الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن
بدع الجنائز
تشييع الجنازة واتباعها وحضور دفنها من السنن الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فقد ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (حق المسلم على المسلم خمس، ردُّ السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس) رواه البخاري ومسلم (1)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله).
ويقول: (والذي نفسي بيده ما توادَّ اثنان فيفرَّق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما).
وكان يقول: (للمسلم على المسلم ست يشمته إذا عطس ويعوده إذا مرض وينصحه إذا غاب أو شهد ويسلّم عليه إذا لقيه ويجيبه إذا دعاه ويتبعه إذا مات) رواه أحمد بإسناد حسن كما قال الشيخ الألباني (2)
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة، من عاد مريضاً وشهد جنازة وصام يوماً وراح إلى الجمعة وأعتق رقبة) رواه ابن حبان وقال الشيخ الألباني صحيح (3)
(1) صحيح البخاري مع الفتح 3/ 356، صحيح مسلم بشرح النووي 5/ 319 - 320.
(2)
صحيح الترغيب والترهيب 3/ 369.
(3)
صحيح الترغيب والترهيب 3/ 369.
وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه كان قاعداً عند ابن عمر إذ طلع خباب صاحب المقصورة فقال: يا عبد الله بن عمر ألا تسمع ما يقول أبو هريرة؟ يقول: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها واتبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر كل قيراط مثل أحد ومن صلَّى عليها ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد).فأرسل ابن عمر خباباً إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره بما قالت وأخذ ابن عمر قبضة من حصى المسجد يقلبها في يده حتى رجع إليه الرسول فقال: قالت عائشة صدق أبو هريرة فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يديه الأرض ثم قال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة). رواه مسلم (1).
وعن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى على جنازة فله قيراط وإن شهد دفنها فله قيراطان، القيراط مثل أحد) رواه مسلم (2).
وجاء في الحديث أيضاً عن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان قيل: وما القيراطان، قال: مثل الجبلين العظيمين) رواه البخاري ومسلم (3).
وينبغي للمسلم الذي يحضر الجنازة عند تشييعها ودفنها، أن يستذكر مصيبة الموت وأن يتعظ ويتفكر في هذا الميت، وأن حال هذا المشيع سيصير إلى مثل ما صار إليه الميت، وهذا التذكر يدفع الإنسان إلى محاسبة النفس والنظر والتفكر في أحواله، فإن كان محسناً ازداد إحساناً وإن كان مسيئاً رجع وثاب إلى الرشد، وهذا التفكر والاتعاظ مقصود من حضور الجنائز فقد ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 3/ 16 - 17.
(2)
صحيح مسلم بشرح النووي 3/ 16 - 17.
(3)
صحيح البخاري مع الفتح 3/ 440 - 441، صحيح مسلم بشرح النووي 3/ 14 - 15.
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عودوا المرضى واتبعوا الجنائز تذكّركم الآخرة) رواه أحمد وابن حبان وصححه وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار ورجاله ثقات (1) 1)، وقال الشيخ الألباني: إسناده حسن (2).
وقد روي في الحديث: (أنه عليه الصلاة والسلام، كان إذا اتبع جنازة أكثر الصمت، ورؤي عليه الكآبة وأكثر حديث النفس) رواه وكيع في الزهد وابن المبارك في الزهد أيضاً والطبراني وذكره السيوطي (3)، وله شاهد صحيح. فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:(خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فانتهينا إلى القبر فجلس كأن على رؤوسنا الطير) رواه ابن ماجة، وقال الشيخ الألباني: صحيح (4)
وقال الفضيل بن عياض: [كانوا إذا اجتمعوا في جنازة يعرف فيهم ثلاثة أيام]. ورأى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رجلاً يضحك في جنازة فقال:
[أتضحك مع الجنازة! لا أكلمك أبداً].
وكره العلماء أن يتكلم أحد في الجنازة ولا بقول القائل: استغفروا لأخيكم، فقد سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رجلاً في جنازة يصيح ويقول: استغفروا لأخيكم، فقال ابن عمر: لا غفر الله لك.
وسُئل سفيان بن عيينة عن السكوت في الجنازة وماذا يجيء به؟ قال:
[تذكر به حال يوم القيامة، ثم تلا قوله تعالى: (وَخَشَعَتْ الأصوات لِلرَّحْمَنِ فلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا)](5).
(1) الفتح الرباني 19/ 162، صحيح ابن حبان 7/ 221، مجمع الزوائد 3/ 29.
(2)
أحكام الجنائز ص 67.
(3)
الزهد لابن المبارك ص 82، مجمع الزوائد 3/ 29، الأمر بالإتباع ص 252.
(4)
انظر صحيح سنن ابن ماجة 1/ 259، وانظر المشكاة 15/ 537.
(5)
سورة طه الآية 108.
وقال قتادة: [بلغنا أن أبا الدرداء رضي الله عنه نظر إلى رجل يضحك في جنازة فقال له: أما كان فيما رأيت من هول الموت ما يُشغلك عن الضحك].
وكان مطرف يلقى الرجل من خاصة أهله في الجنازة فعسى أن يكون غائبا فما يزيده على السلام ثم يعرض عنه اشتغالاً بما هو فيه.
ذكر هذه الآثار السيوطي (1) ثم قال: [فهذا خوف هؤلاء السادات من الموت فأما اليوم فغالب من تراه يشهد الجنازة يلهون ويضحكون، وما يتكلمون إلا في ميراثه وما خلفه لورثته](2).
وقال الإمام النووي رحمه الله: [يستحب له - أي الماشي مع الجنازة - أن يكون مشتغلاً بذكر الله تعالى والفكر فيما يلقاه وما يكون مصيره وحاصل ما كان فيه، وأن هذا آخر الدنيا ومصير أهلها، وليحذر كل الحذر من الحديث بما لا فائدة فيه، فإن هذا وقت فكر وذكر يقبح فيه الغفلة واللهو والاشتغال بالحديث الفارغ، فإن الكلام بما لا فائدة فيه منهيٌ عنه في جميع الأحوال فكيف هذا الحال.
واعلم أن الصواب المختار ما كان عليه السلف رضوان الله عليهم السكوت في حال السير مع الجنازة، فلا يرفع صوتاً بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك، والحكمة فيه ظاهرة وهي أنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة وهو المطلوب في هذا الحال، فهذا هو الحق ولا تغترنّ بكثرة من يخالفه، فقد قال أبو علي الفضيل بن عياض رضي الله عنه ما معناه: الزم طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين] (3).
(1) الأمر بالإتباع ص253 - 255.
(2)
الأمر بالإتباع ص 255.
(3)
الأذكار ص 136 وانظر يسألونك 3/ 41 - 43.