الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس
تقسيم البدعة إلى حقيقية وإضافية
قسم الإمام الشاطبي البدعة إلى قسمين:
الأول: البدعة الحقيقية
.
الثاني: البدعة الإضافية
.
أما البدعة الحقيقية فهي التي لم يدل عليها دليل شرعي لا من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا استدلال معتبر عند أهل العلم لا في الجملة ولا في التفصيل (1).
فالابتداع في البدعة الحقيقية من جميع وجوهها فهي بدعة محضة ليست فيها جهة تندمج بها في السنة فهي خارجة عن الشرع من كل وجه (2).
ومن أمثلة البدعة الحقيقية:
1.
اختراع عبادة ما أنزل الله بها من سلطان مثل الطواف بمقامات الأولياء والصالحين كما يزعم الزاعمون.
فإن الطواف المشروع في الإسلام هو الطواف بالكعبة المعظمة فقط لأنه الذي قامت عليه الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلذا فإن طواف بعض الجهلة من العوام بمسجد قبة الصخرة باطل شرعاً.
وقد رأيت بعض النساء يطفن بمسجد قبة الصخرة في يوم جمعة من شهر رمضان في إحدى السنوات وهذا منكر عظيم ويبدو أنه وجد منذ عهد بعيد حيث ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن من البدع المحدثة والمنكرة الطواف بالصخرة فقال: [
…
ثم فيه
(1) الاعتصام 1/ 286.
(2)
الإبداع ص55.
أيضاً مضاهاة للحج إلى المسجد الحرام وتشبيه له بالكعبة ولهذا قد أفضى إلى ما لا يشك مسلم في أنه شريعة أخرى غير شريعة الإسلام وهو ما قد يفعله بعض الضلال من الطواف بالصخرة
…
] (1).
2.
ما زعمه الدجالون من المتصوفة من القول بسقوط التكاليف الشرعية عند الوصول إلى مرتبة معينة من مراتب التصوف فلا تجب عليهم صلاة ولا صيام ولا زكاة ولا حج. وتباح لهم المحرمات كالزنا واللواط وشرب الخمر وغيرها (2).
وهذا كله من الدجل والخرافات والأباطيل ومن تلبيس إبليس على هؤلاء الضالين المضلين.
3.
بناء الأضرحة والنصب على القبور كما يشاهد الآن من إقامة نصب للشهداء فيبنون على القبر بناءً مرتفعاً بالحجارة والرخام على أشكال مختلفة ويكتبون عليه الآيات القرآنية بالخط المذهب الجميل ويجعلون حول هذه الأضرحة الهياكل المعدنية على أشكال القباب ونحوها.
وكل ذلك غير مشروع لما ثبت في الحديث الصحيح عن أبي الهياج الأسدي قال: [قال لي علي بن أبي طالب ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته] رواه مسلم (3).
4.
تحريم الحلال أو تحليل الحرام اعتماداً على شبهات واهية ضعيفة فمن تحريم الحلال ما جاء في الحديث عن عبد الله بن عباس أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله إني إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء وأخذتني شهوتي فحرمت عليَّ اللحم فأنزل الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ
(1) اقتضاء الصراط المستقيم ص 309 - 310.
(2)
انظر الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة ص 62، 686، البدعة ص 323.
(3)
صحيح مسلم بشرح النووي 3/ 32.
اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا)) (1). رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب. وقال الشيخ الألباني: صحيح (2).
ومن تحليل الحرام ما يقوله أدعياء العلم من علماء السلاطين من اعتبار فوائد البنوك الربوية من الحلال ضاربين بعرض الحائط النصوص الصريحة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الواردة في تحريم الربا (3).
وأما البدعة الإضافية فهي التي لها شائبتان إحدهما لها من الأدلة متعلق فلا تكون من تلك الجهة بدعة والأخرى ليس لها متعلق إلا مثل ما للبدعة الحقيقية فلما كان العمل الذي له شائبتان لم يتخلص لأحد الطرفين وضعنا له هذه التسمية وهي البدعة الإضافية أي أنها بالنسبة إلى إحدى الجهتين سنة لأنها مستندة إلى دليل وبالنسبة إلى الجهة الأخرى بدعة لأنها مستندة إلى شبهة لا إلى دليل أو غير مستندة إلى شيء.
والفرق بينهما من جهة المعنى أن الدليل عليها من جهة الأصل قائم ومن جهة الكيفيات أو الأحوال أو التفاصيل لم يقم عليها مع أنها محتاجة إليه لأن الغالب وقوعها في التعبديات لا في العاديات المحضة (4).
وخلاصة قول الإمام الشاطبي في البدعة الإضافية أن الأمر يكون مشروعاً في الأصل وقامت الأدلة على مشروعيته ولكن الكيفية أو الهيئة التي يؤدى بها ليست مشروعة فمن هنا سميت هذه البدعة إضافية لأنها لم تتخلص لأحد الطرفين المخالفة الصريحة
(1) سورة المائدة الآيتان 87 - 88.
(2)
سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 8/ 329، صحيح سنن الترمذي 3/ 46.
(3)
راجع كتاب د. يوسف القرضاوي " فوائد البنوك هي الربا الحرام ".
(4)
انظر الاعتصام 1/ 286 - 287.
أو الموافقة الصريحة (1).
ومن الأمثلة على البدعة الإضافية ما يلي:
1.
الأذان للعيدين ولصلاة الكسوف فالأذان في أصله مشروع ولكن الأذان للعيدين والكسوف لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
2.
ومن ذلك تخصيص الأيام الفاضلة بأنواع من العبادات التي لم تشرع لها تخصيصاً كتخصيص اليوم الفلاني بكذا وكذا من الركعات أو بصدقة كذا أو كذا أو الليلة الفلانية بقيام كذا وكذا ركعة أو بختم القرآن فيها أو ما أشبه ذلك (2).
3.
ختم الصلاة على الهيئة المعروفة التي يفعلها كثير من الأئمة فإنه من جهة كونه قرآناً وذكراً ودعاءً مشروع ومن جهة ما عرض له من رفع الصوت في المسجد ومن جهة كونه لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم غير مشروع (3).
4.
الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان بحيث تجعل جزءً من الأذان كما هو المعهود في كثير من المساجد فمن جهة فالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم مشروعان ثابتان. ومن جهة أخرى من حيث جعلهما جزءً من الأذان غير مشروعين. ولذا قال الشيخ ابن حجر المكي لما سئل عن الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان كما يفعله المؤذنون اليوم فأجاب بأن الأصل سنة والكيفية بدعة (4) كما سيأتي تفصيل كلامه في الفصل الثاني.
(1) البدعة ص 324.
(2)
الاعتصام 2/ 12.
(3)
الإبداع ص 59.
(4)
الفتاوى الفقهية الكبرى 1/ 131، الإبداع ص 59.
5.
رفع الصوت بالأذكار في الجنازة فالذكر من حيث الأصل مشروع وثابت ولكن باعتبار ما عرض له أنه في الجنازة مخالف لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم لأن السنة في الجنازة المشي بصمت وسكوت للتفكر في حال الموت.
6.
تخصيص زمان معين بعبادة معينة والمداومة على ذلك، فإن ذلك بدعة إضافية ومثاله ما ورد عن أبي البختري قال: أخبر رجل ابن مسعود رضي الله عنه أن قوماً يجلسون في المسجد بعد المغرب فيهم رجل يقول: [كبروا الله كذا وسبحوا الله كذا وكذا واحمدوه كذا وكذا. قال عبد الله: فإذا رأيتهم فعلوا ذلك فأتني فأخبرني بمجلسهم، فلما جلسوا أتاه الرجل فأخبره فجاء عبد الله بن مسعود فقال: والذي لا إله غيره لقد جئتم ببدعة ظلماً أو قد فضلتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علماً. فقال عمرو بن عتبة: نستغفر الله. فقال: عليكم الطريق فالزموه ولئن أخذتم يميناً وشمالاً لتضلن ضلالاً بعيداً] رواه عبد الرزاق والدارمي بإسناد جيد وهو أثر صحيح بمجموع طرقه (1).
ويظهر أن ابن مسعود أنكر على هؤلاء القوم واعتبر عملهم بدعة مع أن الذي فعلوه ما هو إلا تكبير وتسبيح وتحميد ولكن لما خصوا ذلك بزمان معين بدون دليل شرعي أنكره عليهم.
(1) المصنف 3/ 221 - 222، سنن الدارمي مع شرحه فتح المنان 2/ 247، الأمر بالإتباع ص 84.