الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السابعة: زيارة القبور يومي العيدي:
جرت عادة كثير من الناس زيارة القبور يومي العيد ويكون ذلك بعد انتهاء صلاة العيد فيخرجون من المساجد - حيث إنهم يصلون العيد في المساجد والسنة أن تصلى في مصلى العيد وهو غير المسجد - فيذهبون إلى المقابر لزيارتها رجالاً ونساءً ويحملون معهم الحلويات والقهوة والشاي والزهور والورود ويضعون جريد النخل على القبور ويختلط الرجال بالنساء وتنتهك الحرمات ويهان الأموات بالجلوس على القبور وكل ذلك على خلاف السنة النبوية وبيان ذلك فيما يلي:
إن الأصل في زيارة القبور أنها سنة مشروعة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد ثبت في الحديث عن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) رواه مسلم (1).
وفي رواية لأبي داود: (نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن في زيارتها تذكرة) قال الشيخ الألباني: صحيح (2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (زوروا القبور فإنها تذكر الموت) رواه مسلم (3)، وغير ذلك من الأحاديث.
فزيارة القبور سنة ثابتة ولكن الشارع الحكيم لم يخصص زماناً معيناً لزيارتها فتخصيص يومي العيد لزيارتها بدعة مكروهة لأنه تخصيص للعبادة بوقت معين بدون دليل شرعي. وقد تكون حراماً إذا رافقتها الأمور المنكرة التي تقع في أيامنا هذه من خروج النساء متبرجات واختلاطهن بالرجال ويضاف إلى ذلك انتهاك حرمات الأموات من الجلوس على القبور ووطئها بالأقدام.
(1) صحيح مسلم مع رشح النووي 3/ 40.
(2)
سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 9/ 41، صحيح سنن أبي داود 2/ 623.
(3)
صحيح مسلم مع شرح النووي 3/ 40.
قال ابن الحاج: [ومن عادته الذميمة - أي إبليس - أنه لا يأمر بترك سنة حتى يعوض لهم عنها شيئاً يخيل إليهم أنه قربة عوَّض لهم عن سرعة الأوبة زيارة القبور قبل أن يرجعوا إلى أهليهم يوم العيد وزين لهم ذلك وأراهم أن زيارة القبور من الموتى في ذلك اليوم من باب البر وزيادة الود لهم وأنه من قوة التفجع عليهم إذ فقدهم في مثل هذا العيد.
وفي زيارة القبور في غير هذا اليوم من البدع المحرمات ما تقدم ذكره في زيارة القبور فكيف به في هذا اليوم الذي فيه النساء يلبسن ويتحلين ابتداء ويتجملن فيه بغاية الزينة مع عدم الخروج فكيف بهن في الخروج في هذا اليوم فتراهن يوم العيد على القبور متكشفات قد خلعن جلباب الحياء عنهن فبدل لهم موضع السنة محرماً ومكروهاً
…
] (1).
قلت رحم الله ابن الحاج إذا كان هذا ما وصفه في زمانه من أحوال النساء فكيف لو رأى ما يحصل في زماننا من تهتك وعري وانحلال وفساد فإنا لله وإنا إليه راجعون. ويضاف إلى ذلك أن النساء ممنوعات من زيارة القبور على الراجح من أقوال أهل العلم فقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زائرات القبور) رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد وابن حبان وقال محققه إسناده حسن، وقال الشيخ الألباني: صحيح (2).
(1) المدخل 1/ 280.
(2)
سنن الترمذي مع شرحه التحفة 4/ 136، سنن ابن ماجة 1/ 502، الفتح الرباني 8/ 161، صحيح ابن حبان 7/ 452، إرواء الغليل 3/ 232.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج) رواه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان وقال محققه إسناده صحيح، وقال الشيخ أحمد شاكر: حسن (1).
وعن علي رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا نسوة جلوس فقال: ما يجلسكن؟ قلن: ننتظر الجنازة، قال: هل تغسلن؟ قلن: لا، قال هل تدلين فيمن يدلي؟ قلن: لا، قال: فارجعن مأزورات غير مأجورات) رواه البيهقي وابن ماجة وفي سنده اختلاف (2).
وغير ذلك من الأحاديث التي دلت على تحريم زيارة النساء للقبور، فهذه أحاديث صريحة في معناها، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن النساء على زيارة القبور، واللعن على الفعل من أول الدلائل على تحريمه، ولا سيما وقد قرنه في اللعن بالمتخذين عليها المساجد والسرج.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [فإن قيل فالنهي عن ذلك منسوخ، كما قال أهل القول الآخر، قيل هذا ليس بجيد، لأن قوله صلى الله عليه وسلم (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) هذا خطاب للرجال دون النساء فإن اللفظ لفظ مذكر وهو مختص بالذكور، أو متناول لغيرهم بطريق التبع فإن كان مختصاً بهم فلا ذكر للنساء وإن كان متناولاً لغيرهم كان هذا اللفظ عاماً وقوله:(لعن الله زوَّارات القبور) خاص بالنساء دون الرجال، ألا تراه يقول (لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج)، فالذين يتخذون عليها المساجد والسرج لعنهم الله، سواء أكانوا ذكوراً أو إناثاً وأما الذين يزورون فإنما لعن النساء الزوارات دون الرجال، وإذا كان
(1) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 9/ 41، سنن الترمذي 2/ 136، سنن النسائي 4/ 95، صحيح ابن حبان 7/ 454.
(2)
سنن البيهقي 4/ 77، سنن ابن ماجة 1/ 503 وانظر ما قاله في الزوائد عن الحديث.
هذا خاصاً ولم يعلم أنه متقدم على الرخصة كان متقدماً على العام عند عامة أهل العلم كذلك لو علم أنه كان بعدها] (1).
قال الشيخ أحمد محمد شاكر: [وقد تأول بعضهم هذا الحديث في لعن زائرات القبور، فقال الترمذي فيما سيأتي في الجنائز:" وقد رأى بعض أهل العلم أن هذا قبل أن يرخص النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور، فلماء رخص دخل في رخصته الرجال والنساء. وقال بعضهم إنما كره زيارة القبور للنساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن " ويشير الترمذي بذلك إلى حديث: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) رواه مسلم وأبو داود والنسائي. قال في عون المعبود (ج3ص212)" الأمر للرخصة أو للاستحباب وظاهره الإذن في زيارة القبور للرجال. قال الحافظ في الفتح: واختلف في النساء، فقيل: دخلن في عموم الأذن وهو قول الأكثر ومحله ما إذا أمنت الفتنة، وممن حمل الإذن على عمومه للرجال والنساء عائشة، وقيل: الإذن خاص بالرجال ولا يجوز للنساء زيارة القبور، انتهى ". قال العيني:" وحاصل الكلام أن زيارة القبور مكروهة للنساء بل حرام في هذا الزمان، ولا سيما نساء مصر، لأن خروجهن على وجه الفساد والفتنة، وإن ما رخصت الزيارة لتذكر أمر الآخرة وللاعتبار بمن مضى وللتزهد في الدنيا انتهى ".
هذا قول العيني في منتصف القرن التاسع فماذا يقول لو رأى ما رأينا في منتصف القرن الرابع عشر وإنا لله وإنا إليه لراجعون. والقول الصحيح الذي نرضاه تحريم زيارة القبور على النساء مطلقاً فإن النهي ورد خاصاً بهن والإباحة لفظها عام والعام لا ينسخ الخاص، بل الخاص حاكم عليه ومقيد له] (2).
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 24/ 361 - 360، وانظر يسألونك 3/ 46 - 47.
(2)
تعليق الشيخ أحمد محمد شاكر على سنن الترمذي 2/ 137 - 138.