الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً: مسح الوجه والبدن في دعاء القنوت:
إن مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من دعاء القنوت أمر مشهور بين عامة الناس ولكن هذا الأمر مع شهرته وانتشاره وعمل كثير من الناس به لا سند له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن السلف الصالح رضي الله عنهم وإن قال به بعض الفقهاء.
قال الإمام النووي رحمه الله عند حديثه عن هذه المسألة إن فيها وجهين: الأول أنه يستحب وذكر جماعة من الفقهاء الذين قالوا بذلك ثم قال النووي: والثاني لا يمسح وهذا هو الصحيح صححه البيهقي والرافعي وآخرون من المحققين (1).
ثم ذكر كلام البيهقي التالي وأنقله من سننه رحمه الله حيث قال: [فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظ عن أحد من السلف في دعاء القنوت وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ضعيف وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة.
وأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت ولا قياس، فالأولى أن لا يفعله ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة وبالله التوفيق] (2).
وأقول جزى الله أئمتنا وعلماءنا خيراً فإنهم وقَّافون عند موارد النصوص فإن الخير كل الخير في الاتباع وإن الشر كل الشر في الابتداع.
وأما الحديث الذي أشار إليه البيهقي فهو ما رواه أبو داود في سننه بسنده عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم) قال أبو داود
(1) المجموع 3/ 501، وانظر روضة الطالبين 1/ 360.
(2)
السنن الكبرى 2/ 212.
روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضاً (1).
وقد علق الشيخ الألباني على هذه الرواية: (فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم) فقال: [وعلى ذلك فهذه الزيادة منكرةٌ ولم أجد لها حتى الآن شاهداً
…
] ثم قال: [
…
لا يصلح شاهداً للزيادة حديث ابن عمر مرفوعاً: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه) لأن فيه متهماً بالوضع - أي الكذب - وقال أبو زرعة: حديثٌ منكرٌ أخاف أن لا يكون له أصل] (2).
وروى البيهقي بسنده عن علي الباشاني قال: سألت عبد الله بن المبارك عن الذي إذا دعا مسح وجهه، قال: لم أجد له ثبتاً أي مستنداً (3).
[وسئل الإمام مالك عن الرجل يمسح بكفيه وجهه عند الدعاء، فأنكر ذلك وقال: ما علمت](4).
وقال المروزي: [وأما أحمد بن حنبل، فحدثني أبو داود قال: سمعت أحمد وسئل عن الرجل يمسح وجهه بيديه إذا فرغ من الوتر، فقال: لم أسمع فيه بشيء. ورأيت أحمد لا يفعله](5).
وأجاب شيخ الإسلام ابن تيمية عن سؤال حول مسح الوجه عند الدعاء فقال: [وأما رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه في الدعاء فقد جاء فيه أحاديث كثيرة صحيحة. وأما مسح وجهه بيديه فليس عنه فيه إلا حديث أو حديثان لا يقوم بهما حجة](6).
(1) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 4/ 251.
(2)
السلسلة الصحيحة 2/ 146.
(3)
السنن الكبرى 2/ 212.
(4)
كتاب الوتر للمروزي ص 236 نقلاً عن الأجزاء الحديثية ص 83.
(5)
كتاب الوتر ص 236، نقلاً عن الأجزاء الحديثية ص 84.
(6)
مجموع الفتاوى 22/ 519.
وقال العز بن عبد السلام: [ولا يمسح وجهه بيديه عقب الدعاء إلا جاهل](1).
وأما مسح غير الوجه بعد الدعاء كالصدر فلم يؤثر فيه شيء من حديث أو أثر كما قال د. بكر أبو زيد فقد حقق مسألة مسح الوجه وما يتعلق بها تحقيقاً موسعاً وأجاد فيه وأفاد (2).
وقال الإمام النووي: [قلت: لا يستحب مسح غير وجهه قطعاً، بل نص جماعة على كراهته](3).
(1) فتاوى العز بن عبد السلام ص392.
(2)
الأجزاء الحديثية ص 43 - 103.
(3)
روضة الطالبين 1/ 360، وانظر الفتح الرباني 3/ 316.