاء من تقسيم البدع إلى أقسام وتخصيص الرد ببعضها بلا مخصص من عقل ولا نقل فعليك إذا سمعت من يقول هذه بدعة حسنة بالقيام في مقام المنع مسنداً له بهذه الكلية وما يشابهها من نحو قوله صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) طالباً لدليل تخصيص تلك البدعة التي وقع النزاع في شأنها بعد الاتفاق على أنها بدعة فإن جاءك به قبلته وإن كاع - أي جبن وهاب - كنت قد ألقمته حجراً واسترحت من المجادلة. ومن مواطن الاستدلال لهذا الحديث كل فعل أو ترك وقع الاتفاق بينك وبين خصمك على أنه ليس من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالفك في اقتضائه البطلان أو الفساد متمسكاً بما تقرر في الأصول من أنه لا يقتضي ذلك إلا عدم أمر يؤثر عدمه في العدم كالشرط أو وجود أمر يؤثر وجوده في العدم كالمانع فعليك بمنع هذا التخصيص الذي لا دليل عليه إلا
(1) جامع العلوم والحكم ص 81.
مجرد الاصطلاح مسنداً لهذا المنع بما في حديث الباب من العموم المحيط بكل فرد من أفراد الأمور التي ليست من ذلك القبيل قائلاً هذا أمر ليس من أمره وكل أمر ليس من أمره رد فهذا رد وكل رد باطل فهذا باطل فالصلاة مثلاً التي ترك فيها ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعل فيها ما كان يتركه ليست من أمره فتكون باطلة بنفس هذا الدليل سواء كان ذلك الأمر المفعول أو المتروك مانعاً باصطلاح أهل الأصول أو شرطاً أو غيرهما فليكن منك هذا على ذكر] (1).
رابعاً: واحتجوا بما ورد عن السلف في ذم البدعة وأنهم قد فهموا من الأحاديث الواردة في ذم البدعة الإطلاق والعموم كقول ابن عمر:
[كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة] وقد مضى.
وقول ابن مسعود: [اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم] وقد مضى أيضاً.
وقول حذيفة: [كل عبادة لم يتعبد بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تتعبدوها فإن الأول لم يدع للآخر مقالاً فاتقوا الله يا معشر القرآء وخذوا طريق من كان قبلكم] وقد مضى أيضاً.
وقول ابن عباس: [عليك بتقوى الله والاستقامة، اتبع ولا تبتدع] وقد مضى أيضاً وغير ذلك من الآثار.
وبناء على ما تقدم فهؤلاء العلماء يرون أن كل بدعة في الدين ضلالة فلا تنقسم البدعة في الدين إلى حسنة وسيئة بل هي قسم واحد وهي البدعة السيئة وأن البدع لا تكون إلا قبيحة مذمومة.
كما أنهم قد استدلوا بأدلة أخرى يطول المقام بذكرها.
(1) نيل الأوطار 2/ 89.