الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية: بدع الصوفية في المسجد الأقصى والأناشيد الدينية والفرق المنشدة:
اعتادت بعض فرق الصوفية القدوم إلى المسجد الأقصى بجماعات كثيرة العدد وهم يعلقون مسابح كبيرة الحجم في رقابهم ويعقدون ما يسمونه مجالس ذكر أو مديح للرسول صلى الله عليه وسلم وبعض هؤلاء يستعملون الدفوف في إنشادهم داخل المسجد الأقصى.
كما وأن بعض فرق الإنشاد والتي يسمونها زوراً وبهتاناً - فرق الإنشاد الديني - ينشدون أناشيدهم باستعمال الدفوف مع رفع الأصوات ويردد عوام المصلين معهم ويتحول المسجد الأقصى إلى ما يشبه جوقة غنائية كبيرة.
وهذه المظاهر تشاهد في المسجد الأقصى عند عقد الاحتفالات التي يسمونها دينية كما في احتفالهم بالإسراء والمعراج والمولد النبوي وذكرى الهجرة وغيرها.
وهذه الأمور كلها من البدع المخالفة لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ولما كان عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأولي العلم والتحقيق.
وتظهر معالم هذه البدع فيما يلي:
أولاً: أنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اتخذ سبحة فضلاً أن يجعلها في رقبته ولا ثبت هذا التعليق عن الصحابة ولا عن التابعين وإنما تعليق السبحات في الأعناق من المبتدعات ومن التشبه برجال الدين من الملل الأخرى.
قال الشيخ علي محفوظ: [ومن بدعهم - أي الصوفية - وضع السبحة في العنق أو اليد بدون الذكر فهو من فعل المرائين الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ويعرفوا من طريق الوهم والتضليل والطريق إلى الله عز وجل هي متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما سوى ذلك ضلال نعوذ بالله منه](1).
ثانياً: إن هذا الإنشاد الديني كما يسمونه لا يجوز فعله في المساجد لأن المساجد لها آدابها وأحكامها التي يجب المحافظة عليها.
قال السيوطي: [ومن ذلك - أي من البدع - الرقص والغناء في المساجد وضرب الدف أو الرباب أو غير ذلك من آلات الطرب فمن فعل ذلك في المسجد فهو مبتدع ضال مستحق للطرد والضرب لأنه استخف بما أمر الله بتعظيمه.
قال الله تعالى: (في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ) أي تعظم (وَيُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ) أي يتلى فيها كتابه وبيوت الله هي المساجد قد أمر الله بتعظيمها وصيانتها عن الأقذار والأوساخ
…
والغناء والرقص فمن غنى أو رقص فهو مبتدع ضال مضل مستحق للعقوبة] (2).
وإذا كان رفع الصوت بقراءة القرآن منهي عنه في المسجد فما بالك بهذه الأناشيد التي ترافقها الدفوف وما بالك بفعلها قبل صلاة الجمعة بمناسبة الاحتفالات التي يسمونها
(1) الإبداع ص 324، وانظر السنن والمبتدعات ص 256، السلسلة الضعيفة 1/ 117.
(2)
الأمر بالإتباع ص 275.
دينية، حيث يكون المسجد ممتلئاً بالمسلمين الذين ينتظرون صلاة الجمعة فيشوش هؤلاء المنشدون على عباد الله.
قال الشيخ علي محفوظ: [ومنها إقامة حلقات الذكر المحرف في المساجد أيام المولد مع ارتفاع أصوات المنشدين مع التصفيق الحاد من رئيس الذاكرين (بل الراقصين) وقد يضربون على البازة أو السلامية أثناء الذكر وفي المسجد وكل ذلك غير مشروع بإجماع العلماء ولم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم من الصحابة والتابعين ولا عهد الأئمة الأربعة المجتهدين رضي الله عنهم أجمعين](1).
كما أن في هذا الإنشاد تشبهاً بالنصارى الذين يفعلون شبهه في كنائسهم.
ثم إن هذا الإنشاد الديني ليس له أصل صحيح يعتمد عليه فليس من جملة القرب الشرعية.
وقد سئل العز بن عبد السلام عن مثل ذلك: [ما يقول سيدنا في جماعة من أهل الخير والصلاح والورع يجتمعون في وقت فينشد لهم منشد أبياتاً في المحبة وغيرها، فمنهم من يتواجد فيرقص ومنهم من يصيح ويبكي ومنهم من يغشاه شبه الغيبة عن إحساسه فهل يكره لهم هذا العمل أم لا؟ فأجاب:
الرقص بدعة لا يتعاطاه إلا ناقص العقل ولا يصلح إلا للنساء] (2).
ونص الفقهاء على أنه لا يجوز شغل المساجد بالغناء والرقص (3).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ومن أعظم ما يقوي الأحوال الشيطانية سماع الغناء والملاهي وهو سماع المشركين قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً
(1) الإبداع ص 253 - 254.
(2)
فتاوى العز بن عبد السلام ص 318 - 319.
(3)
مجموع الفتاوى 4/ 16.
وَتَصْدِيَةً) قال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم وغيرهما من السلف " التصدية " التصفيق باليد والمكاء مثل الصفير فكان المشركون يتخذون هذا عبادة وأما النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فعبادتهم ما أمر الله به من الصلاة والقراءة والذكر ونحو ذلك، والاجتماعات الشرعية ولم يجتمع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على استماع غناء قط لا بكف ولا بدف ولا تواجد ولا سقطت بردته بل كل ذلك كذب باتفاق أهل العلم بحديثه.
وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحداً منهم أن يقرأ والباقون يستمعون وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأبي موسى الأشعري: ذكرنا ربنا فيقرأ وهم يستمعون ومرًّ النبي صلى الله عليه وسلم بأبي موسى الأشعري وهو يقرأ فقال له: (مررت بك البارحة وأنت تقرأ فجعلت أستمع لقراءتك فقال: لو علمت أنك تستمع لحبرته لك تحبيراً) أي لحسنته لك تحسيناً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (زينوا القرآن بأصواتكم) وقال صلى الله عليه وسلم: (لله أشهد أذناً أي استماعاً إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته) وقال صلى الله عليه وسلم لابن مسعود: (اقرأ عليَّ القرآن فقال: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ فقال: إني أحب أن أسمعه من غيري فقرأت عليه سورة النساء حتى انتهيت إلى هذه الآية: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا) قال: حسبك فإذا عيناه تذرفان من البكاء.
ومثل هذا السماع هو سماع النبيين وأتباعهم كما ذكره الله في القرآن فقال: (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْءَايَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) وقال في أهل المعرفة: (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ) ومدح سبحانه أهل هذا السماع بما يحصل لهم من زيادة الإيمان واقشعرار الجلد ودمع العين فقال تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ
مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) وقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ).
وأما السماع المحدث سماع الكف والدف والقصب فلم تكن الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر الأكابر من أئمة الدين يجعلون هذا طريقاً إلى الله تبارك وتعالى ولا يعدونه من القرب والطاعات بل يعدونه من البدع المذمومة حتى قال الشافعي: خلفت ببغداد شيئاً أحدثته الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن وأولياء الله العارفون يعرفون ذلك، ويعلمون أن للشيطان فيه نصيباً وافراً ولهذا تاب منه خيار من حضره منهم] (1).
(1) مجموع الفتاوى 11/ 295 - 298.