الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلد الأول
مقدمة
…
المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله جعل القرآن ربيع قلوبنا وبهجة نفوسنا ونور عقولنا وهادي علومنا ومدبر أمورنا ومرجع خلافنا وموئل شقاقنا وحكم ما بيننا ونظام دولتنا ومنهج أمتنا ومحار1 فكرنا وملجأ تائهنا وهادي ضالنا وشفاء لما في صدورنا.
الحمد لله أنزل الفرقان وخلق الإنسان علمه البيان ومنحه عقلا يميز به بين الحق والضلال على هدي القرآن.
الحمد لله أرسل إلينا أفضل رسله من صفوة خلقه ليبين لنا خير كتبه فأخرجنا من أحلك ظلمة إلى أوضح سبيل، ووضح لنا معالم دينه وبسط لنا شرعه فهدى إلى صراط مستقيم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده فكان خير قدوة ومنار الهدى.
ورضي الله عن صحبه الكرام وأرضاهم، ذادوا عن حياض الإسلام وباعوا المهج والأرواح في سبيله، كانوا جنود الإسلام حقا وجذوره الأولى فكانوا خير القرون.
وكيف لا يكونون خير القرون وفيهم رسوله وبينهم كتابه
…
وهم هم
…
؟! إذا أشكل عليهم معنى أو غمض عليهم مرمى جاءوا إليه عليه الصلاة
1 المحار: المرجع "المعجم الوسيط ج1 ص205".
والسلام فوضحه لهم وبينه وجلا غموضه فحيوا بالقرآن حياة طيبة وتحركوا، وأبصروا به السبيل وأدركوا، وتهذبوا به وتخلقوا وعملوا به وتأدبوا، وصلوا به وأخبتوا وبه حاربوا وسالموا وبه قاموا ونهضوا وإن شئت فقل: ترقوا وتمدنوا وبلغوا ما بلغوا، فكانوا بحق جيلا قرآنيا فريدا.
وكيف لا يكونون كذلك وهم يستقون من نبع القرآن الصافي ومن معينه العذب
…
وكيف لا يكونون كذلك وهم إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل إدراكا منهم أنهم إنما يتلقون أوامر الله سبحانه وتعالى لهم بالعمل فور سماعه ومن ثم لم يكن أحدهم ليستكثر منه في الجلسة الواحدة؛ لأنه كان يحس أنه إنما يستكثر من واجبات وتكاليف يجعلها على عاتقه1.
ذلكم الإحساس كان يفتح لهم آفاق القرآن ويفتح لهم أبواب العلم والمعرفة ومع هذا فقد كانوا، رضي الله عنهم، لا يجدون في بسيط الأرض على سعتها ومديد السماء على عرضها ملجأ إن هم قالوا في القرآن بغير علم، أو بما لا يعلمون.
على هذا المنهج الصافي والمورد العذب والنبع النقي كانت سيرة خير القرون
…
وقدوة المسلمين وعلى قدر صفائه ونقائه كان صفاء ونقاء قلوبهم وعلى قدر مضائه كان مضاء سيوفهم فحملوا الكلمة والسيف يحميها ووصلوا في سنوات معدودة ما حسبوه أقصى الأرض، ولو علموا أحدا خلف ما وصلوا لخاضوا البحر إليه أداء للأمانة، وعرفانا للحق.
سار هذا المنهج يشق له طريقا في مسار التاريخ محافظا على صفائه ونقائه تماما كما يجري النهر العذب على سطح الأرض يسقيها، فينبت الزرع ويروي العطش ومتعة للناظرين.
هذا المنهج كهذا النهر، شق له طريقا في أرض التاريخ ينبوعه القرآن
1 معالم في الطريق: سيد قطب ص20.
الكريم ومصبه رضوان رب العالمين، من سلكه نجا وفاز فوزا عظيما، ومن حاد عنه هلك وخسر خسرانا مبينا.
وككل سبيل وكل طريق تحف به الدروب والطرق متقاطعة متخالفة كان هذا المنهج، فنشأت بجانبه مناهج أخرى وطرق شتى واتجاهات عدة، منها ما سلك هذا النهر، ومنها ما حاد عنه زاغ، ومنها ما وقف على شاطئه يلقي فيه بالأذى والحجارة يحسب نفسه تستطيع له سدا أو منعا. وما درى ذلك المسكين أنه يجني على نفسه، وأنه لن يبلغ شأوا ولن يقوم له أثر.
وما زالت هذه المناهج تزداد وتتنوع وتتسع وتضيق وتتجدد وتدرس، منها ما هو في دائرة المقبول، ومنها ما هو في دائرة المرفوض، ومنها ما يتردد بين الدائرتين يضرب هنا وهناك.
ولعل بزوغ شمس القرن الرابع عشر الهجري نفث في روح هذه المناهج الحياة من جديد -بعد أن فترت حينا من الدهر- بما جاء به من وسائل وأدوات حديثة تعين على الاطلاع، وتساعد على الانتشار.
فأشرقت بشروقها شمس المناهج التفسيرية للقرآن الكريم بما فيها من حق، وبما فيها من باطل.
وغربت شمسه منذ بضع سنين وغلقت أبوابه بما فيها من مناهج قديمة وجديدة، لكن المؤلفات فيه نفذت منه إلى القرن الجديد وما زالت بين أيدينا نتلوها ونقرؤها ونطبعها وننشرها.
فكان حقا واجبا أن تقدم دراسة وافية للمناهج في هذا القرن يبين فيها الأصيل والدخيل والصحيح والسقيم والمقبول والمردود علَّنا نتدارك في قرننا الجديد مساوئ سابقة ونأخذ منه محاسنه فنكون بذلك قد خطونا خطوات جادة ونكون بذلك قد استفدنا ممن قبلنا ونفيد من بعدنا في تنقية التفسير ومناهجه مما أصابه من الشوائب عبر القرون الماضية منذ أن كان صافيا نقيا إلى يومنا هذا فنعود به كما كان، ويصلح آخر هذه الأمة بما صلح به أولها.
وإذا كان الأمر كذلك فقد اخترت لنفسي أن أكتب هذه الدراسة
لاتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري وإن كنت أدرك من نفسي قصورها ومن الموضوع سعته، لكني أعلم أن كل نفس مكلفة بما تستطيع فما وجدت لي عذرا أن أتركه ولم أجد أحدا قد سده.
فاخترت "اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري" عنوانا لموضوع رسالتي لنيل درجة الدكتوراه؛ لأسباب عديدة سبقت الإشارة إليها ومجملها خمسة أمور:
أولها: أنا نعيش بعد القرن الرابع عشر الهجري مباشرة وما زالت الكتابة فيه بكرا، وما تزال الاتجاهات فيه واضحة المعالم بينة السبل، المستقيم منها والمنحرف.
ثانيها: أن في الإمكان توجيه الأذهان إلى الحق منها لسلوكه والتحذير من المنحرف وتقويم المعوج وتعديله، فما تزال الجادة فيه رطبة وما زالت الأغصان منه لينة.
ثالثها: ما اختص به هذا القرن من بين القرون السالفة كلها، من سهولة نشر المؤلفات وعرضها على الناس في وقت قصير مما كان له الأثر في كثرة المؤلفات وسرعة انتشارها بين الناس، فكانت دراسة هذه المناهج وعرضها أولى من غيرها نظرا للحاجة إلى ذلك.
رابعها: ما جد في هذا القرن من مناهج في التفسير، بعضها له جذور في القرون الماضية وبعضها جديد كل الجدة مما يوجب درسه ونقده وبيان ما له وما عليه.
خامسها: أن وسائل التفسير لم تكن فيه كما كانت من قبل بالكتابة والتدوين، بل جد فيها وسائل الإعلام الحديثة كالإذاعة والصحافة والرائي والندوات والمؤتمرات وغير ذلك، فكانت الحاجة ماسة لوضع المقاييس الصحيحة في أيدي الناس يزنون بها ما يسمعون، وينقدون بها ما يقرءون.
والأسباب غير ذلك كثيرة لا أظن أحدا يجهلها، ولعل فيما ذكرت منها الكفاية.
ويلمس الحاجة الماسة إلى ذلك كل من جلس مجلسا ضم أشخاصا اختلفت درجات علمهم وتنوعت وطرح فيه للحديث موضوع التفسير وحدوده، سيدرك لأول وهلة أن منهم من تلتبس عليه السبل وتختلط عليه المناهج فلا يدرك إدراكا صحيحا أبعاد التفسير المقبول وحدوده، ولا معالم التفسير المردود، فقد يرد الصحيح ويقبل الخاطئ لا لشيء إلا لقصور في مقاييسه أو لأنه سمعه من فلان أو علان.
وقد تلمس الحاجة الماسة عند من هم أعلى درجة من أولئك حين ترى كثيرا من طلبة العلم وأهله يسألون بين حين وآخر عن ذلك التفسير أو ذلكم المفسر: ما منهجه، وما طريقته؟ ويسألون عن الحق في تفسيره وسواه. وقد تجد هذا واضحا في رجوعهم الكثير للكتب التي تختص بدراسة التفسير والمفسرين. ذلكم -مثلا- كتاب "التفسير والمفسرون" للشيخ محمد حسين الذهبي، رحمه الله تعالى، درس فيه اتجاهات التفسير من العهد النبوي إلى العصر الحديث، ودراسته هذه وإن كانت دراسة سريعة عجلى إلا أنها قد سدت فراغا كبيرا في الدراسات القرآنية يظهر هذا في أنه قل أن تجد باحثا في هذا المجال إلا ويرجع إلى هذا الكتاب ويستفيد منه.
وقد تلمس الحاجة لمسا سريعا حين يوجه إليك أحدهم -وكثيرا ما يحدث هذا- سؤالا يطلب منك فيه أن تدله على كتاب في التفسير يقرؤه، يسأل هذا ليس لعدم معرفته لتفسير للقرآن، ولكن لأنه يعرف كثيرا منها فاختلط عليه الحابل بالنابل وأصبح لا يفرق بين غثها وسمينها، فهو هنا بحاجة إلى من يميز له بين هذا وذاك فوجه إليك سؤاله.
لست أريد هنا أن أقرر الحاجة إلى مثل هذا البحث، لكني أردت أن أبسط الواقع الذي يعيشه الناس في عصرنا هذا مع هذا الفيض من المؤلفات في التفسير
الدراسات السابقة:
وقد عثرت على بعض المؤلفات التي لها صلة في موضوعي هذا، وإن كان بينها وبينه فارق إلا أني أحب أن أشير إليها سريعا، فمنها:
1-
اتجاهات التفسير في مصر في العصر الحديث، للدكتور عفت محمد الشرقاوي، ومن عنوانه يظهر اقتصاره على بلد واحد من بلدان العالم الإسلامي وإن كانت هذه البلاد من أوفى البلاد الإسلامية وأكثرها علما إلا أن هناك اتجاهات ظهرت في مناطق أخرى ولا وجود لها في مصر، زد على هذا أنه بحث فيه ثلاثة اتجاهات هي:
أ- الاتجاه الاجتماعي في التفسير الحديث.
ب- الاتجاه الأدبي في التفسير الحديث.
جـ- الاتجاه العلمي في التفسير الحديث.
وليست هذه -كما سيظهر إن شاء الله في هذه الدراسة- هي كل اتجاهات التفسير في العصر الحديث. ولعل لهذا أثره في تغيير اسم الكتاب لما طبعه صاحبه مرة أخرى فسماه: "الفكر الديني في مواجهة العصر".
2-
اتجاهات التجديد في تفسير القرآن الكريم في مصر، للدكتور محمد إبراهيم شريف، ومع أن هذه الدراسة قيمة وجادة إلا أن تقييدها بكلمتي "التجديد" و"في مصر" قصر الدراسة عن الهدف الذي أريده، زد على هذا اختلاف منهج الدراسة وطريقتها اختلافا كليا. ولا يقلل هذا من شأن هذا الكتاب فله عندي مكانة رفيعة في موضوعه، ولكني أردت بيان الفاصل بين موضوع بحثه وموضوع بحثي.
3-
اتجاه التفسير في العصر الحديث منذ عهد الإمام محمد عبده إلى مشروع التفسير الوسيط للشيخ مصطفى محمد الحديدي الطير.
وهو بحث ألقاه المؤلف في المؤتمر السادس لمجمع البحوث الإسلامية، والغرض الذي كتب له هذا البحث لا يوجب الاستيفاء والشمول فكان فيه إجمال لمناهج كثيرة أو عدم تعرض لها على الإطلاق.
4-
اتجاهات التفسير في العصر الراهن، للدكتور عبد المجيد عبد السلام المحتسب. وقد صدر هذا الكتاب بعد تسجيلي لرسالة الدكتوراه بفترة قصيرة وقد بادرت للحصول على نسخة منه وكنت أظنه كمسماه ولكنه لم يكن كذلك. فقد صدر الجزء الأول منه، وفيه اتجاهات ثلاثة:
أ- اتجاه سلفي.
ب- اتجاه عقلي.
جـ- اتجاه علمي.
ووعد بصدور الجزء الثاني وفيه مناهج أخرى ولم يصدر هذا الجزء حتى ساعتنا هذه -فيما أعلم- زد على هذا أن دراسته لهذه الاتجاهات الثلاثة بحاجة إلى إعادة النظر:
فقد انخدع بعناوين بعض التفاسير، فهو يصنف مثلا تفسير "التفسير القرآني للقرآن" للأستاذ عبد الكريم الخطيب تحت الاتجاه السلفي لا لشيء إلا لعنوان التفسير ولست بهذا أغمط تفسير الخطيب، ولكني أراه ذا اتجاه آخر. أضف إلى هذا أنه يعنى بكتاب التفسير أكثر من عنايته بالمنهج الذي ينتمي إليه هذا التفسير، فهو أشبه ما يكون في جزئه الأول بدراسة لكتب في التفسير أكثر منه دراسة لاتجاهات التفسير، وبينهما فرق لا يخفى.
أما ما عدا ذلك من الدراسات التي اطلعت عليها فهي دراسات غير منهجية أو دراسات خاصة بمنهج واحد من مناهج عديدة.
لهذا، فقد عزمت بتوفيق الله سبحانه على الكتابة في موضوعي هذا "اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري".
مخطط البحث:
وبعد دراسة لهذا القرن الرابع عشر والمؤلفات التفسيرية فيه وبعد سؤال أهل الذكر ومشورتهم، قرَّ قراري على أن تكون خطة البحث في مقدمة وتمهيد وخمسة أبواب وخاتمة كالآتي:
- المقدمة.
- التمهيد: تحدثت فيه عن نشأة التفسير في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ثم المراحل التي مر بها عبر العصور الإسلامية، ثم تحدثت عن مناهج المفسرين السابقين وأهم المؤلفات في كل منهج، قصدت بهذا أن أضع قاعدة ترتكز عليها مناهج واتجاهات المفسرين في العصر الحديث؛ لنعرف من الجديد ما كانت جذوره ضاربة في القديم وراسخة وما كان منها جديدا يزيدها جمالا وبهاء وما كان نشازا منحرفا، ثم تحدثت عن فترة الركود في العالم الإسلامي، حتى عصر النهضة الإسلامية الحديثة ونهضة المؤلفات التفسيرية خاصة والمناهج التي قامت مع قيامها إجمالا.
- الباب الأول: تحدثت فيه عن الاتجاه العقدي في التفسير، وعنيت فيه بالتفاسير الحديثة التي تعنى بإبراز جوانب العقيدة وبيان دقائقها والرد على الخصوم بحيث يظهر فيها طابع الاهتمام ببسط العقيدة التي يعتقدها صاحب التفسير وإن كان لا يهمل إهمالا تاما الجوانب الأخرى.
وتطلب هذا مني أن أنظر في الفرق الإسلامية المعاصرة، الحق منها والباطل، وأن أنظر في النتاج العلمي لهذه الفرق عامة، وفي التفسير خاصة.
أما الفرق فكثيرة وعديدة منها ما هو إسلامي حقا، ومنها ما شطح وانحرف، ومنها ما خرج عنه وابتعد، ولو كانت دراستي هنا دراسة ملل ونحل للزمني الحديث عن كل واحدة منها، وما دام الأمر غير ذلك فإني تحدثت عن الفرق التي لها نتاج في التفسير منشور، ومن هنا فإني تحدثت عن أربع فرق:
أولاها أهل السنة والجماعة، وثانيتها الشيعة، وثالثتها الأباضية، ورابعتها الصوفية، وما عدا هذه الفرق فلم أتحدث عنه؛ إما لأنه اندثر وباد أو لأنه لا نتاج لهم في التفسير أو لأنهم خارجون عن الإسلام بالإجماع كالبهائية والقاديانية وغيرهم.
وعلى هذا فقد جاء الباب الأول في أربعة فصول:
الفصل الأول: منهج أهل السنة والجماعة في التفسير.
الفصل الثاني: منهج الشيعة في التفسير.
الفصل الثالث: منهج الأباضية في التفسير.
الفصل الرابع: منهج الصوفية في التفسير.
ولا أكتمكم حديثا أني عانيت في هذا الباب والباب الأخير -كما سيأتي بيانه إن شاء الله- كثيرا في جمع المادة العلمية أولا ثم قراءتها ثانيا واستخراج مناهجها ثالثا ولا تخفى صعوبة العثور على مؤلفات أرباب الفرق المعاصرة خاصة إذا علمنا أن بعض هؤلاء لا يحرصون على نشر كتبهم ولا على اطلاع غيرهم عليها، بل ولا يسمحون أحيانا لأصحابهم بالاطلاع وقد حدثنا أصغر فيضي مثلا في مقدمته لتحقيق كتاب "دعائم الإسلام" وهو من كتب الإسماعيلية ما لاقاه من صعوبة في جمع المخطوطات حتى إن صاحب إحدى النسخ لم يسمح له بالاطلاع على نسخته إلا لمدة ساعة واحدة ولم يتركه ينفرد بها، بل أقام ابنه على رأسه حتى انتهت الساعة فأخذها منه هذا مع أصحاب مذهبهم، فكيف بالآخرين.
وأضرب مثلا لمعاناتي ما حدث لي في الحصول على تفسير لأحد المذاهب المعاصرة مع أن أتباعه ينكرون التقية ويرفضونها ومع هذا فقد التقيت بأحد علمائهم وشرحت له مهمتي فرفض أن يعيرني أو يقدم لي شيئا من كتبهم واتصلت بالمكتب الثقافي الذي يقوم بطبع مؤلفاتهم ولم أجد أية مساعدة، واتصلت بسفارتهم هناك وكان الصدود المقصود.
وعدت إلى الرياض هنا وكتبت إلى سفارة بلادهم وإلى وزارة التراث القومي عندهم وإلى مفتي بلادهم وفي كل حالة لا أجد إلا الصمت المطبق ثم ومن حيث لا أحتسب، هيأ الله لي الحصول على ما أردت.
ولم ينته الأمر إلى هنا أو لم أشأ أن ينتهي إليه فأردت أن أصل معهم إلى أقصى خطوة فكتبت إلى أحد علمائهم البارزين والمختصين بنشر تراثهم أعرض عليه أن أرسل إليه صورة لما كتبته عن مذهبهم ليبدي رأيه فيما كتبت أو إن كنت
قد قلت عنهم حرفا ليس من بطون مؤلفاتهم أو إن كنت نسبت إليهم عقيدة أو قولا ليس في عقائدهم. ومع هذا فقد كان الجواب الصمت.
كنت أظن الأمر غير مقصود أول مرة وثانيها وثالثها، أما بعد ذلك فقد حسبته غير ذلك، لا تسألونني عن السبب فما زلت أبحث عنه.
عذرا لحكاية حادثة ما دعاني لذكرها هنا إلا أنها ليست حادثة شخصية بل هي حادثة علمية من حق أهل العلم علي أن أنشرها وأن يعلموا بها.
أولئك نفر وذلك موضع واحد من المواضع التي جهدت في الحصول على بعض مؤلفاتهم حتى حصلت عليها، والحمد لله.
أما من لم أحصل على كتبهم، فيرجع سبب ذلك إلى أحد أربعة أسباب:
أولها: أن كتبهم سرية لا يطلع عليها أحد سواهم، كالفرق الباطنية.
ثانيها: أن كتبهم مصادرة أو لم يؤذن لها بالنشر.
ثالثها: أنهم لم يؤلفوا في التفسير أو لم يطبعوا ما تم تأليفه لأسباب خاصة كالزيدية مثلا.
رابعها: قصوري الشخصي الذي لا يمكنني من الاطلاع على كل المؤلفات في التفسير.
هذا ما أردت بيانه في المقدمة فيما يتعلق بالباب الأول ومعذرة إن كان فيه إطالة، فما قصدت إلا البيان.
- الباب الثاني: وتحدثت فيه عن الاتجاهات العلمية في التفسير، وقسمته إلى ثلاثة فصول:
الفصل الأول: تحدثت فيه عن المنهج الفقهي في التفسير، وتناولت كتب تفسير آيات الأحكام.
وفي الفصل الثاني: تحدثت عن المنهج الأثري في التفسير، ونعني به كتب التفسير بالمأثور.
وإن كانت كتب التفسير عامة تكاد لا تخلو من تفسير آيات الأحكام كما أن بعضها يوجد فيه تفسير بالمأثور، لكني عنيت المؤلفات التي اقتصرت على تفسير آيات الأحكام ولم تتناول غيرها في الفصل الأول أو المؤلفات التي أبرزت التفسير بالمأثور وأولته مزيد اهتمام وتتبعته حتى أصبح طابعها العام في الفصل الثاني.
أما الفصل الثالث: فتحدثت فيه عن المنهج العلمي التجريبي في التفسير وهو منهج وإن ضربت جذوره في عصور مبكرة في تاريخ الإسلام إلا أنه اتسع في العصر الحديث اتساعا كبيرا حتى كاد أن يصبح من سمات التفسير في هذا العصر أو كأنه ولد في هذا العصر وقد بينت أصوله التي يضرب بها في العصور السابقة ثم نهضته في العصر الحديث والحدود التي وصل إليها وما لهذا المنهج وما عليه، أو المقبول منه والمردود.
- الباب الثالث: وتحدثت فيه عن الاتجاه العقلي الاجتماعي في التفسير، وإنما مزجت فيه بين صفتين "العقلية والاجتماعية" لأنه قد اشتهرت بهما في العصر الحديث مدرسة واحدة في التفسير هي مدرسة الأستاذ الإمام محمد عبده ولا يعني هذا أن لا يكون قد شاركها أحد في التفسير الاجتماعي الذي يعنى بإصلاح المجتمع وتشخيص عيوبه ثم علاجها على ضوء القرآن وإنما يعني أن هذه المدرسة قد أولت هذا الجانب من التفسير اهتماما خاصا وأنزلته منزلة كبيرة حتى اشتهرت به وعرفت، بل ولقبت به فصار بعضهم يسميها المدرسة العقلية وآخرون يسمونها المدرسة الاجتماعية؛ ولذا رأيت أن أمزج بين الصفتين في اتجاه واحد.
- الباب الرابع: وتحدثت فيه عن الاتجاه الأدبي في التفسير، وفيه فصلان
الفصل الأول: المنهج البياني في التفسير، وتحدثت فيه عن مدرسة أمين الخولي التي اهتمت بهذا اللون من التفسير حتى أصبح سمة لتفاسيرهم، وقام به من بعده تلاميذه حتى كان له أسسه وقواعده.
وفي الفصل الثاني: تحدثت عن منهج التذوق الأدبي للقرآن الكريم ومع ندرة المؤلفات في هذا المنهج، فإن ما أحدثه تفسير سيد قطب، رحمه الله تعالى، من أثر في العصر الحديث ومن تلقي الأمة له بالقبول والرضا يرسم خطوطا واضحة لمنهج في التفسير جديد حتى وإن لم يسلكه حتى الآن إلا مفسر واحد؛ لأن السالك هنا هو سيد قطب، وحسبك به.
- الباب الخامس: "الاتجاه المنحرف في التفسير"
وهذا المنهج وإن كانت ولادته بدأت منذ العصور الأولى في صدر الإسلام إلا أنه في العصر الحديث اتخذ أشكالا وألوانا أخرى؛ ولهذا فقد قسمت الحديث فيه إلى ثلاثة فصول:
الفصل الأول: المنهج الإلحادي في التفسير
وقصرت الحديث فيه على التفاسير المنحرفة لعلماء متخصصين توافرت فيهم أكثر شروط المفسر، ومع هذا جاء تفسيرهم منحرفا ملحدا وينبغي أن أنبه هنا إلى أمرين هامين جدا في هذا المنهج بالذات:
أولهما: أنه يجب التفريق بين التفسير الملحد والمفسر الملحد، فقد يكون أحدهم ملحدا وتفسيره مقبولا؛ لأن الإلحاد جاء في غير هذا الموضع وقد يكون الأمر عكس هذا، فنعرض تفسيرا ملحدا وصاحبه غير ذلك؛ لأنه قال بهذا التفسير من غير أن يعلم ما يوقعه فيه أو ما يلزمه وحين نبه إلى خطئه وضلال تفسيره تاب وأناب، وبقي تفسيره ملحدا.
قصدت من هذا أن أبين أن من الأعلام الذين ذكرتهم من استقام وقد يكون فيهم من رجع عن تفسيره وقد يكون منهم غير ذلك.
ثانيهما: أني تحدثت أولا عن المنهج بعامة، فأجمع فيه الشوارد من هنا وهناك، وقد لا يكون لصاحب التفسير الذي أتيت به غير هذا التفسير، وبهذا فلا يكون من أصحاب المنهج ولا من ملتزميه.
وأضرب لذلك مثلا حين أورد تفسيرا ملحدا لآية قرآنية أو لآيتين لأحمد
حسن الباقوري، فإن هذا لا يعني أن الباقوري صاحب منهج، ولا يعني أنه من ملتزميه بقدر ما يعني أن هذا التفسير لهذه الآية أو لهما تفسير ملحد يدخل في هذا المنهج من غير أن يدخل صاحبه معه في المنهجية والالتزام.
ثم إني تحدثت ثانيا عن أمثلة خاصة للمنهج فذكرت تفاسير التزمت المنهج الإلحادي في التفسير التزاما حقيقيا ليس في آية أو آيات، بل في قدر من الآيات تظهر فيه أسس متكاملة للمنهج الإلحادي، حتى صار طابعها فأصبحت جزءا منه.
هذان أمران أحببت التنبيه إليهما حتى لا يقول قائل: وضعت فلانا مع الملحدين وهو ليس كذلك أو يقول آخر: جعلت لفلان منهجا في التفسير وهو الذي لم يفسر من القرآن إلا آية أو آيتين، ولعل ما أردت بيانه قد بان.
وفي الفصل الثاني: تحدثت عن منهج المقصرين في التفسير وأعني بهم طائفة لم يدركوا شروط المفسر ولم يمنعهم هذا من أن يقولوا في القرآن بغير علم، وإنما سميته بهذا الاسم؛ لأن أصحابه قصروا عن استيفاء شروط المفسر، فكانوا كالقاصر في التصرفات.
وفي الفصل الثالث: تحدثت عن اللون اللامنهجي في التفسير وهم قوم ليسوا من هؤلاء ولا من أولئك حيث جاءوا بتفاسير لا تقوم على سند شرعي ولا على سند علمي آخر، بل جاءوا بها خبط عشواء فلا تناسق ولا تناسب فيما بينها، فهم لا يسيرون على منهج ولا يسلكون دربا واحدا، بل يذهبون يمنة ويعودون من حيث لا يشعرون يسرة، عافانا الله وإياكم من الزيغ والضلال.
- الخاتمة: وفي الخاتمة تحدثت عما توصلت إليه من نتائج وبينت المنهج السليم في تفسير القرآن الكريم، وعن أسس المنهج الذي يطلبه أبناء العصر الحديث والذي يجب -فيما أرى- أن يوليه أصحاب العلم والمعرفة من ذوي الاختصاص عنايتهم، وأن يوجهوا إليه همتهم.
وينبغي أن أشير إلى أمور أرى ضرورة التنبيه إليها هنا في المقدمة، منها: أني
جانبت -ما استطعت- الاستطراد في الأبحاث وكان بإمكاني ما دامت أرض البحث مترامية الأطراف أن أستطرد في أبحاثه وأتوسع إلا أني خشيت أن يكون الاستطراد على حساب المادة العلمية الأصيلة، ولذا فإني اقتصرت في أكثر الأبحاث والمناهج على تقديم موجز لتاريخها والدراسات السابقة لها إن كان لها سابق، ثم ذكر أصولها وقواعدها وذكر أهم المؤلفات فحسب ثم إثبات ذلك بذكر نصوص متفرقة من هذه المؤلفات جميعا حسب أسس المنهج ثم دراسة لتفسير واحد أو لتفسيرين أظهر بها توافر هذه الأسس مجتمعة في كل واحد منهما وبهذا أثبت أسس المنهج أولا ثم التزام بعض المؤلفات به ثانيا وأرى ما نقص عن هذا قصورا حاولت تجنبه وما زاد عليه إطنابا حاولت تلافيه، ولعلي وفقت في ذلك إن شاء الله.
ومما يلزم التنبيه إليه أيضا أني قدمت الاتجاه العقائدي في التفسير وقدمت فيه منهج أهل السنة والجماعة فيه ليكون في أول الدراسة ميزانا يزن به القارئ ما يراه بعد من آراء، ونورا يتبين به معالم الطريق، ومعولا يهدم به صوامع الضلال والانحراف. ولهذا فإني لم أقف كثيرا عند الرد على بعض التفاسير الضالة إذ لو فعلت لجاء البحث بأضعاف حجمه، ولكان فيه من التكرار ما يبعث الملل ويفقد المنهجية فاكتفيت بتقديم بيان المنهج الحق في التفسير وحاولت جهدي أن أبين فيه الحكم الصحيح والتفسير الحق للمواضع التي تعد أصولا لمنهج آخر ليكون ردا متقدما على تفسير أو تفاسير خاطئة متأخرة.
فأذكر مثلا موقف أهل السنة والجماعة من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم- وبه يرد على ما يتلوه من مناهج يقلل أصحابها مكانة الصحابة -رضوان الله عليهم- أو من مكانة بعضهم.
وأذكر مثلا موقف أهل السنة من عقيدة البداء والتقية والعصمة ونكاح المتعة وإن كانت هذه الأبحاث لا تعد من أصول عقائد أهل السنة أو من أسس منهجهم، كرد على من صرفوا آيات القرآن لتوافق ما جاءوا به. وأظن الأمر بعد هذا قد أصبح واضحا.
ومن الملاحظات التي أنبه إليها أني لا أنقل عقائد مذهب وأصوله إلا من مؤلفات أتباعه فلم أنقل عقائد الشيعة مثلا إلا من مؤلفاتهم ولا الأباضية إلا من كتبهم، وهذا أمر واجب في مثل هذه الأبحاث فألزمت به نفسي فالتزمته والحمد لله.
ومنها أني قد أذكر تفسيرا في منهج وأذكره في منهج آخر لا يكون متعارضا مع المنهج الأول. فقد يكون مثلا تفسير "أضواء البيان" للشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى- مثالا لمنهج أهل السنة والجماعة في التفسير ولا يمنع هذا أن يكون مثالا للتفسير بالمأثور؛ لاشتماله على المنهجين وعدم التعارض بينهما. وحين أفعل ذلك فقد يكون الباعث له أحد أمرين: إما قلة التفاسير في منهج فأضطر إلى ذكر تفسير سبق التمثيل به لمنهج آخر، وإما لكون هذا التفسير التزم المنهجين التزاما بينا حتى ظهرا فيه ظهورا أوضح من غيره، فأذكره هنا وأذكره هناك.
ومن ذلك أيضا أنه لم يكن من شأني بطبيعة الحال أن أتحدث عن المفسرين جميعا أو التفاسير كلها، فهذا عمل تقصر عنه طاقتي ويعجز عنه جهدي ويضيق عنه مجال البحث؛ لذلك ذكرت في كل منهج ما يثبت وجوده في فترة البحث ومجاله، ودرست أبرز التفاسير في ذلك وعنيت بالجانب التطبيقي لإثبات ما أقول، حتى لا يكون فيما أسوقه مظنة وقد سُبِقْتُ إلى هذه الطريقة1.
ولذلك قد لا أذكر في كتابي هذا تفسيرا بعينه وإن كان كبيرا ما دمت أشرت إلى غيره مثالا لمنهجه.
ولقد أثار التزام هذه الطريقة كما أثار على غيري ممن نهجوا هذا النهج صعوبات كثيرة، لعل أولها أني لا أكاد آنس إلى طريقة مفسر وأسلوبه حتى تنقلني طبيعة البحث إلى مفسر آخر له أسلوبه الخاص وطريقته الخاصة بل ومذهبه الخاص وعقائده الخاصة، وتلك صعوبة قد لا يعانيها إلا من يكابدها.
1 انظر مثلا: الاتجاهات الفكرية في التفسير: د/ الشحات السيد زغلول ص2. وقد تناول في دراسته التفاسير حتى نهاية القرن الخامس الهجري.
وألفت الانتباه أيضا إلى أني أذكر التاريخ حينا ولا أضع حرف الهاء علامة للهجري لأنه الأصل، وإذا ما ذكرت التاريخ الآخر فإني أذكر حرف الميم.
وأخيرا أحب أن أوضح أمرا هاما كان حقه التقديم إلا أن المسائل زاحمته فزحمته مع أنه قد يثور مع أول كلمة يواجهها قارئ هذا البحث حين يقرأ عنوانه "اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري" ما المراد بالاتجاه؟ وما المراد بالمنهج؟ وما المراد بالطريقة؟
والحقيقة أن تلكم الكلمات الثلاث اصطلاحات حديثة لم أجد لها -فيما قرأت- ذكرا عند أصحاب الدراسات القرآنية الأوائل، وحتى أصحابها في العصر الحديث لا تكاد تجد اتفاقا على معنى واحد لكل منها؛ ولهذا ترى كثيرا منهم يعبر بهذه الكلمة مرة وبالأخرى مرة عن مدلول واحد وترى آخرين منهم يذكرون تعريفا لكل مصطلح منها ويذكر غيرهم غيره.
وعلى كل حال ما دامت هذه المصطلحات لم يقر قرارها، فإن من حقي أن أذكر هنا ما أردت بكل واحد منها.
وإذا كان الأمر كذلك فإن الاتجاه -عندي- هو الهدف الذي يتجه إليه المفسرون في تفاسيرهم ويجعلونه نصب أعينهم وهم يكتبون ما يكتبون، أما المنهج فهو السبيل التي تؤدي إلى هذا الهدف المرسوم، وأما الطريقة فهي الأسلوب الذي يطرقه المفسر عند سلوكه للمنهج المؤدي إلى الهدف أو الاتجاه.
أضرب لذلك مثلا: جماعة يريدون السفر إلى مدينة واحدة، فانطلقوا واتجاههم تلكم المدينة لكنهم سلكوا مناهج مختلفة، منهم من سلك المنهج البري الأول ومنهم من سلك المنهج الثاني ومنهم من سافر جوا ومنهم من سافر بحرا وغير ذلك، وهذه كلها مناهج لاتجاه واحد. أما الطريقة فتظهر حيث إن أحد هؤلاء اتجه اتجاها مباشرا إلى الهدف وجعل آخرون سفرهم سياحة فلا يمرون في استراحة إلا واستراحوا فيها ولا يمرون بمدينة أو بقرية إلا ويتجولون فيها ولا يمرون بروضة أو حديقة إلا ويقضون سحابة يومهم فيها ولا يمرون بوادٍ
أو بجبل إلا ويملئون النظر من تأمله، يفعلون هذا وهم سائرون على المنهج لا يخرجون عنه بعيدا ولا يسلكون منهجا آخر بعيدا عن الهدف.
ذلكم في رأيي هو مثل الطرق الخاصة للمفسرين وإن شئت تطبيقه على اتجاهات ومناهج وطرق المفسرين فإليك البيان:
قد يكون الهدف "الاتجاه" هو مسائل العقيدة وتقريرها وبسط معالمها والذود عنها وما يتعلق بهذا، ويظهر هذا الهدف على مجموعة من التفاسير فيكون الاتجاه لهذه التفاسير "الاتجاه العقدي".
ويسلك كل واحد من هؤلاء المفسرين سبيلا خاصا لتقرير العقيدة، فيسلك أحدهم أصول عقيدة أهل السنة والجماعة فيكون منهجه "منهج أهل السنة والجماعة" ويسلك آخر أصول عقيدة الشيعة فيكون منهجه "منهج الشيعة" ويسلك ثالث أصول عقيدة الأباضية فيكون منهجه "منهج الأباضية" وهكذا.
وقد تختلف طرق هؤلاء في التفسير، بل قد تختلف طرق أصحاب المنهج الواحد، فيبدأ أحدهم بالنص أولا ثم بيان المفردات ثم المعنى الإجمالي للآيات ثم يستخرج أحكامها، ويختلف آخر فيذكر النص أولا ويمزج بين المفردات والمعنى الإجمالي ويتوسع في هذا المقام فيبسط الحديث عند كل قضية ويرد على الشبه أثناء ذلك، ويختلف ثالث فيذكر بعد النص بيان المفردات ويخلطها بشيء من المعنى الإجمالي ثم يعقد الأبحاث المطولة بعد ذلك للقضايا التي تناولتها الآيات، وقد يفسر الآيات مرتبة كما هي في المصحف وقد يختار سورا محددة وقد يختار موضوعا خاصا يجمع أطرافه من مختلف السور، وهذا كله هو ما نقصده بطريقة المفسر.
ولعلي بهذا قد وضحت ما أردت من الاتجاه والمنهج والطريقة، وإن كنت قد خالفت فيه غيري فلا مشاحة في الاصطلاحات.
وقد كتبت ما كتبت، فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان غير ذلك فمني وغفر الله لي.
وجزى الله عني خير الجزاء أستاذي الدكتور مصطفى مسلم محمد المشرف
على هذه الرسالة، الذي وجدت فيه خير معين بعد الله، فقد كان -وفقه الله- دقيق الملاحظة حسن التوجيه ولا نزكي على الله أحدا، فجزاه الله عني خير الجزاء وأجزل له المثوبة.
وجزى الله عني خير الجزاء كل من ساعد على إظهار هذه الدراسة بمساعدتي عند سفرهم لبعض البلدان بالبحث عن كتب معينة وإحضارها لي أو إعارتي إياها وإرشادي إليها وأخص بالشكر سمو الأمير فهد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الذي كان له فضل لا ينكر في ظهور هذه الدراسة، وفقه الله وسدد خطاه.
كما لا يفوتني أن أدعو لوالديّ أن يجزيهما الله عني من الخير أجزله ومن الثواب أعظمه جزاء ما أولياني إياه من حسن رعاية من غير سابق فضل مني ومن غير كلل ولا ملل، فلهما مني الدعاء أن يحفظهما ويمتع بحياتهما ويجعل الجنة ثوابهما وسائر المسلمين.
وختام شكري وخالصه من قبل ومن بعد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير خلقه محمد وصحبه إلى يوم الدين.
فهد بن عبد الرحمن الرومي
الرياض
يوم السبت 12/ 5/ 1405هـ