الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس عشر
البدع المتعلقة بقراءة القرآن الكريم
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: ما يتعلق بسورة الفاتحة:
اعتاد كثير من الناس على قراءة سورة الفاتحة عند الانتهاء من إلقاء درس أو موعظة وعند الانتهاء من قراءة سورة من القرآن فعندما يختم القارئ قراءته يقول للسامعين الفاتحة وكذلك عند عقد الزواج وعند الانتهاء من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان وعند المرور بالقرب من المقبرة وعند ختم الصلاة وعند الاتفاق على صفقة بيع أو شراء، وعند إتمام صلح بين متخاصمين يقرؤون الفاتحة وغير ذلك من المواضع.
ولا شك أن سورة الفاتحة هي أعظم سورة في القرآن الكريم وهي السبع المثاني كما قال تعالى: (َوَلَقَدْءَاتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ)(1).
قال القرطبي: [سميت بذلك لأنها تثنى في كل ركعة](2).
وقد ثبت فضل سورة الفاتحة في عدة أحاديث منها:
عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: (مرَّ بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي فدعاني فلم آته حتى صليت. ثم أتيت فقال: ما منعك أن تأتي؟ فقلت: كنت أصلي، فقال: ألم يقل الله (يا أيها الذين آمنوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) ثم قال: ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد. فذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليخرج فذكرته فقال:
(1) سورة الحجر الآية 87.
(2)
تفسير القرطبي 1/ 112.
الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته) رواه الإمام البخاري (1).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضاً من فوقه فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل إلا اليوم، فسلَّم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك، فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته) رواه مسلم (2). وغير ذلك من الأحاديث.
وقراءة الفاتحة وغيرها من سور القرآن الكريم عبادة من العبادات والأصل في العبادات التلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ الفاتحة بعد وعظه وإرشاده ولا بعد صلاة الجنازة ولا عند الزواج ولا في المناسبات التي شاع فيها قراءة الفاتحة في زماننا هذا.
وكل ذلك من الأمور المبتدعة المخالفة لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال الشيخ محمد رشيد رضا:[فاعلم أن ما اشتهر وعمَّ البدو والحضر من قراءة الفاتحة للموتى لم يرد في حديث صحيح ولا ضعيف فهو من البدع المخالفة لما تقدم من النصوص القطعية ولكنه صار بِسُكُوتِ اللابسين لباس العلماء وبإقرارهم له ثم بمجاراة العامة عليه من قبيل السنن المؤكدة أو الفرائض المحتمة](3).
(1) صحيح البخاري مع الفتح 9/ 453.
(2)
صحيح مسلم بشرح النووي 2/ 416 - 417.
(3)
تفسير المنار 8/ 268.
وقال الشيخ الألباني: [
…
ومما سبق تعلم أن قول الناس اليوم في بعض البلاد:" الفاتحة على روح فلان " مخالفٌ للسنة المذكورة فهو بدعةٌ بلا شك] (1).
وقراءة الفاتحة بنية قضاء الحاجات وتفريج الكربات وهلاك الأعداء بدعة لم يأذن بها الدين
…
وقراءة الفاتحة عند خطبة الزواج واعتقاد الناس أن قراءتها عهد لا ينقض بدعة واعتقاد فاسد جاهل (2).
وأجابت اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية برئاسة العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن سؤال حول حكم القول: الفاتحة على روح فلان، أو الفاتحة إن الله ييسر لنا ذلك الأمر وبعد ذلك بعد الميلاد يقرأون سورة الفاتحة أو بعد أن يقرأ القرآن وينتهي من قراءته يقول الفاتحة ويقرؤها الحاضرون، وكذلك جرى العرف على قراءة الفاتحة قبل الزواج فما حكم ذلك؟ فأجابت اللجنة:
[قراءة الفاتحة بعد الدعاء أو بعد قراءة القرآن أو قبل الزواج بدعة لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من صحابته رضي الله عنه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ)](3).
(1) أحكام الجنائز ص 33.
(2)
السنن والمبتدعات ص217، انظر يسألونك 4/ 267 - 268.
(3)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية 2/ 384.
المسألة الثانية: ما يتعلق باستماع القرآن الكريم:
يقول الله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(1).
فالمطلوب من السامعين للتلاوة الإنصات والتدبر والتفكر في الآيات المتلوة، ولكن كثيراً من السامعين يخلون بهذا الأدب فتراهم يجلسون أمام قارئ القرآن ويتحدثون فيما بينهم وإذا استمعوا فتسمعهم يقولون للقارئ عند قراءته آية: الله الله. الله يفتح عليك. ما شاء الله. تبارك الله. اللهم صلِ على النبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك من الألفاظ وكل هذا من سوء الأدب مع كتاب الله سبحانه وتعالى ومن الأمور المبتدعة، قال العز بن عبد السلام:[الاستماع للقرآن والتفهم لمعانيه من الآداب المشروعة المحثوث عليها والاشتغال عن ذلك بالتحدث بما لا يكون أفضل من الاستماع، سوء أدب على الشرع](2).
وقال السيوطي: [يسن الاستماع لقراءة القرآن وترك اللغط والحديث بحضور القرآءة قال الله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)](3).
وقد صح في الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرأ عليَّ. قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: نعم. فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ
(1) سورة الأعراف الآية 204.
(2)
فتاوى العز بن عبد السلام ص 485 - 486، وانظر التبيان في آداب حملة القرآن ص 49.
(3)
الإتقان 1/ 145.
شَهِيدًا) قال: حسبك الآن، فالتفت فإذا عيناه تذرفان) رواه البخاري (1).
وفي رواية لمسلم قال عبد الله: (فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل)(2).
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، أما ما يفعله كثير من الناس اليوم في مجال القرآن فهو أمرٌ منكرٌ مبتدع (3).
قال الشيخ محمد عبد السلام: [وقولهم لقارئ القرآن السيط: الله الله، كمان، كمان يا أستاذ، هيه هيه، الله يفتح عليك. حرمه الله بقوله:
…
(وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) والحق أنهم لم يلتذوا بألفاظ القرآن لأنهم لم يفقهوا لها معنى بل ما كانت لذتهم إلا من حسن نغمة القارئ والدليل على ذلك أنه لو قرأ قارئ ليس حسن الصوت، السورة بعينها، التي كانت تتلى عليهم لانفضوا من حوله سابين لاعنين له ولمن جاء به قائلين: جايب لنا فقي حسه زي حس الوابور.
ولقد وصف الله المؤمنين من عباده بأنهم: (إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا) وقال فيهم أيضاً: (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)] (4).
تمّ الكتاب بحمد الله تعالى
(1) صحيح البخاري مع الفتح 10/ 471.
(2)
صحيح مسلم بشرح النووي 2/ 413.
(3)
انظر اللمع في الحوادث والبدع 1/ 57، بدع القرآء ص 22، الإبداع ص 231.
(4)
السنن والمبتدعات ص 219 - 220.