المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المنهج المختار في تعريف البدعة: - اتباع لا ابتداع - قواعد وأسس في السنة والبدعة

[حسام الدين عفانة]

فهرس الكتاب

- ‌أقوال في الاتباع والابتداع

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌الفصل الأولقواعد وأسس في السنة والبدعة

- ‌المبحث الأولالحث على إتباع السنة والتحذير من البدعةوبيان أسباب الابتداع

- ‌أولاً: الآيات الكريمات التي تأمر بالإتباع وتنهى عن الابتداع:

- ‌ثانياً: الأحاديث النبوية التي تأمر بالاتباع وتنهى عن الابتداع:

- ‌ثالثاً: الآثار الواردة عن السلف في لزوم السنة وذم البدعة:

- ‌المبحث الثانيتعريف البدعة لغة واصطلاحاً

- ‌أولاً: تعريف البدعة لغة:

- ‌ثانياً: تعريف البدعة اصطلاحاً:

- ‌مناهج العلماء في تعريف البدعة:

- ‌المنهج الأول في تعريف البدعة:

- ‌ومن أشهر ما اعتمد هؤلاء العلماء عليه ما يلي:

- ‌المنهج الثاني في تعريف البدعة:

- ‌استدل العلماء القائلون بذم البدعة بما يلي:

- ‌المنهج المختار في تعريف البدعة:

- ‌المبحث الثالثالأصل في العبادة الاتباع

- ‌الأدلة من السنة على هذا الأصل

- ‌الأدلة من آثار الصحابة على هذا الأصل

- ‌المبحث الرابعلا يجوز إثبات نوع من العباداتلدخوله تحت الدليل العام بل لا بد من دليل خاص

- ‌المبحث الخامستقسيم السنة النبوية إلى فعلية وتركيةوأثر الجهل بهذا الأصل في الابتداع

- ‌المبحث السادستقسيم البدعة إلى حقيقية وإضافية

- ‌الأول: البدعة الحقيقية

- ‌الثاني: البدعة الإضافية

- ‌المبحث السابعحكم البدعة

- ‌المبحث الثامنأسباب الابتداع

- ‌المبحث التاسعأسباب انتشار البدع

- ‌الفصل الثانيالبدع المنتشرة بين الناس في المساجد وغيرها

- ‌المبحث الأولالبدع المتعلقة بالأذان

- ‌المسألة الأولى: قراءة القرآن قبل الأذان للصلوات الخمس وقبل الأذان للجمعة:

- ‌المسألة الثانية: الأذان بواسطة شريط مُسجَلٌ عليه الأذان:

- ‌المسألة الثالثة: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان بحيث تكون جزءاً منه:

- ‌المسألة الرابعة: الذكر قبل أذان الفجر وقبل أذان العشاء ليلتي الإثنين والجمعة

- ‌المسألة الخامسة:قراءة سورة الإخلاص

- ‌المبحث الثانيالبدع المتعلقة بالنية

- ‌المسألة الأولى: الجهر بالنية:

- ‌المسألة الثانية: طلب الإمام من المأمومين أن يستحضروا النية:

- ‌المبحث الثالثختم الصلاة الجماعي

- ‌المبحث الرابعبدعة المصافحة بعد الصلاةوقول المصلي للآخر: تقبل الله منا ومنكم

- ‌المبحث الخامسبدع محدثة في دعاء القنوت

- ‌ تقليب اليدين عند الدعاء

- ‌ثانياً: مسح الوجه والبدن في دعاء القنوت:

- ‌المبحث السادسبدع الجمعة

- ‌المسألة الأولى: الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أذان الجمعة:

- ‌المسألة الثانية: نداء المؤذن بين يدي خطيب الجمعة بالحديث النبوي:

- ‌المسألة الثالثة: دعاء المؤذن عند جلوس الخطيب بين الخطبتين:

- ‌المسألة الرابعة: رفع الخطيب يديه عند الدعاء في الخطبة:

- ‌المبحث السابعبدع العيدين

- ‌المسألة الأولى: قول المؤذن عند المناداة لصلاة العيد

- ‌المسألة الثانية: فرقة التكبير وما تقوم به من أمور مبتدعة:

- ‌المبحث الثامنبدع الجنائز

- ‌المسألة الأولى: رفع الصوت بالذكر أثناء تشييع الجنازة:

- ‌المسألة الثانية: بدعة التلقين بعد الدفن:

- ‌المسألة الثالثة: قراءة الختمة للأموات:

- ‌المسألة الرابعة: إحياء ذكرى الأربعين:

- ‌المسألة الخامسة: بدعة التأبين:

- ‌المسألة السادسة: وضع جريد النخيل والزهور والورود على القبور:

- ‌المسألة السابعة: زيارة القبور يومي العيدي:

- ‌المسألة الثامنةُ: قراءة القرآن على القبور:

- ‌المبحث التاسعبدعة الاحتفال بموسم النبي موسى عليه السلام

- ‌ وصف الاحتفال

- ‌أولاً: أين دفن موسى عليه السلام

- ‌ثانياً: شد الرحال إلى القبور والمقامات:

- ‌ثالثاً: متى حدث الاحتفال بموسم النبي موسى:

- ‌المبحث العاشرالبدع المتعلقة بالمسجد الأقصى

- ‌المسألة الأولى: بدعة تسمية المسجد الأقصى حرماً:

- ‌المسألة الثانية: بدع الصوفية في المسجد الأقصى والأناشيد الدينية والفرق المنشدة:

- ‌المسألة الثالثة: بدعة الطواف بمسجد قبة الصخرة:

- ‌المسألة الرابعة: بدعة التمسح بالصخرة:

- ‌خرافات متعلقة بالصخرة

- ‌المبحث الحادي عشربدعة الاحتفال بالمولد النبوي

- ‌الأدلة على بدعيته

- ‌المبحث الثاني عشربدعة الاحتفال بعيد الميلاد

- ‌المبحث الثالث عشربدعة الاحتفال بالإسراء والمعراج

- ‌المبحث الرابع عشربدعة الاحتفال بالهجرة

- ‌الأدلة على عدم شرعيته

- ‌المبحث الخامس عشربدع موسمية أخرى

- ‌المبحث السادس عشرالبدع المتعلقة بقراءة القرآن الكريم

- ‌المسألة الأولى: ما يتعلق بسورة الفاتحة:

- ‌قائمة المصادر

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌المنهج المختار في تعريف البدعة:

‌المنهج المختار في تعريف البدعة:

بعد إجالة النظر في أقوال العلماء واستعراض أدلتهم التي اعتمدوا عليها مما ذكرته في هذا البحث ومما لم أذكره واطلعت عليه في كتبهم ولم أنقله خشية الإطالة فإني أرجح قول الفريق الثاني من العلماء وهو حصر البدعة في باب العبادات والذي رجح هذا القول عندي ما يلي:

1.

إن القول بأن البدعة في الدين تنقسم إلى حسنة وسيئة مما لا أصل له في الشرع فلا دليل عليه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يرد لفظ البدعة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على سبيل الذم.

وأما قول عمر رضي الله عنه: (نعمت البدعة هذه) فليس فيه ما يفيد أن لفظ البدعة بمجرده يطلق في الشرع على ما هو حسن وإنما يقصد بقول عمر رضي الله عنه البدعة بمعناها اللغوي فهي التي تنقسم إلى حسنة وسيئة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعة مع حسنها وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل فعل ابتداء من غير مثال سابق وأما البدعة الشرعية فكل ما لم يدل عليه دليل شرعي](1).

وقال الإمام الشاطبي مجيباً ومعلقاً على قول عمر نعمت البدعة: [بأن صلاة التراويح في رمضان جماعة في المسجد فقد قام بها النبي صلى الله عليه وسلم واجتمع الناس خلفه. فخرج أبو داود عن أبي ذر قال: (صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم شيئاً من الشهر حتى بقي سبع، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل فلما كانت السادسة لم يقم بنا؟ فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل فقلنا: يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة؟ قال، فقال: إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له

(1) اقتضاء الصراط المستقيم ص 276.

ص: 35

قيام ليلة. قال: فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالث جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح. قال، قلت: وما الفلاح؟ قال السحور. ثم لم يقم بنا بقية الشهر) ونحوه في الترمذي وقال فيه: حسن صحيح.

لكنه صلى الله عليه وسلم لما خاف افتراضه على الأمة أمسك عن ذلك ففي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس. ثم صلى القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال: (قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إلا أني خشيت أن يفرض عليكم) وذلك في رمضان وخرجه مالك في الموطأ.

فتأملوا ففي هذا الحديث ما يدل على كونها سنة فإن قيامه أولاً بهم دليل على صحة القيام في المسجد جماعة في رمضان وامتناعه بعد ذلك من الخروج خشية الافتراض لا يدل على امتناعه مطلقاً لأن زمانه كان زمان وحيٍ وتشريع فيمكن أن يوحى إليه إذا عمل به الناس بالإلزام: فلما زالت علة التشريع بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع الأمر إلى أصله وقد ثبت الجواز فلا ناسخ له.

وإنما لم يقم ذلك أبو بكر رضي الله عنه لأحد أمرين: إما لأنه رأى أن قيام الناس آخر الليل وما هم به عليه كان أفضل عنده من جمعهم على إمام أول الليل، ذكره الطرطوشي، وإما لضيق زمانه رضي الله عنه عن النظر في هذه الفروع مع شغله بأهل الردة وغير ذلك مما هو أوكد من صلاة التراويح. فلما تمهد الإسلام في زمن عمر رضي الله عنه ورأى الناس في المسجد أوزاعاً

- كما جاء في الخبر - قال: لو جمعت الناس على قارئ واحد لكان أمثل فلما تم له ذلك نبه على أن قيامهم آخر الليل أفضل ثم اتفق السلف على صحة ذلك وإقراره والأمة لا تجتمع على ضلالة.

وقد نص الأصوليون أن الإجماع لا يكون إلا عن دليل شرعي.

ص: 36

فإن قيل: فقد سماها عمر رضي الله عنه بدعة وحسنها بقوله: نعمت البدعة هذه وإذا ثبت بدعة مستحسنة في الشرع ثبت مطلق الاستحسان في البدع.

فالجواب: إنما سماها بدعة باعتبار ظاهر الحال من حيث تركها

رسول الله صلى الله عليه وسلم واتفق أن لم تقع في زمان أبي بكر رضي الله عنه لا أنها بدعة في المعنى فمن سماها بدعة بهذا الاعتبار فلا مشاحة في الأسامي وعند ذلك فلا يجوز أن يستدل بها على جواز الابتداع بالمعنى المتكلم فيه؟

لأنه نوع من تحريف الكلم عن مواضعه فقد قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم)] (1).

وقال ابن حجر المكي: [وقول عمر رضي الله عنه في التراويح نعمت البدعة هي، أراد البدعة اللغوية وهي ما فعل على غير مثال كما قال تعالى: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ) وليست البدعة شرعاً فإن البدعة الشرعية ضلالة كما قال صلى الله عليه وسلم](2).

2.

قال الشاطبي: [إن هذا التقسيم - تقسيم البدعة خمسة أقسام - أمر مخترع لا يدل عليه دليل شرعي بل هو في نفسه متدافع لأن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي لا من نصوص الشرع ولا من قواعده إذ لو كان هنالك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ثمَّ بدعة وكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها أو المخير فيها

] (3).

3.

إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) عام في كل بدعة أحدثت بعده صلى الله عليه وسلم للتقرب بها إلى الله عز وجل.

(1) الاعتصام 1/ 193 - 195، وانظر الحوادث والبدع ص 51 - 52، الإبداع ص 78 - 80

(2)

الفتاوى الحديثية ص 281.

(3)

الاعتصام 1/ 191 - 192.

ص: 37

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وهؤلاء المعارضون يقولون: ليست كل بدعة ضلالة، والجواب: أما أن القول: (أن شر الأمور محدثاتها وأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) والتحذير من الأمور المحدثات: فهذا نص رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحل لأحد أن يدفع دلالته على ذم البدع ومن نازع في دلالته فهو مراغم - أي مكابر معاند - وأما المعارضات: فالجواب عنها بأحد جوابين.

إما بأن يقال: ما ثبت حسنه فليس من البدع، فيبقى العموم محفوظاً لا خصوص فيه.

وإما أن يقال: ما ثبت حسنه فهو مخصوص من هذا العموم فيبقى العموم محفوظاً لا خصوص فيه.

وإما أن يقال: ما ثبت حسنه فهو مخصوص من العموم والعام المخصوص دليل فيما عدا صورة التخصيص، فمن اعتقد أن بعض البدع مخصوص من هذا العموم احتاج إلى دليل يصلح للتخصيص وإن كان ذلك العموم اللفظي المعنوي موجباً للنهي.

ثم المخصص: هو الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع نصاً واستنباطاً وأما عادة بعض البلاد أو أكثرها وقول كثير من العلماء أو العباد أو أكثرهم ونحو ذلك: فليس مما يصلح أن يكون معارضاً لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يعارض به.

ومن اعتقد أن أكثر هذه العادات المخالفة للسنن مجمع عليها بناء على أن الأمة أقرتها ولم تنكرها فهو مخطئ في هذا الاعتقاد، فإنه لم يزل ولا يزال في كل وقت من ينهى عن عامة العادات المحدثة المخالفة للسنة ولا يجوز دعوى إجماع بعمل بلد أو بلاد من بلدان المسلمين فكيف بعمل طوائف منهم؟ وإذا كان أكثر أهل العلم لم يعتمدوا عليهم عمل علماء أهل المدينة وإجماعهم في عصر مالك بل رأوا السنة حجة عليه كما هي حجة على غيرهم مع ما أوتوه من العلم والإيمان فكيف يعتمد المؤمن العالم على عادة أكثر من اعتادها عامة أو من قيدته العامة أو قوم مترئسون بالجهالة

ص: 38

لم يرسخوا في العلم ولا يعدون من أولي الأمر ولا يصلحون للشورى ولعلهم لم يتم إيمانهم بالله وبرسوله أو قد دخل معهم فيها بحكم العادة قوم من أهل الفضل عن غير روية أو لشبهة أحسن أحوالهم فيها: أن يكونوا فيها بمنزلة المجتهدين من الأئمة والصديقين؟

والاحتجاج بمثل هذه الحجج والجواب عنها معلوم أنه ليس طريقة أهل العلم لكن لكثرة الجهالة قد يستند إلى مثلها خلق كثير من الناس حتى من المنتسبين إلى العلم والدين وقد يبدو لذوي العلم والدين فيها مستند آخر من الأدلة الشرعية والله يعلم أن قوله بها وعلمه لها ليس مستنداً آخر من الأدلة الشرعية وإن كان شبهة وإنما هو مستند إلى أمور ليست مأخوذة عن الله ولا عن رسوله من أنواع المستندات التي يستند إليها غير أولي العلم والإيمان وإنما يذكر الحجة الشرعية حجة على غيره ودفعاً لما يناظره.

والمجادلة المحمودة: إنما هي بإبداء المدارك وإظهار الحجج التي هي مستند الأقوال والأعمال وأما إظهار الاعتماد على ما ليس هو المعتمد في القول والعمل: فنوع من النفاق في العلم والجدل والكلام والعمل. وأيضاً فلا يجوز حمل قوله صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) على البدعة التي نهى عنها بخصوصها لأن هذا تعطيل لفائدة هذا الحديث، فإن ما نهى عنه من الكفر والفسوق وأنواع المعاصي قد علم بذلك النهي، أنه قبيح محرم سواء كان بدعة أو لم يكن بدعة، فإذا كان لا منكر في الدين إلا ما نهى عنه بخصوصه سواء كان مفعولاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لم يكن وما نهى عنه فهو منكر سواء كان بدعة أو لم يكن: صار وصف البدعة عديم التأثير، لا يدل وجوده على القبح ولا عدمه على الحسن بل يكون قوله:(كل بدعة ضلالة) بمنزلة قوله: (كل عادة ضلالة) أو: (كل ما عليه العرب والعجم فهو ضلالة) ويراد بذلك: أن ما نهى عنه من ذلك فهو الضلالة.

ص: 39

وهذا تعطيل للنصوص من نوع التحريف والإلحاد ليس من نوع التأويل السائغ وفيه من المفاسد أشياء.

أحدها: سقوط الاعتماد على هذا الحديث فإن ما علم أنه منهى عنه بخصوصه فقد علم حكمه بذلك النهي وما لم يعلم يندرج في هذا الحديث فلا يبقى في هذا الحديث فائدة مع كون النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب به في الجمع ويعده من جوامع الكلم.

الثاني: أن لفظ البدعة ومعناها يكون اسماً عديم التأثير فتعليق الحكم بهذا اللفظ أو المعنى تعليق له بما لا تأثير له كسائر الصفات العديمة التأثير.

الثالث: أن الخطاب بمثل هذا إذا لم يقصد إلا الوصف الآخر - وهو كونه منهياً عنه - كتمان لما يجب بيانه وبيان لما لم يقصد ظاهره فإن البدعة والنهي الخاص بينهما عموم وخصوص إذ ليس كل بدعة جاء عنها نهي خاص وليس كل ما جاء فيه نهي خاص بدعة فالتكلم بأحد الاسمين وإرادة الآخر تلبيس محض لا يسوغ للمتكلم إلا أن يكون مدلساً كما لو قال " الأسود " وعنى به الفرس أو " الفرس " وعنى به الأسود.

الرابع: أن قوله: (كل بدعة ضلالة وإياكم ومحدثات الأمور) إذا أراد بهذا ما فيه نهي خاص كان قد أحالهم في معرفة المراد بهذا الحديث على ما لا يكاد يحيط به أحد ولا يحيط بأكثره إلا خواص الأمة ومثل هذا لا يجوز بحال.

الخامس: أنه إذا أريد به ما فيه النهي الخاص كان ذلك أقل مما ليس فيه نهي خاص من البدع فإنك لو تأملت البدع التي نهى عنها بأعيانها وما لم ينه عنها بأعيانها وجدت هذا الضرب هو الأكثر واللفظ العام لا يجوز أن يراد به الصور القليلة أو النادرة. فهذه الوجوه وغيرها توجب القطع بأن هذا التأويل فاسد لا يجوز حمل الحديث عليه سواء أراد المتأول أن يعضد التأويل بدليل صارف أو لم يعضده فإن على

ص: 40

المتأول بيان جواز إرادة المعنى الذي حمل الحديث عليه من ذلك الحديث ثم بيان الدليل الصارف له إلى ذلك. وهذه الوجوه تمنع جواز إرادة هذا المعنى بالحديث.

فهذا الجواب عن مقامهم الأول.

وأما مقامهم الثاني فيقال: هب أن البدع تنقسم إلى حسن وقبيح فهذا القدر لا يمنع أن يكون هذا الحديث دالاً على قبح الجميع لكن أكثر ما يقال أنه إذا ثبت أن هذا حسن يكون مستثنى من العموم وإلا فالأصل أن كل بدعة ضلالة.

فقد تبين أن الجواب عن كل ما يعارض به من أنه حسن وهو بدعة إما بأنه ليس ببدعة وإما بأنه مخصوص فقد سلمت دلالة الحديث. وهذا الجواب إنما هو عما ثبت حسنه. فأما أمور أخرى قد يظن أنها حسنة وليست بحسنة أو أمور يجوز أن تكون حسنة ويجوز أن لا تكون حسنة فلا تصلح المعارضة بها بل يجاب عنها بالجواب المركب. وهو إن ثبت أن هذا حسن فلا يكون بدعة أو يكون مخصوصاً وإن لم يثبت أنه حسن فهو داخل في العموم. وإذا عرفت أن الجواب عن هذه المعارضة بأحد الجوابين فعلى التقديرين الدلالة من الحديث باقية لا ترد بما ذكروا ولا يحل لأحد أن يقابل هذه الكلمة الجامعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلية وهي قوله: (كل بدعة ضلالة) بسلب عمومها وهو أن يقال: ليست كل بدعة ضلالة فإن هذا إلى مشاقة الرسول أقرب منه إلى التأويل] (1).

4.

ويضاف إلى ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية أن قول الرسول

صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) كلية عامة شاملة مسوَّرة بأقوى أدوات الشمول والعموم " كل " والذي نطق بهذه الكلية وهو الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم مدلول هذا اللفظ وهو أفصح الخلق وأنصح الخلق للخلق لا يتلفظ إلا بشيء يقصد معناه (2).

(1) اقتضاء الصراط المستقيم ص 270 - 274.

(2)

الإبداع في كمال الشرع ص 18.

ص: 41

5.

لا تعارض بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) رواه مسلم، وبين قوله صلى الله عليه وسلم:(كل بدعة ضلالة)، فإنه لا يمكن أن يصدر عن الصادق المصدوق قول يكذب قولاً آخر له ولا يمكن أن يتناقض كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً وبيان دفع التعارض بين الحديثين أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(من سن في الإسلام) والبدع ليست من الإسلام، ويقول:(حسنة) والبدعة ليست بحسنة وفرق بين السن والابتداع.

ويمكن أن يقال إن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (من سن) أي من أحيا سنة كانت موجودة فعدمت فأحياها وعلى هذا فيكون " السن " إضافياً نسبياً كما تكون البدعة إضافية نسبية لمن أحيا سنة بعد أن تركت.

ويمكن أن يقال أيضاً إن سبب ورود الحديث: (من سن) وهو قصة النفر الذين وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا في حالة شديدة من الضيق فدعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى التبرع لهم فجاء رجل من الأنصار بصرة من فضة كادت تثقل يده فوضعها بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتهلل من الفرح والسرور وقال:(من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) فهنا يكون معنى " السن " سن العمل تنفيذاً وليس سن العمل تشريعاً فصار معنى (من سن في الإسلام سنة حسنة) من عمل بها تنفيذاً لا تشريعاً لأن التشريع ممنوع (1).

وأما الجواب عن تسمية ابن عمر لصلاة الضحى جماعةً بدعة فيقال: (إنما أنكر ابن عمر ملازمتها وإظهارها في المسجد وصلاتها جماعةً لا أنها مخالفة للسنة فصلاة الضحى ثابتة في السنة لا شك في ذلك ولا ريب (2).

(1) المصدر السابق ص 18 - 20 بتصرف.

(2)

فتح الباري 3/ 295، وانظر شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 343، 3/ 382.

ص: 42

إذا تقرر هذا فإن البدعة هي التعبد لله بما لم يشرعه الله سبحانه وتعالى ولا جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يأت عن الخلفاء الراشدين وهذا لا يكون إلا في العقائد والعبادات فالبدعة التي تعد بدعة في الدين هي البدعة في العقيدة أو العبادة قولية أو فعلية كبدعة نفي القدر وبناء المساجد على القبور وإقامة القباب على القبور وقراءة القرآن عندها للأموات والاحتفال بالموالد إحياء لذكرى الصالحين والوجهاء والاستغاثة بغير الله والطواف حول المزارات فهذه وأمثالها كلها ضلال لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) لكن منها ما هو شرك أكبر يخرج من الإسلام كالاستغاثة بغير الله فيما هو من وراء الأسباب العادية والذبح والنذر لغير الله إلى أمثال ذلك مما هو عبادة مختصة بالله ومنها ما هو ذريعة إلى الشرك كالتوسل إلى الله بجاه الصالحين والحلف بغير الله وقول الشخص ما شاء الله وشئت ولا تنقسم البدع في العبادات إلى الأحكام الخمسة كما زعم بعض الناس لعموم الحديث: (كل بدعة ضلالة)] (1).

وأما الأمور العادية والدنيوية فالمحدث منها لا يسمى بدعة شرعاً وإن سمي بدعة لغة فلا تعد المحدثات الجديدة بدعاً في الدين مثل الطائرات ووسائل الاتصالات ومكبرات الصوت

الخ.

وكذلك ما يعد من الوسائل كتعلم العلوم المختلفة كعلم النحو وكذا طبع المصحف وحفظه بوسائل الحفظ الحديثة كالأشرطة المسجلة والحاسوب ونحوها فهذه الوسائل لها أحكام الغايات والمقاصد فإذا كانت الغايات مشروعة كانت وسائلها المؤدية إليها مشروعة وليست من البدع في شيء.

(1) فتاوى اللجنة الدائمة 2/ 321.

ص: 43