المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: ضياء الأكوان في تفسير القرآن - اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر - جـ ١

[فهد الرومي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌التمهيد:

- ‌الباب الأول: الاتجاه العقائدي في التفسير

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأول: منهج أهل السنة والجماعة في تفسير القرآن الكريم:

- ‌التعريف بهم:

- ‌نشأتهم:

- ‌عقيدة أهل السنة والجماعة:

- ‌بيان بعض عقائدهم:

- ‌أسس تفسير أهل السنة:

- ‌نماذج من تفسير أهل السنة والجماعة في العصر الحديث:

- ‌نماذج من مفسرى أهل السنة

- ‌مدخل

- ‌أولا: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن:

- ‌ثانيا: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان:

- ‌ثالثا: محاسن التأويل

- ‌رأيي في هذا المنهج:

- ‌الفصل الثاني: منهج الشيعة في تفسير القرآن الكريم

- ‌تعريف الشيعة:

- ‌بداية ظهور التشيع:

- ‌فرق الشيعة

- ‌مدخل

- ‌الإمامية الإثنى عشرية

- ‌الإسماعيلة

- ‌الجمهوريون:

- ‌الزيدية:

- ‌الفصل الثالث: منهج الأباضية في تفسير القرآن الكريم

- ‌التعريف بالأباضية:

- ‌عقائدهم:

- ‌التفسير الأباضي:

- ‌تفسيري: هميان الزاد إلى دار المعاد، وتيسير التفسير

- ‌التعريف بالمؤلف:

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌رأيي في هذا التفسير:

- ‌الفصل الرابع: منهج الصوفية في تفسير القرآن الكريم

- ‌التعريف بالصوفية:

- ‌المراد بالتصوف:

- ‌نشأة التصوف وتطوره:

- ‌عقائد التصوف:

- ‌من شروط التصوف:

- ‌طبيعة التصوف:

- ‌أقسام التصوف:

- ‌موقف العلماء من هذا اللون في التفسير:

- ‌شروط قبول التفسير الإشاري:

- ‌أهم المؤلفات في التفسير الإشاري

- ‌مدخل

- ‌أولا: بيان السعادة في مقامات العبادة

- ‌ثانيا: ضياء الأكوان في تفسير القرآن

- ‌رأيي في التفسير الصوفي الحديث:

الفصل: ‌ثانيا: ضياء الأكوان في تفسير القرآن

‌ثانيا: ضياء الأكوان في تفسير القرآن

المؤلف:

قالوا في تعريفه: إنه العارف بالله تعالى أحمد سعد عثمان علي العقاد.

ولد بمدينة الفيوم سنة 1307، وإنه من سلالة الأولياء والصالحين فقد كان أجداده من السادة الصوفية، ولهم مؤلفات عديدة ومخطوطات كثيرة في كافة علوم التصوف والفقه والتفسير.

وقالوا: إن العناية الإلهية أرادت به أن يلتقي بالعارف بالله السيد محمد ماضي أبي العزائم فوجهه نحو الاستقامة.

والتحق بالأزهر سنة 1324 ولما انتهت دراسته فيه عينته وزارة الأوقاف إماما وخطيبا في أحد المساجد، فاشتغل فيه بالتدريس للعامة.

وله عدد من المؤلفات منها ما طبع، ومنها ما لم يزل مخطوطا.

ومن الأول:

1-

الدين النصيحة.

2-

كنوز العارفين في ميراث الأنبياء والصالحين.

3-

كتاب الهجرة النبوية.

4-

كتاب مواهب الإنسان.

5-

الأنوار القدسية في شرح أسماء الله الحسنى.

6-

السعادة في الدخول من باب التوبة.

ومن الثاني:

1-

ريحانة العارفين في حكمة أحكام الدين.

ص: 395

2-

الشرف الأعلى في إسراء من "دنا فتدلى".

3-

الإنسان الكامل.

4-

مقامات أهل اليقين.

5-

الفقه على المذاهب الأربعة.

وفاته: توفي في 16 صفر سنة 1373 1.

تفسيره:

وأما تفسيره "ضياء الأكوان في تفسير القرآن" فقد صدر منه تفسير الجزء الأول والجزء الثاني من القرآن الكريم، وصدرت الطبعة الأولى سنة 1391 ولم أحصل إلا على الجزء الثاني من التفسير، ويحتوي على تفسير الجزء الثاني من القرآن الكريم.

وقد حدَّد المؤلف في مقدمة الجزء الأول منهجه بقوله: "فقد عزمت -بحول الله تعالى وقوته- على كتابة تفسير للقرآن الكريم يكون سهل العبارة ريّق الإشارة يجمع بين جمال تفسيره وأسرار تأويله متحريا في ذلك الصحيح من الأقوال مجتنبا الحشو، والتطويل"2.

وكتب الدكتور عبد الحليم محمود مقدمة للجزء الثاني جاء فيها: "ولصاحب الفضيلة الشيخ أحمد في تفسيره أنفاس مباركة ولمحات روحية طيبة نابعة من ممارسته للتصوف علما وعملا. وقد شاعت هذه الأنفاس واللمحات في تفسيره؛ فزادته بهجة إلى بهجة ونورا على نور"3.

وقد انتشرت هذه الأنفاس التي أشار إليها عبد الحليم في هذا التفسير وتباعدت، وتتبعت عددا منها وجعلت لها عناوين هي من عبارات الصوفية أولا،

1 انظر ترجمته في آخر الجزء الثاني من تفسيره، ومناهج المفسرين: منيع عبد الحليم محمود ص361 و362.

2 عن كتاب مناهج المفسرين: منيع عبد الحليم محمود ص362.

3 ضياء الأكوان في تفسير القرآن: أحمد سعد العقاد، من مقدمة عبد الحليم محمود ص4.

ص: 396

ويدور عليها الحديث ثانيا، ووردت بحروفها ثالثا، قصدت من إيرادها إثبات نهجه النهج الصوفي في التفسير وهذه بعضها:

التجلي:

في تفسير قوله تعالى: {مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} 1 قال: "ويعني: التوجه للكعبة حق وكأن الله تعالى يقول: أنا الحق وتجليت بنور الحق على الكعبة المكرمة. فالمعظم لها إنما يعظم الحق والزائر لها إنما يزور الحق فبنور الروح ترى الحق متجليا في رسول الله وفي كتاب الله وفي الكعبة المكرمة تجليا خاصا لأهل المعرفة، جعلنا الله ممن خضعوا للحق وعرفوا الحق"2.

الصلاة:

وفي تفسير قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} 3، قال:"وللعارفين مشاهد، فصلاة الجسم بالحركات الظاهرة، وصلاة القلب بالحضور والخشية، وصلاة النفس بالخوف والأدب، وصلاة الروح بشهود الحق متجليا مشهودا بأنواره، حيث أشار لذلك رسول الله بقوله: "وجعلت قرة عيني في الصلاة" فالمؤمن لا تقر عينه ويشرح صدره إلا بشهود مولاه قريبا حاضرا جميلا جليلا"4.

الحج:

وفي قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّه} 5 تحدث عن الحج المعروف عند المسلمين ثم ذكر نوعا آخر من الحج هو الحج عند من سماهم العارفين

1 سورة البقرة: من الآية 149.

2 ضياء الأكوان: ج2 ص14 و15.

3 سورة البقرة: الآية 238.

4 ضياء الأكوان: ج2 ص149.

5 سورة البقرة: من الآية 196.

ص: 397

فقال: "ولكن للعارفين حج آخر يحجونه متى اشتاقوا لحبيبهم وهو حج الروح لا يتكلفون سفرا ولا انتقالا؛ لأن مطلوبهم في أنفسهم وهو القلب الذي هو بيت الله العامر بأسرار الله وأنواره، وقد قال بعض العارفين: عجبت لمن يحن ويرحل لبيت الخليل1 وهو الكعبة، كيف لا يحن ويشاهد العجائب في بيت بناه الرب الجليل وهو القلب والغرض من القلب هو العامر بالإيمان والحب والتقوى والرحمة، فهو كنز السعادة فكعبة الأشباح بمكة المكرمة وكعبة الأرواح معك وهو قلبك، فاحرص على الطواف حول المعاني التي فيك يتجل لك خالقك وبارئك متعنا الله بتلك المعاني"2.

أما نحن المسلمون فنحمد الله أن حمانا من هذه المعاني الضالة التي تمس حرمة بيت الله، وتقلل من شأن ركن من أركان الإسلام لمصلحة شبهة من شبهات الشيطان.

شراب المعاني:

وأشار إلى هذا عند تفسيره لقوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} 3، فقال:"فحرمها الله تحريما كليا؛ لأنه علم من قلوبهم الاستعداد لقبول الأمر وذوقهم لحلاوة المعاني الروحية التي هي ألذ عند النفوس من كل شراب، وهي الراح الطهور التي من شرب منها كأسا هام في الحبيب واطلع على السر العجيب"4.

الذكر:

قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُم} 5 فسر المؤلف الذكر هنا بقوله: "والذكر له ثلاث حقائق: ذاكر ومذكور وذكر. فالذاكر هو

1 تقليل من شأن الكعبة المشرفة التي وصفها الله بالبيت الحرام، وبقوله سبحانه:{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} ، فهل البيت بعد هذا بيت الخليل أو بيت الله؟

2 ضياء الأكوان: أحمد العقاد ج2 ص84.

3 سورة البقرة: الآية 219.

4 ضياء الأكوان: ج2 ص106.

5 سورة البقرة: من الآية 152.

ص: 398

العبد الطائع، والمذكور هو الرب النافع، والذكر صفة تسكن في قلب العبد فتوقظه وتنوره وتشرح صدره وتصله بربه" ثم ذكر صفة الذكر فقال:"والذكر إما باللسان ليذكر غيره، أو بالقلب ليتذكر ما فيه من أسرار ربه وذكر القلب أنفع للذاكر، والكمال أن يجمع العبد بين ذكر القلب واللسان فينفع نفسه وينفع إخوانه، أما ذكر اللسان فهو أن تقول: الله الله بأدب وخشوع حتى يشرق عليك نور الاسم أو تذكر إخوانك بنعم الله وتشوقهم إلى جماله حتى يصطلحوا عليه، أما ذكر القلب فهو أن تفكر وتتذكر ما فيك من روح وعقل وحواس وإيمان وجمال"1.

حقيقة الإنسان:

تحدث بذلك عند تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين} 2 فقال: "ولما كان الإنسان مكونا من حقيقتين: الأولى روحية والثانية بشرية، فالروحية تتنجس بالمعاصي والبشرية تتنجس بالجنابة والحيض والنفاس وجميع النجاسات والعبد لا يؤذن له بالدخول في الحضرة الإلهية إلا إذا تطهر من النجاستين، وتجمل بالطهارتين" ثم قال: "فيعلم من ذلك أن سالك الطريق إلى الله يجب عليه أن يعتني بالظاهر والباطن حتى يتجمل بجمال أسمائه تعالى الظاهر والباطن؛ ولهذا السر قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين} يعني: يا أيها المؤمن لست معصوما من الوقوع في النقائص، فبادر بالتوبة وهي انغماسك في بحر اسمه التواب فتخرج وعليك حلل الجمال والكمال ويمنحك الله الحب بسبب اعترافك بالنقص، وذلك يكون بكثرة تكرار التوبة والتواب هو الذي يشعر بالنقص في نفسه فيجعله يتوب في كل نفس، فينال مقام المحبة فالنقص عند العارفين معراج إلى الكمال" ثم قال: "فاعرف سبيل الوصول إلى مقام المحبة وحافظ على طهارة الضمير وطهارة الجسم فتتمكن من مقام المحبوبين"3.

1 ضياء الأكوان: أحمد العقاد ج2 ص18.

2 سورة البقرة: من الآية 222.

3 ضياء الأكوان: أحمد العقاد ج2 ص118 و119.

ص: 399

جنة الشهود:

وإن شئت أن تعرف بعد هذا رأيه في ثواب التائبين قبل ثواب الآخرة، فقد أورده عند تفسيره لقوله تعالى:{وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} 1 فقال: "وقد ذاق العارفون حلاوة هذا السر، فرجعوا من الأكوان إلى المكون ورجعوا من أنفسهم إلى بارئها، ومن رجع إلى الله بالتوبة فقد وصل إلى الله وقامت قيامته ونصب له الميزان ودخل جنة الشهود وسيدخل جنة النعيم، إن شاء الله بغير حساب"2.

إيلام الحواس:

ذلكم أن المؤلف جرى على نهج الصوفية في اعتقادهم أن إيلام الحواس يوصل العبد للصفات الملكية، وهذا ما زعمه عند تفسيره لقوله تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} 3.

فقال: "والمراد بالجوع الصيام، فإنه يؤلم البشرية ويوصل العبد للصفات الملكية، بل يرفعه إلى الحظائر القدسية" إلى أن قال: "ومن هذه الآية عرف أهل الطريق أن الحس لا يأخذ العبد بشهادته وحكمه فهو كثير الخطأ يرى: اللذة في الأموال والأنفس والثمرات والحق تعالى يراها في المؤلم للحس والمخوف للنفس، فالحس قاطع لطريق الآخرة محجوب بمناظره وظواهره. فكل مؤلم فيه خير كما قال الحكماء: كل مر دواء ومتى انكشفت تلك الحقائق يسجد العبد شكرا لله على عنايته به في البلاء وترتفع ستائر عن النتائج؛ فتزول المرارة وتحل محلها اللذة والبهجة والسرور"4.

ومما لا شك فيه أن هذا ليس هو منهج الإسلام الذي أطلق ميزانه بقوله:

1 سورة البقرة: من الآية 245.

2 ضياء الأكوان: ج2 ص153.

3 سورة البقرة: الآية 155.

4 ضياء الأكوان: أحمد العقاد ج2 ص22 و23.

ص: 400

"عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" 1 وأطلقه بقوله: "وفي بضع أحدكم صدقة" قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام كان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر" 2 وأطلقه بقوة لأولئك النفر الذين قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال ثالثهم: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فأعلنها رسول الحق:"أما والله، إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"3.

هذا هو منهج الإسلام في إيلام الحواس وما أخال هؤلاء الذين اعتقدوا أن إيلام الحواس يوصل العبد للصفات الملكية، ما أخالهم إلا رغبوا عن سنته عليه الصلاة والسلام ولذلك فهم يفرحون ويستبشرون بالابتلاء، ويسألون الله الحفظ إذا وقعت عليهم النعمة، وهذا ما قالوه في الابتلاء.

الابتلاء:

وذلك عند قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} 4.

فقال: "ولا بد أن يكون الاسترجاع بالقلب والروح لا باللسان فقط، فالمؤمن إن أتته النعمة تنبه وخاف أن تكون بلية وسأل الله الحفظ، وإن أتته البلية فرح واستبشر؛ لأن في طيها عطية، جعلنا الله من أهل اليقظة5 والحضور"6.

1 رواه مسلم، كتاب الزهد ج18 ص125.

2 رواه مسلم، كتاب الزكاة ج7 ص92.

3 رواه البخاري، كتاب النكاح ج6 ص116؛ ومسلم، كتاب النكاح ج9 ص176.

4 سورة البقرة: من الآية 155 و156.

5 أهل اليقظة هم الذين يلتزمون حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن المؤمن، أنه إذا أصابته سراء شكر، وإذا أصابته ضراء صبر، ولم يقل: فرح، ويستبشر كما يزعم هؤلاء.

6 ضياء الأكوان: أحمد العقاد ج2 ص25.

ص: 401

الصيام:

والصيام الحقيقي كما يقول في تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل} 1: "والصيام الحقيقي يكون بسبع جوارح: صوم البطن عن الأكل والشراب، وصوم الفرج عن النكاح، وصوم اللسان عن كل ما لا يرضي الله تعالى، وصوم العين عن النظر إلى المحرمات، والأذن عن التجسس على العورات، واليد عن إيذاء الخلق أو كتابة ما يسيء لأحد، والرجل عن السعي إلى ما يغضب الله، وهذا هو الصيام الكامل الذي يجعل صاحبه تتفتح له أبواب الجنان، وتغلق له أبواب النيران"2.

حدود الله:

أما المراد بقربها المنهي عنه في قوله تعالى من الآية السابقة: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} فخصه بأهل اليقين فقال: "يعني: يا أهل اليقين، لا تقربوا الحدود واجعلوا بينكم وبينها سدا من الحلال حتى لا تقربوا منها، ولقد كان بعض الصحابة يقول: كنا نترك سبعين بابا من الحلال مخافة أن نقع في باب واحد من الحرام، والعارفون بالله يرون أن الدنو من المنكر أشد من الدنو من النار الملتهبة أو الوحوش المغتالة أو الحشرات السامة"3.

إتيان البيوت:

المبين في قوله تعالى: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} 4.

فسره بقوله: "وفي الآية إشارة لأهل الذوق والفهم، وهي أن العلوم التي يجب أن يطلبها العبد أولا ويحرص عليها ويجتهد في البحث عنها هي العلوم

1 سورة البقرة: من الآية 187.

2 ضياء الأكوان: ج2 ص64.

3 المرجع السابق: ج2 ص67.

4 سورة البقرة: من الآية 189.

ص: 402

الدينية كعلم التوحيد وعلم الفقه وعلم التصوف، أما بحث الإنسان عن علم الفلك وعلوم الحساب والرياضة والجغرافيا قبل أن يتمكن من العلوم الدينية فهو خطأ، ومثاله كمن يأتي البيوت من ظهورها فكأن الحق يقول: ادخلوا إلى حضرات القرب من باب السعادة والعناية، وهو فهم العلوم الشرعية، ولا تعكسوا الأمر فتطلبوا علوم الدنيا فقط"1.

جهاد النفس:

وتحدث عن جهاد النفس في تفسيره لقوله تعالى: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 2 قال: "ومن أراد أن يذوق حلاوة الجهاد في نفسه فعليه أن يسل عليها سيوف العزم والمحاسبة، ويقهرها في قيود الشريعة حتى لا تلتفت إلى منكر أو محرم وتحيا فيها المعاني اللطيفة فيكون صاحبها فتح الله له باب الملكوت، ونصره على أعدى الأعداء وهي النفس، فإذا حارب الكفار تمت له السعادتان: سعادة النفس والآفاق، فيتجلى له الحق ويأنس بالحق ويزول الباطل، جعلنا الله من المجاهدين في سبيله"3.

منى:

ومنى من المشاعر المقدسة في الحج، لكن المؤلف يفهم منه معنى آخر عند تفسيره لقوله تعالى:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَات} 4 فقال: "لما أكرم الله الحجاج بالوقوف بعرفة ثم الذهاب إلى منى، وفيه الإشارة بأن الله تعالى أعطاهم المنى أو تجلى لهم بسر كرمه وحبه ونوره وظهوره؛ لهذا قال لهم: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَات} "5.

1 ضياء الأكوان: ج2 ص70.

2 سورة البقرة: من الآية 192.

3 ضياء الأكوان: ج2 ص72 و73.

4 سورة البقرة: من الآية 203.

5 ضياء الأكوان: أحمد العقاد ج2 ص83.

ص: 403

أدب الدعاء:

وهي آداب خص بها العقل والقلب والروح، بينها عند تفسيره لقوله تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} 1.

فقال في بيانها: "ونحن نؤمن أن هذا القرب كما يليق بنزاهة جنابه فالعقل نقول له: تأدب واعتقد أن قرب الله هو إحاطة بك وقهر لك تحت سلطانه، فلا تخرج عن الحدود والقلب نقول له: شاهد أنوار الله في آياته الدالة على أنه أقرب إلينا من كل قريب، فالأشياء قامت به وهو قيومها وهي عدم والوجود منه، فإن جاءتك نعمة فهو الموصل لها إليك بالوسائل والأسباب، ونقول للروح: شاهدي أنوار تجليه وظهور معانيه فظهور المعاني يستر المباني ويجعلها أقرب للقلب من كل روحاني وجسماني، وقد وصل العارفون إلى الله على معراج اسمه القريب، فإنهم خشعوا وتأدبوا وشاهدوه قريبا مجيبا"2

الأولياء:

وقد خص المؤلف في تفسيره الأولياء بخصائص وأولاهم عناية كبيرة، وهذه بعض تلك المواضع:

شهادة الأولياء:

يختلف الأولياء بالشهادة عن غيرهم، فغيرهم يستشهد بالقتل في ميدان الجهاد، أما الأولياء فاستشهادهم بالقتل بسيف المحبة وسهام مخالفة النفس وسيف طلب العلم، نص على هذا عند تفسيره لقوله تعالى:{وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} 3 حيث قال: "والأولياء لهم قدم صدق في هذه الحياة، فإن منهم من قتل بسيف المحبة، ومنهم من قتل بسهام مخالفة النفس، ومنهم من قتل بسيف طلب العلم والسهر في تحصيله والتلذذ به ونسيان

1 سورة البقرة: من الآية 186.

2 ضياء الأكوان: أحمد سعد العقاد ج2 ص61.

3 سورة البقرة: الآية 154.

ص: 404

البشرية فيحييهم الله في برازخهم، ويكتبهم عنده شهداء، جعلنا ممن استنارت بصائرهم فشاهدوا تلك الحقائق"1.

زيارة الأولياء:

وهو لا يحث على زيارة الأولياء فحسب، بل يوجب إعانة زوار الأولياء وتقديم المال والطعام اللازمين لهم، وعد زوار الأولياء من أبناء السبيل الذين تدفع إليهم الزكاة المستحبة والواجبة "وساوى" بين المسافر الذي يطلب العلم والمسافر الذي يزور الأولياء، قال بهذا عند تفسيره لقوله تعالى:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ..} 2 الآية، ففسر ابن السبيل بقوله:"وابن السبيل هو المسافر الذي يطلب العلم أو يزور الأولياء أو ينظر في آيات الله أو يتعرف بإخوان المؤمنين، فله حق على من نزل بهم أن يكرموه ويدخلوا عليه السرور ويعطوه مما أعطاهم الله" ثم قال: "وإذا دعا ابن السبيل لمن أكرمه استجاب الله دعاءه، فهو من رتبة المهاجرين الذين تركوا الأوطان والخلان"3.

رياض الأولياء:

ولم يكتف بوجوب إعانة زوار الأولياء، بل جعل رياض الأولياء من الأماكن الطاهرة التي تستجاب فيها الدعوات، فقال:"والأفضل أن يتحرى العبد أوقات الإجابة كوقت السحر والأماكن الطاهرة كالمساجد ورياض الأولياء، ويقدم التوبة والاستغفار ويتوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم ويرفع شكواه إلى الله معتقدا في نفسه أنه كالغريق، ولا يأخذ بيده إلا مولاه القادر"4 ومن المعلوم أن التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز أيضا.

1 ضياء الأكوان: ج2 ص21.

2 سورة البقرة: من الآية 177.

3 ضياء الأكوان: أحمد العقاد ج2 ص49.

4 ضياء الأكوان: أحمد العقاد ج2 ص61.

ص: 405

ذنوب الأولياء:

ولكن والحق يقال لم يعتقد العصمة للأولياء، ونص على هذا عند تفسيره لقوله تعالى:{فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُم} 1 فقال: "فإذا وقع من الولي ذنب فلا تعرض عنه؛ فإنه يذنب ويتوب، ومن اعتقد العصمة في الأولياء فقد أخطأ، فاقتدِ برسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الإمام المعصوم"2.

وإلى هنا نكتفي بما ذكرنا من تفسيره الصوفي، ولعل فيه إن شاء الله كفاية لمرادنا.

1 سورة البقرة: من الآية 187.

2 ضياء الأكوان: أحمد العقاد ج2 ص64.

ص: 406