المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابعلا يجوز إثبات نوع من العباداتلدخوله تحت الدليل العام بل لا بد من دليل خاص - اتباع لا ابتداع - قواعد وأسس في السنة والبدعة

[حسام الدين عفانة]

فهرس الكتاب

- ‌أقوال في الاتباع والابتداع

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌الفصل الأولقواعد وأسس في السنة والبدعة

- ‌المبحث الأولالحث على إتباع السنة والتحذير من البدعةوبيان أسباب الابتداع

- ‌أولاً: الآيات الكريمات التي تأمر بالإتباع وتنهى عن الابتداع:

- ‌ثانياً: الأحاديث النبوية التي تأمر بالاتباع وتنهى عن الابتداع:

- ‌ثالثاً: الآثار الواردة عن السلف في لزوم السنة وذم البدعة:

- ‌المبحث الثانيتعريف البدعة لغة واصطلاحاً

- ‌أولاً: تعريف البدعة لغة:

- ‌ثانياً: تعريف البدعة اصطلاحاً:

- ‌مناهج العلماء في تعريف البدعة:

- ‌المنهج الأول في تعريف البدعة:

- ‌ومن أشهر ما اعتمد هؤلاء العلماء عليه ما يلي:

- ‌المنهج الثاني في تعريف البدعة:

- ‌استدل العلماء القائلون بذم البدعة بما يلي:

- ‌المنهج المختار في تعريف البدعة:

- ‌المبحث الثالثالأصل في العبادة الاتباع

- ‌الأدلة من السنة على هذا الأصل

- ‌الأدلة من آثار الصحابة على هذا الأصل

- ‌المبحث الرابعلا يجوز إثبات نوع من العباداتلدخوله تحت الدليل العام بل لا بد من دليل خاص

- ‌المبحث الخامستقسيم السنة النبوية إلى فعلية وتركيةوأثر الجهل بهذا الأصل في الابتداع

- ‌المبحث السادستقسيم البدعة إلى حقيقية وإضافية

- ‌الأول: البدعة الحقيقية

- ‌الثاني: البدعة الإضافية

- ‌المبحث السابعحكم البدعة

- ‌المبحث الثامنأسباب الابتداع

- ‌المبحث التاسعأسباب انتشار البدع

- ‌الفصل الثانيالبدع المنتشرة بين الناس في المساجد وغيرها

- ‌المبحث الأولالبدع المتعلقة بالأذان

- ‌المسألة الأولى: قراءة القرآن قبل الأذان للصلوات الخمس وقبل الأذان للجمعة:

- ‌المسألة الثانية: الأذان بواسطة شريط مُسجَلٌ عليه الأذان:

- ‌المسألة الثالثة: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان بحيث تكون جزءاً منه:

- ‌المسألة الرابعة: الذكر قبل أذان الفجر وقبل أذان العشاء ليلتي الإثنين والجمعة

- ‌المسألة الخامسة:قراءة سورة الإخلاص

- ‌المبحث الثانيالبدع المتعلقة بالنية

- ‌المسألة الأولى: الجهر بالنية:

- ‌المسألة الثانية: طلب الإمام من المأمومين أن يستحضروا النية:

- ‌المبحث الثالثختم الصلاة الجماعي

- ‌المبحث الرابعبدعة المصافحة بعد الصلاةوقول المصلي للآخر: تقبل الله منا ومنكم

- ‌المبحث الخامسبدع محدثة في دعاء القنوت

- ‌ تقليب اليدين عند الدعاء

- ‌ثانياً: مسح الوجه والبدن في دعاء القنوت:

- ‌المبحث السادسبدع الجمعة

- ‌المسألة الأولى: الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أذان الجمعة:

- ‌المسألة الثانية: نداء المؤذن بين يدي خطيب الجمعة بالحديث النبوي:

- ‌المسألة الثالثة: دعاء المؤذن عند جلوس الخطيب بين الخطبتين:

- ‌المسألة الرابعة: رفع الخطيب يديه عند الدعاء في الخطبة:

- ‌المبحث السابعبدع العيدين

- ‌المسألة الأولى: قول المؤذن عند المناداة لصلاة العيد

- ‌المسألة الثانية: فرقة التكبير وما تقوم به من أمور مبتدعة:

- ‌المبحث الثامنبدع الجنائز

- ‌المسألة الأولى: رفع الصوت بالذكر أثناء تشييع الجنازة:

- ‌المسألة الثانية: بدعة التلقين بعد الدفن:

- ‌المسألة الثالثة: قراءة الختمة للأموات:

- ‌المسألة الرابعة: إحياء ذكرى الأربعين:

- ‌المسألة الخامسة: بدعة التأبين:

- ‌المسألة السادسة: وضع جريد النخيل والزهور والورود على القبور:

- ‌المسألة السابعة: زيارة القبور يومي العيدي:

- ‌المسألة الثامنةُ: قراءة القرآن على القبور:

- ‌المبحث التاسعبدعة الاحتفال بموسم النبي موسى عليه السلام

- ‌ وصف الاحتفال

- ‌أولاً: أين دفن موسى عليه السلام

- ‌ثانياً: شد الرحال إلى القبور والمقامات:

- ‌ثالثاً: متى حدث الاحتفال بموسم النبي موسى:

- ‌المبحث العاشرالبدع المتعلقة بالمسجد الأقصى

- ‌المسألة الأولى: بدعة تسمية المسجد الأقصى حرماً:

- ‌المسألة الثانية: بدع الصوفية في المسجد الأقصى والأناشيد الدينية والفرق المنشدة:

- ‌المسألة الثالثة: بدعة الطواف بمسجد قبة الصخرة:

- ‌المسألة الرابعة: بدعة التمسح بالصخرة:

- ‌خرافات متعلقة بالصخرة

- ‌المبحث الحادي عشربدعة الاحتفال بالمولد النبوي

- ‌الأدلة على بدعيته

- ‌المبحث الثاني عشربدعة الاحتفال بعيد الميلاد

- ‌المبحث الثالث عشربدعة الاحتفال بالإسراء والمعراج

- ‌المبحث الرابع عشربدعة الاحتفال بالهجرة

- ‌الأدلة على عدم شرعيته

- ‌المبحث الخامس عشربدع موسمية أخرى

- ‌المبحث السادس عشرالبدع المتعلقة بقراءة القرآن الكريم

- ‌المسألة الأولى: ما يتعلق بسورة الفاتحة:

- ‌قائمة المصادر

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌المبحث الرابعلا يجوز إثبات نوع من العباداتلدخوله تحت الدليل العام بل لا بد من دليل خاص

‌المبحث الرابع

لا يجوز إثبات نوع من العبادات

لدخوله تحت الدليل العام بل لا بد من دليل خاص

وهذه مسألة مهمة ينبغي التنبيه عليها لأن كثيراً من المبتدعين يزعمون أن الدليل العام يؤيد بدعتهم فمثلاً يقولون إن تلاوة القرآن في المآتم " الختمة " تدخل تحت الأدلة العامة التي تحض على قراءة القرآن الكريم. ويقولون مثلاً إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان - كما يفعله كثير من المؤذنين بحيث أنهم يجعلونها جزءاً من الأذان - مشروعة لأنها داخله تحت عموم قوله تعالى: (يا أيُها الذَينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)(1)

والجواب على هذه المقولة إنه لا بد من دليل خاص للعبادات حتى تكون صحيحة وموافقة لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكفي الاستدلال بعموم الأدلة وكونها داخلة في هذا العموم فمثلاً لو قال شخص عندما رأى المصلين في المسجد يصلون سنة الفجر أشتاتاً في أنحاء المسجد فقال: يا جماعة هلا اجتمعتم وصلينا سنة الفجر في جماعة لأنه صح في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يد الله على الجماعة)، أو لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

(صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بخمس أو سبع وعشرين درجة).

فاستدلال هذا الرجل بالأدلة العامة لا يقبل ولا يصح ولا يجوز أن تدخل سنة الفجر في هذه العمومات ولو لم يثبت لدينا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لا تصلوا سنة الفجر في جماعة. حيث لا يوجد لدينا حديث بهذا المعنى، فصلاة سنة الفجر في جماعة

(1) سورة الأحزاب الآية 56.

ص: 54

بدعة وإن كان الشرع قد حث على الجماعة وعلى صلاة الجماعة وأن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد (1).

فقد يكون الفعل طاعة وعبادة في وقت ولا يكون كذلك في وقت آخر قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: [وليس ما كان قربة في عبادة يكون قربة في غيرها مطلقاً. فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم: (رجلاً قائماً في الشمس فسأل عنه، فقيل: إنه نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل وأن يصوم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقعد ويستظل وأن يتم صومه) فلم يجعل قيامه وبروزه في الشمس قربة يوفى بنذرهما وقد روى أن ذلك كان في يوم جمعة عند سماع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر فنذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ما دام النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إعظاماً لسماع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قربة يوفى بنذره مع أن القيام عبادة في مواضع أخرى كالصلاة والأذان والدعاء بعرفة والبروز للشمس قربة للمحرم فدل على أنه ليس كل ما كان قربة في موطن يكون قربة في كل المواطن وإنما يتبع في ذلك كله ما وردت به الشريعة في مواضعها وكذلك من تقرب بعبادة نهى عنها بخصوصها كمن صام يوم العيد أو صلى وقت النهي](2).

وقال الحافظ المقدسي - أبو شامة -: [وأما القسم الثاني: الذي يظنه معظم الناس طاعة وقربة إلى الله تعالى وهو بخلاف ذلك أو تركه أفضل من فعله فهذا الذي وضعت هذا الكتاب لأجله وهو ما قد أمر الشرع به في صورة من الصور في زمان مخصوص أو مكان معين كالصوم بالنهار والطواف بالكعبة أو أمر به شخص دون غيره كالذي اختص به النبي صلى الله عليه وسلم من المباحات والتخفيفات فيقيس الجاهل نفسه عليه فيفعله وهو منهي عن ذلك ويقيس الصور بعضها على بعض ولا يفرق بين الأزمنة والأمكنة ويقع ذلك من بعضهم بسبب الحرص على الآثار من إيقاع العبادات والقرب والطاعات

(1) انظر فتاوى الألباني ص 49 - 50.

(2)

جامع العلوم والحكم ص 82 - 83.

ص: 55

فيحملهم ذلك الحرص على فعلها في أوقات وأماكن نهاهم الشرع عن إيجاد تلك الطاعات فيها.

ومنها ما هو محرم ومنها ما هو مكروه ويورطهم الجهل وتزيين الشيطان في أن يقولوا هذه طاعات قد ثبتت في غير هذه الأوقات فنحن نفعلها أبداً فإن الله تعالى لا يعاقبنا على طاعة قد أمرنا بها وحثنا عليها وندبنا إلى الاستكثار منها وهذا مثل صلواتهم في الأوقات المكروهة للصلاة وهي خمسة أوقات أو ستة معلومة عند الفقهاء. ثبت نهي الشرع عن الصلاة فيها وكصومهم في الأيام المنهي عن الصوم فيها كصوم يومي العيد ويوم الشك وأيام منى التشريق وكوصالهم في الصيام الذي هو من خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم وقد اشتد نكيره صلى الله عليه وسلم على من تعاطى ذلك فهؤلاء وأمثالهم متقربون إلى الله تعالى بما لم يشرعه بل نهى عنه: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ).

وما أحسن ما قال ولي الله أبو سليمان الداراني رحمه الله تعالى: ليس لمن ألهم شيئاً من الخير أن يعمل به حتى يسمعه من الأثر فإذا سمعه من الأثر عمل به وحمد الله تعالى حين وافق ما في قلبه. وقال أيضاً رحمه الله: ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياماً فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنة.

وقال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في كتاب " الإحياء ": من توجه عليه رد وديعة في الحال فقام وتحرم بالصلاة التي هي أقرب القربات إلى الله تعالى عصى به فلا يكفي في كون الشخص مطيعاً كون فعله من جنس الطاعات ما لم يراع فيه الوقت والشرط والترتيب واغتر بعض الجهال المتعلمين منهم بقوله تعالى: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ). وظن أن هذا يقتضي عموم السجود في جميع الأوقات وان كل سجود على الإطلاق يحصل به القرب من الله تعالى وهو قرب الكرامة واعتضد بما جاء قبل ذلك من التعجيب والإنكار في قوله تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى) وغفل عن

ص: 56

أن السجود المقرب إلى الله تعالى هو السجود المأذون فيه وهو المشروع لا كل سجود من حيث الصورة.

والإنكار في الآية وقع على من نهى عن الصلاة المأذون فيها وهي المشروعة فتلك لا ينبغي لأحد أن ينهى عنها أما إذا صلى العبد صلاة قد علمنا نهي الشارع عنها فإنه يجب على كل أحد علم به نهيه عنها فإن الشارع هو الذي نهاه وقد ثبت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس) أخرجاه في الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

وقال عقبة بن عامر: (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيّف الشمس للغروب حتى تغرب) أخرجه مسلم.

وفيه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) زاد بعض الرواة -وليس في كتاب مسلم- (قيل: يا رسول الله: ولا ركعتي الفجر، قال: ولا ركعتي الفجر).

وفي رواية أن رجلاً قال: (يا رسول الله! أي من ساعات الليل والنهار تأمرني أن لا أصلي فيها؟ فقال: نعم إذا صليت الصبح فأقصر عن الصلاة

) الحديث، وهو في السنن الكبير.

وفيه وفي سنن أبي داود عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال).

وفي صحيح البخاري وغيره أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان: (ينهى عن الركعتين بعد العصر ويضرب الناس عليهما! وقال ابن عباس: كنت أضرب الناس مع ابن الخطاب رضي الله عنهما عليهما).

ص: 57

وقال أيضاً: (كنت أصلي وأخذ المؤذن في الإقامة فجذبني النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أتصلي الصبح أربع).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه رأى رجلاً يصلي بعد الجمعة ركعتين في مقامه فدفعه). وفي رواية: (أنه أبصر رجلاً يصلي ركعتين في مقامه فدفعه).

وفي رواية: (أنه أبصر رجلاً يصلي الركعتين والمؤذن يقيم فحصبه وقال: أتصلي الصبح أربعاً) أخرجهن البيهقي في السنن الكبير.

وقد جاء في الصحيح هذا اللفظ مرفوعاً من حديث عبد الله بن مالك بن بجينة.

قال البيهقي: روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان إذا رأى رجلاً يصلي وهو يسمع الإقامة ضربه.

قلت: أيجوز لمسلم أن يسمع هذه الأحاديث والآثار ثم يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الناس عن الصلاة من حيث هي صلاة وإن عمر وابن عباس رضي الله عنهما داخلان تحت قوله: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى) وأن يقال لهما جواباً عن نهيهما: (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) فكذلك كل من نهى عما نهى الشرع عنه لا يقال له ذلك ولا يستحسنه من قائله ويسطره متبجحاً به إلا جاهل محرف لكتاب الله تعالى مبدل لكلامه قد سلبه الله تعالى لذة فهم مراده من وحيه وإن كان هذا من أوضح المواضع فكيف مما يدق معانيه وتلطف إشاراته!! ورده على الناهي عن ذلك ممتثلاً بقوله تعالى: (كَلَّا لَا تُطِعْهُ) يتضمن الرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه هو الذي نهى وأمرنا بإنكار المنكر والله حسيب من افترى.

اللهم اجعلنا ممن يدخل في عموم ما روي عن رسولك صلى الله عليه وسلم مرسلاً ومرفوعاً من حديث أبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وغيرهما: (يحمل هذا

ص: 58

العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)] (1).

ونقل السيوطي كلام أبي شامة المقدسي في كتابه الأمر بالاتباع وأقره عليه (2).

وقال الحافظ تقي الدين بن دقيق العيد: [وقد اختلفت الأحاديث في أعداد ركعات الرواتب فعلاً وقولاً، واختلفت مذاهب الفقهاء في الاختيار لتلك الأعداد والرواتب، والمروي عن مالك: أنه لا توقيت في ذلك. قال ابن القاسم صاحبه: وإنما يوقت في هذا أهل العراق.

والحق - والله أعلم - في هذا الباب - أعني ما ورد فيه أحاديث بالنسبة إلى التطوعات والنوافل المرسلة - أن كل حديث صحيح دل على استحباب عدد من هذه الأعداد أو هيئة من الهيئات أو نافلة من النوافل: يعمل به في استحبابه. ثم تختلف مراتب ذلك المستحب. فما كان الدليل دالاً على تأكده - إما بملازمته فعلاً أو بكثرة فعله وإما بقوة دلالة اللفظ على تأكد حكمه وإما بمعاضدة حديث آخر له أو أحاديث فيه - تعلو مرتبته في الاستحباب. وما يقصر عن ذلك كان بعده في المرتبة. وما ورد فيه حديث لا ينتهي إلى الصحة فإذا كان حسناً عمل به إن لم يعارضه صحيح أقوى منه، وكانت مرتبته ناقصة عن هذه المرتبة الثانية أعني الصحيح الذي لم يدم عليه أو لم يؤكد اللفظ في طلبه. وما كان ضعيفاً لا يدخل في حيز الموضوع فإن أحدث شعاراً في الدين: منع منه. وإن لم يحدث فهو محل نظر يحتمل أن يقال: إنه مستحب لدخوله تحت العمومات المقتضية لفعل الخير واستحباب الصلاة ويحتمل أن يقال: إن هذه الخصوصيات بالوقت أو بالحال والهيئة والفعل

(1) الباعث ص 38 - 43.

(2)

الأمر بالإتباع ص 153 - 166.

ص: 59

المخصوص: يحتاج إلى دليل خاص يقتضي استحبابه بخصوصه وهذا أقرب والله أعلم.

وهاهنا تنبيهات:

الأولى: أنا حيث قلنا في الحديث الضعيف: إنه يحتمل أن يعمل به لدخوله تحت العمومات فشرطه: أن لا يقوم دليل على المنع منه أخص من تلك العمومات مثاله: الصلاة المذكورة في أول ليلة جمعة من رجب: لم يصح فيه الحديث ولا حسن فمن أراد فعلها - إدراجاً لها تحت العمومات الدالة على فضل الصلاة والتسبيحات - لم يستقم لأنه قد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام) وهذا أخص من العموميات الدالة على فضيلة مطلق الصلاة.

الثاني: أن هذا الاحتمال الذي قلناه - من جواز إدراجه تحت العمومات - نريد به في الفعل لا في الحكم باستحباب ذلك الشيء المخصوص بهيئته الخاصة، لأن الحكم باستحبابه على تلك الهيئة الخاصة: يحتاج دليلاً شرعياً عليه ولا بد، بخلاف ما إذا فعل بناء على أنه من جملة الخيرات التي لا تختص بذلك الوقت ولا بتلك الهيئة. فهذا هو الذي قلنا باحتماله.

الثالث: قد منعنا إحداث ما هو شعار في الدين. ومثاله: ما أحدثته الروافض من عيد ثالث سموه عيد الغدير. وكذلك الاجتماع وإقامة شعاره في وقت مخصوص على شيء مخصوص لم يثبت شرعاً وقريب من ذلك: أن تكون العبادة من جهة الشرع مرتبة وجه مخصوص فيريد بعض الناس: أن يحدث فيها أمراً آخر لم يرد به الشرع زاعماً أنه يدرجه تحت عموم. فهذا لا يستقيم. لأن الغالب على العبادات التعبد ومأخذها التوقيف. وهذه الصورة: حيث لا يدل دليل على كراهة ذلك المحدث أو منعه. فأما إذا دل فهو أقوى في المنع وأظهر من الأول. ولعل مثال ذلك، ما ورد في رفع اليدين في القنوت فإنه قد صح رفع اليد في الدعاء مطلقاً فقال بعض الفقهاء:

ص: 60

يرفع اليد في القنوت لأنه دعاء. فيندرج تحت الدليل المقتضي لاستحباب رفع اليد في الدعاء وقال غيره: يكره لأن الغالب على هيئة العبادة التعبد والتوقيف. والصلاة تصان عن زيادة عمل غير مشروع فيها فإذا لم يثبت الحديث في رفع اليد في القنوت: كان الدليل الدال على صيانة الصلاة عن العمل الذي لم يشرع: أخص من الدليل الدال على رفع اليد في الدعاء.

والتباين في هذا يرجع إلى الحرف الذي ذكرناه وهو إدراج الشيء المخصوص تحت العمومات أو طلب دليل خاص على ذلك الشيء الخاص. وميل المالكية إلى هذا الثاني. وقد ورد عن السلف الصالح ما يؤيده في مواضع ألا ترى أن ابن عمر رضي الله عنهما قال في صلاة الضحى:

(إنها بدعة) لأنه لم يثبت عنده فيها دليل. ولم ير إدراجها تحت عمومات الصلاة لتخصيصها بالوقت المخصوص. وكذلك قال في القنوت الذي كان يفعله الناس في عصره: (إنه بدعة) ولم ير إدراجه تحت عمومات الدعاء. وكذلك ما روى الترمذي من قول عبد الله بن مغفل لابنه في الجهر بالبسلمة: (إياك والحدث) ولم ير إدراجه تحت دليل عام وكذلك ما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه فيما أخرجه الطبراني في معجمه بسنده عن قيس بن أبي حازم، قال:(ذكر لابن مسعود قاص يجلس بالليل ويقول للناس: قولوا كذا وقولوا كذا، فقال: إذا رأيتموه فأخبروني. قال: فأخبروه. فأتاه ابن مسعود متقنعاً. فقال: من عرفني فقد عرفني. ومن لم يعرفني فأنا عبد الله بن مسعود. تعلمون أنكم لأهدى من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعني أو إنكم لمتعلقون بذنب ضلالة) وفي رواية: (لقد جئتم ببدعة ظلماء أو لقد فضلتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علماً)، فهذا ابن مسعود أنكر هذا الفعل مع إمكان

ص: 61

إدراجه تحت عموم فضيلة الذكر على أن ما حكيناه في القنوت والجهر بالبسملة من باب الزيادة في العبادات] (1).

(1) إحكام الإحكام 1/ 199 - 202.

ص: 62